معشوق السنجق (2)
محمد يوسف محمد المحمودي
مترجم وصحفي حر
[email protected]
في مكانٍ غير بعيدٍ عن عوالمنا، تعم الفوضى في جل غرف إدارة إحدى المؤسسات التعليمية؛ حيث تتناثر أوراق الموظفين حول المقاعد وتحت المكاتب وفي فناء المبنى؛ فلا ترى أي من ملامح النظام في مكتبٍ محسوبٍ على مكاتب إدارة السنجق العليا. تتعالى في المكان أصوات رجل وامرأتين تصل لمسامع الداخل عليهم كضوضاءٍ لا تجدي نفعًا ولا تفيد المستمعين في شيءٍ؛ فضلًا عن تجلي أصوات بعض المتكلمين بعد الاقتراب منهم عن تعديلاتٍ وزارية وشيكة. ورغم اختلاف الآراء، تتوحد رائحة عرقٍ في المكان وتتدافع أسراب الذباب المتعاقبة عبر بابٍ واحدٍ وثلاث نوافذ؛ لتداعب بعد ذلك وجوهًا لم تر الماء في يومها.
فجأةً، خشعت الأصوات وتوجهت أعين الجميع؛ بعدما اخترقت آذانهم كلمات "امرأة سورية جميلة جدًا" المنطوقة بلسان رجلٍ يتميز بصوته الجهوري الذي يخترق ضوضاء المكان؛ وكأن السارد للقصة قد أصيب بصدمةٍ من متابعة الجميع له وترقبهم لخبر تلك المرأة السورية الجميلة بلغته الفصحى التي عدلت لسانه واعتادتها آذان مستمعيه؛ فتوقف الأستاذ حسنين ليشرب من زجاجة المياه المعدنية المعاد تعبئتها من مياه الصنبور والجميع يراقبون حنجرته الصاعدة الهابطة، ويستعجلون انتهائه من ري ظمأه ليكتمل عندهم وصف تلك المرأة.
بالفعل انتهى الرجل من شرب الماء ونظر باستحياءٍ لا يخلو من الدهشة إلى هؤلاء الصامتين التائقين إلى وصف امرأةٍ لا غبار عليها ولا يريد وصفها بالذي يريدون. وعندها، نظر حسنين إلى رفيقه أستاذ يحيى وسأله: هل انتهيت من إعداد قائمة المشتريات؟ فأجابه يحيى: دعك الآن من قائمة المشتريات وأخبرني عما فعلته مع المرأة السورية الجميلة جدًا؟
بدأ الجالسون يضيقون بتأخر حسنين في الرد، فاستعجلوه بنظراتهم وأبدى بعضهم رغبته وألح غيرهم في أن يكمل حسنين قصته. وقال هي امرأة تعلم الرجال معنى الصمود، وترشدهم إلى طرائق الاجتهاد والابتكار. وكأن حسنين قد خشي أن يصاب بإثم إثارة السامعين، وانصرف عن ذكر معالم المرأة الجميلة التي أسرته كما يبدو من كلماته ومفرداته؛ مستغفرًا الله في سره وعازمًا على عدم الخوض فيما لا طائل من ورائه. كسا حسنين كلماته بشيءٍ من الجدية وأضاف: هي امرأة أرادت مكانًا تؤجره لتنشىء مشروعًا صغيرًا تستعين به على نفقات معيشتها، وقصدتني لأؤجر لها الطابق الأرضي من منزلي، لكن زوجتي غارت منها وقالت هي أكثر جمالًا مني ولن أضع النار بجوار البنزين. ونسيت زوجتي أن تذكر نفسها بأنها السورية الثائرة المجاهدة المثابرة التي تترفع عن صغائر الأمور التي تشغل المصريات وغيرهن.
المهم، رفضنا تأجير المكان لها؛ بسبب غيرة زوجتى؛ رغم أني موقن أن مثلها بأخلاقها ودينها لا يمكن أن تأبه لمثلي أنا.. أنا البائس! النساء يظلمن بنات جنسهن وكثيرات هن والله. شعرت بالذنب وضيق ذات اليد بعد قلة حيلتي وعجزي عن إقناع زوجتي بعظم أجرها إن وافقت، وانصرفت المرأة السورية وهي حزينة.. وهنا بدأ الحاضرون في المكان يعارضون من يمينٍ ويوافقون من يسار، لكن المعارضة الشديدة كانت من النساء. وبعد صمت الجميع، واصل حسنين سرد حكايته واستطرد قائلًا: "استطاعت المرأة تأجير مكانٍ آخر غير بعيدٍ عنا، وقاطعه أحد الجالسين وقال له: "أحسبك الآن تشعر بالندم بسبب رحيلها عنكم!" قال أندم فقط عندما أمر عليها وهي تعمل بهمةٍ ونشاط، ولا تنتبه للأمور التي تفكر فيها زوجتي الكسول الفاترة. ليتها استأجرت شقتنا، وعدت زوجتي بإيجابيتها وخلصتها من سلبياتها وعقدها التي أعاني منها، مثل غيري، مر المعاناة. وهنا طرح حسنين سؤالًا على من يسمعه: هل طبائع الناس معدية؟
محمد يوسف محمد المحمودي
مترجم وصحفي حر
[email protected]
في مكانٍ غير بعيدٍ عن عوالمنا، تعم الفوضى في جل غرف إدارة إحدى المؤسسات التعليمية؛ حيث تتناثر أوراق الموظفين حول المقاعد وتحت المكاتب وفي فناء المبنى؛ فلا ترى أي من ملامح النظام في مكتبٍ محسوبٍ على مكاتب إدارة السنجق العليا. تتعالى في المكان أصوات رجل وامرأتين تصل لمسامع الداخل عليهم كضوضاءٍ لا تجدي نفعًا ولا تفيد المستمعين في شيءٍ؛ فضلًا عن تجلي أصوات بعض المتكلمين بعد الاقتراب منهم عن تعديلاتٍ وزارية وشيكة. ورغم اختلاف الآراء، تتوحد رائحة عرقٍ في المكان وتتدافع أسراب الذباب المتعاقبة عبر بابٍ واحدٍ وثلاث نوافذ؛ لتداعب بعد ذلك وجوهًا لم تر الماء في يومها.
فجأةً، خشعت الأصوات وتوجهت أعين الجميع؛ بعدما اخترقت آذانهم كلمات "امرأة سورية جميلة جدًا" المنطوقة بلسان رجلٍ يتميز بصوته الجهوري الذي يخترق ضوضاء المكان؛ وكأن السارد للقصة قد أصيب بصدمةٍ من متابعة الجميع له وترقبهم لخبر تلك المرأة السورية الجميلة بلغته الفصحى التي عدلت لسانه واعتادتها آذان مستمعيه؛ فتوقف الأستاذ حسنين ليشرب من زجاجة المياه المعدنية المعاد تعبئتها من مياه الصنبور والجميع يراقبون حنجرته الصاعدة الهابطة، ويستعجلون انتهائه من ري ظمأه ليكتمل عندهم وصف تلك المرأة.
بالفعل انتهى الرجل من شرب الماء ونظر باستحياءٍ لا يخلو من الدهشة إلى هؤلاء الصامتين التائقين إلى وصف امرأةٍ لا غبار عليها ولا يريد وصفها بالذي يريدون. وعندها، نظر حسنين إلى رفيقه أستاذ يحيى وسأله: هل انتهيت من إعداد قائمة المشتريات؟ فأجابه يحيى: دعك الآن من قائمة المشتريات وأخبرني عما فعلته مع المرأة السورية الجميلة جدًا؟
بدأ الجالسون يضيقون بتأخر حسنين في الرد، فاستعجلوه بنظراتهم وأبدى بعضهم رغبته وألح غيرهم في أن يكمل حسنين قصته. وقال هي امرأة تعلم الرجال معنى الصمود، وترشدهم إلى طرائق الاجتهاد والابتكار. وكأن حسنين قد خشي أن يصاب بإثم إثارة السامعين، وانصرف عن ذكر معالم المرأة الجميلة التي أسرته كما يبدو من كلماته ومفرداته؛ مستغفرًا الله في سره وعازمًا على عدم الخوض فيما لا طائل من ورائه. كسا حسنين كلماته بشيءٍ من الجدية وأضاف: هي امرأة أرادت مكانًا تؤجره لتنشىء مشروعًا صغيرًا تستعين به على نفقات معيشتها، وقصدتني لأؤجر لها الطابق الأرضي من منزلي، لكن زوجتي غارت منها وقالت هي أكثر جمالًا مني ولن أضع النار بجوار البنزين. ونسيت زوجتي أن تذكر نفسها بأنها السورية الثائرة المجاهدة المثابرة التي تترفع عن صغائر الأمور التي تشغل المصريات وغيرهن.
المهم، رفضنا تأجير المكان لها؛ بسبب غيرة زوجتى؛ رغم أني موقن أن مثلها بأخلاقها ودينها لا يمكن أن تأبه لمثلي أنا.. أنا البائس! النساء يظلمن بنات جنسهن وكثيرات هن والله. شعرت بالذنب وضيق ذات اليد بعد قلة حيلتي وعجزي عن إقناع زوجتي بعظم أجرها إن وافقت، وانصرفت المرأة السورية وهي حزينة.. وهنا بدأ الحاضرون في المكان يعارضون من يمينٍ ويوافقون من يسار، لكن المعارضة الشديدة كانت من النساء. وبعد صمت الجميع، واصل حسنين سرد حكايته واستطرد قائلًا: "استطاعت المرأة تأجير مكانٍ آخر غير بعيدٍ عنا، وقاطعه أحد الجالسين وقال له: "أحسبك الآن تشعر بالندم بسبب رحيلها عنكم!" قال أندم فقط عندما أمر عليها وهي تعمل بهمةٍ ونشاط، ولا تنتبه للأمور التي تفكر فيها زوجتي الكسول الفاترة. ليتها استأجرت شقتنا، وعدت زوجتي بإيجابيتها وخلصتها من سلبياتها وعقدها التي أعاني منها، مثل غيري، مر المعاناة. وهنا طرح حسنين سؤالًا على من يسمعه: هل طبائع الناس معدية؟