بقلم رفيق علي
(9) مجددو القرن السابع الهجري:
ونستعرض مجددي القرن السابع الهجري، فنجد من يحسب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم من مجددي هذا القرن، مع أنّ مولد ابن تيمية كان في الثلث الأخير من هذا القرن، وكانت وفاته عند نهاية الثلث الأول من القرن الثامن تقريباً؛ ومعناه أنّ أكثر اجتهاده وتجديده كان خلال القرن الثامن؛ مما يجعلنا نعتبره وتلميذه ابن القيّم من مجددي القرن الثامن الهجري، وإن أبلى ما أبلى منذ أواخر القرن السابع! ونعتبر القاضي الشاعر ابن دقيق العيد (625ــــ 702ه) وهو من قُوص بمصر، على رأس المجددين للقرن السابع. وليس لابن دقيق العيد من مصنفات، إلا أنه عرف بعلو المكانة في العلوم النقلية والعقلية والأدب والشعر ومعرفة علل الحديث، وولي القضاء ولم يقبله إلا بعد إباء شديد؛ والسبب أنه كان غير راضٍ عن حالة الحكم في عصره، وإن لم يعمل بجد على تغيير هذه الحالة!
هذا ويميل الأستاذ عبد المتعال الصعيدي في كتابه "المجددون في الإسلام" لأن يعتبر نصير الدين الطوسي(597ـــ 672ه) وكان شيعياً، على رأس المجددين لهذا القرن سابقاً لابن دقيق العيد وابن تيمية، متميزاً عنهما؛ لأنّ ثقافته العلمية كانت مثل ثقافة فلاسفة أوربا في هذا القرن ـ على حد قوله (*) وهذا مع ما ناله من الذم على لسان ابن قيّم الجوزية في كتابه "إغاثة اللهفان" حيث دعاه " نصير الشرك والكفر والإلحاد" ! إلا أنّ الأستاذ الصعيدي يذكر أنّ الطوسي استغلّ حاجة هولاكو قائد التتر إليه في نفع الإسلام والمسلمين؛ وأخذ يجمع ما نهب من الكتب الإسلامية بعد سقوط بغداد على يد التتر، وابتنى لها خزانة عظيمة، وأقنع هولاكو أن يبني مرصداً عظيماً بمدينة مراغة.. وأنه جدد ما بلي في دولة التتر من العلوم الإسلامية، وأحيا ما مات من آمال المسلمين بها، وفتح الباب بعده لمن عمل على إدخال الإسلام في قلوب هؤلاء التتر(*) فهل أخطأ الأستاذ الصعيدي فيما ذهب إليه ، خلافاَ لما ذهب إليه ابن القيّم ولحقه محبّ الدين الخطيب في كتابه "الخطوط العريضة.. أم تراه أنصف الرجل وإن كان شيعياً؟
على أنني أضيف هنا مجدداً آخر غفل عن ذكره أو أغفله الذاكرون، وكانت له اليد الطولى في تجديد علوم الحديث، ذلك هو الإمام الحافظ تقيّ الدين أبو عمرو المعروف بابن الصلاح الشهرزوري المتوفّى سنة 643ه، فبالإضافة إلى تعدد مصنفاته في الفقه والفتوى كان كتابه "علوم الحديث" المعروف بمقدمة ابن الصلاح ـــ وهو من أحسن ما صنّف أهل الحديث في معرفة الاصطلاح ـــ فاتحة عهد جديد في تدوين علوم الحديث وتطويرها.
هذا ومن كبار المجددين في هذا القرن الإمام المجاهد عز الدين بن عبد السلام المعروف بالعز بن عبد السلام والملقب بسلطان العلماء، وكان من الثائرين المجددين في مجال السياسة والحكم، إذ أنه ثار على الملك الصالح إسماعيل الأيوبي في الشام؛ لبيعه السلاح للفرنجة! وانتقل إلى مصر فجهر بالحق في وجه السلطان نجم الدين أيوب، وأصبح هناك مصدر حركة إسلامية واسعة، حتى لقبه الناس بسلطان العلماء! ولما علم بهجوم لويس التاسع ملك فرنسا على دمياط، انضم إلى الجيش الذاهب إلى المنصورة لردّ المغيرين، خطيباً ومجاهداً حتى هُزم الأعداء، وأُسر الملك.. مثلما فعل أيضاً حينما أغار التتار على الشام ومصر، فأعمل السيف إلى جانب الكلمة .. وخاض المعارك جندياً في جيش سيف الدين قطز، على كبر سنه وحاجة المسلمين إليه! وهذه صورة من صور التجديد الإسلامي تذكّرنا بالعهد الأول للإسلام، عهد الإيمان والالتزام.. وكانت وفاة الشيخ سنة 660ه أي بعد عام أو عامين من هزيمة التتار في عين جالوت!
هذا ولا يفوتنا أن نذكر في هذا القرن مجددين آخرين، أحدهما في مجال تفسير القرآن الكريم والثاني في علم الطب. أما الأول فهو قاضي القضاة الإمام ناصر الدين البيضاوي صاحب كتاب "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" وهو كتاب في تفسير القرآن الكريم بالرأي .. وإنما هو اجتهاد محمود وتجديد مطلوب؛ إذا كان المقصود تمحيص الحديث والترجيح بين الروايات، ثم الاجتهاد فيما لم يرد فيه نصٌّ أو كان النص ضعيفا، وعدم التأويل على هوى المذهبً أو الفِرقة! وتوفّي البيضاوي سنة 685ه.
أما الثاني فهو علاء الدين بن أبي الحزم القرشي الدمشقي المصري المعروف بابن النفيس. وهو أول من اهتدى إلى اكتشاف الدورة الدموية الصغرى.. ومن مؤلفاته في الطب كتاب "الشامل" و"المهذب" و"المختار في الأغذية" بالإضافة إلى عدد من الشروح والتعليقات على كتب أطباء اليونان. توفّي سنة 687ه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) انظر "المجددون في الإسلام" عبد المتعال الصعيدي ـ مكتبة الآداب ومطبعتها ـ القاهرة ــ ص 258 ــــ 261
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يتبع