الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مظاهر التطور فى النثر العربى الحديث ‏ بقلم د. إبراهيم عوض

تاريخ النشر : 2018-12-17
مظاهر التطور فى النثر العربى الحديث
د. إبراهيم عوض
آداب عين شمس - القاهرة
======

الأسلوب:‏
مر النثر العربى فى العصر الحديث بألوان من التطور خَلّفَتْ وراءها ‏مظاهر متعددة فى الأسلوب، وفى الفنون الأدبية، وفى المضمون، وغير ‏ذلك. ونبدأ بالأسلوب، ومن مظاهر تطوره أن كثيرا من الألفاظ التى كانت ‏منتشرة الاستعمال قبلا قد ماتت واحتلت مكانها ألفاظ أخرى لم يكن ‏للعرب القدماء بها عهد. لقد اختفى مثلا كثير جدا من المفردات البدوية ‏وما إليها، وجدّت ألفاظ أخرى كثيرة تتعلق بمكتشفات الحضارة والعلوم، إذ ‏لم يعد قلم الأديب الآن يجرى بألفاظٍ مثل "هِرْكَوْلَة وعُطْبول وخِنْذيذ ‏وقَيْصوم وأُثْفِيّة وشِمْراخ ونُؤْى وعَرْصَة ووظيف وثَفِنَة وذَبْل وظَلِيم ‏وسِرْحان ووُكْنة وبَتّ وحَيْس ولُهَام ومَجْر ومُخْرَنْبِق، وأَشْوَى وأَصْمَى ‏وأجَافَ...إلخ"، وهو كثير يُعَدّ بالآلاف. كما اختفت أيضا صيغ كثيرة ‏مثل: "خِفّ (أى خفيف)، ونَجِيّة (أى ناقة سريعة)، وتَعْدَاء (أى عَدْو)، ‏وتَنْقَاد (أى نَقْد)، وغُيُوب (أى غِيَاب)، وخِياَط (أى إبرة)، وعُقَام (أى ‏عقيم)، ومحتظِر (أى صاحب حظيرة)، وحُسّانة (أى شديدة الحسن)، ‏وطُوَال (أى طويل)... وهلم جرا". ونفس الكلام يصدق على الأفعال، ‏سواء منها الألفاظ أو الصيغ، مثل: "بَتِعَ، بَجَدَ، ثَحَجَ، دَئِصَ، شَتَرَ، فَحَثَ، ‏تكأكأ، اثْبَجَرَّ، ابْذَعَرَّ، اسْلَنْطَأَ، احْمَارَّ، تَدَهْدَى، اخْرَنْبَق، ضَحْجَرَ، ‏عَبْهَلَ، انْبَاعَ، تَلَجَّفَ، اسْبَطَرَّ...إلخ". وبعض هذه التطورات ليست ‏وليدة العصر الحديث، بل تمت قبل ذلك بوقت طويل أو قصير.‏
وفى المقابل دخلت العربيةَ آلافُ الألفاظ الجديدة، وبعضها مستعار ‏من هذه اللغة الأجنبية أو تلك دون تغيير، مثل "أوكسجين وهيدروجين ‏وسينما وراديو وتليفزيون ومُوتُور وميكروكروم وفِلْم وإنترنت وكمبيوتر ‏وسوبر ماركت"، وبعض هذا المستعار قد تم تعريبه، أى إعطاؤه شكلا ‏عربيا بإجرائه على وزن من أوزاننا الصرفية، مثل "التلفاز والتقنية ‏والقرصان والبنزين و(حيوان) الرنّة و(حيوان) اللامَة والفَكْس، وتَلْفَنَ فلانًا ‏‏(أى كلمه فى الهاتف) ومَنْتَجَ (بتعطيش الجيم، أى عمل الموتناج) ‏وتَمَكْيَجَتْ المرأة (بتعطيش الجيم أيضا، أى وضعت مساحيق الزينة على ‏وجهها)...إلخ". وبعض ثالث تُرْجِم إلى العربية ترجمةً كـ"القطار والمذياع ‏والمِرْنَاء والسيارة والباخرة والغواصة والدبابة والطيارة والحاسوب (أو ‏الكاتوب كما أُوثِر أن أسميه) والهاتف والشطيرة والدارة وشمعة الاحتراق ‏والكابح والتكييف والصحيفة والمجلة والمرْأَب والرأسمالية والاشتراكية ‏والشيوعية والبِنْيَوِيّة والعَوْلَمة والخصخصة والتطبيع والرأى العام وتصادم ‏الحضارات والكتلة الشرقية والكتلة الغربية والحرب الباردة والدُّبّ الروسى ‏والتنّين الصينى والعمّ سام والتنويم المغناطيسى والتحالف الدولى والأصوليّة ‏وألفاظ العقود كالعشرينات والثلاثينات والأربعينات"، وهو ما يصعب ‏تقصيه وإحصاؤه. وبالمناسبة فقد يكون للمعنى الواحد أكثر من لفظ، ‏مثل: "تليفزيون/ تِلْفاز/ مِرْنَاء".‏
كذلك عرفت ألفاظنا اشتقاقات لا وجود لها فى الصرف العربى ‏كما فى الكلمات التالية: "أَسْلَمَ أسلمةً، وتأقْلَمَ تأقلُمًا، وتَمَرْكَزَ وتَمَدْيَنَ ‏وتَمَحْوَرَ وتَمَفْصَلَ وشَكْلَنَ وعَقْلَنَ، ووحدوية وثوروية وتاريخانية ‏وشكلانية، وبيضاوىّ وإسلاموىّ وفتحاوىّ". ويتصل بهذا أيضا التوسع ‏فى ألفاظ المصدر الصناعى فى مجال المذاهب والأديان والاتجاهات ‏الفلسفية والاجتماعية والأدبية وما أشبه، مثل: "الكونفوشيوسية والشنتوية ‏والطوطمية والمحسوبية والتقليدية والرجعية والذرائعية والوجودية ‏والماركسية والنازية والفاشية والصهيونية والمادية والمثالية والعقلانية ‏والستالينية والناصرية والقومية والإنسانية والكلاسيكية والرومانسية ‏والأسلوبية والأسطورية والبنيوية والشِّعْرية والنجومية"، وهلم جرا. وفوق ‏هذا لم يعد هناك كبيرُ تحرُّجٍ من النسب إلى "فَعِيلة" وصيغة الجمع كما هما، ‏مثل: "طَبِيعِىّ وطَلِيعِىّ وغَرِيزىّ وسَلِيقىّ وبَدِيهىّ"، و"أخلاقىّ وجماهيرىّ ‏وطُلاّبىّ وعُمّالىّ وعقائدىّ وعجائبىّ وذرائعىّ وشوارعىّ وقُبُورىّ وكُتُبِىّ ‏وأصولى". ومن هذه الاشتقاقات أيضا بدء بعض الأسماء والصفات ‏بــ"لا"، مثل: لادينىّ ولا أدرىّ ولامركزىّ ولامبالاة واللامعقول واللاشعور ‏واللاوعى واللاجدوى، وحالة اللاسلم واللاحرب، ونقطة اللاعودة، ‏و(الجشع) اللامتناهى".‏
على أن الأمر لا يقف عند حدود الألفاظ والصيغ، بل تدخل فيه ‏أيضا التعبيرات والصور التى لم تكن تعرفها لغة الضاد من قبل، مثل: "أعطاه ‏الضوء الأخضر، والكرة الآن فى ملعبه، ويغرّد خارج السرب، ووضع فلانا ‏على الرف، وشعر بالألم حتى النخاع، ودق طبول الحرب، ويصطاد فى ‏الماء العكر، وينشر غسيله القذر أمام الناس، وأدار ظهره للمشكلة، ‏وأعاره أذنا صماء، وانطلق كالصاروخ، ويحدث هذا فى أحسن العائلات، ‏وسقط بين كرسيين، ويبحث عن الظهر فى الساعة الرابعة عشرة، ولَكَمه ‏بقفاز من حرير، وألقى القفاز فى وجهه، ويحارب وظهره إلى الحائط، ‏وفلان على الهامش، وآلة الحرب الجهنمية، والعمليات الاستشهادية، ‏وغسيل الأموال، ونجوم الفن، وغَدَاء عمل، وابتسامة لَزِجة، والكرة ‏الأرضية، والمياه الإقليمية، والفضاء الخارجى، وغزو الفضاء، وحقوق ‏الإنسان...إلخ"، وهو بحر واسع وعميق. وكثير من هذه التعبيرات ‏والصور منقول نقلا مباشرا أو مقاربا عن اللغات الأجنبية، ويمكن التحقق ‏من ذلك إذا رجعنا إلى أى معجم إنجليزى (أو فرنسى أو ألمانى)- عربى، ‏ولسوف نجد تلك الأصول الأجنبية وترجمتها العربية. كما نستطيع التثبت ‏أيضا بالمقارنة بين المعاجم العربية المعاصرة ونظيرتها القديمة حيث نقع فى ‏الأولى على عشرات بل مئات التعبيرات التى تخلو منها الأخيرة. وهذه ‏سُنّة كونية لا تختص بها لغتنا، بل تخضع لها جميع اللغات(1). وفى مقابل ‏هذا ثَمّ تعبيرات وصور كانت تشيع على ألسنة القدماء واختفت الآن أو ‏تكاد، مثل تشبيه قَوَام المرأة بغصن البان، وضفائر شعرها بالعناقيد، ‏وأسنانها بالأقاحى، وكتشبيه الخطيب المفوَّه بسَحْبان، والبخيل البغيض ‏بمادِر، وكالكناية عن شدة الكرم بكثرة الرماد أو جُبْن الكلب وهُزَال ‏الفَصِيل، وقولهم: دَقُّوا بينهم عِطْر مَنْشِم، وأخذنى ما قَدُمَ وما حَدُث، ‏وخَرَج بالصمت عن لا ونَعَم... وغير ذلك. كما أن كثيرا من الكتاب ‏العرب الآن لم يعودوا يحرصون على ترصيع نثرهم بعبارة شعرية أو جملة ‏مُقَفَّعيّة أو جاحظية مثلا.‏
ويصدق هذا أيضا على التراكيب، إذ ثمة عدد منها قد قَلَّ ‏استعماله أو انتهى، وعدد آخر قد استجدّ أو على الأقل: قد انتشر بعد ‏أن كان محصورا فى نطاق ضيق. فمن الضرب الأول نرى أنه لا يكاد أحد ‏من الكتاب العرب الآن يقول: "تالله تَفْتَأ تهمل دروسك" (باستخدام تاء ‏القسم وحذف "لا" النافية بعدها من الفعل: "تفتأ")، أو يصب عباراته ‏فى التراكيب التالية: "أَكْثَرُ شُرْبِى السَّوِيقَ ملتوتًا" (بالاستغناء عن الخبر ‏بالحال: "ملتوتا")، أو "كَرِبَ فلان أن يفعل كذا" (بل المستخدَم فى هذه ‏الحالة "كاد" أو "أوشك")، أو "طفق يأكل" (بل نقول: "بدأ يأكل")، أو "إنْ ‏كان أحمد لَفِى حيرة عظيمة" (بل الشائع الآن: "لقد كان فى حيرة ‏عظيمة")، أو "لئن لم تكفّ عن هذا لأضربنّك" (بل يقال عادة: "إن لم ‏تكفّ فسأضربك")، و"أَكْرِمْ به" (بل نقول: "ما أكرمه")، و"قد يعلم الله ‏أنكم عاجزون" (بمعنى أنه سبحانه يعلم ذلك بكل يقين. فــ"قد" هنا ‏للتحقيق رغم مجيئها مع المضارع، ونحن الآن إنما نستخدمها مع المضارع ‏للاحتمال لا لليقين)، و"ما كان محمد لِيَفْعَلَ كذا" (بل نقول: "لا أظنه كان ‏سيفعل كذا"). كما أننا تقريبا لم نعد نستعمل حاليًّا فى نثرنا "ألا" ‏الاستفتاحية"، اللهم إلا فى قولنا مثلا: "عندى لك مفاجأة مذهلة، ألا ‏وهى كذا وكذا"...‏
ومن الضرب الثانى يمكن أن نذكر التراكيب التالية: "لَعِبَ هو الآخَر" ‏‏(أى لعب هو أيضا)، و"إذا جاء الآن لشاهد بنفسه كذا وكذا" (بإدخال ‏اللام على جواب "إذا" قياسا على "لو")، و"قد يلعب وقد لا يلعب"، ‏‏(والمتحرِّجون يقولون فى النفى: "وربما لا يلعب")، و"ضرب كلاهما الآخر" ‏‏(بدلا من "تضاربا")، و"يتخاصمون مع بعضهم البعض" (والأسلوب القديم ‏يكتفى فى هذا الموضع بــ"يتخاصمون")، و"كلما مررت به كلما وجدته ‏مشغولا"، و"بقدر ما تتقن عملك بقدر ما تتفوق على زملائك" (بتكرير ‏‏"كلما" و"بقدر ما" جريا على تكرير "‏the more‏" الإنجليزية و"‏plus‏" ‏الفرنسية فى مثل هذا المعنى، مع أن الأمر عندنا يختلف عنه فى هاتين ‏اللغتين)، و"رغم أنّ/ مع أنّ الساعة قد جاوزت الثانية صباحا إلا أنه كان ‏لا يزال مُكِبًّا على دروسه" (والصواب حذْف "إلا أنه"، إذ لا يوجد هنا ‏استثناء)، و"لا يجب أن تفعل كذا" (وصوابها: "يجب ألا تفعل كذا")، ‏و"لم آكل تفاحا فقط، بل وعنبا أيضا" بدلا من "لم آكل تفاحا فقط، بل ‏أكلت تفاحا وعنبا أيضا"، و"أنا معجب به كروائىّ"، و"سوف لا/ سوف ‏لن أفعل ما تريد منّى" (وأغلب الظن أنها ترجمة حرفية لــ"‏not‏ ‏will‏" ‏الإنجليزية)، وصوابها: "لن أفعل"، و"من أهم هذه الإجراءات هو إدخال ‏الحاسوب فى المدارس" (بزيادة الضمير: "هو" حيث لا حاجة إليه، ولا ‏مسوغ لوجوده إلا بتكلف كثير)، و"رأيته قبل أن مات بيوم" (باستخدام ‏الزمن الماضى فى "مات" يدلا من "رأيته قبل أن يموت". وهذا التركيب ‏يكثر لدى الكتاب اللبنانيين فيما لاحظت)، و"سأذهب لزيارته دون أن ‏أخطره، وإن كانت اللياقة الاجتماعية تقتضى خلاف ذلك" (أى رغم أن ‏اللياقة الاجتماعية تقتضى ذلك)، و"مصر السادات، وأمريكا بوش" (تأسّيَا ‏بأساليب الغربيين فى إضافة أسماء الدول إلى حكامها)، و"لَوْن وحَجْم ‏الكِتَاب" (وهو تركيب موجود فى العربية القديمة، لكن على استحياء، أما ‏فى العصر الحديث فيستعمل كثيرا، وبخاصة فى الكتابات الصحفية ‏والقصصية. والرافضون لهذا التركيب يقولون إن الصواب هو: "لون الكتاب ‏وحجمه")، و"ضربوا بعضهم" (وصحتها: "ضرب بعضهم بعضا" أو ‏‏"تضاربوا")، و"بين علىّ وبين سعيد" (بتكرير "بين" مع اسمين ظاهرين، ‏وهو ما يخطّئه دون وجهِ حقٍّ بعضُ المتنطسين رغم وجود شواهد كثيرة ‏عليه فى الشعر الجاهلى والإسلامى والأموى مما تناولتُه وأوردتُ بعض ما ‏عثرت عليه من أمثلة له فى كتابى: "من ذخائر المكتبة العربية"(2)، و"بين ‏محمد وعلى وأحمد من جهة، وسعيد وزيد وخالد من جهة أخرى"، ‏و"هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن..."، و"مَنْ/ ما / أين هو ‏الطالب المثالى؟" (باستعمال الضمير بين اسم الاستفهام والمستفهم عنه)، ‏و"لا أدرى إن/ ما إذا كان سيأتى أَوْ لا" (اقتفاءً للأسلوب الإنجليزى ‏والفرنسى: "‏I do not know whether…, Je ne connaîs pas ‎si…‎‏"، و"هو يتحدث لا عن تونس بل عن الجزائر" (بدلا من "يتحدث عن ‏الجزائر لا عن تونس")، و"هو حريص على الذهاب إلى المدرسة لا لشىء ‏إلا ليهرب من قسوة أبيه"، و"ليس ذلك فقط، بل هناك كذا وكذا أيضا". ‏ويضاف إلى ما مرّ الإكثار من الجمل الاسمية حيث يستحسن الذوق العربى ‏استعمال الجملة الفعلية، وكذلك كثرة الجمل الاعتراضية، وحذف "وقد" ‏أو "وإنّ" من بدايات الجمل...‏
ومن مظاهر التطور فى الأسلوب الحديث كثرة الأخطاء اللغوية من ‏صرفية ونحوية ومعجمية، وانتشار الركاكة فى كتابات بعض الأدباء. وهى ‏ظاهرة مؤسفة، فقد ظل العرب فى عصور قوتهم يكتبون كتابة صحيحة، ‏إلى أن تخلفوا حضاريا وعلميا فلوحظت هذه الظاهرة، وكان المأمول أن ‏تختفى مع انتشار التعليم وكثرة المدارس والجامعات وتبسيط النحو ‏والصرف وشيوع المعاجم من كل جنس ولون. والغريب أن الكتاب الذين ‏يعانون من هذا العيب لا يجدون أية غضاضة فى هذا، ولا يشعرون بأى ‏حرج. بل إن الواحد منهم لا يكلف نفسه إذا ألف كتابا مثلا أن يعهد به ‏إلى من ينظر فيه ويصححه له قبل أن يَطْلُع به على القراء. وكثير ممن نقرأ ‏لهم فى الصحف والمجلات فلا نجد فى كتاباتهم أخطاء لغوية هم من ذلك ‏القبيل أيضا. كل ما فى الأمر أن مصححى الجرائد يعدّلون المائل، ويسوّون ‏الهوائل. ومن بين هؤلاء أسماء لامعة ذات شهرة ودوىّ، وهو أمر لا يليق، ‏وبخاصة بعد أن استفاض التعليم وبُسِّطت قواعد اللغة وانتشرت الوسائل ‏التى تعين على إتقانها كما قلنا.‏
اختفاء السجع والمحسّنات البديعية:‏
النثر العربى الحديث الآن نثرٌ مُرْسَل لا سجع فيه ولا جناس ولا ‏ازدواج ولا تورية إلا فى النادر. ولقد غَبَرَ على أدبنا النثرى زمان كانت ‏المحسنات البديعية، وعلى رأسها السجع والجناس والازدواج، سمة سائدة ‏فيه. كان ذلك فى أواخر العصر العباسى وطوال العصرين المملوكى ‏والعثمانى، ثم لما وقعت النهضة الحديثة نهض الأدب العربى، وشرع النثر ‏يتقلقل من هذا الوضع، وأخذ يتخفف من السجع والبديع قليلا قليلا حتى ‏تخلص منه. على أن النثر، حتى فى أشد عصور التخلف حُلُوكةً، لم يكن ‏كله سجعا وبديعا، بل كانت هناك كتب كاملة أفرغها أصحابها فى قالب ‏النثر المرسل، مثل: "مقدمة ابن خَلْدون" والترجمة الذاتية التى كتبها الإمام ‏السيوطى بعنوان "التحدث بنعمة الله"، وكذلك "نَفْح الطِّيب" للمَقَّرِىّ ‏و"عجائب الآثار" للجَبَرْتِىّ إلى حد بعيد (3). ويصدق هذا بدرجة كبيرة ‏على عدد من الكتب التى ظهرت فى بدايات العصر الحديث، مثل: ‏‏"تخليص الإبريز فى تلخيص باريز" و"المرشد الأمين لتربية البنات والبنين" ‏لرفاعة رافع الطهطاوى(4)، وكتب أحمد فارس الشدياق بوجه عام، ‏وكتابات محمد عبده المتأخرة(5). أريد أن أقول إن النثر المسجوع والنثر ‏المرسل كانا يمشيان جنبا إلى جنب فى عصور التخلف وفى بدايات ‏النهضة مع غلبة السجع فى عصور التخلف، والتخفف منه تدريجيا حتى ‏انتهى الأمر إلى هجره فى العصر الحديث. بل كثيرا ما كان الكِتَاب الواحد ‏يؤلَّف بالأسلوبين جميعا: السجع والمحسنات البديعية فى المقدمة، والأسلوب ‏المرسل لسائر الكتاب.‏
الأمر إذن لم يتم بين عشية وضحاها ولم يحسمه كاتب واحد على ‏خلاف ما يُفْهَم من كلام د. شوقى ضيف من أن محمد عبده قد تحول ‏بالنثر من السجع والمحسنات إلى الأسلوب المرسل(6)، مع أن الطهطاوى ‏والشدياق مثلا قد سبقاه إلى هجران السجع والبديع فى كثير مما كتبا ‏حسبما ذكرنا آنفا، كما أن الأسلوب البديعى ظل يستعمله الناثرون بعد ‏محمد عبده، مثل أحمد شوقى فى "أسواق الذهب"(7) وحافظ إبراهيم فى ‏‏"ليالى سطيح" ومحمد المويلحى فى "حديث عيسى بن هشام" ومحمد ‏توفيق البكرى فى "صهاريج اللؤلؤ" على ما هو معروف. على أنه لا بد من ‏التنبيه إلى أن الكتب الثلاثة الأولى لم تؤلَّف من أولها إلى آخرها سجعا، بل ‏ضمت، إلى جانب الأسلوب البديعى، شيئا من النثر المرسل: فشوقى فى ‏آخر كتابه يهجر السجع ويرسل الكلام إرسالا، أما حافظ والمويلحى ‏فيراوحان بين السجع والمحسنات فى مواضع وبين النثر المرسل فى مواضع ‏أخرى. ولعله يمكن القول بأن هذه الكتب وأشباهها تمثل، بمعنًى من ‏المعانى، الحلقة الوسطى بين النثر الذى كان يلتزم السجع والمحسِّنات والنثر ‏الذى قطع علاقته بهما.‏
ويرجع شيوع الأسلوب المرسل فى نثرنا الأدبى الحديث إلى عدة ‏عوامل منها التأثر بالآداب الأجنبية التى أخذ كثير من كتابنا ينظر إليها ‏على أنها هى الأسوة التى ينبغى الاقتداء بها، وبخاصة أن الأسلوب العربى ‏على أيام ابن المقفَّع والجاحظ وابن المعتز وأبى الفرج الأصفهانى وابن حزم ‏وابن طُفَيْل ومن إليهم كان هو الأسلوب المرسل. ومنها كذلك انتشار ‏التعليم والطباعة واتساع دائرة القراء بحيث شملت أوساط المتعلمين ‏وصغارهم والعامة أيضا، فكان لا بد من أسلوب يسهل فهمه ومتابعته حتى ‏على القارئ العادى. ثم إن دخول الصحافة إلى الميدان وما ترتب على ‏ذلك من وجوب مراعاة الكتّاب لعامل السرعة حتى يستطيعوا ملاحقة ‏المطبعة وتغذية الصحف يوميا بحاجتها إلى المقالات والقصص والتحقيقات ‏والدراسات قد دفعهم حثيثا إلى العمل على التخلص من الأسلوب البديعى ‏القديم الذى كان يحتاج إلى تروية وعَصْر ذهن ومعرفة بدقائق الألفاظ ‏والصيغ ومتعثكل التراكيب. ‏
ومن أمثلة النثر المسجوع فى بدايات عصر النهضة قول عباس ‏خماش (الفلسطينى) فى سنة 1870م يقرِّظ مجلة "الجنان"، التى كان ‏يصدرها بطرس البستانى: "كيف لا ورضوانه البستانى، منشئ أغراسه ‏ببديع المعانى؟ كم جلا علينا من حُورِ بنات أفكاره أبكارا، وطفقتْ أنواره ‏ترقص بحكم المبانى وجميل نِكَات الفنون جِهَارا! فلَعَمْرِى إن الفكر بفكاهة ‏ثماره تمتَّع، والسرور بكواعب أترابه تجمَّع، فلسانى لا يستطيع القيام بشكر ‏ما أَوْلَى من الإنعام، على ذوى العقول والأفهام. فهو على كل حال قاصر، ‏يقول: كم ترك الأول للآخر! وغاية مَقُولِى، على قدر معقولى"(8)، وقول ‏محمد توفيق بكرى فى وصف أبناء الطبقة المترفة فى مصر على عهده: ‏‏"وأما أبناء السادة فإن أحدهم غادة ينقصها الحجاب، ينظر فى مرآة ولا ‏ينظر فى كتاب. إنما هو لباس على غير ناس، كما تضع الباعة مبهرج ‏الثياب على الأخشاب. رمادٌ تخلّف عن نار، وحوضٌ شُرِبَ أوّله ولم يبق ‏منه غير أكدار. آباء وأحساب، وحال كشجر الشلجم أحسن ما فيه ما ‏كان تحت التراب. ترى الفتيان كالنخل، وما يدريك ما الدخل؟ إلى رطانة ‏بالعُجْمة بين الأعراب، أبرد من استعمال النحو فى الحساب. ولو كان ذا ‏حيلة لتحوَّل، وهل عند رسمٍ دارسٍ من معوَّل؟"(9)، وقول البشير ‏الإبراهيمى (الجزائرى): "لا أقسم بذات الحفيف، والجناح الخفيف، ‏المشارفة فى جوها للكفيف، وبالسرّ الـمُودَع فى التجاويف والتلافيف، ‏وبالـمُغِيرات صُبْحًا عليها التجافيف، والمغيرين على الحق كالطاهر بن ‏العفيف، وبالسابغات والسوابغ من الدروع والجلابيب، وبالآخذين أمس من ‏تل أبيب كالتلابيب، وبالبحر والسفينة، والحَبْر والدفينة، إن المتنبى لمن ‏موالينا، وممن تلقى الكهانة عن أَوَالينا، وإنه ما دُعِىَ بالمتنبى إلا لأنه كان ‏شاعرا كاهنا ليناقض النبى الذى لم يكن كاهنا ولا شاعرا"(10)، وقول عبد ‏الرحمن بن صالح الخليفى (القطرى) من مقدمته لكتاب "بستان الأكياس، ‏والأفراد من الناس"، الذى أصدره عام 1938م: "أما بعد فإن أشرف ما ‏منح الله به العباد، وأقام به البلاد، العقول الراجحة، والبصائر الثاقبة ‏الصالحة، فتفتقت عن ثمارها الألسن، فأوضحت بنورها ما لم تدركه ‏الأعين. فأردت أن أجمع نبذة من الأدب، ودرجات أهل الحسَب، من مثلٍ ‏سائر، وبيتٍ نادر، وقصيدةٍ مشتهرة، ولطيفةٍ مفتخرة، لى ولأبنائى، ‏وأصدقائى وأحبائى، فأتى بعون الله وتوفيقه كُلَّ الصيد فى جوف الفَرَا، ‏وإن كنتُ من المتأخرين إلى وَرَا"(11). ‏
الكتابة بالعامية: ‏
كان الأدب العربى القديم كله يُكْتَب باللغة الفصحى شعرا ونثرا، ‏اللهم إلا الخـَرجات العامية لبعض الموشحات الأندلسية، وإلا الزَّجَل وما ‏إليه. أما النثر فلا أستطيع أن أذكر منه شيئا ذا بال سوى أن أسامة بن ‏منقذ فى ترجمته لنفسه فى كتاب "الاعتبار" كان يخلط الفصحى بالعامية ‏أحيانا، إذ كان يملى كتابه شفاها ولم يكتبه بيده، وإلا فإن مؤلفاته الأخرى ‏التى سجلها بقلمه ولم يُمْلِلْها قد كُتِبَتْ، كما كُتِب النثر العربى كله، بالعربية ‏الفصيحة. ومع ذلك لم يحدث أنْ دعا أحد، تحت أى ظرف أو لأى ‏سبب، إلى نبذ الفصحى وإحلال العامية محلها. وظل هذا هو الوضع ‏حتى العصر الحديث ووقوع معظم البلاد العربية فى قبضة الاحتلال ‏الأوربى وقدوم المستشرقين إلى بلادنا للعمل والإقامة، فعندئذ ظهرت ‏الدعوة إلى استبدال العامية بالفصحى فى الكتابة والأدب بذريعة أن ذلك ‏أصدق فى التعبير عما بالنفوس وأن العامية أقدر على استيعاب العلوم ‏العصرية، فضلا عن الزعم بأن هذا هو التطور الطبيعى للأمور. فكما ‏حدث أن اللاتينية، التى كان يستعملها عدد من البلاد الأوربية فى العصور ‏الوسطى، قد اختفت فى العصر الحديث من دنيا الاستعمال وحلت ‏مكانها اللهجات المختلفة التى انشعبت منها كالفرنسية والإيطالية ‏والإسبانية، فكذلك من الطبيعى أن تختفى العربية الفصحى لتأخذ مكانها ‏اللهجات المتعددة التى تستخدمها الشعوب العربية فى أغراض حياتها ‏اليومية.‏
ومن الذين دَعَوْا فى مصر إلى استخدام العامية فى الكتابة مجلة ‏‏"المقتطف"، التىكانت تنزع منزعا غربيا واضحا، وذلك فى 1881م، ثم ‏قاض إنجليزى فى محكمة الاستئناف المصرية اسمه وِلْمُور أصدر كتابا فى ‏عام 1902م حاول فيه التقعيد للعامية القاهرية ودعا إلى اتخاذها أداة ‏للكتابة بدل الفصحى، وتلاه بعد أربع وعشرين سنة إنجليزى آخر هو ‏مهندس الرى وليم كوكس، الذى ترجم أجزاء من الإنجيل إلى العامية تطبيقا ‏عمليا لتلك الدعوة المشبوهة(12). أما فى لبنان فممن توَلَّوْا كِبْرَ هذه الدعوة ‏روفائيل نخلة، الذى كان يدعو إلى العامية وتزيينها لمن حوله، والذى يقول ‏العالمون ببواطن الأمور إنه هو المؤلف الحقيقى للكتاب الذى عليه اسم ‏مارون غصن فى قواعد العامية اللبنانية. ومنهم أيضا سعيد عقل، الذى ‏أصدر صحيفة أسبوعية بالعامية اللبنانية المكتوبة بحروف لاتينية. ومنهم ‏كذلك الشاعر يوسف الخال، الذى كان يسمى العامية: "اللغة المحكيّة" كى ‏يغطى سوأتها خداعا منه لمن لا يوافقونه على رأيه وموقفه(13). وفى بلاد ‏المغرب العربى قام بهذه الدعوة الأثيمة منذ العشرينات بعض الرهبان ‏الفرنسيين المسمَّيْن بــ"الآباء البيض" كالأب فوكا والأب سلام، فضلا عن ‏عدد من المستشرقين أمثال ماسينيون وكولون وفرساى. وقد وقف فى ‏وجه هذه المخططات أبناء البلاد الشرفاء(14). ويذكر محمد مزالى أن كثيرا ‏من المستشرقين قد أَفْنَوْا أعمارهم فى دراسة اللهجات العامية فى بلاد ‏المغرب العربى ناعتين الفصحى بالجمود والقصور، وإن كان بعضهم تراجع ‏عن رأيه كالمستشرق وليم مرسيه، الذى عاد فكتب يمجد لغة الضاد ‏مؤكدا مقدرتها على التعبير عن أى رأى أو إحساس مهما دَقَّ أو ‏لَطُف(15).‏
وكانت المسرحيات الهزلية هى السابقة فى اصطناع العامية، أما ‏الآن فكثير من المسرحيات، هزليةً كانت أم جادّةً، تصطنع هذه اللهجة ‏كمسرحيات محمد تيمور ويوسف إدريس ومصطفى محمود وألفرد فرج ‏ونعمان عاشور وعلى سالم وغيرهم فى مصر. وقس على ذلك نظراءهم ‏فى البلاد العربية الأخرى. على أنه لا بد من القول بأن من كتاب ‏المسرحيات من يؤثرون الفصحى ولا يَرْضَوْن النزول إلى مستوى العامية فى ‏إبداعهم كمحمود تيمور(16) وعلى أحمد باكثير وتوفيق الحكيم (من مصر)، ‏ومحمد المسعدى (من تونس)، وسعد الله ونوس (من سوريا). أىأن هناك ‏تيارين لغويين مختلفين فى ميدان التأليف المسرحى. أما فى ميدان القَصَص ‏فثمة عدد من المؤلفين يزاوجون فى أعمالهم بين الفصحى فى السرد ‏والوصف والتحليل وبين العامية فى الحوار بدعوى أن الناس لا يتحدثون ‏فى حياتهم اليومية بالفصحى، فكيف يصح أن نُنْطِقهم بها فى الروايات ‏والأقاصيص؟ وفاتهم أن الواقعية لا تعنى نقل الواقع كما هو لأن هذا ‏مستحيل، بل العبرةُ بالإيهام بذلك، وهو ما يمكن جدا أن يتحقق من خلال ‏الفصحى. والمهم أن يحسن الكاتب تصوير شخصياته والمطابقة بين ‏مستواها الفكرى والاجتماعى والنفسى وبين لغتها فيجعل لغة العامة ‏والخدم مثلا أبسط من لغة الرؤساء والمثقفين. وهذا هو المحكّ الحقيقى ‏لموهبة القصاص وبراعته لا اللجوء إلى العامية، التى نعرف كلنا أنها ليست ‏عامية واحدة للعرب جميعا ولا فى أى بلد على حدة، بل ولا فى أية ‏مدينة، إذ هى تحتلف باختلاف الأحياء والطبقات والأجيال كذلك. وأين ‏الكاتب الذى يجرؤ على الزعم بأنه يعرف كل تلك اللهجات العربية بدقائقها ‏وشِيَاتها المختلفة؟ ‏
وعلى أية حال فإن استعمال العامية فى النثر العربى مقصور تقريبا ‏على المسرح والقصة، أما فيما عدا هذا فليس ثمة شىء يستحق الإشارة ‏إليه، ومنه كتاب "مذكرات طالب بعثة"، الذى ألفه لويس عوض فى ‏بريطانيا أيام أن كان يدرس هناك للحصول على درجة الدكتورية فى الأدب ‏الإنجليزى، وذلك رغبة منه فى كسر رقبة البلاغة العربية كما كان يقول، ‏وهى غاية مريبة لا يترتب عليها إلا تفتيت العرب لغويا مثلما تم تفتيتهم ‏سياسيا، فلا يكون ثَمَّ تفاهم بين بعضهم وبعض. كما تقوم بينهم وبين تراثهم ‏وكتابهم الكريم حينئذ حواجز كَؤُود لا يسهل اختراقها ولا القفز فوقها إلا ‏لقلة قليلة. وللعلم فإن العامية التى كتب بها لويس عوض كتابه ذاك هى ‏عامية مصطنعة غير التى نتحدث بها أو نعرفها. بل إنها لأبعد عن تمثيل ‏عقل صاحبها ونفسه من اللغة الفصحى التى يفترى عليها الافتراءات ‏ويحسب أنه قادر على القضاء عليها. وقد نُسِىَ هذا الكتاب الثقيل الظل ‏الآن وأصبح فى خبر "كان"، ورجع صاحبه من يومها إلى الفصحى فى كل ‏ما يكتب، وإنْ وَضَع كتابا فى أوائل الثمانينات يحاول فيه التشكيك فى ‏قِدَم اللغة العربية وأصالتها.‏
وقد قام توفيق الحكيم فى ميدان التأليف المسرحى بمحاولة البحث ‏عن أسلوبٍ وسطٍ بين العامية والفصحى يمكن أن يُقْرَأ بهذه أو بتلك ‏حسبما يريد القارئ، إذ قرّب الأسلوب العامى على قدر المستطاع من ‏مستوى الفصحى نطقا وتركيبا وكتب به مسرحيته: "الصفقة" بحيث إذا ‏أحب القارئ أن يقرأها بالعامية فما عليه إلا أن يقلب القاف همزة (أو ‏جيما قاهرية)، والذال دالا، ويترك الإعراب، أما إذا تعامل معها على أنها ‏من الأدب الفصيح فليقرأها كما هى مكتوبة. وقد ذكر المؤلف فى الخاتمة ‏أنه إنما فعل ذلك للتقريب بين طبقات الشعب الواحد، وكذلك بين الشعوب ‏العربية المختلفة، من خلال توحيده لأداة التفاهم بينها قدر الإمكان(17). ‏لكن فاته أن العامية التى استخدمها فى "الصفقة" وأراد التقريب بينها وبين ‏الفصحى إنما هى إحدى العاميات المصرية التى لا أظن أحدا من الكتاب ‏المسرحيين العرب خارج مصر يستطيع استخدامها. أى أنه سيكون لدينا ‏تجارب من هذا النوع بعدد الشعوب العربية على الأقل. أيا ما يكن الأمر ‏فالذى يهمنا هنا هو أن هذا العمل المسرحى قد كُتِب بلغة لم يسبق للعرب ‏أن فكروا فى استخدامها فى أى من إبداعاتهم الأدبية على كثرتها الكاثرة ‏وتنوعها الهائل. ومبلغ علمى أن أحدا آخر من كتّاب المسرح لم يحاول أن ‏يتابع هذه التجربة الحكيمية. ‏
الكتابة بلغة أجنبية: ‏
ومن مظاهر التطور فى نثرنا الحديث استخدام بعض الكتاب العرب ‏للّغات الأجنبية فى إبداعهم الأدبى حَصْرِيًّا أو بجانب لغتهم العربية. وهناك ‏عدة أسباب لذلك: فمثلا الكتاب الجزائريون الذين أنتجوا أدبهم باللغة ‏الفرنسية كمحمد ديب وكاتب ياسين ومولود فرعون ومولود معمّرى ومالك ‏حداد وإدريس الشرايبى وآسيا جبار إنما فعلوا ذلك لأن الفرنسيين فرضوا ‏لغتهم فرضا على الجزائر وعملوا على فَرْنَستها، وكانت ثمرة هذا الوضع أن ‏هؤلاء الكتاب الجزائريين وأمثالهم ممن تعلموا فى ظل الاحتلال الفرنسى ‏لبلادهم قد أتقنوا لغة المحتلين فى الوقت الذى لم يحسنوا فيه تعلم لسانهم ‏القومى والدينى أو لم يريدوا ذلك. كما أن لبعض الكتاب التونسيين أعمالا ‏بلغة الفرنسيس مثل ألبير ممى والهاشمى البكوش وكلود بنعادى ومحمود ‏أصلان ومصطفى الكعبى وصالح القرمادى، وكذلك الحال بالنسبة إلى ‏فريق من الكتاب المغاربة كعبد اللطيف الكعبى والطاهر بن جلون وعبد ‏الكبير الخطيبى تأثرا منهم بالاحتلال الفرنسى لبلادهم. أما مؤلفات جبران ‏ونعيمة مثلا بالإنجليزية فقد أُلِّفَتْ فى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم ‏استُخْدِمَتْ فيها لغة البلاد التى كانوا يقطنونها وأصدروا مؤلفاتهم كى تُقْرَأ ‏هناك. وتشبه هذه الحالة حالة المصريين الذين غادروا أرض الكنانة إلى ‏فرنسا وأضْحَوْا جزءا من نسيج المجتمع الفرنسى مثل جويس منصور ‏وأندريه شديد، كما تشبهها حالة إدوار عطية اللبنانى الذى كتب ترجمته ‏الذاتية بالإنجليزية، إذ كان قد تجنس بالجنسية البريطانية وأصبح يعيش فى ‏جزيرة جون بول، وكذلك أهداف سويف المصرية التى صدرت لها بآخرةٍ ‏بعض الأعمال القصصية بالإنجليزية بعد أن تركت مصر وتزوجت من رجل ‏إنجليزى تعيش معه فى بلاده. بل إن أديبا كإبراهيم العريِّض البحرينى الذى ‏لا يدخل تحت أى بند من هذين له مسرحية بالإنجليزية عن "وليم تل".‏
ويتصل بها نَوْعَ اتصالٍ ما درج عليه كثير من الناثرين العرب فى ‏العصر الحديث من تطعيم كتاباتهم ببعض الألفاظ أو التعبيرات الأوربية ‏لتوضيح ما يقولون أو تأكيده أو لمجرد الاستعراض. وهم فى هذا قد ‏يكتبونه بالحروف العربية، وقد يسوقونه كما هو فى أصل لغته بالحرف ‏اللاتينى. ويتصل بذلك أيضا ظاهرة وجود أدب عربى مكتوب باللغة ‏العربية خارج ديار العرب. أقصد به الأدب المهجرى فى الولايات المتحدة ‏الأمريكية وفى أمريكا الجنوبية، وهو الأدب الذى أنتج لنا جماعتين أدبيتين ‏مشهورتين هما الرابطة القلمية فى أمريكا الشمالية، والعصبة الأندلسية فى ‏البرازيل من أمريكا اللاتينية، وأخرج طائفة من أعلام النثر الحديث أمثال ‏الريحانى ونعيمة وجبران وشفيق المعلوف ورشيد الخورى. ولهذا الأدب ‏سماته التى تميزه عن غيره من الآداب داخل الخيمة الكبيرة للأدب العربى ‏الحديث مما تناوله الدارسون فى بحوثهم وكتبهم، مثل البعد عن فخامة ‏الأسلوب وجزالته، وهَجْر التعبيرات التقليدية، وافتراع كثير من الصُّوَر ‏المجنَّحة، والهيام بالطبيعة، والدعوة بقوة إلى الحرية، وسريان نفحة صوفية ‏وإنجيلية فى كتاباتهم، وكثرة صفحات الشعر المنثور فى إبداعاتهم. ‏وظاهرة الأدب المهجرى هى، بلا شك، ظاهرة جديدة لا عهد للأدب ‏العربى القديم بما يشبهها.‏
فنون نثرية جديدة: ‏
انصرفت همة المترجمين فى العصر العباسى إلى نقل العلوم الطبيعية ‏والرياضيات والفلسفة، وكذلك ما قاله أرسطو عن الشعر والخطابة، أما ‏الأدب فلم ينشط له التراجمة إلا فى أضيق نطاق. وقد كان اتجاه الترجمة ‏فى بداية العصر الحديث كاتجاهها تحت حُكْم العباسيين، أى نقل كتب ‏العلوم من طب وكيمياء وصيدلة وجغرافيا إلى لسان العرب، ثم تحول الحال ‏فيما بعد فانفتحت الأبواب والنوافذ انفتاحا لترجمة المسرحيات والقصص، ‏ثم لحقت بهما كب الأدب الأخرى. ولدينا الآن مقدار هائل من تلك ‏الإبداعات الأدبية نقله المترجمون العرب الـمُحْدَثون من الإنجليزية والفرنسية ‏والإيطالية والألمانية والإسبانية والروسية واليونانية واللاتينية، وكذلك من ‏اللغات الشرقية كالفارسية والأوردية والعبرية واليابانية...إلخ.‏
وكان من أثر ذلك أنْ دخلت المسرحية الأدب العربى، الذى لم يكن ‏يعرفها من قبل، اللهم إلا بعض المشاهد التمثيلية البسيطة أو فى خيال الظل ‏أو فى قصة "سعد اليتيم" و"سارة وهاجر" مما كان يمثَّل فى الاحتفالات ‏الشعبية ببعض البلاد المصرية(18). وكما تقضى سُنّة التطور بدأ الفن ‏المسرحى عندنا ضعيفا ساذجا ثم قَوِىَ بعد ذلك واستحكم، وكثرت ‏المسرحيات الجيدة ما بين مأساوية وملهاوية، وفصيحة وعامية، ومؤلَّفة ‏ومقتَبَسة، وتاريخية واجتماعية وفلسفية، ودينية واشتراكية ووجودية، ‏وواقعية ورمزية وعبثية...إلخ. وظهرت أسماء كثيرة فى هذا الميدان ‏كأحمد شوقى وفرح أنطون وإبراهيم رمزى ومحمد ومحمود تيمور وعزيز ‏أباظة وتوفيق الحكيم وعلى أحمد باكثير ونجيب سرور وعبد الرحمن ‏الشرقاوى وصلاح عبد الصبور (من مصر)، وعمر أبو ريشة وسعد الله ‏ونّوس ومصطفى الحلاج وممدوح عدوان وعلى عقلة عرسان (من سوريا)، ‏وجبران ونعيمة وسعيد تقى الدين وعصام محفوظ (من لبنان)، وهارون ‏هاشم رشيد وسميح القاسم ومعين بسيسو وغسان كنفانى (من فلسطين)، ‏ويوسف العانى ونور الدين فارس وعادل كاظم (من العراق)، وصقر ‏الرشود وعبد العزيز السريع (من الكويت)، وسلطان السالم وفؤاد عبيد ‏‏(من البحرين)، وعبد الرحمن المناعى وخليفة الكبيسى ودلال خليفة (من ‏قطر)، وعبد الله القويرى وعبد الكريم الدناع وعبد الحميد المجراب (من ‏ليبيا)، والحبيب أبو الأعراس وناجية ثامر وعز الدين المدنى وسمير العبادى ‏والتيجانى ذليلة (من تونس)، وكاكى عبد الرحمن والكاتب علولة (من ‏الجزائر)، والطيب الصديقى وعبد الكريم برشيد ومحمد شهرمان (من ‏المغرب)، وخالد أبو الروس وإبراهيم العبادى والطاهر شبيكة والفاضل ‏سعيد (من السودان).‏
ويميل بعض الدارسين إلى القول بأن القصة هى أيضا من الفنون ‏الأدبية الطارئة على الأدب العربى، استمدها من الآداب الغربية فى هذا ‏العصر. وهو رأىٌ فَطِيرٌ متسرع، ففى التراث الأدبى الذى خلّفه لنا أسلافنا ‏قَصَصٌ كثير منه الطويل مثل "رسالة النمر والثعلب" لسهل بن هارون، ‏و"رسالة الغفران" للمعرى، و"رسالة التوابع والزوابع" لابن شُهَيْد، و"رسالة ‏حَىّ بن يقظان" لابن طُفَيْل، وبعض قصص "ألف ليلة وليلة، و"سيرة ‏عنترة"، و"سيرة سيف بن ذى يزن"، ومنه القصير كالحكايات التى تَغَصّ ‏بها كتب الأدب وجَمَعَ طائفةً كبيرةً منها محمد أبو الفضل إبراهيم وعلى ‏محمد البجاوى ومحمد أحمد جاد المولى فى أربعة مجلدات كبار، ‏و"المقامات"، وبعض قصص "ألف ليلة وليلة" أيضا... إلخ، ومنها النثرىّ ‏كالأمثلة السابقة، والشِّعْرِىّ كقصائد الشَّنْفَرَى عن لقائه بالغول، وقصيدة ‏الحُطَيْئة: "وطاوِى ثلاثٍ عاصبِ البطن مُرْمِلٍ"، وكثير من قصائد عمر بن ‏أبى ربيعة، وأبيات الفرزدق عن الذئب، ورائبة بشار، ومغامرات أبى نواس ‏الخمرية، وقصيدة المتنبى عن مصارعة بدر بن عمار للأسد... وهلم ‏جرا.‏
وقد يعترض بعضٌ بأن الشكل الفنى للقَصَص الغربى يختلف عنه فى ‏القَصَص العربى القديم. لكن هذا الاعتراض ليس بشىء لأن الفن ‏القصصى تتغير أشكاله مع الزمن، والقصص الغربى نفسه فى بدايته يختلف ‏عنه الآن من هذه الناحية اختلافا شديدا، وليس هذا بمسوغ عند أحد ‏للقول بأن الغرب لم يكن يعرف القصة من قبل. بل إن الشعر العربى نفسه ‏قد تغير الآن تغيرا هائلا عن الشعر الذى كان يَنْظِمه العرب القدماء، فهل ‏يصح الزعم بأن العرب لم يعرفوا الشعر فى الماضى؟ إن هذا مثل ذاك. بل ‏إن عددا كبيرا مما تركه العرب من قَصَص ليصمد لمحكّ الشكل الفنى ‏الحديث، وكثير من النقاد العرب الكبار فى عصرنا قد أثبتوا هذا وأطالوا ‏القول فيه.‏
كذلك قد يحتج الذين يَنْفُون عن العرب القدامى معرفتهم بالفن ‏القصصى بأن "ألف ليلة وليلة" والسِّيَر الشعبية مثلا تقوم على حوادث ‏مغرقة فى الخيال لا علاقة لها بالواقع اليومى. إلا أن هذا احتجاج خاطئ، ‏ففى كثير من قِصَص "ألف ليلة وليلة" تصويرٌ حىٌّ للواقع العربى والإسلامى ‏فى الفترة التاريخية التى تدور فيها، أما الجانب المغرق فى الخيالات ‏والغرائب فها هى ذى الواقعية السحرية تعيده لنا اليوم من جديد، وكثير ‏من القصاصين والنقاد يتحدثون عنها حديث المبهور، فهل نستطيع القول ‏بأن الروايات التى يكتبها قصاصو أمريكا الجنوبية على أسس من هذه ‏الواقعية السحرية لا تمت بصلة إلى فن القصة؟
وهناك أيضا من يحاولون التهوين من شأن "المقامة" بدعوى أن كتّابها ‏كانوا يَتَغَيَّوْن استعراض عضلاتهم اللغوية فحسب. وهذه، فى واقع الأمر، ‏دعوى مُنْكَرة لأن المقامات ليست براعة لغوية فقط، بل فى كثير جدا مما ‏ترك الهمذانى والحريرى مثلا الحكاية الشائقة والتصوير العجيب والحوار ‏الخلاب والعقدة المحكمة. فإذا أضفنا إلى ذلك كله الأسلوب اللغوى ‏المزخرف الذى كان يستخدمه كاتب المقامة أدركنا إلى أى مدى كان ‏المقامىّ متقنا لفنه ممسكا بخيوكه بغاية الإحكام. وأين هذا من بعض كتاب ‏القصة الحاليين ممن يعانون من فقر المعجم وركاكة الأسلوب والجهل بقواعد ‏النحو والصرف؟ صحيح أن الذوق الأدبى قد تغير الآن، بَيْدَ أن هذا لا ‏ينبغى أن يدفعنا إلى الافتئات على ذلك الفن وأصحابه، الذين كانوا فى ‏إبداعهم أبناء عصرهم الأوفياء. وبالمناسبة لم يكن كتاب القصة ونقادها ‏فى بدايات العصر الحديث فى مصر مثلا يَرَوْن فيها فنا جديدا، بل مجرد ‏امتداد لفن قديم عرفه العرب من قبل مما أوضحتُه فى الباب الأول من ‏كتابى: "نقد القصة فى مصر: 1888- 1980م" فى الفصل المسمَّى: ‏‏"القصة المصرية والتراث القصصى العربى"(19).‏
على أن الجديد الذى عرفه القصص العربى فى العصر الحديث ولم ‏يكن له وجود فيما خلفه لنا العرب القدماء هو رواية القصة على لسان ‏عدة أشخاص من أبطالها، كلٌّ يراها من زاويته ويفسر ما يراه تفسيرا ‏يختلف كثيرا أو قليلا عن تفسير الرواة الآخرين. وهذا الشكل الفنى قد ‏أخذناه عن الأوربيين، وأساسه فكرة "النسبية"، التى أفرزها هذا العصر ‏الذى نعيش فيه. ومن ذلك أيضا "تيار الوعى"، الذى أخذه بعض ‏قصاصينا عن نظرائهم فى الغرب، وهو أحد مظاهر التأثر بالدراسات ‏النفسية. ومن هذا الجديد كذلك المزج بين القصة والمسرحية، هذا المزج ‏الذى تمثَّل فى "بنك القلق" لتوفيق الحكيم وسماه صاحبه: "مَسْرِوَاية"، وإن ‏لم ينتشر كما كان يُرْجَى له. وإذا كان الشىء بالشىء يذكر فإن "السيرة ‏الشعبية" مثلا كانت تمزج هى أيضا بين الشعر والنثر، وإن اختلفت فى ‏هذا المزج عن طريقة "المسرواية"، التى تتألف من فصل قصصى يتلوه فصل ‏مسرحى... وهكذا دواليك، أما "السيرة" فيَرِدُ الشعر فيها أثناء السرد ‏والحوار كجزءٍ منهما لا كشىءٍ منفصل.‏
ليس هذا فقط، بل هناك أيضا النقد القصصى والتأريخ للرواية ‏والقصة القصيرة والترجمة لأعلامهما، وهو أمر لم يعرفه الأدب العربى القديم، ‏إذ كان النقد آنذاك منصبا على الشعر بالدرجة الأولى، ثم الخطابة ‏والرسائل الديوانية بعد ذلك. وها هو ذا مثلا كتاب "الصناعتين" لأبى ‏هلال العسكرى، وكتاب "نقد النثر" المنسوب لقدامة بن جعفر، و"المثل ‏السائر" لابن الأثير، فلْنُقَلِّبْ فيها كما نُحِبّ، فلن نجد أى كلام فى النقد ‏القصصى. أما الآن فالدراسات النقدية والتأريخية التى تدور حول فن ‏القصة وأعلامه واتجاهاته وأشكاله قد بلغت من الكثرة والتنوع مدى ‏بعيدا، وهذا من شأنه أن يساعد أدباء القصة على التجويد والتطوير ‏المستمر. ولا شك أننا مَدِينون فى هذا المجال للنقد القصصى الغربى الذى ‏قرأناه فى لغاته الأصلية أو مترجما، وهذا النقد يرجع فى أساسه إلى ما ‏كتبه أرسطو عن المسرحية والملحمة.‏
وكما هو الحال في القصة والزعم القائل بأنها فن جديد اقتبسناه من ‏الغرب ولم يعرفه التراث الأدبى العربى نجد أيضًا من يقول إن المقال هو من ‏الفنون التى لم تعرفها أقلام العرب القدماء. يقول الدكتور شوقى ضيف مثلا ‏إن "المقالة قالب قصير قلما تجاوز نهرا أو نهرين في الصحيفة، ولم يكن ‏العرب يعرفون هذا القالب، إنما عرفوا قالبا أطول منه يأخذ شكل كتاب ‏صغير، وهم يسمونه: "الرسالة"، مثل رسائل الجاحظ، ولم ينشئوه من تلقاء ‏أنفسهم، بل أخذوه عن اليونان والفُرْس، ورَأَوْا فيها بعض الموضوعات ‏الأدبية التى خاطبوا بها الطبقة المتميزة من المثقفين فى عصورهم. أما ‏المقالة فقد أخذناها عن الغربيين، وقد أنشأتها عندهم ضرورات الحياة ‏العصرية والصحفية، فهي لا تخاطب طبقة رفيعة في الأمة، وإنما تخاطب ‏طبقات الأمة على اختلافها. وهي لذلك لا تتعمق في التفكير حتى تفهمها ‏الطبقات الدنيا، وهي أيضا لا تلتمس الزخرف اللفظي حتى تكون قريبة ‏من الشعب وذوقه الذى لا يتكلف الزينة والذى يؤثر البساطة والجمال ‏الفطري" (20).‏
وتعتمد حجة الأستاذ الدكتور فى نفى معرفة أسلافنا لفن المقال، ‏كما نرى، على صغر حجم المقال ووضعه الطبقات الدنيا فى الحسبان قبل ‏أية فئة أخرى فى المجتمع، ومن ثم البعد عن العمق الفكرى والزخرف ‏البديعى. ومن السهل الرد على كل نقطة من هذه النقاط: فالمقالات ‏تتفاوت طُولاً وقِصَرًا، وإذا كانت هناك مقالات صغيرة بالحجم الذى ذكره ‏أستاذنا الدكتور فهناك مقالات أطول من ذلك كثيرًا، ومنها ما يستغرق ‏صفحة كاملة من الجريدة، وما أدراك ما صفحات الجرائد؟ وعلى أية حال ‏فمعيار الطول ليس بالمعيار المهم إلى هذا الحد، فهو معيار شكلى. ثم من ‏قال إن جميع المقالات تفهمها الطبقات الدنيا في مجتمعنا أو حتى تهتم بأن ‏تقرأها أصلا؟ الحق أن الأمر هنا هو كمسألة الطول والقصر: فهناك ‏المقالات السطحية التى تشبه قزقزة اللب، وهناك مقالات أرفع من ذلك ‏قليلا، وهناك مقالات عميقة لا يصبر عليها بل لا يفكر مجرد تفكير في ‏مطالعتها إلا كبار المثقفين: إما لموضوعها الذى لا يهم أحدا غيرهم، وإما ‏للأسلوب الراقى الذي كُتِبَتْ به. وهل المقال يكتبه محمد عبده أو ولى ‏الدين يكن أو العقاد أو الزيات أو طه حسين أو شوقى ضيف كمقال يكتبه ‏أنيس منصور أو محمود السعدنى مثلا؟
ويبقى الزخرف اللفظى، وهو لم يكن طابع النثر القديم كله كما بيّنّا، ‏فقد غَبَرَ زمن طويل على التأليف العربى لم يعرف فيه هذا الزخرف، ثم ‏أخذ الكتاب العرب يَسْلُكون طريقه ويتدرجون فى تعقيداته إلى أن بلغوا ‏من ذلك شأوا بعيدا. ومع ذلك فقد مر فى هذه الصفحات أن السجع ‏وغيره من الزخارف البديعية لم يكن دَيْدَنَ النثر كله حتى فى أشد عصور ‏الأدب العربى تخلفا. وعلى أية حال فإن التزام البديع أو نَبْذَه إنما هو مسألة ‏ذوق يتغير بتغير العصور. ولقد كانت المقالة فى بداية النهضة الحديثة ‏تُزَخْرَف بالسجع وغير السجع من المحسنات البديعية، فهل ينفى هذا عنها ‏صفة المقالة؟
ومن الذين ينكرون معرفة الأدب العربى القديم لفن المقالة أيضا أنيس ‏المقدسى، فهو يقول إن "قِوَام المقالة شخصية الكاتب، وأهم مزاياها أنها ‏انعكاس وجدانى، فهى لا تتسع للتّقَصِّى والاستقراء كالمباحث العلمية أو ‏الفلسفية، ويشترط فيها أن تتجنب طريق الوعظ والتعليم، فلا يتكلف ‏صاحبها الجِدّ والوقار شأن الحكماء والمربين، بل يعالج الموضوع مهما كان ‏نوعه فى جو من التَّفْكِهة والطلاوة، وفى أسلوبٍ حُرٍّ من أغلال الصنعة"، ‏ثم يخرج من ذلك بأن كتابات العرب القدماء كانت تخلو من هذه الشروط، ‏ومن ثم لا يدخل شىء منها فى فن المقالة(21). والواقع أننا لو أخذنا مثلا ‏شرط التفكهة والطلاوة لأخرجنا معظم المقالات من الميدان، إذ قلما ‏يستطيع كاتبٌ هذه الطلاوة وتلك التفكهة، فليس كتاب المقالات كلهم كعبد ‏العزيز البشرى أو إبراهيم المازنى أو زكى مبارك مثلا. والعجيب أن ‏الأستاذ المقدسى الذى يستبعد من فن المقالة أية كتابة تعتمد على الوعظ ‏والتعليم أو تتسم بالجِدّ والوقار هو هو نفسه الذى يقول إن "المقالة" الغربية ‏فى أول عهدها كانت "عبارة عن فصل وجيز يعالج بعض الشؤون ‏الأخلاقية أو الإصلاحية"(22)، فكيف غض البصر هنا عن شرط خلو ‏المقالة من الوعظ والتعليم والجِدّ والوقار؟ ثم من قال إن كتابات العرب ‏القدماء لم تكن تعكس شخصياتهم؟
ولعل الأَحْجَى بنا أن ننظر فى تعريف الغربيين أنفسهم لهذا الفن ‏لنرى مدى إمكان انطباقه على بعض الكتابات العربية القديمة: لقد عرّفها ‏د. صمويل جونسون مثلا بأنها وثبة عقلية لا ينبغى أن يكون لها ضابط ‏من نظام، وأنها قطعة إنشائية لا تجرى على نسق معلوم أو لم يتم هضمها فى ‏نفس كاتبها. وقال مَرِى إنها قطعة إنشائبة ذات طول معتدل تدور حول ‏موضوع معين، وإنها كانت تعنى فى البداية موضوعا إنشائيا يحتاج إلى ‏الصقل والتهذيب، ولكنها تطلق الآن على أية قطعة إنشائية متوسطة الطول ‏تدور فى مجال موضوعى محدد(23). وجاء فى "قاموس لاروس" أنها ‏الكتابات التى لا يدّعى أصحابها التعمق فى بحثها أو الإحاطة التامة فى ‏معالجتها. وفى "قاموس أوكسفورد" أنها إنشاء متوسط الطول فى موضوع ‏ما. أما "دائرة المعارف البريطانية" فحددتها بأنها قطعة إنشائبة ذات طول ‏متوسط تُكْتَب نثرا، وأنها تعرض الأبعاد الخارجية للموضوع بأسلوب سهل ‏سريع، ولا تهتم إلا بما يَمَسّ كاتبَها عن قرب(24).‏
وهو ما نجد كثيرا منه فى المعاجم التالية: ففى ‏‏"‏Dictionary.com Unabridged‏" نقرأ تعريف المقالة على النحو ‏التالى: "‏a short literary composition on a particular ‎theme or subject, usually in prose and generally ‎analytic, speculative, or interpretative‏". وفى ‏‏"‏American Heritage Dictionary‏: "‏A short literary ‎composition on a single subject, usually presenting ‎the personal view of the author‏". وفى "‏Online ‎Etymology Dictionary, © 2001‎‏": "‏‎1597, "short non-‎fiction literary composition" (first attested in ‎writings of Francis Bacon, probably in imitation of ‎Montaigne), from M.Fr. essai "trial, attempt, essay," ‎from L.L. exagium "a weighing, weight," from L. ‎exigere "test," from ex- "out" + agere apparently ‎meaning here "to weigh." The suggestion is of ‎unpolished writing. Essayist is from 1609‎‏". ‏
ومن الواضح أن بين بعض هذه التعريفات وبعضها الآخر شيئا من ‏التناقض فيما يخص مسألة الأسلوب، إذ يشترط بعض المعرِّفين أن يكون ‏الأسلوب غير مصقول، فى حين لا يشترط الآخرون ذلك، بل ربما أوحى ‏كلام مرى أن هذا الشرط قد أصبح فى ذمة التاريخ. وأيًّا ما يكن الأمر ‏فلست أفهم كيف يكون احتياج الأسلوب إلى الصقل والتهذيب حسنة من ‏الحسنات يشترطها مُنَظِّرو فن المقالة؟ إن الطبيعة البشرية تهفو إلى الكمال، ‏ومما يميز الأديب عن غيره جمال أسلوبه وحسن عرضه. فليقل إذن بعض ‏المنظِّرين الغربيين ما شاؤوا فى شرط افتقار الأسلوب المقالىّ إلى الجودة ‏والجمال، ولنقل نحن ما نقتنع به، فكلامهم ليس قرآنا كريما لا يجوز الخروج ‏عليه. أقول هذا لأن الأدب العربى القديم كان يضع جمال الأسلوب وقوّته ‏نُصْبَ عينيه، وهذه هى الخطة الصحيحة، أما القول بخلاف ذلك فلا ‏يدخل العقل ولا القلب. إلا أن هذا شىء، والتكلف البديعى المرهق ‏شىء آخر. ومثل ذلك يقال عن شرط خلوّ المقالة من التنظيم ووقوعها من ‏ثَمَّ فى الغموض أحيانا، وبخاصة إذا انضاف إلى هذا وذاك الإهمالُ ‏الأسلوبى.‏
كذلك أود ألا يفوتنى التريث قليلا أمام اشتراط "دائرة المعارف ‏البريطانية" ألا تَمَسّ المقالة سوى الأبعاد الخارجية للموضوع، إذ إن كثيرا من ‏المقالات إنما تدور حول مشاعر أصحابها، وهذه المشاعر أمور داخلية لا ‏موضوعات ذات أبعاد خارجية على الكاتب ألا يصنع إزاءها شيئا إلا أن ‏يلمسها لمسا خفيفا. ترى هل من الممكن أن نشطب من بند المقالات ما ‏كتبه المازنى مثلا فى الحديث عن ابنته الصغيرة التى فقدها وهى فى رَيْعَان ‏الصبا كالوردة المطلولة فى بُكْرة الصباح، لأنه لم يكتف بأن يعرض الأبعاد ‏الخارجية لهذا الموضوع؟ وبمناسبة الحديث فى هذه النقطة أحب أن أقول ‏إننى أُعِيد هذه الأيام قراءة مقالات المعارك الأدبية التى دارت رَحَاها فى ‏الصحف بين أدباء مصر فى النصف الأول من القرن المنصرم، وفى كثير ‏منها حِجَاجٌ عقلىٌّ عميق، والتهابٌ وجدانىٌّ عنيف، وأسلوبٌ يجمع بين ‏المتانة والجمال. أفيجرؤ عاقل على إخراج ذلك كله من زمرة المقالات؟
فإذا عدنا إلى تراثنا العربى فسوف نجد فيه كثيرا من الكتابات التى ‏تندرج تحت لافتة "المقالة"، وإن لم يسمها أصحابها بهذا الاسم. لنأخذ ‏مثلا النصحية التى وجهتها أم جاهلية لابنتها التى توشك أن تنتقل إلى بيت ‏زوجها. إنها، حسبما وردت فى كتب الأدب القديمة، يمكن أن تُعَدّ مقالة ‏قصيرة توجهها سيدة مجربة إلى كل فتاة على عتبة الزواج. ولنأخذ أيضا ما ‏كتبه ابن المقفع فى "رسالة الصحابة". إنها مقال طويل نوعا، لكن ‏موضوعه إدارى سياسى. ويصدق هذا، وربما بصورة أقوى، على كثير مما ‏كتبه أبو الفرج الأصفهانى فى كتاب "الأغانى"، وابن المعتز فى "طبقات ‏الشعراء"، وكثير مما خطه قلم التوحيدى فى"مثالب الوزيرين" و"الإمتاع ‏والمؤانسة"، وما سطره الغزالى فى "المنقذ من الضلال"، وياقوت الحموى فى ‏عدد كبير من مواد كتابه: "معجم البلدان"، وأشياء كثيرة فى "صيد ‏الخاطر" لابن الجوزى. وهذه مجرد أمثلة امْتَحْتُها من الذاكرة كيفما اتفق. ‏إن المشكلة هى أن أجدادنا العرب لم يعرفوا فن الصحافة كما نعرفه الآن ‏لأن المطبعة لم تكن قد وُجِدَتْ بعد على أيامهم، فلم يكتبوا المقالة بشكلها ‏الصحفى المعروف ولم يستخدموا مصطلحها الذى نستخدمه نحن الآن، ‏لكن هذا لا يمنع أن يكون كثير مما يسمونه: "رسائل"، وكذلك كثير من ‏فصول الكتب التى تركوها لنا، مقالاتٍ صميمة(25).‏
وقد عدت إلى "‏‎ Columbia Electronic Encyclopedia‏" ‏فوجدت كاتب مادة "‏essay‏" يقول فى تعريفها ما نصه حرفيا: ‏
Essay: relatively short literary composition in ‎prose, in which a writer discusses a topic, usually ‎restricted in scope, or tries to persuade the reader to ‎accept a particular point of view. Although such ‎classical authors as Theophrastus, Cicero, Marcus ‎Aurelius, and Plutarch wrote essays, the term essai ‎was first applied to the form in 1580 by Montaigne, ‎one of the greatest essayists of all time, to his pieces ‎on friendship, love, death, and morality. In England ‎the term was inaugurated in 1597 by Francis Bacon, ‎who wrote shrewd meditations on civil and moral ‎wisdom. Montaigne and Bacon, in fact, illustrate the ‎two distinct kinds of essay—the informal and the ‎formal. The informal essay is personal, intimate, ‎relaxed, conversational, and frequently humorous. ‎Some of the greatest exponents of the informal essay ‎are Jonathan Swift, Charles Lamb, William Hazlitt, ‎Thomas De Quincey, Mark Twain, James Thurber, ‎and E. B. White. The formal essay is dogmatic, ‎impersonal, systematic, and expository. Significant ‎writers of this type include Joseph Addison, Samuel ‎Johnson, Matthew Arnold, John Stuart Mill, J. H. ‎Newman, Walter Pater, Ralph Waldo Emerson, and ‎Henry David Thoreau. In the latter half of the 20th ‎cent. the formal essay has become more diversified ‎in subject and less stately in tone and language, and ‎the sharp division between the two forms has tended ‎to disappear.‎‏ ‏
وهو ما لا يختلف فى جوهره عما قلناه من أن أجدادنا العرب كانوا ‏يعرفون ويمارسون هذا اللون من الكتابة، وإن لم يعرفوا المصطلح الحديث ‏الذى نسميه به، وكذلك لا يختلف عما أكدناه من أن المقالة لا يمكن أن ‏تكون دائما على وتيرة واحدة من حيث بروز العنصر الشخصى أو تواريه، ‏ولا من حيث تحليها بالفكاهة أو عدمه، ولا من حيث اكتفاؤها بلمس ‏سطوح الأشياء أو التعمق فيها، ولا من حيث خضوعها للنظام أو لا. ‏فكاتب المادة يقسم المقالات إلى نوعين: رسمى، وغير رسمى. فالنوع الأول ‏هو المقالة الشخصية الحميمة الفكهة التى لا تلتزم بنظام، والنوع الثانى هو ‏المقالة المنظمة التحليلية الجادة الموضوعية. كما نراه يؤكد أن المقالة كانت ‏موجودة منذ قديم الزمان لدى الإغريق والرومان، وإن لم يعرفوا آنذاك ‏مصطلحها الحالى.‏
وها هى ذى جانى بولانجيه (‏Jany Boulanger‏) أستاذة ‏الفرنسية بكلية فيو مونتريال (‏Vieux Montréal‏) بكندا تكتب فى ‏موقع "‏www.cvm.qc.ca‏"، تحت عنوان "‏L’Essai‏"، معرّفةً بالمقالة ‏تعريفا فيه شىء غير قليل من سعة الأفق ورحابة الرؤية، وإن لم يصل إلى ‏المدى الذى نأمله، فتقول:‏
L’essai, communément défini comme un ‎ouvrage littéraire en prose où se développe un ‎discours libre, argumentatif et affectif, apparaît à la ‎Renaissance avec Michel Eyquem de Montaigne ‎‎(1533-1592) qui souhaitait, par ses écrits Les Essais ‎‎(1588), répondre à l’inlassable question : «Que sais-‎je?». Écrire au gré de sa pensée, sans idées ‎préconçues, dans le seul plaisir de voir sa réflexion ‎en mouvement, voilà ce que recherchait avant tout ‎ce philosophe qui donna naissance à un genre ‎littéraire qui, faute de respecter des règles ‎prédéfinies, est souvent contesté. Mais, à y regarder ‎de près, comment pourrait-il en être autrement ? En ‎effet, l’étymologie même du mot, qui signifie à la ‎fois « tenter », « mesurer » et « peser », rappelle que ‎tout essayiste a le devoir d’exposer (« tenter ») sa ‎pensée sans la moindre restriction pour mieux en ‎éprouver (« mesurer », « peser ») la qualité, la ‎valeur et les fondements. Par ailleurs, Montaigne, ‎qui aimait affirmer «Je suis la matière de mon ‎livre», croyait que tout homme était à l’image de ‎l’humanité entière. Ainsi, dans un souci ‎d’authenticité et de vérité, la découverte de soi pour ‎mieux aller à la rencontre des autres fera de ce type ‎d’écrit le lieu de discours tant originaux ‎qu’inépuisables. L’essai, on l'aura compris, survivra ‎au philosophe en autant de versions que ‎d’individualités. ‎
Les Caractéristiques de l’essai: S’il est vrai que ‎l’essai est polymorphe, il possède néanmoins ‎quelques caractéristiques qui le distinguent des ‎autres genres. En voici les principales : ‎
Son style: L’essai est un écrit non fictionnel. Il ‎adopte un style clair et simple qui convient à ‎l’analyse, à l’explication et à l’observation. La ‎logique sera souvent une alliée de l’essayiste qui ‎cherche, par elle, à montrer les fondements et la ‎rigueur de son raisonnement. La première personne ‎du singulier, le « je », est souvent employée pour ‎montrer à la fois le point de vue unique ainsi que ‎l’expérience intime du monde dont l’écrivain veut ‎témoigner. ‎
Son ton: Ce type d’écrit cherche à convaincre ‎le lecteur, sinon à le faire réfléchir. Le ton y est donc ‎engagé, persuasif, mais toujours modéré, car ‎l’essayiste ne veut en aucun cas être accusé ‎d’intolérance ou de fanatisme. ‎
Sa these: La thèse, ici, est l’idée maîtresse de la ‎démarche réflexive de l’essayiste. Un essai est fondé ‎sur une seule proposition que l’écrivain mettra à ‎l’épreuve par l’exercice de sa pensée, qu’il voudra ‎rigoureuse et originale. Rappelons que, pour ‎Montaigne, le scepticisme ou le doute est le moteur ‎même du savoir puisqu’il permet d’interroger les ‎connaissances reçues pour en découvrir de plus ‎justes. ‎
Son but: Ce type d’écriture permet non ‎seulement de se prêter au « jeu » de la pensée, mais ‎de cultiver sa propre intelligence. Bien sûr, certains ‎penseurs voudront montrer, prouver et persuader ‎sans jamais, toutefois, vouloir soumettre l’autre à ‎leurs opinions ou à leurs positions : ce qu’ils ‎recherchent avant tout, par une provocation étudiée, ‎est de produire le choc des idées qui assure ‎l’innovation et la remise en question de leur ‎démarche réflexive respective. Voici comment ‎Francine Belle-Isle Létourneau l’explique dans son ‎article «L'Essai littéraire, un inconnu à plusieurs ‎visages»: «Mais il semble bien que l’originalité d’un ‎texte, ses intuitions, ses découvertes ne doivent pas ‎donner l’impression d’être imposées dès le départ, ‎car un lecteur heurté de front dans ses habitudes ‎mentales cesse vite d’être un bon lecteur. La ‎nouveauté du texte doit être suffisamment préparée ‎de telle sorte que le lecteur la découvre peu à peu et, ‎jusqu’à un certain point, croit y avoir participé»‎‏.‏
وفى هذا النص تقول الكاتبة إن فن المقال قد بدأ بمونتين فى القرن ‏السادس عشر، وكان كل همه التعبير بحرية عما بداخله من أفكار ‏ومشاعر دون قواعد مسبقة، وهذا ما جعله عرضةً للنقد، وإن أضافت ‏أنه لم يكن أمامه إلا هذا، إذ إن الأصل الاشتقاقى لكلمة "‏essai‏" يشير ‏إلى "المحاولة" وما فى معناها. أى أن كاتب المقال إنما يحاول عرض أفكاره ‏ومشاعره بأقل قدر ممكن من القيود. وفى استعراضها لخصائص هذا الفن ‏تشير الكاتبة إلى ما ينبغى أن يتحلى به المقال من بساطة العرض واستعانة ‏كاتبه بالمنطق لإقناع القارئ بما لديه أو دفعه إلى التفكير على أقل تقدير، ‏على ألا يشعره بأنه يريد الاستبداد به. كما تشير إلى أن لكل كاتب ‏شخصيته وطريقته فى ممارسة هذا الفن الكتابى، وهو ما يعنى أنه ليس ‏هناك منهج واحد يجب على كتاب المقالات جميعا الالتزام به. ‏
وإلى جانب ما مر هناك شىء نسمع به فى العقود الأخيرة اسمه ‏‏"قصيدة النثر"، التى تنتمى إلى جنس النثر فى خلوها من الوزن والقافية، ‏وتزعم أنها تأخذ من الشعر تكثيفه وعاطفيته وصوره وأحلامه والسطور ‏غير الكاملة بدلا من السطور التامة المتتابعة التى تكوّن بدورها فقرات ‏فمقالاتٍ أو كتبًا. فهل هناك جديد فى ذلك؟ لقد عرف العرب أولاً، ‏ولقرونٍ طِوَاٍل، القصيدةَ التى تتكون من عدد من الأبيات، كل بيت منها ‏مقسم إلى شطرين يتطابقان عروضيا أو يكادان، وكلها تنتهى بذات ‏القافية. أى أن البيت هو وحدة القصيدة الأساسية موسيقيا. ثم إنهم ‏عرفوا بعد ذلك الموشَّحات وبعض الأشكال الشعرية الأخرى التى لا يشكّل ‏البيت وحدتها الموسيقية الأساسية بل المقطع، فللمقطع نظامه الذى يتكرر ‏بحذافيره فى كل المقاطع. وفى العصر الحديث ظهر الشعر الحر أو شعر ‏التفعيلة، وهو لا يتكون من أبيات ولا مقاطع، بل من سطور. وهذه ‏السطور لا تجرى على بحر من بحور الخليل المعروفة، بل فى الغالب على ‏تكرير تفعيلة بعينها عددا من المرات يختلف من سطر إلى سطر دون نظام ‏مُطَّرِد. كما أن القافية موجودة، لكنها هى أيضا لا تعرف نظامًا ثابتًا، إذ ‏الشاعر يقفِّى كلما عَنّ له، وبالطريقة التى تستهويه. وإلى جانب الشعر الحر ‏نَظَم بعض الشعراء لونا آخر هو الشعر المرسل، وهو شعر يحتفظ بالأوزان ‏الخليلية، لكنه يخلو من موسيقى القافية. وكان قد ظهر قبل هذا وذاك ما ‏سُمِّىَ بــ"الشعر المنثور"، وهو يخلو من الوزن والقافية جميعا.‏
ثم ظهرت بعد هذا "قصيدة النثر"، أو "النَّثِيرة" كما يسميها بعضهم، ‏وهى لا تختلف عن الشعر المنثور إلا فى أن هذا الأخير قد يستعين ‏بالسجع أحيانا، أما هى فلا، وإلا فى أنه يُكْتَب كما يكتب النثر المعتاد، ‏أى فى سطور كاملة متتابعة، أما هى فتترسّم خُطَا الشعر التفعيلى، ومن ‏ثم لا تكتمل سطورها، فضلا عما فى كثير جدا من نماذجها من يأس ‏وضياع أو تفاهة ونزوع إلى التدمير الأحمق لقيمنا اللغوية والأدبية والروحية ‏يخلو منه الشعر المنثور(26)، ثم ما أخذ يسربلها بعد ذلك من غموض ‏يستحيل أحيانا كثيرة إلى هذيان. وهذا كله مما لم يعرفه النثر العربى القديم ‏الذى لا يخلو من نصوص تُفْعِمها العاطفة الجياشة والصور البديعة، وتوشّيها ‏موسيقى السجع والجناس والازدواج فتقترب من الشعر المنثور، لكنها لا ‏تندرج تحت ما يسمى: "قصيدة النثر" أو "النَّثِيرة".‏
ومن أشهر كتاب "النَّثِيرة" فى سوريا ولبنان مثلا على أحمد سعيد ‏إسبر (الملقب باسم الإله الوثنى: "أدونيس") ويوسف الخال وأنسى الحاج ‏ومحمد الماغوط وصلاح فائق وشوقى أبى شقرا وأسعد الجبورى وبندر ‏عبد الحميد ومروان صقر وسمير الصايغ. وللاستشهاد على ذلك الجنس ‏الجديد نسوق هذا الهُذَاء الذى يقول فيه أدونيس:‏
‏"المرايا تصالح بين الظهيرة والليل
خلف المرايا
جسدٌ يفتح الطريق
لأقاليمه الجديدة
جسدٌ يبدأ الطريق
بين إيقاعه والقصيدة
عابرًا آخر الجسور
‏... وقتلت المرايا
ومزقت سراويلها النرجسية
بالشموس ابتكرت المرايا
هاجسًا يخضن الشموس وأبعادها
الكوكبية"(27).‏
حيث لا ترابط بين الجملة والجملة التى تليها، بل ولا بين الكلمة ‏والكلمة التى تجاورها فى ذات الجملة، ومن ثم فلا معنى لأى شىء فى ‏هذا الكلام. إنه أشبه بمن يدلق على الأرض سطلا مملوءا بالكلمات ‏لتذهب كل كلمة فى اتجاه ثم تستقر الكلمات فى النهاية دون أن تكون بين ‏الكلمة والتى بجانبها أية علاقة سوى أنها صارت جارة لها بالمصادفة ‏المحضة! ‏
وهذا مثال آخر يبين لنا مدى التفاهة والسطحية المتغلغلة فى كثير ‏من نماذج ما يسمونه: "قصيدة النثر"، وهو لمنذر المصرى، الذى لا أعرف ‏عنه شيئا:‏
‏"هنا أسكن
ما رأيك لو ترى
ما ألصقتُه البارحةَ على زجاج نافذتى؟
وستقدم عمتى لنا
كوبين من الليمونادة المثلجة
أهلا وسهلا
أهلا وسهلا"(28).‏
إن أنصار "قصيدة النثر" يستندون إلى أن الأجناس الأدبية لم تعد ‏متمايزة فى عصرنا كما كانت من قبل، ومن ثم انماعت الحدود بين الشعر ‏والنثر. ثم إن تلك القصيدة، حسبما يقال، إنما تهدف إلى إحلال الرؤيويّة ‏‏(أى صوت اللاشعور) محل خطابية القصيدة التقليدية... إلى آخر ما ‏يرددون(29). وقاتهم أن الحدود لم ولن تنماع بين الأجناس الأدبية بهذه ‏الطريقة التى يمارسونها، وإلا لعدنا فى الأدب إلى ما يشبه عَمَاء الهَيُولَى ‏القديم. ثم إن الخطابية المشار إليها لا توجد فى كل الشعر المسمَّى ‏بالتقليدى، بل فى قصائد المديح والفخر وما إليها فقط، وإلا فهل فى شعر ‏ابن أبى ربيعة وجميل وقيس بن ذَرِيح، وعينية أبى ذُؤَيْبٍ الهُذَلِىّ، ولامية ‏الحُطَيْئة: "وطاوِى ثلاثٍ عاصبِ البطنِ مُرْمِلٍ"، ورائية بشار، وخمريات ‏أبى نواس، وزهديات أبى العتاهية، ومرثية ابن الرومى فى ابنه محمد، ‏وداليته فى وحيد المغنية، ونَدَمِيّات ديك الجن، وقصيدة الحُمَّى للمتنبى، ‏ورثائه لخَوْلَة الحَمْدانية، وأبيات ابن خفاجة فى الجبل، ونونية ابن زيدون، ‏ومئات ومئات بل وآلاف وآلاف من قصائد الشعر القديم، هذه الخطابية ‏المفتراة التى تذكرنا بقميص عثمان؟
ثم ما دخل الشعر التقليدى هنا، والقصيدة النثرية إنما خرجت، كما ‏رأينا، من عباءة الشعر المرسل والمنثور والحر؟ وهل الخطابية معيبة فى كل ‏الحالات والأوقات؟ أليست هناك لحظات فى تاريخ الفرد والأمة تملى عليه ‏إملاء أن يكون جهير الصوت بل مجلجله؟ إن هذه كلها تَعِلاّتٌ لا معنى ‏لها. وعلى كل حال ليس البديل عن الخطابية هذا الكلام الفاتر المكون فى ‏كثير من نماذجه من أمشاج لا قِوَام لها، ودعنا الآن مما فى بعض النماذج ‏الأخرى من تجديف فى حق المولى سبحانه وعدوان مستفز على أخلاق ‏العفة والحياء. ‏
والواقع أن هذا الهجوم الأرعن على ما يسمونه: "الخطابية" يذكّرنا ‏بما كان يسميه د. محمد مندور: "الشعر المهموس" وطنطنته الشديدة به، ‏وكأن الحياة كلها همس ونجوى، لا تطاحن فيها أو قتال وعرق ودمار ‏وعدوان ينبغى التصدى له. وبطبيعة الحال فإن التصدى لا يمكن أن يكون ‏بالهمس والتفتُّت! والعجيب أن من النماذج التى ساقها للتدليل على ‏صحة ما يذهب إليه قصيدة "أخى" لميخائيل نعيمة، وهى قصيدة تغلب ‏عليها الانهزامية اليائسة بما تشيعه من ثقافة الرضا بما يصنعه بنا وبأوطاننا ‏مجرمو الدول الغربية والاكتفاءِ بدور العجز والاستسلام والانصراف فى ذلة ‏وصمت إلى دفن موتانا الذين سقطوا فى الحرب العالمية الثانية دفاعا عن ‏مصالح أولئك القتلة واللصوص عديمى الضمير المجرمين دون أن يكون لنا فى ‏تلك الحرب ناقة ولا جمل، وإنْ بَطَّن الشاعر هذا الضعف واليأس بشىء ‏من التهكم على أوضاعنا لا يمكنه غسل ما رسّخته القصيدة فى النفوس ‏من عجز وهوان(30). لقد كان أحرى بالشاعر أن يشعل الأرض نارا تحت ‏أقدام المحتلين وينزل من السماء صواعق على رؤوسهم ويعمل بكل سبيل ‏على استنهاض الهمم الخائرة والعزائم الفاترة للشعوب العربية ضد مُذِلّيهم ‏وناهبى أوطانهم وممزقى أواصر الأخوة بينهم وجامعى عصابات الصهاينة ‏من كل فج ليقيموا لهم دولة فى قلب بلادهم، بدلا من هذا التهافت ‏والضعف المخزى الذى يسربل القصيدة من أولها إلى آخرها، ثم يفرح ‏مندور بها وكأنه عثر على كنز نفيس، مع أنها مجرد صَدَفة لا جوهرة. ‏الحق أنه إذا كان هذا هو "الشعر المهموس" فلا كان همسٌ ولا كان شعرٌ! ‏
ومقطع اليقين أنه ليس للدعاوى المتعلقة بقصيدة النثر من معنى إلا ‏أنه باستطاعة أى إنسان أن يكون شاعرا، وشاعرا عبقريا أيضا، ما دام ‏الشعر قد تخلص من وزنه وقافيته، وانحط إلى هذا الدرك الأسفل من ‏التفاهة والهذيان، وأضحى من الهوان بهذا المكان! ترى هل يعجز أعرى ‏الناس من موهبة الأدب والشعر عن توليف مثل هذه السخافات ‏والهلاوس؟ ولقد انتشر الآن ما يُدْعَى: "قصيدة النثر" بين شباب الأدباء ‏السطحيين الخالين من المواهب لسهولتها وخلوها من قيود الإيقاع وأسلوبها ‏الواهن وعدم تعمقها فى الغوص على أى معنى أو إحساس.‏


‏ أدب الأطفال:‏
‏ ومن التطورات التى لحقت النثر العربى فى العصر الحديث أيضا ‏تأليف القصص والكتب والمسرحيات التى وُضِعَتْ ليقرأها الأطفال ‏والصبيان. والمعروف أنه ليس فى التراث العربى أدب من هذا النوع، إذ ‏كان الصغار يتربَّوْن على ما كان يطالعه الكبار، لا فرق بين الاثنين فى ذلك، ‏إلى أن هَلّ العصر الحديث. ويبدو أن هذا يصدق أيضا على الآداب ‏القديمة الأخرى، إذ لم يظهر أدب الأطفال فى الدول الأوروبية إلا فى ‏العصور الحديثة، وإن كانت هذه الدول قد سبقتنا فى هذا المضمار بعدة ‏عقود. وكان رفاعة الطهطاوى أول من التفت إلى أهمية الكتابة خِصِّيصًا ‏للأطفال، فوجدناه يأمر بترجمة بعض الكتب الموضوعة من أجلهم وتوزيعها ‏على مكتبات الدارس لتكون تحت تصرفهم. وفى بداية القرن العشرين ‏رأينا على فكرى يضع "مسامرات البنات"، وبعدها بسنوات يُرْدِفه ‏بــ"النصح المبين فى محفوظات البنين"، وهما يحتويان على حكم ومواعظ ‏وتوجيهات أخلاقية: شعرية ونثرية(32). أما الذى يمثل الريادة الحقيقية فى ‏هذا الميدان فهو المرحوم كامل كيلانى، الذى أخرج مئات القصص المؤلفة ‏والمترجمة أو المستوحاة من الآداب الأجنبية أو القائمة على تبسيط ‏القَصَص العربى القديم. وهناك كتّاب مصريون آخرون أسهموا فى هذا ‏المجال أيضا إسهامات لا يمكن نسيانها أو تجاهلها منهم محمد سعيد العريان ‏ومحمد عطية الإبراشى وسيد قطب وعبد الحميد جودة السحار وحامد ‏القصبى ومحمد شفيق عطا وأحمد نجيب وإيهاب الأزهرى وعبد التواب ‏يوسف ونهاد جاد ود. نبيل فاروق. ولمؤلف هذا الكتاب عدد من ‏قصص المغامرات الإسلامية هى "مقتل ابن أبى الـحُقَيْق" و"مقتل كعب بن ‏الأشرف" و"مقتل الأَسْوَد العَنْسِىّ" صادرة عن دار ابن القيم بالدمام ودار ‏القتح ببيشاور.‏
أما فى البلاد العربية الأخرى فلدينا على سبيل المثال كارمن معلوف ‏‏(من لبنان)، وزكريا تامر وسليمان العيسى (من سوريا)، وراضى عبد ‏الهادى ومعين بسيسو ومحجوب عمر ومحمود شقير وعايدة أيوب (من ‏فلسطين)، وروكس العزيزى وحسنى فريز ونبيل صوالحة وزهير كحالة ‏وروضة فرخ الهدهد ومحمد جمال عمرو (من الأردن)، ويوسف الشريف ‏ومحمود فهمى (من ليبيا)، ومحمد مناشو وأحمد القديدة ومحمد العروسى ‏المطوى وعبد القادر بن الشيخ (من تونس)، ومحمد الصالح رمضان (من ‏الجزائر)... إلخ.‏
ويضم أدب الأطفال النثرى، وهو الذى يهمنا هنا، فنونا مختلفة من ‏الكتابة: فهناك القصص والمسرحيات والأساطير والرحلات والكتب ‏التاريخية والدينية وكتب المعارف العامة وكتب تبسيط العلوم. وتحظى ‏مجلات الأطفال وكتبهم عادةً باهتمام زائد فى الإخراج والتغليف والطباعة ‏والتلوين والتشكيل واختيار الحرف وما إلى ذلك. وتهدف هذه المجلات ‏والكتب إلى تحبيب الناشئة فى القراءة ومساعدتهم على النطق السليم ‏وتوسيع أفق معارفهم من الألفاظ والعبارات والتراكيب والصُّوَر ومعاونتهم ‏على اكتساب الأسلوب الجميل وغرس القيم الدينية والخلقية والوطنية فى ‏نفوسهم وتزويدهم بألوان المعارف الحديثة. وفى كل وطن عربى تصدر ‏مجلة أو أكثر للناشئين، وإن لُوحِظَ أن بعضها يُكْتَب بالعامية مما لا يرقِّى ‏عقلا ولا يرقِّق وجدانا، كما أن فى كثير منها مغامرات لا يسودها منطق ‏ولا ترتبط بالواقع على أى نحو ولا يترتب على مطالعتها أية فائدة. والمرجوّ ‏الإقلال من هذا ما أمكن، ويا حبذا لو تم التخلص منه جملة. ومن أسماء ‏مجلات الأطفال العربية: "أسامة" و"الطليعى" في سورية، و"مجلتى" ‏و"المزمار" في العراق، و"سامر" و"أحمد" في لبنان، و"باسم" و"الشبل" ‏و"سنان" فى السعودية، و"العربى الصغير" في الكويت، و"ماجد" فى ‏الإمارات العربية المتحدة، و"علاء الدين" و"ميكى" و"الفردوس" فى مصر، ‏و"حاتم" و"وسام" فى الأردن، و "هدهد" فى اليمن، و"الصبيان" فى ‏السودان، وإن كانت بعض هذه المجلات قد توقفت. وكانت هناك مجلة ‏مصرية اسمها "سندباد" كانت تفتننى فى طفولتى، ولكنها للأسف اختفت ‏منذ زمن طويل، ولا أدرى لماذا!‏
ولا يقتصر الأمر هنا على الكتب الإبداعية، بل يقوم إلى جوارها نوع ‏من المؤلفات تَدْرُس بدورها أدب الأطفال وعقولهم ونفسياتهم وما يلائمهم ‏من كتب ومجلات، وتحاول أن تضع الأسس والقواعد التى ينبغى للمؤلفين ‏مراعاتها فيما يكتبون للأجيال الصغيرة. ومن هذه البحوث "فى أدب ‏الأطفال" للدكتور على الحديدى، و"فن الكتابة للأطفال" لأحمد نجيب، ‏و"كتب الأطفال فى عالمنا المعاصر" لعبد التواب يوسف، و"ثقافة الطفل ‏العربى" لجمال أبو رية، و"أدب الأطفال" لحنان عبد الحميد العنانى، و"أدب ‏الأطفال" لأحمد حسن حنورة، و"مقدمة فى أدب الأطفال" لمفتاح محمد ‏دياب، و"أدب الطفل العربى" للدكتور حسن شحاتة، و"أدب الأطفال" ‏للدكتورة هدى قناوى، و"أدب الأطفال- فلسفته وفنونه" لهادى نعمان ‏الهيتى، و"الخيال العلمى فى أدب الأطفال" لنُورِى جعفر... وهكذا. ‏وكل ذلك جديد تماما على النثر العربى. ‏
المرأة ناثرة: ‏
ويدخل فى مظاهر التطور الذى لحق النثر العربى الحديث أيضا ‏مشاركة المرأة فى الكتابة النثرية. لقد كان بين نساء العرب القدماء ‏شاعرات منذ الجاهلية، وإن كان عددهن وإنتاجهن قليلا جدا بالنسبة ‏للرجال وأشعارهم، إذ كانت المرأة لا تزيد فى شعرها عادة عن بعض ‏الأبيات أو المقطوعات والقصائد، ولم يمر بى فى قراءاتى فى أدبنا القديم أنه ‏كان لامرأة ديوان شعرى كامل حاشا الخنساء. لقد كان هناك مثلا جليلة ‏بنت مُرّة وليلى الأَخْيَلِيّة ورابعة العدوية ونَزْهُون الغرناطية وولاّدة بنت ‏المستكفى، إلا أن ما وصلنا عنهن من الشعر قليل قليل قليل (33). أما فى ‏النثر فقد حاولت أن أستعرض ما فى ذهني من أسماء الجنس اللطيف، ‏غير أنى لم أوفَّق إلى تذكر شىء. لقد كانت هناك محدِّثات وفقيهات مثلا، ‏أما أديبات يكتبن النثر رسالةً أو مقامةً أو حكايةً فلا(34). لكن الوضع قد ‏اختلف فى العصر الحديث، الذى سمع منذ فترة مبكرة انطلاق أصوات ‏المصلحين الداعين إلى تحرير المرأة من قيودها والعناية بتعليمها. بدأ هذا ‏رفاعة الطهطاوى رائد النهضة الثقافية الحديثة. وفى بداية القرن العشرين ‏أصدر قاسم أمين كتابيه: "تحرير المرأة" و" المرأة الجديدة"، اللذين أقاما ‏الدنيا ولم يقعداها منذ ذلك الحين. وكانت هناك أصوات أخرى فى مصر ‏وفى غير مصر كلُّها تعطف على المرأة وتدعو إلى احترام إنسانيتها ‏وإعطائها نفس الفرص التى يتمتع بها الرجال.‏
وكان من ثمرة هذا أنْ دخلت المرأة المدرسة ثم الجامعة بعد ذلك، ‏وخرجت إلى الدنيا ولم تعد قعيدة المنزل، وعملت مع الرجل فى كل ‏المؤسسات والمصالح، وأصبحت هناك نساء كاتبات مثلما هناك رجال ‏كتّاب، فرأينا عائشة التيمورية الشاعرة المعروفة تكتب الرواية، ومَلَك ‏حفنى ناصف تدبّج المقالات وتلقى الخطب، ومىّ زيادة تخطب وتكتب ‏نثرا وجدانيا مجنَّحا وتتبادل الرسائل مع بعض مشاهير الأدباء كالعقاد ‏وجبران، وبنت الشاطىء تمارس الكتابة الإصلاحية والنقد الأدبى ‏والإبداع القصصى والترجمة الذاتية والغيرية وتلقى المحاضرات فى الجامعة، ‏ومثلها فى ذلك سهير القلماوى، وكذلك نعمات أحمد فؤاد ولطيفة الزيات ‏ورضوى عاشور. وهذا الكلام يصدق على البلاد العربية الأخرى ‏كفلسطين، التي يمكن أن نذكر منها كلثوم عودة وسلمى النصر ونجوى قعوار ‏وأسمى طوبى ووداد سكاكينى وعنبرة سلام الخالدى وفدوى طوقان ‏وسميرة أبو غزالة وامتثال جويدي وثريا ملحس، وسوريا ولبنان حيث ‏ظهرت وردة اليازجية ونديمة المنقارى وألفت إدلبى وسلمى الكزبرى ‏وضياء قصبجى ونجاح العطار وبثينة شعبان ومارى عجمى ونازك بيهم ‏وروز غريب وليلى البعلبكى وغادة السمان وليلى عسيران، والعراق، ‏ومنها بولينا حسون ومليحة إسحاق ونازك الملائكة وعاتكة الخزرجى ‏ولميعة عمارة وديزى الأمير وسليمة خضر وسهيلة الحسينى. كما نستطيع ‏أن نضيف إلى هذه الأسماء ليلى أمين دياب وآسيا جبار وزهور ونيسى ‏‏(من الجزائر)، وباحثة الحاضرة (ملكة الفاسى) وفتاة تطوان وآمنة اللوة ‏وفاطمة الراوى وخناتة بنونة (من المغرب)، وزينب الكعاك وناجية ثامر ‏وعروسية النالوتى وهند عزوز وحياة بنت الشيخ (من تونس)، وزعيمة ‏البارونى وحميدة العنبرى وجميلة الزمرلى (من ليبيا)، وزينب الكردى ‏وشرقية الراوى ودُرَر (من السودان)، وخديجة السقاف ورقية الشبيب ‏ولطيفة السالم و سميرة بنت الجزيرة العربية وصفية عنبر (من السعودية)، ‏وزهرة المالكى ودلال خليفة وكلثم جبر وهدى النعيمى وشمة الكوارى ‏‏(من قطر)، وخولة القزوينى ومنيرة الفاضل ومعصومة المطاوعة (من ‏البحرين)، وسلمى مطر سيف وليلى أحمد ومريم فرج وأمنية بو شهاب ‏‏(من الإمارات)، وأمل عبد الله وشفيقة زوقرى ورمزية الأريانى وأمل ‏اللوزى وبلقيس الحضرانى (من اليمن)، وزكية بنت سالم العلوى وبدرية ‏الوهيبى (من عمان). بل لقد أصدرت المرأة العربية المجلات ورأست ‏تحريرها، وأورد أنيس المقدسى فى كتابه: "الاتجاهات الأدبية فى العالم ‏العربى الحديث" بضع عشرات من المجلات التى كان يتولاها عدد من ‏النساء العربيات فى مصر والشام وأمريكا فقط حتى عام 1955 ‏فحسب.‏
من الموضوعات الجديدة: 1- الدعوة إلى تحرير المرأة:‏
لعل أول قلم ارتفع صوته فى الأدب العربى الحديث بالكتابة المفصلة ‏داعيا إلى إنصاف المرأة وإعطائها حقها فى التعليم والخروج من البيت وأن ‏يكون لها رأى فى اختيار شريك حياتها...إلخ هو قلم رفاعة الطهطاوى، ‏الذى كان يرى فى احترام الرجال للنساء دليلا على التمدن ورقى النفس. ‏كما كان يؤكد أن عند المرأة استعدادا فطريا لتعلم كل شىء، وأنها لا تقل ‏عن الرجل ذكاء أو سخاء أو عفة أو شجاعة... إلى آخر ما هنالك من ‏الفضائل الإنسانية، وأن لتعليمها من المنافع ما يفوق الضرر الذي يتوهمه ‏بعض الرجال، وأنها تستطيع، إذا اقتضت الضرورة، أن تمارس الأعمال ‏كالرجال سواء بسواء، مع مراعاة طاقتها فى ذات الوقت، وأن واجب ‏الآباء وأولياء الأمور أن يشاوروا الفتاة فى أمر زواجها ولا يفرضوا عليها ‏من لا يميل قلبها إليه. ويجد القارئ ما كتبه رفاعة الطهطاوى فى هذه ‏القضايا وأشباهها فى كتابيه: "مناهج الألباب المصرية فى مباهج الآداب ‏العصرية" (الصادر عام 1869م) و"المرشد الأمين لتربية البنات والبنين" ‏‏(الذى صدر فى 1873م)(35). وقد أنشئت أول مدرسة للبنات فى مصر ‏أيام الخديوى إسماعيل، ولم يرتح الرأى العام وقتذاك لهذه الخطوة، إلا أن ‏رفاعة دافع عنها وأكد وجوب تعليم الفتاة(36). ‏
ومن الأقلام التى تبنت هذه القضية بعد رفاعة وكان لصريرها دوى ‏هائل قلم قاسم أمين، الذى نشر فى بداية القرن العشرين كتابيه: "تحرير ‏المرأة" و"المرأة الجديدة"، وكان منطلقه فى الكتاب الأول منطلقا إسلاميا، ‏أما الثانى فكانت الصبغة الغربية فيه أقوى. وقد وقع الكتابان كالصاعقة ‏على الرأى العام المصرى والعربى. ولمجد الدين حفنى ناصف فى هذا ‏الموضوع كتاب "تحرير المرأة فى الإسلام"، الذى دافع فيه عن نبوغ المرأة ‏وقدرتها على الاضطلاع بجلائل الأعمال كالرجال تماما، مستشهدا على ‏ذلك بآيات القرآن الكريم وأحاديث النبى عليه السلام وأقوال المشاهير. ‏وهناك أدباء مصريون آخرون اشتهروا بمعالجة قضية المرأة فى أعمالهم، ‏وفى مقدمتهم إحسان عبد القدوس، وإن بدا فى بعض قصصه وكأنه ‏يدافع عن حقها فى الانحراف الجنسى باسم الحب كما هو الحال مثلا فى ‏روايته: "أنا لن أعيش فى جلباب أبى".‏
وفى العراق نُلْفِى جميل صدقى الزهاوى يسير فى خطا معاصره ‏قاسم أمين ويدعو بنفس دعوته بعد رجوعه من مصر إلى العراق، فيكتب ‏عدة مقالات فى مطلع القرن العشرين مناديا بتحرير النساء وتعليمهن ‏وتثقيفهن وسفورهن، ومؤكدا أن العفة ليست فى الحجاب، بل فى العلم ‏والثقافة. وكان معروف الرصافى أيضا من المناصرين لتحرير المرأة ‏وتعليمها. وقد فُتِحَتْ أول مدرسة للبنات فى العراق سنة 1899م، ‏وظلت هى المدرسة الوحيدة حتى عشية الحرب العالمية الأولى، لرفض ‏الرأى العام تعليمهن. ثم أصبحت مدارسهن مع الأيام بالمئات، فضلا عن ‏الجامعة التى قُبِلْن فيها أيضا ابتداء من عام 1936م: على استحياءٍ أول ‏الأمر، ثم فُتِحَتْ أبوابها على مصاريعها بعد ذلك(37). كما ظهرت المجلات ‏النسوية التى تبنَّتْ قضية المرأة منذ سنة 1933م، مثل: "ليلى" و"المرأة ‏الحديثة" و"فتاة العراق" و"فتاة العرب" و"فتاة الرافدَيْن" و"تحرير المرأة" ‏و"الاتحاد النسائى"(38)، وهى أسماء ذات دلالة فى هذا الصدد. ‏
ومن كتّاب الشام يمكن أن نذكر مثلا مارى عجمى والأقلام التى ‏كانت تستكتبها فى مجلتها: "العروس"، وهى أول مجلة نسائية تصدر فى ‏سوريا(39)، وكانت تَعِجّ بالمقالات التي تؤكد حق المرأة فى التعليم والحرية فى ‏نطاق الفضائل والتقاليد الشرقية(40). ومن كتّاب الشوام أيضا نذكر محمد ‏جميل بيهم مؤلف "المرأة فى الشرائع والتاريخ" و"المرأة فى التمدن ‏الحديث"، وفيهما يستعرض أوضاع النساء فى الحضارات والشرائع ‏المختلفة بغية كسب الرجال إلى صف قضيتهن. وفى بعض أعمال غادة ‏السمان القصصية تناولٌ للتفاوت الملحوظ بين معاملة الذكر والأنثى داخل ‏الأسرة، وقى رواية حيدر حيدر: "وليمة لأعشاب البحر"، التي أثارت من ‏الضجة عند إعادة طبعها فى مصر منذ أعوام قلائل ما لم يحدث مثله من ‏قبل لأية رواية عربية، نجد غُلُوًّا شنيعا في مسألة تحرر الفتاة العربية إلى ‏درجة إغرائها بالتفريط فى شرفها والتهليل لذلك(41).‏
ومن تونس نشير إلى خير الدين التونسى المصلح السياسى الشهير ‏الذى دعا فى القرن التاسع عشر إلى تعليم المرأة(42)، وكذلك الطاهر ‏الحداد، الذى ألف فى عام 1930م كتابه: "امرأتنا فى الشريعة والمجتمع"، ‏ينادى بتحرير المرأة وسفورها ومنع تعدد الزوجات وجَعْل الطلاق بيد ‏المحكمة لا بيد الرجل، قائلا إن الإسلام قد أعطاها حقوقها، وإنه يدعو ‏للمساواة بينها وبين الرجل فى كل شىء، إلا أنها لم تعد تتمتع بشىء من ‏هذه الحقوق للأسف. وقد لاقى الحداد كثيرا من المعارضة لما دعا به فى ‏هذا الكتاب(43). ومن التونسيين الذين دافعوا عن حقوق المرأة وحريتها ‏أيضا محمد مختار بن محمود، فقد ألقى محاضرة تحدث فيها عن حقوق ‏النساء فى الإسلام وقدم برنامجا علميا لإنهاضهنّ يوافق ما جاء به الإسلام ‏فى هذا الشأن(44). ومنهم كذلك محمد مزالى، الذى قدم فى سبتمبر ‏‏1949م محاضرة طويلة بعنوان "مشكلة المرأة التونسية المسلمة" نشرها بعد ‏ذلك فى كتابه: "دراسات" الصادر فى عام 1974م بعنوان "تعليم الفتاة ‏التونسية"(45).‏
أما فى الجزائر فنجد على سبيل المثال الشيخ محمد بن مصطفى بن ‏الخوجة يصدر سنة 1895م كتابا بعنوان "الاكتراث فى حقوق الإناث"(46)، ‏كما ينشر أحمد رضا حوحو سنة 1947م رواية بعنوان "غادةُ أمِّ القرى" ‏يصور فيها معاناة المرأة الحجازية(47) وحرمانها من حقها فى التعليم وإبداء ‏الرأى، داعيا إلى تمكينها من حقوقها الطبيعية والشرعية فى إطار الإسلام ‏لا المدنية الغربية. وعلى ذات الدرب يسير محمد الأمين العمودى، الذى ‏اهتم بقضية المرأة حريةً وتعليمًا مع البعد عن التفرنج، وإن آثر فى ذات ‏الوقت اكتفاءها بالبكالوريا. فهذا القدر من التعليم كفيل فى نظره أن ‏يجعلها بنتا وزوجة وأما صالحة واعية(48).‏
وعن المرأة فى اليمن يقول الأديب اليمنى المعروف عبد الله البردونى ‏رابطا بين وضعها ووضع المجتمع بوجه عام: "إنها موجودة كلما وُجِد ‏المجتمع. وكلما قال المجتمع: "أنا هنا" كانت المرأة أحلى ملامحه وأنشط ‏سواعده. نبغت فى بلادنا الفقيهةُ فى بيئة الفقه كالشريفة دهماء، ونبغت ‏الفارسةُ فى عهد الفروسية كريّا بنت الحارث، ونبغت القائدةُ حين أعدّتها ‏بيئة القيادة كأَرْوَى بنت أحمد وأسماء بنت أبى الجيش وتحفة الصليحية، ‏فإذا النابهات فى كل عَدٍّ يقاربن عدد النابهين. وعندما استحكم علينا ‏الجمود والتأخر غابت المرأة بين اللفائف والجدران، وغاب الرجل تحت ‏جلده لا يتحرك إلا فيه كما لا تتحرك المرأة إلا تحت ستائرها. وعندما ‏ارتفع صوت العصر ردّدته المرأة والرجل. كان أول مجال هو التمريض، ‏فدخلته المرأة بلا تردد لا لأنه غاية الطموح، ولكنه أول محيا تهيأ. وبعد ‏قيام الثورة نادى العمل فقالت: "لبيك"، فدخلت مصنع الغزل والنسيج، ‏وارتفع صوتها من الإذاعة لأنه لم يعد عورة كأصوات الجدّات. وعندما ‏انفتحت المدارس دخلت المرأة بكل الشوق إلى التفوق وأصبحت متعلمة ‏ومعلمة. وعندما ابتدأ التعليم الجامعى اقترب عدد الطالبات من عدد ‏الطلاب. فهل المرأة غائبة؟ لقد أشرقت كلما أشرقت الحياة فى المجتمع". ‏وهو يدعوها إلى بذل المزيد من الجهد لاقتحام العقبات ونبذ التفكير الآلى ‏إلى العمل الإبداعى والابتكارى الذى يدل على التقدم الحقيقى لا ‏المظهرى(49).‏
وإذ كان افتتاح مدارس البنات فى بعض البلاد العربية قد تأخر كما ‏هو الحال مثلا فى قَطَر، التي لم يتم إنشاء مدرسة لهن فيها إلا فى عام ‏‏1954م بسبب النظرة المتشددة التى كان ينظر بها المجتمع وقتذاك إلى تعليم ‏الفتاة وخروجها من المنزل(50)، فقد تغير الوضع الآن وصار القَطَرِيّون ‏يتحمسون لتعليم بناتهم تحمسا شديدا حتى لقد أصبحت مدارس البنات ‏تُعَدّ بالعشرات، وهو عدد كبير بالقياس إلى قلة السكان، فضلا عن ‏الجامعة، التى افْتُتِحَتْ عام 1978م مما يومئ إلى الشوط البعيد الذى ‏قطعته الفتاة القطرية فى سبيل النهوض والعلم. ومثالاً على الأدب النثرى ‏القطرى الذى يعالج قضايا المرأة نأخذ مجموعة القصص القصيرة "أنت وغابة ‏الصمت والتردد" لكَلْثَم جبر، التى تدور طائفة منها على الصراع بين رغبة ‏الفتاة فى الزواج ممن تحب وبين التقاليد الراسخة التى تجبرها على الاقتران ‏بقريب لها أو على تزويجها كَرْهًا من شيخ كبير ثرى كما يقول محمد عبد ‏الرحيم قافود(51). ‏
‏ 2- عودة الشعوبية:‏
ومن الموضوعات التى تلفت النظر كذلك فى النثر العربى الحديث ‏موضوع "الشعوبية الجديدة"، إذ بعد أن انطوت صفحة الشعوبية الأولى فى ‏العصر العباسى الأول منذ قرون طوال أخذنا نرى فى هذا العصر فريقا من ‏كتّاب هذا البلد أو ذاك من بلاد العروبة يدعو إلى الانغلاق داخل الوطنية ‏الضيقة مُوَلِّيًا وجهه شطر تاريخه القديم الذى مضى فى الزمن الأول وأبدلنا ‏الله به الإسلام ولغته وحضارته. وهو اتجاه جامح خطر، إذ يعمل على ‏تفتيت الوحدة التى تربط العرب وتقوم على الدين الواحد واللغة المشتركة ‏والتاريخ والحضارة اللذين جمعا أهل هذه المنطقة على مدى أربعة عشر ‏قرنا. ومن ثم ذَرَّ قرنُ الفرعونية فى مصر، والفينيقية فى لبنان، والآشورية ‏فى العراق، والبربرية فى المغرب العربى.‏
ومن الأسماء التى برزت فى ميدان الدعوة إلى الفرعونية والقطيعة مع ‏تاريخنا العربى اسم مرقص سميكة، الذى يضع الفتح العربى مع الاحتلال ‏الفارسى والرومانى والإنجليزى لمصر فى سلة واحدة، قائلا إن مصر قد ‏فقدت استقلالها منذ انتهاء حكم الفراعنة حتى العصر الحديث. كذلك ‏نرى محمد حسين هيكل، قبل أن يتحول عن فكره القديم ويكتب "حياة ‏محمد" و"فى منزل الوحى" ويؤرخ للصِّدّيق والفاروق وعثمان، يحاول بعث ‏الفرعونية، زاعما أن الصلات بين الفراعنة والمصريين المحدثين لا تزال قائمة ‏حتى فى مجال الدين والعبادة، ومستلهما الهداية من الحضارة الفرعونية التى ‏تخيَّلَ أنه سيأتى يوم تكون فيه دينًا يغزو العالم ويحقق للبشرية المتعة ‏والطمأنينة. وكأن هذا غير كاف عنده، إذ نراه يدعو أهل العراق إلى ‏اقتفاء نهج الفرعونية فى مصر ووَصْل حاضرهم بماضيهم إلى عهد آشور ‏وبابل. ومِثْل هيكل فى ذلك محمد عبد الله عنان، فقد كان فى مبتدإ ‏أمره يسخر من فكرة الجامعة العربية التى كان كثير من الأقلام العربية تدعو ‏إليها، مدعيا أن ذلك كله وهمٌ وتعلُّقٌ بماضٍ انتهى أمره ولا سبيل إلى عودته ‏ولا فائدة تُرْجَى منه، وأن مصر لم تكن عربية فى يوم من الأيام(52). وكان ‏هناك فرعونيون آخرون غير هؤلاء منهم سلامة موسى وطه حسين ومحمود ‏عزمى وإسماعيل أدهم ولويس عوض(53).‏
وفى العشرينات من القرن الماضى صدرت فى بيروت مجلة ناطقة ‏بالفرنسية اسمها "المجلة الفينيقية" يحررها بعض الأدباء اللبنانيين الذين ‏يدعون إلى إحياء الفينيقية، زاعمين أن اللبنانيين ليسوا عربا بل فينيقيين. ‏لكن هذه المجلة توقفت عن الصدور بعد عدة أعداد قليلة لتتسلم الراية ‏منها عدة منابر ثقافية أخرى أقل وزنا. ثم ظهرت فى الخمسينات من ذات ‏القرن مجلة "شعر"، التى كان يصدرها الأديب اللبنانى يوسف الخال، والتى ‏كانت تتبنى نفس الدعوة الفينيقية، ثم اختفت هذه المجلة بدورها واحتلت ‏مكانها مجلة "مواقف" لعلى أحمد سعيد الملقب بــ"أدونيس". ثم برزت إلى ‏الوجود بعد ذلك مجلة "لبنان" لسعيد عقل، وكانت تُكْتَب بالعامية ‏الزحلاوية والحرف الفينيقى الذى طوّره عقل رغبةً فى إعادة عقارب الزمن ‏إلى الوراء وتصورًا منه أنه قادر على هذا(54). ‏
وقد تصدى لهذه الدعوة الخطرة الشرفاء الغيورون، ومنهم عبد ‏المسيح الأنطاكى، الذى رد بقوة على واحد من دعاة الفينيقية ناعيا عليه ‏حرصه على الانتساب إلى "أمة هلكت ودرست آثارها وعلومها ولغتها، ‏على حين أنه يتكلم بلغةٍ عربيةٍ فاشِيَةٍ فى بلاده منذ آلاف السنين"، ‏ومتسائلا فى إنكار: "ما باله ينصرف عن الانتساب إلى هذا الأصل العربى ‏الرفيع المجيد ويحاول الالتصاق بقوم لم يبق على وجه البسيطة من آثارهم ‏سوى الاسم؟ أَوَنَحْن أقرب نسبا إلى الأخطل أم الفينيقيين؟ ألا تَرْضََوْن ‏بالغَسّانيّين نسبا؟"(55). ومثل الأنطاكى فى هذا فيلكس فارس، الذى أكد ‏أنه لا يستطيع أن يرى فى حياة المصريين الآن أى أثر للحضارة الفرعونية لا ‏فى العلوم ولا فى الآداب، مثلما لا يرى فى حضارة أهل سوريا ولبنان ‏حاليا أى شىء من حضارة الفينيقيين، إذ لم يبق من هاتين الحضارتين ‏المستغرقتين فى الماضى السحيق إلا بعض الأهرام والمعابد والأعمدة ‏والقصور والقبور(56).‏
وفى تونس كان المسؤولون عن التعليم أيام الاحتلال الفرنسى يركّزون، ‏عند دراسة تاريخ البلاد، على العصر الرومانى وكأنه هو التاريخ التونسى ‏جميعه. وقد أنتجت هذه الجهود الشيطانية تلاميذَ يهتمون بأوربا وتاريخها ‏ويعظّمون رجالها أكثر مما يهتمون بالتاريخ العربى وأعلامه. لكن الكتاب ‏والأدباء التونسيين الأحرار وقفوا فى وجه هذا التيار وكشفوا خباياه(57).‏
كذلك عملت فرنسا فى الجزائر والمغرب بمعاونة بعض مستشرقيها ‏على إثارة النعرة الطائفية عند البربر وتأريث نار الفتن بينهم وبين إخوانهم ‏العرب، وبذات جهودا جبارة لتحويلهم عن هويتهم الدينية حتى يكونوا ‏أعداء لإخوة الأمس لا تربطهم بهم رابطة. ومن حِيَل الفرنسيين فى هذا ‏المجال إصدارهم فى أوائل الثلاثينات ما يُعْرَف بــ"الظَّهِير البربرى" بغية ‏إقصاء العربية عن مناطق البربر وإعادتهم للتحاكم إلى أعرافهم وتقاليدهم ‏بدلا من الشريعة(58). وقد آتت هذه الدعوةُ أُكُلَها مع الأيام فأخذت فئات ‏من البربر فى السنين الأخيرة تدعو إلى الاعتراف بكيان ذاتى داخل الدولة ‏الجزائرية، بل طالبت "جبهة تحرير القبائل البربرية فى بلدان المغرب العربى" ‏التى تشكلت فى باريس عام 1980م بإقامة دولة مستقلة لهم فى المناطق ‏التى يقطنونها فى كل من المغرب والجزائر وموريتانيا، وهبت المظاهرات ‏والإضرابات الطلابية تنادى بإحياء الثقافة البربرية داخل الجزائر(59).‏
وقد صدرت فى أجادير بالمغرب لبعض الوقت مجلة تنطق باسم ‏البربر وتستعمل العامية البربرية وتعتمد الحرف الفينيقى اسمها "أمازيغ"، إلا ‏أن السلطات المغربية عطلتها عن الصدور(60). وليس استعمال الحرف ‏الفينيقى هو وحده الذى ينم عن وجود علاقة بين الدعوة الفينيقية فى ‏لبنان والدعوة الأمازيغية فى بلاد المغرب العربى، فقد كان كاتب ياسين ‏الجزائرى الأمازيغى الذى يكتب أدبه بالفرنسية ويجهد فى استبدال اللهجة ‏البربرية بلغة الضاد وينتفى من العروبة وما يتعلق بها يرسل بإنتاجه إلى ‏يوسف الخال فينشره له فى مجلة "شعر" المناهضة للعروبة(61). ومن أدباء ‏الجزائر البربر المناهضين للاتجاه العروبى مولود معمرى، وهو من الذين ‏يستعملون الفرنسية فى أدبهم مثل كاتب ياسين. وقد ذكر د. عمر بن قينة ‏أنه يدرّس البربرية لطلابه فى الجامعة فى غفلة من المسؤولين(62). ‏
وعلى رأس المناهضين لهذه النزعة الضارة يأتى عبد الحميد بن ‏باديس، الذى كان يثير عواطف الأخوّة فى قلوب الأمازيغيين ويذكّرهم ‏بالروابط العميقة التى تشدهم إلى إخوانهم من عرب المغرب وينبههم إلى ‏خطر الإصاخة إلى وساوس الاستعماريين الذين لا يريدون لهم ولا ‏لإخوانهم إلا الضياع(63). كذلك دافع البشير الإبراهيمى عن عروبة الجزائر ‏جمعاء مؤكدا أن الدول التى قامت فى الشمال الأفريقى لم يكن لها من ‏البربرية إلا النسبة العرقية، أما مقومات وجودها من لغة ودين فهى عربية ‏صميمة(64). كما هب كتاب مغاربة آخرون منهم عثمان الكعاك (التونسى) ‏ومحمد السعيد الزاهرى (الجزائرى)(65) وعلال الفاسى (المغربى) يثبتون أن ‏البربر هم فى الأصل عرب من حِمْيَر هاجروا قديما من جنوب بلاد العرب ‏واستقروا فى بلاد المغرب(66). بل إن غالبية المثقفين والكتاب البربر لتنكر ‏هذا الاتجاه وتحاربه، ومن هؤلاء الفضيل الورتلانى وبا عزيز بن عمر، ‏اللذان شرعا يفنّدانه منذ أن نجم فى الثلاثينات من القرن الفارط. ومثلهما ‏عثمان سعدى صاحب كتاب "عروبة الجزائر عبر التاريخ".‏
الهوامش: ‏
‏(1) ومن الناحية الأخرى نجد أن العربية قد تركت بدورها ‏بصمات قوية على عدد من اللغات الآسيوية والأوربية والإفريقية كالفارسية ‏والتركية والأوردية والإسبانية والفرنسية والإنجليزية والبربرية والسواحلية.‏
‏(2) ط. دار الفكر العربى/ 1412هـ- 2000م/ 171- 175.‏
‏(3) وها هى ذى أسماء طائفة من أهم الكتاب فى العصرين ‏المذكورين: الشهاب محمود وابن فضل الله العمرى والقلقشندى (من العصر ‏المملوكى)، وبدر الدين الغزى والبديعى وعبد القادر البغدادى والمحبى (من ‏العصر العثمانى)، وكلهم كتبوا النثر المرسل: إما وحده، وإما بالمراوحة بينه ‏وبين النثر المسجوع المزخرف الذى كان يقتصر عادة على الرسائل الديوانية ‏وما أشبه. ‏
‏(4) جاء فى كتاب "الأدب العربى المعاصر فى مصر" للدكتور ‏شوقى ضيف (ط8/ دار المعارف/ 177) أن رفاعة كان يعتمد السجع ‏والأسلوب القديم فى كتاباته. والصحيح أنه كان يكتب بأسلوب مرسل، ‏اللهم إلا فى مقدمات بعض كتبه وفى ترجمته لـرواية "مواقع الأفلاك فى ‏وقائع تليماك" لفنلون. ‏
‏(5) انظر كتابه: "الأدب العربى المعاصر فى مصر"/ 227. ‏
‏(6) كان الشيخ فى بداءة أمره يكتب بأسلوب مسجَّع محلًّى ببعض ‏البديعيات ثم هجره بعد ذلك.‏
‏(7) وقد دافع شوقى فى أواخر هذا الكتاب عن السجع وجعله ‏‏"شعر العربية الثانى"، وحمل على من عابوه قائلا إن كلامهم هذا لا يقدم ‏ولا يؤخر، ففى القرآن الكريم فواصل، وفى الحديث الشريف ما هو أحلى ‏من سجع الحمام. والطريف أن الأسلوب الذى صاغ فيه شوقى هذا الدفاع ‏أسلوب مرسل!‏
‏(8) د. عبد الرحمن ياغى/ حياة الأدب الفلسطينى الحديث حتى ‏النكبة/ المكتب التجارى/ بيروت/ 332- 333.‏
‏(9) عمر الدسوقى/ نشأة النثر الحديث وتطوره/ دار الفكر العربى/ ‏‏1976م/ 174- 175.‏
‏(10) د. عبد الملك مرتاض/ نهضة الأدب العربى المعاصر فى ‏الجزائر: 1925م- 1954م/ الشركة الوطنية للنشر والتوزيع/ الجزائر/ ‏‏132- 133.‏
‏(11) محمد عبد الرحيم قافود/ الأدب القَطَرىّ الحديث/ المطبعة ‏الفنية الحديثة/ القاهرة/ 1399هـ- 1979م/ 103.‏
‏(12) انظر د. محمد محمد حسين/ الاتجاهات الوطنية فى الأدب ‏المعاصر/ ط3/ دار النهضة العربية/ 1392هـ- 1972م/ 359 وما ‏بعدها. وقد وضع عدد من المستشرقين الآخرين كتبا فى قواعد العاميات ‏العربية المختلفة: منها الموجز، ومنها المبسوط. وقد اطلعت على عدد ‏منها بالإنجليزية والفرنسية. وفى كتاب د. محمد محمد حسين: "اتجاهات ‏هدامة فى الفكر العربى المعاصر" (ط2/ دار الإرشاد/ بيروت/ ‏‏1391هـ- 1971م/ 43 وما بعدها) شىء من التفصيل لدور المستشرقين ‏فى هذا المجال مع ذكر الكتب التى ألفها بعضهم فى هذه اللهجة أو تلك. ‏أما الكتاب الذى جَمَعَ فأَوْعَى فيما يتعلق بهذه القضية فهو كتاب "تاريخ ‏الدعوة إلى العامية وآثارها فى مصر" للدكتورة نفوسة زكريا.‏
‏(13) انظر جهاد فاضل/ الأدب الحديث فى لبنان- نظرة مغايرة/ ‏رياض الريس للكتب والنشر/ 1996م/ 75- 81، ومنير العكش/ أسئلة ‏الشعر- فى حركة الخلق وكمال الحداثة وموتها/ المؤسسة العربية ‏للدراسات والنشر/ بيروت/ 1979م/ 148 وما بعدها. ويجد القارئ فى ‏كتاب رجاء النقاش: "أدباء ومواقف" (المكتبة العصرية/ صيدا وبيروت/ ‏‏55- 72) مناقشة مفصلة لدعوة سعيد عقل يحسن الرجوع إليها.‏
‏(14) انظر أنور الجندى/ الفكر والثقافة المعاصرة فى شمال أفريقيا/ ‏الدار القومية للطباعة والنشر/ القاهرة/ 1385هـ- 1965م/ 1660 ‏‏172.‏
‏(15) انظر محمد مزالى/ مواقف/ ط2/ الشركة التونسية للطباعة ‏والنشر/ 1984م/ 112- 113، 198. ‏
‏(16) كتب محمود تيمور بعض أعماله القصصية والمسرحية بالعامية ‏فى بداية أمره، ثم عاد بعد ذلك ففصّحها وهجر العامية للأبد، وصار من ‏الغيورين على الفصحى أشد الغيرة.‏
‏(17) انظر توفيق الحكيم/ مسرحية "الصفقة"/ مكتبة الآداب/ ‏‏156- 157.‏
‏(18) انظر د. إبراهيم عوض/ دراسات فى المسرح/ مكتبة زهراء ‏الشرق/ 1420هـ- 2000م/ 36- 39.‏
‏(19) مكتبة زهراء الشرق/ 1418هـ- 1998م/ 15- 20.‏
‏(20) د. شوقى ضيف/ الأدب العربى فى مصر/ 205. ‏
‏(21) أنيس المقدسى/ الفنون الأدبية وأعلامها فى النهضة العربية ‏الحديثة/ ط3/ دار العلم للملايين/ 1980م/ 230- 231.‏
‏(22) المرجع السابق/ 230.‏
‏(23) انظر محمد يوسف نجم/ فن المقالة/ ط4/ دار الثقافة/ ‏بيروت/ 93- 94.‏
‏(24) انظر د. إبراهيم إمام/ دراسات فى الفن الصحفى/ مكتبة ‏الأنجلو المصرية/ 1972م/ 179- 180.‏
‏(25) سرّنى، بعد أن كتبت هذه الفقرة، أن أجد كاظم حطيط ‏‏(فى كتابه: "دراسات فى الأدب العربى"/ دار الكتاب اللبنانى ببيروت ‏ودار الكتاب المصرى بالقاهرة/ 1977م/ 179- 180) يقول برأى مشابه، ‏إذ يؤكد أن المقالة قد ظهرت فى أدبنا القديم تحت أسماء متعددة كالرسالة ‏والمناظرة والحديث، وأن كثيرا من الكتب القديمة هى أقرب إلى أن تكون ‏مجموعة مقالات منها إلى أن تكون كتبا.‏
‏(26) وأنصارها هم الذين يقولون هذا بأنفسهم. انظر مثلا محمد ‏جمال باروت/ الشعر يكتب اسمه/ اتحاد الكتاب العرب/ دمشق/ ‏‏1981م/ 146- 147.‏
‏(27) عن كتاب "الشعر يكتب اسمه" لمحمد جمال باروت/ 78- ‏‏79.‏
‏(28) المرجع السابق/ 113.‏
‏(29) انظر مثلا محمد جمال باروت/ الشعر يكتب اسمه/ 7- 18، ‏‏49- 50، ومنير العكش/ أسئلة الشعر/ المؤسسة العربية للدراسات ‏والنشر/ بيروت/ 1979م/ 134، 156، ود. عبد الحميد جيدة/ ‏الاتجاهات الجديدة فى الشعر العربى المعاصر/ مؤسسة نوفل/ بيروت/ ‏‏1980م/ 316- 327، وس. موريه/ الشعر العربى الحديث: 1800- ‏‏1970م/ ترجمة وتعليق د. شفيع السيد ود. سعد مصلوح/ دار الفكر ‏العربى/ 1986م/ 444- 455، ود. خليل أبو جهجة/ الحداثة الشعرية ‏العربية بين الإبداع والتنظير والنقد/ دار الفكر اللبنانى/ 1995م/ الفصل ‏الثانى من الباب الثانى، ومقال د. أحمد على محمد: "الشعر والنثر فى ‏ضوء نظرية الأنواع الأدبية"/ مجلة "علامات" السعودية/ المحرم 1423هـ/ ‏‏326- 330.‏
‏(31) انظر ما طنطن به محمد مندور حول القصيدة المومإ إليها فى ‏كتابه: "الميزان الجديد"/ ط3/ مكتبة نهضة مصر/ 69 وما بعدها. ‏والواقع أن فيما كتبه مندور فى هذا المعنى كثيرا من التهافت. ترى أكان ‏يصلح مثلا أن تنشد فايدة كامل أثناء العدوان الثلاثى على بورسعيد ‏قصيدة متخاذلة منهارة كهذه بدل نشيد "دع سمائى، فسمائى محرقة"، ‏الذى أشعل نفوس الشعب كله حماسة وثورة؟ أم هل كان يصلح أن يغنى ‏ذلك النشيد صوتٌ واهنٌ هامسٌ كصوت نجاة الصغيرة؟ إن هذا مثل ذاك ‏سواء بسواء. وقديما قالوا فى البلاغة العربية: "لكل مقام مقال"، أما د. ‏مندور ومن يظنون أنهم وقعوا فى كلامه على صيد ثمين فيتجاهلون هذا ‏كله ويريدون أن يسيروا على المثل القائل: "كله عند العرب صابون"!‏
‏ (32) انظر د. على الحديدى/ فى أدب الأطفال/ ط2/ مكتبة ‏الأنجلو المصرية/ 1976م/ 243- 257.‏
‏(33) بعدما كتبت هذا بعدة أيام راجعت كتاب "شاعرات العرب" ‏فوجدت جامعه عبد البديع صقر يشير فى مقدمته إلى ما لاحظه على ‏الشعر النسائى عند العرب القدماء من قِصَر النَّفَس وندرة الإنتاج فى ‏أغلب الأحوال، "فقلما ترى امرأة كالخنساء استقلت بديوان كامل" ‏‏(المكتب الإسلامى/ بيروت/ صفحة ج)، وهو ما يؤكد رأيى فى ذات ‏الموضوع.‏
‏(34) من بين ما لجأتُ إليه للتحقق من صحة هذه الملاحظة ‏مراجعة أسماء الأدباء والكتّاب الذين ترجم لهم ياقوت الحموى (ت626هـ) ‏فى "معجم الأدباء" فلم أجده ذكر من النساء إلا امرأة واحدة هى فاطمة ‏بنت الأقرع، ولم يورد لها إلا رقعة واحدة رفعتها إلى الحاكم. ويبدو أنها ‏كانت كاتبة خطاطة لا كاتبة أديبة. وقد ماتت عام 480هـ. وقبله فى ‏القرن الثالث الهجرى ألف ابن طيفور كتاب "بلاغات النساء" فلم يذكر ‏لهن، خارج ميدان الشعر، إلا أجوبة شفوية.‏
‏(35) لمن يريد أخذ فكرة سريعة تُلِمّ بأهم ما فى هذين الكتابين عن ‏ذلك الموضوع يمكن أن يرجع إلى تلخيص د. محمد عمارة فى الجزء الأول ‏من "الأعمال الكاملة لرفاعة رافع الطهطاوى" (وعنوانه "التمدن والحضارة ‏والعمران")/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت/ 1973م/ ‏‏203- 221).‏
‏(36) انظر أنيس المقدسى/ الاتجاهات الأدبية فى العالم العربى ‏الحديث/ ط7/ دار العلم للملايين/ 1982م/ 254/ هـ1، و"الفنون الأدبية ‏وأعلامها فى النهضة الأدبية الحديثة"/ دار العلم للملايين/ بيروت/ 1980م/ ‏‏27.‏
‏ (37) انظر كتاب "حضارة العراق" لنخبة من الباحثين العراقيين/ ‏دار الحرية للطباعة/ بغداد/ 1985م/ 182- 183.‏
‏(38) المرجع السابق/ 195- 196.‏
‏(39) وكان أول صدورها سنة 1910م.‏
‏(40) انظر عمر الدقاق/ فنون الأدب المعاصر فى سورية/ دار ‏الشرق العربى/ بيروت/ 19.‏
‏(41) انظر د. إبراهيم عوض/ "وليمة لأعشاب البحر" بين قيم ‏الإسلام وحرية الإبداع- قراءة نقدية/ مكتبة زهراء الشرق/ 1422هـ- ‏‏2001م/ الفصل الأول المسمَّى: "دراسة لمضمون الرواية".‏
‏(42) انظر رضوان إبراهيم/ التعريف بالأدب التونسى/ الدار العربية ‏للكتاب/ ليبيا- تونس/ 1397هـ- 1977م/ 41.‏
‏(43) انظر أنور الجندى/ الفكر والثقافة المعاصرة فى شمال أفريقيا/ ‏‏269، ونور الدين صمودى/ هزل وجد/ الشركة التونسية للتوزيع/ 82، ‏ورضوان إبراهيم/ التعريف بالأدب التونسى/ 52. وقد كتب ابن باديس ‏مقالا يهاجم فيه الكتاب وصاحبه فى صحيفة "الشهاب" الجزائرية فى غرة ‏رجب 1349هـ- ديسمبر 1930م. ‏
‏(44) انظر أنور الجندى/ الفكر والثقافة المعاصرة فىشمال أفريقيا/ ‏‏270.‏
‏(45) الشركة التونسية للتوزيع/ 133- 148.‏
‏(46) انظر د. عمار الطالبى/ ابن باديس- حياته وآثاره/ ط2/ ‏دار الغرب الإسلامى/ بيروت/ 1403هـ- 1983م/ 35.‏
‏(47) كان حوحو قد هاجر إلى الحجاز عام 1934م، وبقى هناك ‏اثنى عشر عاما.‏
‏(48) انظر د. عمر ين قينة/ صوت الجزائر فى الفكر العربى ‏الحديث/ ديوان المطبوعات الجامعية/ الجزائر/ 172- 173، 188- 189، ‏‏193.‏
‏(49) عبد الله البردونى/ قضايا يمنية/ ط2/ دار الأندلس/ بيروت/ ‏‏397- 402.‏
‏(50) انظر محمد عبد الرحيم قافود/ الأدب القطرى الحديث/ ‏‏61.‏
‏(51) ويجد القارئ تحليلا لبعض القصص القطرية المشابهة فى كتاب ‏‏"الأدب القطرى الحديث" لمحمد عبد الرحيم قافود/ 127 وما بعدها.‏
‏(52) انظر فى ذلك د. محمد محمد حسين/ الاتجاهات الوطنية فى ‏الأدب المعاصر/ ط3/ دار النهضة العربية/ بيروت/ 1392هـ- 1972م/ ‏‏2/ 145 وما بعدها، ود. عمر الدقاق/ فنون الأدب المعاصر فى سورية/ ‏‏58. ويجد القارئ أيضا نصوصا مختلفة لدعاة الفرعونية وردود العروبيين ‏عليهم فى كتاب أنور الجندى: "المعارك الأدبية فى مصر منذ 1914م إلى ‏‏1939م"/ مكتبة الأنجلو المصرية/ 1983م/ 15- 70. ‏
‏(53) لرجاء النقاش كتاب بعنوان "الانعزاليون فى مصر" يرد فيه ‏على لويس عوض ودعوته إلى الانعزال عن العروبة وتاريخ مصر العربى ‏‏(المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ 1981م/ 55- 72).‏
‏(54) انظر جهاد فاضل/ الأدب الحديث فى لبنان- نظرة مغايرة/ ‏‏41- 44، 55- 59، حيث يتهكم على غياب الحس التاريخى والجغرافى ‏والحضارى عن سعيد عقل، ويتعجب من أفكاره الواهمة وعماه عن الواقع ‏العروبى فى لبنان، ذلك الواقع الذى يفقأ العين، ويناشده أن يترك ما مات ‏من التاريخ وأن يكف عن محاولته العابثة لإعادة عقارب الزمن إلى الوراء. ‏وانظر كذلك محمد عمارة/ العروبة فى العصر الحديث- دراسات فى ‏القومية والأمة/ دار الكاتب العربى للطباعة والنشر/ القاهرة/ 306- ‏‏309. ‏
‏(55) د. عمر الدقاق/ فنون الأدب المعاصر فى سورية/ 57.‏
‏(56) يُنْظَر نص كلامه فى كتاب أنور الجندى: "المعارك الأدبية فى ‏مصر منذ 1914م إلى 1939م"/ 106، 118. ‏
‏(57) انظر محمد مزالى/ مواقف/ ط2/ الشركة التونسية للتوزيع/ ‏‏1984م/ 58، 76، 98- 99.‏
‏(58) انظر د. محمد محمد حسين/ الاتجاهات الوطنية فى الأدب ‏المعاصر/ 2/ 162، وأنور الجندى/ الفكر والثقافة المعاصرة فى شمال ‏أفريقيا/ 80، ود. نازلى معوض أحمد/ التعريب والقومية العربية فى المغرب ‏العربى/ مركز دراسات الوحدة العربية/ بيروت/ يوليو 1986م/ 60- 61، ‏ود. عمر بن قينة/ المشكلة الثقافية فى الجزائر- التفاعلات والنتائج/ دار ‏أسامة للنشر والتوزيع/ عمّان/ 2000م/ 97 وما بعدها.‏
‏(59) انظر د. نازلى معوض أحمد/ التعريب والقومية العربية فى ‏المغرب العربى/ 160.‏
‏(60) انظر جهاد فاضل/ الأدب الحديث فى لبنان- نظرة مغايرة/ ‏‏58، وعثمان سعدى/ عروبة الجزائر عبر التاريخ/ الشركة الوطنية للنشر ‏والتوزيع/ الجزائر/ 1982م/ 92، و104/ هـ33.‏
‏(61) انظر جهاد فاضل/ الأدب الحديث فى لبنان- نظرة مغايرة/ ‏‏337.‏
‏(62) انظر د. عمر بن قينة/ المشكلة الثقافية فى الجزائر- ‏التفاعلات والنتائج/ 110.‏
‏(63) يجد القارئ مقالا لابن باديس فى هذا الموضوع فى كتاب د. ‏عمر بن قينة: "صوت الجزائر فى الفكر العربى الحديث"/ ديوان المطبوعات ‏الجامعية/ الجزائر/ 155- 162.‏
‏(64) انظر أنور الجندى/ الفكر والثقافة المعاصرة فى شمال أفريقيا/ ‏‏83- 84، 182- 183.‏
‏(65) الزاهرى أديب جزائرى مخلص لعروبته. وقد كنت مشتركا ‏فى الإشراف على رسالة ماجستير أعدها فى ثمانينات القرن الماضى ‏طالب جزائرى عن ذلك الأديب.‏
‏(66) انظر أنور الجندى/ الفكر والثقافة المعاصرة فى شمال أفريقيا/ ‏‏96- 99.‏
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف