الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

لقاء فى الحريف بقلم:السيد الهبيان

تاريخ النشر : 2018-12-11
لقاء في الخريف
قصة قصيرة
=======
انتهت به الغربة إلى شوارع المدينة..التى غاب عنها لسنوات..وسط الزحام تتالى خطواته على الطريق..تمضى به جهة المكان القديم .. الذى غاب عنه سنوات سقطت من عمره.. على جانبى الشوارع التى يمر بها ..تفحص الأشياء بنظرة غير واعية .. بفعل انشغال ذاكرته بأحداثا كانت.. قبل أن تدع الجديد يأخذ مكانها..يستحضركل الصور القديمة القابعة فى زوايا الماضى ..تتماثل له مثلما كانت في ماضيها ..يطبق عليها عينيه..وكأنه يقبض عليها قبل أن تهرب منه.. يغمره دفق الحنين إلى زمنها الذى كان....وإلى شريكته فيها..قبل أن تفصل سنوات الغربة بينهما.. بعد أن حزم حقائبه ومضى عنها..اعتقد أنه سيجد فى الغربة مايحقق طموحه..ويعيش حريته التى فقدها فى مدينته ..بإحساس يختلف عن الذى يداهمه فى حياته ..كلما تواجه بالحظر على أفكاره..دون الاهتمام بمشاعره..وعندما اخترق المستقبل بتمنياته ورغبته فى أن تتحقق..تواجه بحائط صد يمنعه من الاسترسال فيها..بدلا من القفز للأمام.. هرع يبحث عن تاريخه الضائع.. فاكتشف انه يتهاوى أمام التاريخ المستحدث..الذى يتحول إلى تاريخ مقنن..يحتل بداية التاريخ..بعد أن يخفى التاريخ الحقيقى تحت خيمة التعتيم..وتدوين الأكاذيب التى تجعله وكأنه لم يكن..لكنه اكتشف مرارة الغربة وثقلها..بعد أن حقق أمنيته بولوجها..بدت له فظيعة لاتحتمل..وخالية من الحياة السهلة ..التى كان يظن أنها ستكون بانتظاره..وبدلا منها عانى من صقيعها وقسوتها ومرارتها..وبدا فيها كالضال الأبدى..فتعود التسكع فى الشوارع على ارصفة الحزن..ولم يجد مفرا فى النهاية من، العودة إلى مدينته التى تركها..وإلى التى شاركته فيها فترة من حياته..ومن ظل يذكرها طوال بعده عنها..وخلال رحلة العودة كان يتخيل لحظة اللقاء الذى سيجمع بينهما..
وسط كل مايبدو له..أستحضرها وتماثلها مثلما كانت..داهمه الفرح لقرب لحظة التلاقى التى ستجمع بينهما..بعد ما صار زمنهما محطة من مجطات العمر..مضت قبل سنين فاتت..وكانت غنية بأحلام ترسم لهما الزمن الآتى.. قبل اكتشافه أنها لم تكن سوى أوهام..فوضعها فى سلة مهملات الماضى..واحتسبها من مخلفات سالف الأيام والسنوات.. ثم ابتعد عن حاضرها بفعل النسيان والانشغال بهموم الحياة..وتركها خارج دائرة الاحتمال..مستسلما لعاديات الحال الرافض له..قبل أن ينشد الغربة التى أرغمته على أن يتقوقع فيها.. فاكتشف أن الغريب فيها مثل الآلة..يأت اسمه بلا مقدمات.. ويواجهه التساؤل الدائم عن هويته.
داهمه الأسى وهو يجوب شوارع الذاكرة..آثار مشاعر الغربة لم تفارقه..فاختصر الطريق إليها.."ستحدق بى طويلا..وسينبعث من عينيها أكثر من أمل..سأخبرها بأن كل الأماكن التى تنقل بينها.... موحشة بدونها"..فأبى أن يظل فى مكمنه الغائب فيه..وقرر فى لحظة حنين..أن يتمرد عليها وينشق عنها..ليعود إلى حاضر خلا منه..ويصنع من عودته مفاجأة من مفاجآت القدر..طوى المسافة بين ميناء الوصول وبيتها فى وقت غاب عنه تحديده..واقتحمه ليعلن أن تواجده لم ينته بعد.. و قادر على أن يفتح صفحات الماضى المطوية..وينفض الغبار عن سطورها..فانتصب فى المكان الذى لم يغب عنه طوال فترة الغياب..ثم صعد الدرجات القليلة التى تعرضت لتكسير حوافها بفعل الاستعمال المستمر لها طوال سنوات مرت عليها..ثم استقام فى وقفته أمام الباب الذى طالته معالم القدم.. وشرع فى الإعلان عن وصوله بعد أن تردد للحظات..ارتعشـت يده وهو يضغط على "زر" الجرس الملصق بجوار الباب.
بدت لها الدقات المعهودة دونما اختلاف عن غيرها ..ولم تحمل رتابتها أية مفاجأة لها.. فكان من الطبيعى أن تحظى باستجابة عادية منها ..بدت بفعل الحذر من خطر محتمل قد يكون..عالجت شراعة الباب لتفتح أولا باعتياد بدا محتما فى أيام العمر الأخيرة..وللتأكد من القادم إليها..أطل الوجه الطالع من رحم المفاجأة..تواجه مع وجهها المتغضن بفعل الزمن الذى مر..بدت الملامح فى البداية لعينيها كصورة مشوشة ..وهى تحدق فيها بتأمل..قبل أن يكتمل تعرفها عليه.. ويبدو وجهه بصورته المحفورة فى ذهنها:
ـ معقول ؟ا..
انطلق التساؤل بعفوية ليصطدم بلهفة المنتظر بالخارج .. جمعت بينهما الغرابة التى ارتسمت على وجههما.. لرؤيته المفاجئة بعد أن كانت تحتسبه خارج دائرة الاحتمال..و بدا الصمت سيد المكان..استحالت خلاله علامة الاستفهام التى تعاظمت فى داخلها ..إلى مفرخة تتكاثر من خلال بعضها..وتتراقص جميعها حول اقتحامه للحال الذى كان قد خلا منه.. ودوافع الابتسامة المرتسمة على الوجه الذى تغيرت ملامحه..بعد أن طالها التغيير بفعل الزمن.. وواجهته بعلامات الدهشة والتساؤل التى قابلته بها.. بعد غيابه الطويل عنها..والتى لم يكن يتوقعها..ثم فتحت له الباب وأفسحت له الطريق ليدخل دون محاولة لإطفاء الشوق المنتظر بعد سنين الغياب..قصد الحجرة التى شهدت لقاءات كانت تجمعهما..وجلس كعادته التى كانت قى جلسته المعهودة على الكنبة القديمة..التى لم يتغير مكانها..تبعته بثقل حركتها فى صمت.. ودون أن ترحب به..واتخذت مكانها غير ملاصقة له على خلاف عادنها قبل رحيله عنها.. ثم واجهته:
ـــ ماالذى جاء بك وماذا تريد.
فاجأه سؤالها المباغت..استطردت:
ـــ مادفعك إلى اقتحام حياتى بهذا الشكل المفاجىء؟ا.
أنكر عليها استقبالها الفاتر له:
ـــ مابك ..ألهذا الحد أثارتك المفاجأة؟
ثم استطرد:
ـــ كان الوصول إليك بالنسبة لى آخر المدى.
واجهته بغرابة..استطرد فى تتابع:
ـــ كنت أنتظره بشوق السنين التى فاتت.. وها أنا أمامك بعد غياب..وأنت أمامى بعد طول انتظار....رؤية وجهك أزالت عنى تعب السفرالمرهق..وعناء صعود الدرجات.. حتى تواجهنا..تحول ماكان خيالا بالنسبة لى إلى حقيقة كانت بعيدة المنال ..وانتشت الروح بإحساس الفرحة.
لم تتغير برودة الحال الذى تتطاول زمنه..تتواجه النظرات فى جمود بدا كساتر لبوح الهمس الذى لا يكشف عن نفسه..مخفيا الإحساس بالدهشة..ومفاجأة أطلت فى زمن النسيان..جعلت الحال مسخا مشوها اختلط فيه الواقع المر..بأحلام بدت كأنها عصية على التحقيق.. وبعد صمت لم يدم طويلا استأنف:
ـــ جئت أنشد سلام النفس الشقية ..أحمل كفن التعب.. وأضعه بين يديك..ربما تستطيعين خلعه عنى.
ثم أضاف:
ـــ فى الغربة..كنت أسمع مووايل البحارة..وصدى هدير الأمواج يعزف سيمفونية الهدور والهياج..أتابعه فى الجزر والمد..وأرقب شراع المراكب وهى تتجه إلى المراسى..بينما أتسلل إلى أعماقك..وأذوب بين يديك لأسعد بنشوة احتضانك..
قاطعته بابتسامة ساخرة:
ـــ كنت تتخيلنى عندما كنت معى.
ـــ كنت مثالا حيا لاخيالا.
ـــ لكنك تركتنى وأنت تعرف أننى فى حاجة إليك..
ــــ تعرفين أنىى تركتك مرغما.
ــــ مرغما أو هاربا..
تأمل نظرات العتاب فى عينيها..
ــــ الاثنان كما تعرفين.
ابتسمت فى أسف:
ــــ لا أستطيع أن أنكر هذا.
حاول أن يخفف من حدة عتابها الذى لم يتوقف:
ـــ لم أنس ما عشته معك.
استحضرت ابتسامة فرح ..غابت عن شفتيها منذ رحيله عنها:
ـــ كنت أخشى أن تنسيك الغربة ماكان بيننا.
ـــ كيف أنساك وأنت توأم روجى؟ا.
ثم استرسل لنفسه:" تعرفين أنك زهرة عمرى الأبدية..ومازلت ..ولذلك كنت لى فى الغربة حلما أدمنته..يراودنى فى المنام وفى اليقظة..ويتماثل لى فى لحظة أنتظر أن تجىء..لنعيش معا زمننا الذى كان يتماثل لى كخيالات تتراءى ..وأوهاما تعيدنى إلى ماعشته معك فى الحقيقة..ولا زال تفترش مساحات كبيرة فى ذهنى..وسيظل فيه ماحييت."
سألته بلهفة فقدت حيويتها:
ـــ ألا زلت تذكرنى؟.
واجهها وتابع لنفسه:" لاول مرة تسكننى امراة مثلك انت تغطينى ولم اعرف بعد مكانها فى شعورى إلا عندما ارتحلت إلى الغربة..قبلك نساء كثيرات دخلن دائرة حياتى.. فالحب نظرة فى عينى حبيبتى تتراءى لى فى صحوى ومنامى وقبلة عذراء لها طعم مميز يعرفه من عاشوا مثلنا".
قطعت عليه استرساله لنفسه:
ـــ لماذا عدت؟.
واجهها متعجبا:
ـــ عدت إلى إليك.
ابتسمت ساخرة:
ـــ عدت لى أم طردتك الغربة؟
ـــ وهل لى فى هذه الدنيا غيرك؟.
ثم أضاف:
ـــ تعرفين أنك وطنى الذى أقدسه.
هزت رأسها وأجابته فى أسف:
ـــ وطنك الذى تركته ضاع.
ثم أضافت:
ـــ تم الاستيلاء عليه عنوة وحرمنا منه.
ـــ كيف ومن هم :
ــــ من يزعمون أن لا أحد أمينا عليه غيرهم.
ثم تابعت:
ـــ استأثروا به لأنفسهم..و احتسبونا كأننا غرباء عنه.. ويتصرفون وكأن الزمن صار وقفا عليهم وحدهم .. وتخيلوا عالما رسموا فيه كل ما يرتأون..وكأنهم سيعيشون إلى الأبد.. نهبوا أروع مافيه.. وبادوا كل الأمانى التى تماثلت لمن يعيشون فيه.. سرقوا الخبز من الأفواه ..والآمال من الحالمين بها..وساعدهم من تعودواعلى تبديل وجوههم حسب الحال الذين يعيشون فيه.. زيفوا أنبل صفات الوطن....ولم يعد ثمة عالما غير ما يرونه لصالحهم ..فقدوا إنسانيتهم فغابت عنهم إنسانية الإنسان..ويرون أن الزمن صار لهم..ولم يعد لغيرهم مكانا فيه.
واجهها فى أسف:
ـــ أليس هذا من أسباب الغربة التى سعيت إليها؟.
ـــ لم يتغير شىء ..الحال هو الحال.
ـــ لا شىء باق إلى الأبد.
ـــ حولوا حياتنا إلى عذاب.
ـــ علينا أن نتحمل مصائبنا..
ـــ إلى متى؟.
ـــ إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا.
ـــ ونعم بالله.
ثم أضاف وهو يقف متأهبا للانصراف.
ـــ الفشل وقود الهزيمة.
رغم أنها لم تدعوه للبقاء..سألته:
ـــ أتتركنى؟.
نطلع إليها فى صمت..همست لنغسها:" "كعادتك تنفلت من بين يدى كالحلم.. أحس بلهب حنينك يخبو .. أفتقد لحظات عمرى معك..أشعربالحسرة .. أقدم نفسى قربانا للحظات معك أحتسبها أحلى ما زمنى.. رغبتى الشرسة فى احتوائك تعود وتتاجج ..لكنى أكتمها فى نفسى"..ثم ودعته وهى تقول:
ـــ أنتظر هدية راس السنة لأذكرك فى ليلة عيد الميلاد.
وأضافت لنفسها:"أريد أن تكون هديتى فى بداية عهدنا الجديد.. وأن نعيش فى عناق حال دق الأجراس فى منتصف الليل".
تمتم فى أسف:
ـــ كان هذا من زمن؟.
ـــ لكنها ستظل معلما فى الآتى.
ـــ لم يعد الأمر كما تظنين.
استفسرت منه :
ـــ كيف؟.
ـــ أجراس الآتى.. تجعل من الموت زائر كل لحظة..فهويعشش فوق الأرصفة..وترسم من الليل لوحة لفنان معصوب العينين.. يغمر فرشاته باللون الأسود.. فتتناثر اشلاء ما تحمله شعاعا لضوء لقادم.
ثم مضى ألى الخارج..استوقفته بلآ إلحاح:
ـــ ستعود؟
ـــ لن أتركك أبدا.
ثم استطرد:
ـــ نحن نعيش خريفنا بنسمات الربيع.
ضحكا فجأة..ثم لفهما الصمت للحظات..همسات الماضى المورقة فى الذاكرة جعلتهما يتمثالان وجه الفرح الغائب..وبينما كانا يتصافحان.. استكانت أصابعها بين أصابعه فى استسلام..ثم سحبتها وعادت إلى مقعدها تستحضر ذكرياتها معه

&&&&&&&&&&
السيد الهبيان
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف