حسناً، سأكون صادقةً ولن أنكر أنَّي تكلَّمت مع باب غرفتي. نعم لقد كان الأمر ضروريَّاً، ولستُ غبيَّةً حمقاء. أظنُّه معجبٌ بي، فكلمَّا ألج غرفتي يمسكني بمقبضه ويجرُّني إليه كأنَّما يريد أن يهمس بأذني شيئاً، لكنّه لم يفعل. أعتقد أنّه خجولٌ بعض الشَّيء. أتعلمون؟! أظنُّه هائمٌ بي، نعم، فهو ليس فقط يجذب قميصي بمقبضه، بل يرتطم عن قصدٍ بإصبع قدمي الصَّغير، في البداية كان الأمر مؤلماً، لكنِّي اعتدتُّ أن يداعب طرف قدمي بزاويته المدبَّبة. أمّا عن أهلي _إن صحَّت تسميتهم كذلك_ فقد كرهوه كلّ الكره، وأكنُّوا له بغضاً شديداً. لطالما حاولوا إجهاض حبِّي له، لكن كلّ محاولاتهم باءت بالفشل الذّريع. ففي كلِّ مرَّةٍ يثبت لي عزيزي أنَّه بطلٌ لا يمكن لأحدٍ ردعه.
ثمَّ ولمَ الاستغراب، فهو يغار علي كثيراً، كلّما أردت تبديل ملابسي، يرتطم مغلقاً نفسه بقوَّة، أظنُّه لا يريد أحداً أن يرى فاتنته، أمّي تقول أنّه يُغلَق تلقائيَّاً بفعل الرّياح، لكنّي لا أصدق ذلك، نعم فهو يخبرني بأدنى تفاصيله، أسمع في صريره كلّ شيء. كلامه منطقيٌّ دائماً، لكن لا يخلو من حسِّ الدُّعابة.
في أحد الأيَّام حدَّثني عن موقفٍ حصل له بينما كنت غاطّة في نومي. قال أنه كان يتأمّلني طيلة الوقت، لقد وصف وجهي كالبدر المضيء في ليلةٍ شديدة الاسوداد، قسمات وجهي كأنّما قُبلات الملائكة كلّها حطَّت عليه، وعن وجنتاي فالورد مُقتَبِسٌ لونه منهما، والعينان آهٍ من العينين، بحيرتان من العسل فيهما ترقدان. أمّا أهدابي فكأنّما ستارٌ أُسدِل على تلك البحيرتين. وبينما هو يتأمّل جميلته سقطت إحدى مسامير مقبضه، فسقط المقبض ولم يستطع الحراك. مسكينٌ ذلك العاشق، أكلُّ ذلك لأنَّه قد أُغشى عليه من جمالي؟! حسناً أعترف بأنّي فاتنةٌ، لكنّي حزنت عليه أيَّما حزن، أبي قال أنّه من البديهيّ حصول ذلك، فالباب قديمٌ جدّاً ولم يعد قوياً كما كان في سابق عهده. أمّا أمّي فتضع اللّوم على أخي بأنّه لم يحكم رصَّ المسامير جيّداً في آخر مرة وقع فيها. يالهذا التفكير كم هو منطقيّ. رجاءً فلتدعوا بابي وشأنه.
يومٌ تلو آخر وأنا ازداد تعلُّقا بفاتني، كم تغيّبت عن جمعات عائليّة، حفلات، وأحياناً كثيرة لم أعد اطيق الدّراسة. أصبحت أكره أصدقائي، أسرتي، العالم الفوضويّ بالخارج، ففي حضرته عالمٌ آخر، بعيدٌ كلَّ البعد عن الخداع والبغض. لقد نعتوني بالمعقدّة نفسيّاً، المتوحدّة، المجنونة، كل ذلك لانّي أغلق الباب وأجلس وحدي برفقته، حسناً لم اكترث لذلك، فالجلوس مع ذلك الذي تنعتونه بالجماد أفضل بكثير من الجلوس مع حفنة من عديمي الفائدة.
أمّا عن يوم المصيبة، يومٌ تقشعرُّ له الأبدان من قبح ما ارتُكِبَ فيه، نعم "لقد قتلوا أميري". دخل أمّي وأبي عديما الرّحمة خلسةً عليَّ بينما كنت مستلقيةً على سريري الورديّ، كنت قد أطبقت جفناي، فقد طلب مني جميلي ذلك، وشرعت أخبره عن الطّبيعة، الأشجار، العصافير والجداول، فهو لم يرى اياً منها. أكملت الحديث وأنا لازلت أغوص في تفاصيل الطبيعة وأقتحم بوّابات مخيّلتي لأنتقي أعمق الكلمات، علِّي أجيد وصف جمال تلك الطبيعة، وما إن فتحت مقلتي حتّى رأيت ذلك المشهد الشّنيع، نعم رأيت ذلك بأمِّ عيني، بابي يتهاوى ليرتطم أرضاً فيتصدَّع ويتكسَّر، لم أستطع الحراك، أو المضيّ قدماً لإنقاذه، فقد أصابني شللٌ في طرفيَّي السفليين من هول ما رأته باصرتي.
هكذا فعلوا بأميري، هكذا كان جزاء ذلك المسكين الذّي لطالما أدخل السُّرور الى خافقي. لقد حلفوا لي أيماناً معظَّمة أنّهم لم يدخلوا غرفتي ولم يلحقوا الضّرر به، لكن لم ولن اصدّقهم، فقد سبق و جرحوه في الصّميم. لم يُحسنوا معاملة المسكين إطلاقاً.
ستشهد الجدران والخزانة والنّوافذ عن فعلتهم القذرة، سيشهد التّاريخ عن مخلصٍ لطالما أحبَّ بصدق، ستشهد المسامير عن من أودى بحياتها وجعلها تتناثر هنا وهناك، حيث لا تنتمي. وسأشهد أنا وبكل صدقٍ وشفافيَّة عمَّا جرى، بعد أن أخرج من هذا المكان اللّعين. لقد أخبروني أنّه مصحٌّ أو مشفى للأمراض النفسية، أيَّا يكن فأبوابه لا تغريني.
بقلم رزان مغربي....
ثمَّ ولمَ الاستغراب، فهو يغار علي كثيراً، كلّما أردت تبديل ملابسي، يرتطم مغلقاً نفسه بقوَّة، أظنُّه لا يريد أحداً أن يرى فاتنته، أمّي تقول أنّه يُغلَق تلقائيَّاً بفعل الرّياح، لكنّي لا أصدق ذلك، نعم فهو يخبرني بأدنى تفاصيله، أسمع في صريره كلّ شيء. كلامه منطقيٌّ دائماً، لكن لا يخلو من حسِّ الدُّعابة.
في أحد الأيَّام حدَّثني عن موقفٍ حصل له بينما كنت غاطّة في نومي. قال أنه كان يتأمّلني طيلة الوقت، لقد وصف وجهي كالبدر المضيء في ليلةٍ شديدة الاسوداد، قسمات وجهي كأنّما قُبلات الملائكة كلّها حطَّت عليه، وعن وجنتاي فالورد مُقتَبِسٌ لونه منهما، والعينان آهٍ من العينين، بحيرتان من العسل فيهما ترقدان. أمّا أهدابي فكأنّما ستارٌ أُسدِل على تلك البحيرتين. وبينما هو يتأمّل جميلته سقطت إحدى مسامير مقبضه، فسقط المقبض ولم يستطع الحراك. مسكينٌ ذلك العاشق، أكلُّ ذلك لأنَّه قد أُغشى عليه من جمالي؟! حسناً أعترف بأنّي فاتنةٌ، لكنّي حزنت عليه أيَّما حزن، أبي قال أنّه من البديهيّ حصول ذلك، فالباب قديمٌ جدّاً ولم يعد قوياً كما كان في سابق عهده. أمّا أمّي فتضع اللّوم على أخي بأنّه لم يحكم رصَّ المسامير جيّداً في آخر مرة وقع فيها. يالهذا التفكير كم هو منطقيّ. رجاءً فلتدعوا بابي وشأنه.
يومٌ تلو آخر وأنا ازداد تعلُّقا بفاتني، كم تغيّبت عن جمعات عائليّة، حفلات، وأحياناً كثيرة لم أعد اطيق الدّراسة. أصبحت أكره أصدقائي، أسرتي، العالم الفوضويّ بالخارج، ففي حضرته عالمٌ آخر، بعيدٌ كلَّ البعد عن الخداع والبغض. لقد نعتوني بالمعقدّة نفسيّاً، المتوحدّة، المجنونة، كل ذلك لانّي أغلق الباب وأجلس وحدي برفقته، حسناً لم اكترث لذلك، فالجلوس مع ذلك الذي تنعتونه بالجماد أفضل بكثير من الجلوس مع حفنة من عديمي الفائدة.
أمّا عن يوم المصيبة، يومٌ تقشعرُّ له الأبدان من قبح ما ارتُكِبَ فيه، نعم "لقد قتلوا أميري". دخل أمّي وأبي عديما الرّحمة خلسةً عليَّ بينما كنت مستلقيةً على سريري الورديّ، كنت قد أطبقت جفناي، فقد طلب مني جميلي ذلك، وشرعت أخبره عن الطّبيعة، الأشجار، العصافير والجداول، فهو لم يرى اياً منها. أكملت الحديث وأنا لازلت أغوص في تفاصيل الطبيعة وأقتحم بوّابات مخيّلتي لأنتقي أعمق الكلمات، علِّي أجيد وصف جمال تلك الطبيعة، وما إن فتحت مقلتي حتّى رأيت ذلك المشهد الشّنيع، نعم رأيت ذلك بأمِّ عيني، بابي يتهاوى ليرتطم أرضاً فيتصدَّع ويتكسَّر، لم أستطع الحراك، أو المضيّ قدماً لإنقاذه، فقد أصابني شللٌ في طرفيَّي السفليين من هول ما رأته باصرتي.
هكذا فعلوا بأميري، هكذا كان جزاء ذلك المسكين الذّي لطالما أدخل السُّرور الى خافقي. لقد حلفوا لي أيماناً معظَّمة أنّهم لم يدخلوا غرفتي ولم يلحقوا الضّرر به، لكن لم ولن اصدّقهم، فقد سبق و جرحوه في الصّميم. لم يُحسنوا معاملة المسكين إطلاقاً.
ستشهد الجدران والخزانة والنّوافذ عن فعلتهم القذرة، سيشهد التّاريخ عن مخلصٍ لطالما أحبَّ بصدق، ستشهد المسامير عن من أودى بحياتها وجعلها تتناثر هنا وهناك، حيث لا تنتمي. وسأشهد أنا وبكل صدقٍ وشفافيَّة عمَّا جرى، بعد أن أخرج من هذا المكان اللّعين. لقد أخبروني أنّه مصحٌّ أو مشفى للأمراض النفسية، أيَّا يكن فأبوابه لا تغريني.
بقلم رزان مغربي....