القانون بين الواقع والمواقع الإلكترونية !
بقلم المحامي كنعان معتز الصوراني
إن التطور التكنولوجي المتسارع في وسائل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الحديثة، وهذا النطاق الواسع من بحور المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الخاصة بالأجهزة الذكية، وغيرها، وما نجم عنها من استخدامات وتداخلات للرواد، تطال وتمس جميع شرائح المجتمع بمختلف أعمارهم وأجناسهم، نظراً لأنه يمنح الحرية الكاملة للمستخدمين في الوصول للمعلومة ونشرها والتعليق عليها دون رقابة محلية وطنية حقيقية، مما سمح للبعض باستخدامها بما يخالف القانون والأنظمة المعمول بها في الأراضي الفلسطينية .
ومن هنا علينا أن نتساءل عن جدوى قانون الجرائم الإلكترونية والقوانين ذات الصلة!؟ وهل وضع لحماية السلطات الحاكمة؟! وأصحاب المقامات العليا من مسؤولين وقادة ورجال أعمال، أم أنه لحماية الكل الفلسطيني من أصغر طفل فُرض عليه أن يقرأ دعاية ممولة على (الفيسبوك) تحتوي على مواد تخالف قوانين الأسرة والطفل، أو تلك التي تقوم بنشر الإشاعات والأخبار الكاذبة .
وعلينا أن ننظر للموضوع بدقة أكثر، وبتفكير أعمق، فإذا أمعنا البحث سنجد أن الإحصائيات التي تشير إلى عدم دقة وصدق المعلومة التي تقرأها على صفحات التواصل الاجتماعي، والتطبيقات المختلفة تكاد تكون كبيرة جداً وبعيده كل البعد عن الواقع والحقيقة وهي مجرد معلومات غير دقيقة أو مغلوطة، وبطبيعة الحال فإن تأثير ذلك على المواطن (المستخدم ) وعلى المجتمع سيكون عكسياً، خاصة أننا نعيش في مجتمعات تنتشر فيها البطالة وقلة العمل وضعف العلم وصعوبة الوصول إلى المعلومة والحقيقة، مما يجعلنا نعيش في غالب أوقاتنا بين تلك الصفحات والتطبيقات، التي أصبحت محور حياة المواطن اليومية والتي لا يُمكن الاستغناء عنها .
ومع وجود القوانين المختلفة والأقسام القانونية المختصة إلا أننا لم نلمس الضبط والرقابة والمتابعة والمحاسبة الحقيقية، التي تحمي المواطن من شرور بعض المستخدمين، وانحصر دورها غالباً على الرقابة السياسية والأمنية، ولم تتعمق في دراسة الأدوات والمنهجيات السليمة لحماية المجتمع بكل أطيافه .
لم يعد يخفى على أحد حجم التعديات والجرائم الإلكترونية المختلفة، التي اجتاحت الساحة الفلسطينية، ابتداءً من السرقة إلى السب والتشهير ونشر الإشاعات والتهديد، حتى وصل الحال إلى وجود مواقع وصفحات لبيع مواد مخالفة للقانون! ولم تقف التجاوزات عند هذا الحد، بل امتدت إلى بعض فئة التجار ورجال الأعمال، ممن يسوقون منتجاتهم وسلعهم بطريقة تخالف قانون حماية المستهلك، دون رقابة أو محاسبة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، المتاجر الإلكترونية من ملبوسات ومطاعم وأدوات وأجهزة، هي غالباً محال غير موجودة، وفي الغالب غير مرخصة، وهي بالنهاية متاجر إلكترونية، نستطيع الوصول إليها والشراء منها، فما نوع الرقابة عليها، سواء الصحية أو المالية أو الأمنية أو الضريبية، وغيرها التي تحميني كمستهلك من الجرائم الإلكترونية المختلفة.
علينا أن ندرك جيداً أن العلم وبالأخص التكنولوجيا، تتطور بشكل متسارع أكثر مما نتخيل، ولذلك علينا تطوير القوانين والأنظمة الفلسطينية، لتواكب هذا التطور؛ لتقوم بمقام وصلب عملها في تحصين المجتمع، وحماية المواطن؛ ولوضع ضوابط سلوك للمستخدمين من جميع الفئات .
ولندرك عمق الخطر، علينا ألا نقارن مجتمعاتنا الشرقية العربية، بالمجتمعات الغربية، خاصة أننا شعوب غالباً لا تقدر الوقت، ولا نملك من الثقافة العلمية والتكنولوجية ما يملكه الغرب من ضوابط تفرضها الحكومات والمجتمع، بدءاً من أصغر مستخدم (الطفل) وكم الساعات الأسبوعية المسموح له فيها باستخدام هذه التكنولوجيا، ومواقع التواصل الاجتماعي، حتى نصل إلى أكبر وأضخم شركات العالم، وما لها وما عليها من شروط وقوانين للاستخدام والدعاية لحماية المواطن .
وهنا نطرح سؤالاً، هل يتحمل أحد المستخدمين على (الفيسبوك) مثلًا مسؤولية قانونية أو تعويضية جراء قيامه بوضع علامة (لايك) أعجبني على صفحة صديق لديه قام بإعادة نشر منشور وضعه صديقة يقوم من خلاله بالتشهير والسب على أحد المواطنين، أم نكتفي بصاحب المنشور مثلاً أم أن المعلقين ومعيدي النشر أيضاً عليهم مسؤولية !!!
على المُشرع الفلسطيني، أن يعيد النظر بتعمق؛ للوصول إلى قوانين وأساليب وأدوات وضوابط حقيقية فعالة، تواكب سرعة التطور اليومي لهذه التكنولوجيا وبمرونة كافية؛ لضبط التجارة والتسويق الإلكتروني وللحد من الجرائم الإلكترونية التي تزداد يوماً بعد يوم، وألا يقتصر وجودها لقمع الآراء أو حماية المسؤولين، دون النظر لحماية حقوق المستخدمين من المواطنين .