الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ورقة موقف بخصوص قانون الضمان بقلم: إحسان محمد أبوشرخ

تاريخ النشر : 2018-12-27
ورقة موقف بخصوص قانون الضمان بقلم: إحسان محمد أبوشرخ
     ورقة موقف (1) ...

قانون الضمان الاجتماعي .. طَبَّخَ حصَى

المستشار القانوني: إحسان محمد أبوشرخ

في ظل الواقع الفلسطيني الاستثنائي والمتداخل من حيث المصالح والأطراف المتحكمة في قضاياه العامة، وتحت وقع الانقسام واعتباراته المنحرفة، أصدر الرئيس محمود عباس بناء على مقترح قدمته الحكومة الفلسطينية قانون الضمان الاجتماعي بمخرجات غير موفقة وتجافى مقاصد القانون والحقوق التي من المفترض أن تعتبرها وتحميها كسلطة وطنية تعمل على تأمين مواطنيها، ومن سخرية القدر ان هذا القانون وحد ضده من يفترض بهم تناقض المصالح والمواقف في إطار هذا القانون! فاجتمع رأس المال والعمال على رأس القانون المذكور، الذي ألقى بثقل التزامات هذا القانون على كاهل كلا من أصحاب العمل والعمال وأعفى الحكومة صاحبة الالتزام الأصيل لتنفيذه، كما أن الحكومة لم تفلح بالإحاطة بمتطلباته ومحظوراته، وأفقدته أهم خصائصه كقانون حماية، متأثرةً بمفاهيم المنفعة الحدية والخصخصة الربحية، وكأنه صدى لمصالح بعض المتنفذين.

فلماذا حدث ذلك؟ وكيف زُج بقانون حماية فقراء العمال والأمان الاجتماعي الى مربع قيم الاستغلال والربحية؟ هذا التساؤل يدفعنا نحو الخوض في قانون الضمان الاجتماعي الصادر بقرار رقم (19) + (20) +(21) للعام 2016م، وتحليل أحكامه وآثاره كقانون سيادي على النحو التالي/

أولا: دور السلطة في قانون الضمان الاجتماعي -الهروب الكبير /

- الضمان الاجتماعي أحد تجليات الفلسفة السياسية والثقافية التي تقوم عليها الدول، واحد صور الشراكة بين مكوناتها، وهو كذلك أداة حماية وإسناد مباشرة للمعوزين والفقراء من شرائح العمال، واعمالا حيويا لحقوق المواطنة ومجموعة الالتزامات التي تقع على عاتق الدولة تجاه مواطنيها، بالإضافة الى كونه تطبيقا عمليا لمبدأ التوزيع العادل للثروة.

- وبذلك المعنى أخذت به كلاً من النظم الاشتراكية والرأسمالية على السواء وحولته لنظام قانوني، باعتبار أن الدولة تحتكر الموارد القومية وتنفرد بإدارتها، فهو يتضمن قواعد آمرة لها أولا، بغرض احاطة الفرد بالأمان الاجتماعي، ودرء مفاسد ومخاطر التنكر له من الدولة، وتوفير الحد الأدنى من مقومات العيش له وقت العوز والعجز، وقد أكدت على ذلك المعنى منظمة العمل الدولية والقوانين الدولية ذات العلاقة وكذلك فعلت وثيقة الاستقلال المعلنة في الجزائر والقانون الأساسي الفلسطيني، وعليه استقر عرف الدول وفقهها القانوني دون اعفاء العمال وأصحاب العمل من مسئوليتهم عن المساهمة في ذلك الالتزام وفقا للمبدأ الحقوقي الانصاف لا المناصفة.

بناء عليه تطلع الدولة بمهمتين منفصلتين وغير اعتياديتين عند تنفيذ هذا القانون دون غيره على النحو التالي/

المهمة الأولى "المساهم أو الشريك" كونها طرف إنتاج وتمثل المجتمع صاحب المصلحة الأولى في وجود وتنفيذ وديمومة قانون الضمان الاجتماعي، بالإضافة لكونها كما أسلفنا المتصرف في الجهد القومي والموارد العامة وبموجب ما سبق نشأ التزام على عاتقها كمساهم رئيسي في موارد صندوق الضمان الاجتماعي، فأصبح ثلاثي (الدولة -أصحاب العمل –العمال) هو الأساس البنائي لقيام واستمرارية الضمان الاجتماعي.

المهمة الثانية "سلطة الحماية أو الضامن" وهو الدور الاعتيادي التي تقوم به الدولة تجاه كافة قوانينها، حيث تتمثل تلك المهمة في اصدار القانون وسلامة نفاذه وحماية المال العام ومنها أموال صندوق الضمان الاجتماعي، كما تكون لها صفة الضامن لسلامة أوجه الصرف والاستثمار وتعثر عمل الصندوق، باعتبارها الممثل المنفرد للنظام وسيادة القانون وقوته الجبرية، تماما كما هو الحال مثلا في دورها تجاه البنوك والمصارف العاملة على أراضيها وضمان الودائع والمصالح المالية لمواطنيها في تلك المؤسسات المالية.

- تأسيسا على ما سبق وبمراجعة نصوص قانون الضمان الاجتماعي الفلسطيني رقم 19 لسنة 2016، نجد الحكومة الفلسطينية مستدركة لذلك المعنى ومجتهدة في الهروب منه، ومكتفية بدور "شرطي المرور" او المراقب!! بالمقابل اعطى مجلس الوزراء لنفسه سلطات التحكم بمؤسسة الضمان الاجتماعي ورئاسته، وتعاود استنساخ ذات العلاقة القانونية التي اعطت للحكومات الفلسطينية السابقة نوافذ التصرف دون ضوابط بأموال الصناديق السيادية الفلسطينية، منها صندوق التقاعد الذي بلغ حجم مديونته على السلطة مليار ونصف المليار دولار أمريكي. 

- هذا عوار قانوني جوهري موجب للتعطيل بمفرده إن تمسكت الحكومة به دون دور الشريك او المساهم، فهو يجرد القانون من غاياته وعلل أحكامه، فالتزامها يجب ان يشمل المساهمة النقدية المباشرة في أموال صندوق الضمان الاجتماعي، وهذا ليس منة من السلطة التي تدير المال العام، كما أنها هي صاحبة المصلحة الكبرى في وجود ونفاذ هذا القانون وعليها يقع عبء المساهمة الكبرى والمسئولية الأولى في نجاحه وسلامة تطبيقه واستمراره، ولا يحق لها الاستئثار بالمال العام وقراره وكذلك مؤسسة الضمان وصندوقه بالمقابل تتنصل من التزاماتها الاصيلة في هذا لإطار.

ثانيا: قانون الضمان تعدى منظم على حقوق الشعب الفلسطيني /

- في اب 2013 صدر تقرير "المراقب الاقتصادي والاجتماعي" عن معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني، وقد حاول التقرير الإجابة عن سؤال جوهري هو "أين تذهب الاستقطاعات من أجور العمال الفلسطينيين في إسرائيل في الفترة الممتدة ما بين العام 1970حتى عام 1993 وكذلك من الفترة 1994 حتى الان"؟ ودون الغرق في التفاصيل يخلص التقرير الى شواهد وأرقام كبيرة يمكن لأي مختص عند احتسابها وجمعها "جزافيا" وبالحدود الدنيا للأرقام المذكورة في هذا التقرير اليتيم، الى أن العوائد المالية للعمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر قد تتجاوز حدود الـ20 مليار دولار أمريكي.

- ووفقا لاتفاقية باريس الموقعة بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال فان من شروط الحصول على تلك الأموال إصدار قانون الضمان الاجتماعي وإنشاء مؤسسة مستقلة له، ليتم بعدها تحويل تلك الأموال المستقطعة لصالح السلطة وحكومتها، وبحسب اتفاقية "البنك الحافظ" التي وقعت بين بنك فلسطين ومؤسسة الضمان الاجتماعي الفلسطيني (البنك التي ستحفظ به أموال صندوق الضمان) بالتالي فان تلك الأموال ستورد الى بنك فلسطين الذي يرتبط بعلاقات معلومة للكافة برئيس مجلس إدارة الضمان!

- وعليه ووفقا للنصوص القانونية التي تعالج تلك المسألة نجدها بحاجة ماسة خالية لضوابط التصرف بهذه الاستقطاعات ومآلاتها تحديدا وتفصيلا، وكذلك الضمانات الضرورية لحماية أموال الصندوق كما حدث مع الصندوق القومي لمنظمة التحرير مثلا، أو أموال موظفي غزة ابان الحكم المصري ما بين العام 1956 حتى العام 1967، بالإضافة الى مستحقاتهم ما بين 1967 وعودة السلطة؟

- لم يقطع قانون الضمان الشك بالنص الصريح على اعتبار تلك الحقوق فردية لصاحبها الحق في التصرف بمدخراته وتوريثها، وباستخدام المصطلحات "حمالة الأوجه" تبرر هذه "السقطة القانونية" بأن القانون أسس على "مبدأ الإعالة" بمعنى – حولنا الحق الفردي لحق مشترك لضمان استمرارية الموارد والتدفق النقدى! فهل من القانون والعدالة انتزاع الحقوق الاصيلة للفرد وتحويلها لحقوق تضامنية؟ أو لتغطية التزام يقع على الحكومة أولا ولا يقع في ذمة العامل؟ ثم أن هذه حقوق مكتسبة لا يجوز انتزاعها أو الالتفاف عليها، فهي تعلو على باقي الاعتبارات، وهل مبدأ الإعالة له تطبيقات في هذا القانون أي أنه انعكس فعيلا كحقوق أو امتيازات لصالح مستهدفين لم يلتزموا بمساهماتهم في الصندوق وفقا للقانون؟ أم أننا أمام مبدأ "ان تحققت حياة العامل أخذ بما ساهم فقط وان توفى فلنا الأجر وبما ساهم"؟!

- إن من يحرص على استرداد حقوق العمال لدى دولة الاحتلال وهذا امر محمود، عليه ان يفكر بنهج الدولة ومفاهيم الحقوق والواجبات، وبأدوات قانونية مشروعة، كما عليه ان يضمن مخرجات عامة تعود بالنفع العام، فهذه حقوق تتعلق بالشعب الفلسطيني ويناضل من أجلها منذ سبعون عام وأكثر وعلى مُعتلى النفس ضبط ايقاعهم على حمايتها ونقلها اليه.

ثالثا: قانون الضمان انقسامي ويتجاهل المزيد من قطاعات الشعب الفلسطيني/

بدون تنظير أو انزلاق في غياهب كلمات ومصطلحات الانقسام والتمييز، نريد أن نطرح في هذا المحور عدد من الأسئلة التي يستطيع أي فلسطيني الإجابة عليها، وبالتالي الوصول الى تلك الخلاصة بان قانون الضمان الاجتماعي قانون يعزز الانقسام لا التضامن.

1. أين المحافظات الجنوبية وتمثيلهما الحقيقي ومشاركتهما في القانون من المرحلة الأولى لإعداده حتى الان؟

2. ان استقطاعات العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر تتراكم منذ العام 1970م، وقد أنشأت السلطة عام 1993م وحررت اتفاقية باريس في العام التالى، بالرغم من ذلك صمتت السلطة ما يقارب ال25 عام فلماذا حدث هذا؟ وما هى مسوغات الاستعجال لدى السلطة الفلسطينية على اخراج هذا القانون الان؟ ولماذا اختارت هذا التوقيت لتمريره رغم ما يحيط الوضع الفلسطيني من تعقيدات وعقبات انفصالية؟

3. ما هي أدوات تنفيذ القانون في أجزاء متعددة من الوطن ومنها قطاع غزة في ظل انقسام الحالة الوطنية ومؤسساتها الدستورية؟

4. كيف سيحصل العمال الغزيين وورثتهم على حقوقهم المالية المترصدة لدى مؤسسة الضمان الاسرائيلية؟

5. كيف ستتم الاستقطاعات من أصحاب العمل والعمال في قطاع غزة؟ وكيف سيحصل العامل على حقوقه؟ عبر السوشل ميديا مثلا؟!

6. حال قيام نزاع حول القانون بين العمال وأصاحب العمل او مؤسسة الضمان أو العكس، من هي الجهة القضائية التي ستفصل في ذلك النزاع؟ قضاء غزة أم رام الله أم القضاء الاسرائيلي؟ ولماذا لم ينظم او يؤسس قانون الضمان لمحاكم خاصة به.

7. أين التمثيل الجدي لمؤسسات ونقابات العمال ورجال الاعمال في قطاع غزة والخليل ونابلس في مؤسسة الضمان ولجانها المتخصصة، ولماذا تستحوذ المحافظات الشمالية على الأغلبية في المشاركة والتمثيل؟ ومن هي الجهة التي عينت العاملين بها او مجلس الإدارة؟ أليست الحكومة في رام الله بناء على علاقات خاصة؟

8. ماذا لو قام وزير العمل "رئيس مجلس إدارة مؤسسة الضمان" باختراق القانون كما فعلت حكومته ولازالت بالموظفين الحكوميين من غزة، وما هي أدواتهم دفاعهم؟

9. كيف ستمارس الرقابة قضائيا وتشريعيا وشعبيا على هذا القانون وصحة نفاذة ومنع تفشي الفساد المحتمل.

10. ما هو الموقف القانوني حال انتخاب مجلس تشريعي جديد ووضع على طاولته هذا القانون؟ وما هو مصير المراكز القانونية التي نشأت عنه؟

رابعا: قانون الضمان مجرد من روح العدالة ويجافى قواعد الانصاف/

- ان نظم القوانين وإصدارها ليست عملية ترتيب نصوص جوفاء أو صياغة منمقة، ولا يجوز أن تخفى في بواطنها الاستلاب والتعدي على الحقوق، وليست قواعد تغول لجنى الأرباح والعصف بالآخر الضعيف ومكتسباته المشروعة، هي مهمة شاقة تتحرى العدل والضبط والبلاغة وعمق المشروعية والتوازن بين الحقوق من على سطح المسئولية الأخلاقية، ولأجلها شيدت السلطة التشريعية في كل المجتمعات البشرية قديما وحديثا.

- ولعل من الطبيعي أن يفتقر قانون الضمان الفلسطيني لكل المعاني الواجب توفرها عند اعداده وهو ليس بأي قانون! انه قانون سيادي ينشأ مراكز قانونية حساسة على المستوى الفردي والجمعي والرسمي وغير الرسمي، يحتوي حقوقا متعددة ومتناقضة بطبيعتها ويتحكم بمصير ومصائر شرائح واسعة من الشعب الفلسطيني بشكل مباشر وغير مباشر، فهو لم يمر باليات التشريع، كما استبعدت قطاعات ومؤسسات وجهات اختصاص كثيرة عند اعداده ولم تمثل المؤسسات القانونية والحقوقية على المستوى الرسمي والمجتمع المدني وخبراء الاقتصاد والاستثمار، فوضع وأقر وكأنه طبخ حصي على عجل لتحقيق غاية انية مؤقتة ولفئة معدودة من الأشخاص، ولا يمس مجتمع بكامله وحقوق شعب وكأمثلة على ذلك نورد التالي:

مبدأ الانصاف/ حاول واضعوا قانون الضمان تبرير بعض احكامه وخاصة نسبة المساهمة لكلا من العمال ورأس المال في موارد الصندوق بحجة الانصاف بينهما، وقد جرى العرف القانوني في كافة الدول أن تكون مساهمة رأس المال مضاعفة عن نسبة العامل، وهذا خلط مقصود فالإنصاف في الفقه القانوني وعند المشرعين يعنى التوازن بين التزامات أطراف أي علاقة قانونية لا التسوية بينهما، وفقا للمركز القانوني لهما ومقدار العوائد النفعية او المالية عليهما، وهذا المعنى يختلف في جوهره ومخرجه عن معنى المناصفة والتقاسم الذى عمل به فعليا قانون الضمان الاجتماعي الفلسطيني، فليس كل مناصفة عدل وليس في كل مساواة حق، كما يؤكد ذلك المقارنة ما بين قانون العمل الفلسطيني وقانون الضمان حيث لم يضيف الأخير للعمال أي امتيازات ملموسة لهم.

مبدأ الاستدامة/ وقصد بهذا المبدأ استدامة عمل المؤسسة ومواردها والوفاء بالتزاماتها، وهو في حقيقته مجرد تبرير لوضع اليد على الأموال التي ستفيض بفعل الموارد المتعددة للصندوق وخاصة أموال عمالنا في إسرائيل، واسقاط الحق في توريث العمال لحقوقهم المالية لدى الصندوق، علما أن الديمومة ستتحقق بفعل الالتزام بتسديد الاستقطاعات ومدى التزام العامل وأصحاب العمل بها، فمن لا يساهم لا ينشأ له حقوق، كما ان الديمومة في معناها القانوني هي ضمان تغطية العجز المالية واستمرار نفاذ القانون وعمل المؤسسة القائمة عليه، وهذا يتحقق بتحمل الدولة لمسئوليتها وتغطية النفقات التشغيلية للمؤسسة والحاجة المالية لاستمرار الوفاء بحقوق العمال ان أصاب المؤسسة اخفاق في استثمار أموالها او فساد اعترى عمل القائمين عليها.

السؤال الرئيس في هذا السياق:

- ماذا سيكون عليه الحال فيا لو تم التوسع في الحالات التي يغطيها صندوق الضمان وشمل حالة البطالة؟ هل ستغطي أيضا من مساهمات العمال الملتزمين للصندوق ؟؟ وماذا لو حدثت خسائر فادحة (لا سمح الله) في الاستثمارات التي ستنفذ بأموال الصندوق؟ ألن تحدث تلك الاحتمالات خللا كبيرا يوجب تدخل الحكومة وتغطية العجز المالي الذي يلحق بصندوق الضمان؟ أم ان واضعي قانون الضمان ليس حاضرا في ذهنهم عند اعداد القانون انه قانون البطالة والحماية والعجز؟؟.

- ام أن المروجين للقانون سيتوقفون في التعاطي مع العامل الفلسطيني عند ذات الحدود التي تعامل بها القانون الإسرائيلي معه؟! أي دون حالة البطالة ومدفوعات التقاعد الإضافية والطفولة والضمان الصحي وغيرها من الحقوق التي يتمتع بها العامل الإسرائيلي دون الفلسطيني على اعتبار ان الأخير مواطن درجة ثانية أو غير مقيم في "دولة إسرائيل"؟! وغير مؤهلين للحصول على باقي الحقوق التقاعدية المذكورة فهل اتى قانون الضمان الفلسطيني ليؤكد على ذات المعنى؟!

- وفيما يتعلق بمؤسسة الضمان من حيث تكاليف تأسيسها ومصاريفها التشغيلية وسلم رواتب العاملين بها وبدلات مجلس ادارتها، ألا يفترض عدالةً أن تكون التزاما مباشرا على الحكومة؟ وأين هي لوائح تنظيم عملهم ورواتبهم؟ وإذا قرر القانون انها على حساب العمال وسيقطعها من مستحقاته فاين الإضافة فيه؟

- من زاوية أخرى أليس الانصاف يقتضي العمل وفقا لمبدأ المساواة بين المواطنين ومستوى المعيشة لهم وفقا لمعيار الحد الأدنى، أسوة بالحقوق التقاعدية التي يتحصل عليها الخاضعين للتقاعد العام وفقا لأحكام قانون التقاعد العام رقم (7) لسنة 2005، وكذلك قانون التأمين والمعاشات لقوى الامن الوطني رقم (16) للعام 2004.

خامسا: النقابات العمالية انفصال عن القواعد والتصاق برؤية الحكومة/

- لعل من أهم الإشكاليات التي برزت في سياق مشوار هذا القانون هو غياب الجهة التي تحمل رؤية العمال وهمومهم ومخاوفهم، وتعرت حقيقة عدم وجود قواعد لتلك النقابات وفقدان الثقة بها كإطار تمثيلي جامع، وأنها امتداد للكيانات الفلسطينية المهترئة في الأراضي الفلسطينية بفعل الانقسام والاستقطاب الحزبي، لدرجة ان التظاهرات التي انطلقت ضد القانون حملت الغضب العلني ضد الشخصيات النقابية النافذة التي يعتقد أنها مكنت الحكومة من تمرير القانون وقصرت في الدفاع عن حقوق المتظاهرين.

- لقد انعكس ضعف بل وغياب التمثيل الجدى والحضور الشكلي للنقابات العمالية والمهنية بشكل مباشر على أحكام القانون، من خلال فرض رؤية الحكومة بالكامل وعدم التمسك برؤية العمال ومصالحهم المعتبرة قانونا وشرعا، والجنوح نحو رغبات الحكومة الجامحة في تمرير القانون باي شكل من الاشكال ولو على حساب العمال وحقوقهم، وهذا يبرر الحجم الكبير من المآخذ على القانون حد السخرية كمساهمة العامل "الذكر" في "إجازة الولادة!"، والسماح للحكومة بالهروب من مسئوليتها الجوهرية في القانون والخضوع التام لمفاهيم التسوية العشائرية التي فرضتها الحكومة عبر وزارة العمل لتجاوز العثرات التي اعترضت نضوجه، كنسب المساهمة بين العامل وصاحب العمل، كما لم يحاول ممثلي تلك الأطر النقابية الاستقواء بالعمال او استثارتهم لجهة حقوقهم.

- من جهة أخرى وقبل ان ندخل الى الاستفهام الكبير عن حقيقة تمثيل العمال في مؤسسة الضمان ولجانها، نريد أن نسأل أولا/ هل مجالس ادارة النقابات العمالية وكذلك المهنية باستثناء نقابة المحامين وليدة عمليات انتخابية او ديمقراطية توافقية على الأقل؟! من عين بالأساس تلك المجالس ومن أعطاها صفة تمثيل العمال، هل المنطق والقانون يسمح بان يكون "مثلا" موظفا حكوميا بدرجة مدير عام ممثلا للعمال؟ بل ان جميع مجالس إدارة النقابات العمالية في غزة مثلا موظفين حكوميين!! للأسف نحن نعاني غياب كامل للمجتمع وقطاعاته ولا يخفى على أحد ان كل تلك الاجسام ترفعها الاعتبارات الانقسامية والحزبية ورغبات الأبواب المغلقة.

عوداً على بدأ ... هل التمثيل البنائي للعمال في إطار مؤسسة الضمان الاجتماعي كافي ويوازن المصالح المعتبرة لهم؟ أليس الصندوق أموالا خالصة للعمال أولاً؟ وهل فعلا مجلس إدارة مؤسسة الضمان صاحب قرار في ظل رئاسة وزير حكومي له؟ بالإضافة لعضوية 4 أخرين من الحكومة في هذا المجلس؟ ومن يراقب عمل تلك المؤسسة ككل والية تشكيل لجان عملها والموظفين بها ومن وظفهم؟

- لا اجتهاد في الواقع العملي وصراحة النص فهناك خلل قانوني بارز في موازنة حضور وتأمين مصالح العمال بهذه المؤسسة والشراكة الجدية في عملها، وقد بدا أكثر وضوحا من الناحية الفعلية على أرض الواقع بتحقق غياب العمال وانفراد من هم موظفين في الحكومة بالمؤسسة، وما واقعة تعيين الحكومة للسيد ماجد الحلو مديرا عاما لصندوق الضمان واستقالة السيد أسامة حرز الله الا تأكيدا لذلك الواقع والنتيجة.

عند هذا الحد نعاود التأـكيد على أننا مع قانون ضمان اجتماعي فلسطيني يضمن مصالح المجتمع والعامل صاحب العمل، كما أننا لنا ضد العمل على استعادة حقوق واموال أبناء شعبنا لدى الجانب الإسرائيلي ، وهذا لا يتناقض مع القول باننا بحاجة ماسة لاستئخار نفاذ قانون الضمان الاجتماعي رقم (19) لسنة 2016م، وإعادة النظر به وبفلسفة أحكامه بما يحقق الأهداف التي ترجي منه، ووضع الضمانات الكافية للعمال وسوق العمل، والضمانات الكافية للمجتمع الفلسطيني لحماية تلك الأموال، ووضع الحكومة امام مسئوليتها في سياق هذا القانون، وذلك لن يتحقق الا عبر توسيع المشاركة الاجتماعية والنقابية والمتخصصة من رجال اعمال وعمال ورجال اقتصاد وفقهاء قانونيين، والتدقيق اكثر بصحة تمثيل العمال وأرباب سوق العمل، وضمان عدالة التمثيل من حيث التوزيع الجغرافي والشرائح التي يمسها هذا القانون، هذه الوجهة هي الجدار الصلب الوحيد الذى يمكن لنا الارتكاز عليه للسير قدما نحو قانون ضمان اجتماعي حقيقي ومنصف للشعب الفلسطيني، خاصة مع تراجع المؤسسات الفلسطينية الرسمية وحالة الانهيار المتلاحقة للنظام السياسي الفلسطيني وليس آخرها غياب السلطة التشريعية وتصاعد الانقسام، علما أننا سنناقش فيما بعد العديد من احكام قانون الضمان التفصيلية محل الجدل والمظلومية فيما بين أطراف القانون.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف