الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

التنظير النقدي الأدبي في الجزائر وإشكالية غموضه، نماذج مختارة بقلم: زياد بوزيان

تاريخ النشر : 2018-12-02
الكاتب : زياد بوزيان

‏ يُحسب للنقد الأكاديمي التنظيريّ في المغرب العربي شرف السبق ( الجزائر و المغرب بالخصوص ‏‏) في النهوض بالنقد الأدبي العربي منذ الثمانينيات بحكم العلاقة التاريخية بفرنسا ، صاحبة ‏الريادة في مناهج كان لها أثرها الواضح في العّالم كله كالبنيوية بروافّدها ، وترجمة الشّكلانية ‏الروسية ، التي ّلم تكّنّ لتعرف لولا ترجمات الفرنسيين المبكّرة لأعماُلها ، إذ راحت تترجم و‎ ‎تدير حوله الندوات تلو الندواتّ ، خذ المدرسةّ البنيوية الفرنسيةَّ مثلاﹸ باتجاهاتها الثلاث ‏والأدب المقارن في شقه الفرنسي/مدرسة التأثير، فإن كانت قد استهوت المهتمين ‏و المشتغلين عليّها من النقاد العرب كالمصريين ، وأغوتهم لتطويرها وتطويعها في جامعاتهمّ ‏ومجامعهم اللغوية و لعلمية ، فإن نظرائهم الجزائريين قد فتنتهم وجعلتهمّ أسرى نظرياتها حتى ‏بعد فوات أوان رواجها ، ويحسب للجامعة الجزائرية الرّيادة في إدخال النقد السيميائي ‏وتطبيقه على الساحة المغاربية ، كما حاولت أن تجعل منه منهجا معياريا ‏لتحليل النصوص الأدبية وذلك في المؤتمر العربي للسيميائيات الذي عقد في جامعة سطيف ‏سنة 1988 ، لكن يُلصق بتلك الترجمات والمصنفات و‎ ‎الجهود النقدية الجزائرية التي تشكل ‏الآن بعد 30 سنة تراكما معرفياﹰ خاصية الغموض ؛ إن على مستوى المفاهيم ـــ خلط بين ‏المفاهيم وإنفلات في المعانى نتيجة خلل يحدثه التلاعب بالألفاظ ، خاصة في إقترانها ‏بالمصطلحات ، إنما يمضى في محاولة الإمساك بمعنى ما باستطرادات مفاهمية نقدية هي ‏الأخرى مستعصية على الفهم تفسير كتفسير الماء بالماء هو و بعد جهد ومشقة ، أو في ‏أسوأ الأحوال شرح الغامض بمفردات غامضة مقابلة في لغتها الأجنبية ـــ أو على مستوى ‏المصطلحات ، أو هما معاﹰ ، سواء من قِبل النقاد و الأكاديميين المشارقة : فسمة الغموض ‏تلك سبق وأن أرجعها الناقد المصري صلاح فضل إلى الترجمات المتواضعة عن الفرنسية ‏وهو كأنما يشير إلى مرتاض وحسن بحراوي أنذاك في قوله : « بُعد أو قرب هذا القطر أو ‏ذاك من هذه الدولة الغربية ( الأوروبية ) أو تلك ، قد أثر هو الآخر في استخدام لغة ‏هذه الدولة أو تلك ، كما كان لتخرج أبناء هذا القطر العربي أو ذاك من جامعات غربية ‏عديدة ومتنوعة ، (…) أن عملية التثاقف القطرية الأوربية هذه ، كانت أحد الأسباب ‏التي جعلت من ارتحال المصطلح ( ترجمته ) من تلك الدولة الغربية إلى هذا القطر ‏العربي ، يختلف عنه لو ارتحل إلى قطر عربي آخر ، مما أفضى إلى نتائج غير سليمة ‏، وذات تأثير سلبي على استخدام المصطلح ، ومن ثم استخدام المنهج » [1] ، وأرجعه ‏الناقد السعودي حمد ابن ناصر دخيل إلى التسرع في الترجمة ، أو إلتماس الترجمة الحرفية ‏التي أثبتت فشلها ، أو من الطلبة والباحثين الجزائريين أنفسهم ( لعل كاتب هذا المقال واحد ‏منهم حيث فهم التفكيكية من حيث هي كل شيء ولا شيء بينما لم يفهم تنظيرات الجزائريين ‏النقدية) ولعلّ بينة الحكم الذي يأتي من المتتبع الحيادي من خارج الدائرة كإحدى الباحثات ‏السودانيات المطلعة على التنظير النقدي بالمغرب العربي وهي تقر بالغموض بل بغرابة ‏السيميائية الخليقة بأصلها الفرنسي ،‎ ‎‏ ما بالك بفهم المغاربة لها مترجمة . ولعل الأجدى ‏بالتنويه في قولها : « إن هذه الدراسة جاءت لتحقيق هدفين : الأول هو استكناه هذا ‏الحقل (السيميائية) الموحي بالغموض والغرابة والثاني .. » [2] أنه إحدى نتائج مقارنةﹰ ‏أعمال العرب المشارقة المؤلفة أو المترجمة عن الأنجلوسكسونية في مجال النقد بنظرائهم ‏المغاربة ، منذ ترجمات أحمد حسن الزيات إلى ترجمات منير البعلبكي ، حسب اطلاعنا ‏بالموضوع منذ عقد ونيف أنها ترجع إلى :‏
ـــ ضعف مستوى الترجمة.‏
ـــ تكديس المفاهيم النقدية في الدرس الواحد ، وعدم ضبط المصطلح النقدي إرتباطا بالعامل ‏السابق (يصبح فضفاضاﹰ أو مناقض تماما لمعناه النقدي الاصطلاحي فضلاﹰ عن معناه ‏اللغوي) ‏
ـــ محاولة خلق لغة نقدية أدبية جزائرية ، على غرار اللغة النقدية المغربية وأكبر نموذج عبد ‏الملك مرتاض في كتابه " في نظرية النقد" الصادر العام 2005 عن دار هومة بالجزائر.‏
ـــ عدم منح الفرصة للنقد المتميز وصاحبه حتى يطوي به العمر ويذوي بعيدا عن المراكز و ‏الجامعات الكبرى ، فلا يعرفه البحاثة والمختصون ، كحال الناقدين بشير بويجرة من جامعة ‏معسكر و صالح مفقودة من جامعة بسكرة ، وحتى مخلوف عامر من جامعة سعيدة إلى حد ‏ما.‏
ـــ النشر الإعلامي المكثف للدرس النقدي ، الذي يهدف صاحبه إلى اكتساب الشهرة على ‏حساب دقة ما ينشر ، حتى وإن كان المعنيون ها هنا دكاترة وأساتذة شباب مختصون، لكنهم ‏لا يتحرون تدقيق ما ينشرونه هنا و هناك ؛ لا يستثنون قناة من القنوات ولا فضاءا من ‏الفضاءات إلا و غزوه بمقالاتهم التنظيرية ـــ حتى و إن كانت مكررة ــــ طمعا في تكوين الاسم ‏، من هؤلاء أذكر الدكتور جميل حمداوي من المغرب والدكتور واليامين بن تومي من ‏الجزائر.‏
وسنحاول تفسير وشرح هذه النقاط ، نقطة فنقطة عبر نماذج مختارة بصفة عشوائية في هذه ‏العجالة :

‏1 ــــ ضعف مستوى الترجمة ‏

‏ ولم يطرح السؤال حول هذا المنجز النقدي النظري الأدبي التراكمي مؤلفات و ترجمات ، ‏لماذا بقي حبيس مكتبات الجامعات الجزائرية إلا فيما ندر؛ عندما يتعلق الأمر بالصدقات ‏وبالعمل في الجزائر؟ هل ذلك يعود إلى العامل التجاري فقط كما يدّعي البعض أم يعود إلى ‏غموضه؟ فباستثناء المؤلفات الفكرية و النقدية لمالك بن نبي ومحمد أركون ومرتاض وعلي ‏حرب في الجامعات والمكتبات العربية تبقى الأسماء النقدية السّاطعة في الجزائر باهتة ، بل ‏غير معروفة في الوطن العربي إذا ما استثنينا عبد الملك مرتاض والزواوي بغورة في الخليج ‏العربي ، و لا نجد من محاولة لإيضاح المشهد ورفع غشاوة لبس الصورة هاته و تعسفها ‏أفضل من المقارنة بالخماسي النقدي المغربي الخاطف للأضواء : محمد برادة ومحمد ‏مفتاح، حميد لحمداني وسعيد بنكراد وسعيد يقطين. الذي أصبح يحسب له ألف حساب في ‏جامعات مركزية عربيا كالقاهرة وبيروت وغيرهما عن ذلك يقول بشير محمد بويجرة : «.. ‏الإشكال في المسار النقدي والأدبي في الساحة الجزائرية ، إنما هو إشكال اللغة ، ‏لكونها عرفت أوضاعا خاصة لم تعرفها بقيت الأقطار العربية الأخرى »[3] ، وبويجرة هاهنا ‏مُحق وربما تكون جرأته سبب في تهميشه[4] ، حيث الأساس في الترجمة أي ترجمة هو ‏الإلمام الجيد باللغتين المنقولة/الأجنبية والمنقول إليها/العربية ، أما اللغة الأجنبية / الفرنسية ‏سنجد أنفسنا أمام فريقين : جيل سابق هو جيل مرتاض و‎ ‎أبو العيد دودو ومحمد مصايف ‏رحمهما الله ، أخذ أول ما أخذ اللغة الفرنسية عوض اللغة العربية من المدرسة الجزائرية ‏المفرنسة في الخمسينيات والستينيات بالتالي لغتهم الفرنسية أفضل حتى من الفرنسيين أنفسهم ‏أما عربيتهم فتعتريها شكوك ، حتى لا نقول غير ذلك ، وجيل لاحق هو جيل الناقدين رشيد ‏بن مالك و سعيد بوطاجين على سبيل المثال ، و نُلفي الحاصل مع هذا الجيل هو العكس ‏بالعكس ، والنتيجة هو أن كلا الفريقين غير مؤهل لترجمة الدرس/ المنهج النقدي الفرنسي ‏إلى العربية لأن شرط إجادة جيدة للغة المنقولة و المنقول إليها معاﹰﹰ غير مُستفاة . ولعلّ ‏الفرق بين النقاد المنظرين المغربيين المذكورين أعلاه و نظرائهم الجزائريين هو أن الأخيرين ‏لا يقرون في غالبيتهم بضعف ترجماتهم ، بل ويغترون أحيانا و يعتبرون الأمر ثانوي ‏وهامشي! عكس المغربيين كسعيد بن كراد المُقرين دائما وكلما سمحت الفرصة بكونهم نقادا ‏وليسوا مترجمين ، لعله سبب من أسباب تقوقع الترجمات/ البحوث النقدية الجزائرية وإنحصارها ‏في الجامعات الجزائرية إلاّ ما رحم ربك. ربما أن فرانكفونية أصحابها زائدة عن اللزوم في ‏وضع لا يجب أن تكون فيه كذلك ، لأنها تجعلهم يرتابون في توصيل جوهر المعنى أـم ‏جوهر اللفظ ، وعندما نعلم أن بعض المدارس النقدية كمدرسة باريس السيميائية تعنى ‏باستفاء المعنى من اللفظ فإنها الطامة الكبرى ، و لا تعني الفرانكفونية ها هنا الكتابة ‏والتأليف باللغة الفرنسية كما يفهمها الكثيرون ، بل هي حب مفرط للغة والثقافة الفرنسية ‏نتيجة علاقة النمو و‎ ‎الترعرع تعليمياﹰ وأكاديميا /الدراسة العليا في السوربون وما شابهه.‏

بادئ ذي بدء لا بد من الوقوف عند ظاهرة مستفحلة في بعض الأنساق الثقافية المعاصرة ‏تماما كنسق البحث العلمي و الفكر النقدي الأكاديميين في جامعة الجزائر2 ، ولم يأبه الدرس ‏النقدي عندنا بأهميتها وخطورتها لو بقيت مضمرة ألا وهي ظاهرة الناقد والباحث الفحل ؛ ‏التي ينمذجها بامتياز الروائي والإعلامي أمين الزاوي ، خطاباتهم المضمرة التي يتجنبها النقد ‏الثقافي عندنا بالجزائر، وهي الخوض بفحولة وبأبّهة النجومية في كذا من تخصص كون ‏صاحبها قد منح شهرة أوصلته إلى درجة "مفكر فحل" يخوض حتى في المقدسات وأعقد ‏المواضيع المحيطة بها ، فماذا ستعني الترجمة و المقالة/الخطابة الإذاعية أمام هكذا مفكر ‏حر و فحل؟ أكيد ولا شيء ، و الزاوي كما هو معلوم اختص بمحظور التفنن في وصف ‏الجنس روائيا خطاب الجسدdu corps ‎‏ ‏discours‏ هكذا يدعى في الثقافة الفرانكفونية ، ما ‏من رواية يكتبها إلا ويكون الجنس والمرأة موضوعها الأساسي ، ما من ندوة أو مقابلة مع ‏قامة كبيرة إلاّ وكان الجنس ضمن الثلاثي الروائي المحرّم موضوعها الأساسي ، لكن في ‏سؤاله لضيفه الشاعر اللّبناني الكبير تنكشف أدواء فحولة متمركزة حول ذاتها تمركزا وهميا لا ‏شعوريا وآليا ، ليس ليكوّن جمهوره من خلالها. لكن كي يطعن كذلك في الدين والسلطة ، ‏طبعا المقاومة والشد والجذب مع جمعية العلماء المسلمين وغيرها ـــ كما حدث في قضية ‏إزدراء الرسول (ص) عام 2009 إثر اصطدافته لأدونيس بالمكتبة الوطنية ـــ ستثبته فرضيا ‏وترسبه مفكرا فحلا في مَخيال الثقافة الجزائرية الراهنة ؛ فهو بعد أن طرح السؤال : كيف ‏نكتب الجسد‎[‎‏5‏‎]‎؟ على ضيفه الشاعر والمفكر أيضا بول شاؤول الذي كان ذكيا ولم يكن ‏مراوغا ـــ كما قد يتبدى لغير المختصين ـــ بحيث كشف فحولية أمين زاوي في التعاطي ‏النرجسي مع قضايا الدين و السياسة و احتكار هكذا مواضيع عنوة ، والتي ليست لها ‏سياقات ثقافية لذا تبدو ترجمتها ملتبسة ؛ ‏le corps‏ في فرنسا هو الجنس والجسد غير ‏جماليات الجسد لكن في الجزائر ستبقى دلالات "الجسد" هي الجسد ، لتكوين قامة وهمية ‏و زائفة مناهضة لتقاليد المجتمع المحافظ ، مجيبا على سؤاله كالتالي: الجسد هو الذي يكتب ‏موش إحنا ، الدماغ جسد ، اليد جسد هي التي تكتب. وعُقد بعدها لسان أمين الزاوي تماما ‏ولم يزد ببنت شفة.‏

نموذج آخر مختار عشوائيا عن استسهال الترجمة بمجرد أن صاحبها ضالع في اللغة ‏الأجنبية ، مأخوذ من العدد 12 مجلة اللغة والأدب جامعة الجزائر2 ، صاحبته أستاذة ‏اللسانيات خولة الابراهيمي حين تقول : « مشاكل الترجمة والنقل من لغة الى أخرى كثيرة ‏ومعيقة. ومن أصعبها نقل المفاهيم الأجنبية وقد وضعت في مجال حضاري معين، ومن ‏أهم الصعوبات التي نلاقيها وجود المقابل الاصطلاحي العربي للدلالة على هذه المفاهيم » ‏حتما ذلك المصطلح الذي تبحث عنه يكون موجود بشكل مقارب في تراث اللغوي العربي ، ‏لكن هل هل سيهتدي إليه كل من له أصلا كبوة أو ثغرات تعلّم اللغة في مرحلة الصغر ، ‏جراء الظروف التاريخية والاجتماعية ، حتما لا ، حتى ولو كان أو كانت من الذكاء بل ‏والعبقرية بحيث تجعلها تتخصص في اللسانيات العربية وهي بنفسها تقر بذلك ، حين تقول ‏أنها بصدد تعريب أساتذة التعليم العالي [6] ثم تخوض في شرحها لترجمة كتاب "محاضرات ‏في اللسانيات النصية" العنوان الذي اختارت له الترجمة التالية : مبادئ في اللسانيات ‏النصية ‏Eléments de linguistique textuelle‏ ‏‎ ‎وهو خطأ ، بل الأقرب إلى الصحة هو ‏مبادئ اللسانيات النصية بدون في ‏dans‏ ثم تدلف إلى الباب الأول : وحدة التحليل النصي: ‏القضيةproposition ‎‏ متحاشية الترجمة الحرفية لكنla question ‎‏ ها هنا هي الترجمة ‏الصحيحة ﻟ"القضية" أما ‏‎ propositionفتعني الاقتراح أو الافتراض [7]. ‏
وفي نموذج آخر" عن التداولية " لنفس المنظرة في العدد 16 بمجلة اللغة والأدب الأكاديمية/ ‏الجزائر2 ، يتبين فيه سوء الترجمة من الوهلة الأولى في العنوان الفرعي : التداولية ‏‏/ المفهوم ـــ ويندرج ضمنه ترجمة فقرات حول مصطلح التداولية ويساعدها في ذلك زملاء ‏كما تقول[8] ـــ لكنها لم تذكر تخصصهم ، يعني في تقديرها في هذا العنوان الفرعي باستعمال ‏الشرطة المائلة أن التداولية مرادف المفهوم! كما يلاحظ إهمال تام لنظام التنقيط في نصها ‏الذي من المفروض أن يساعد على فهم جمل النص. وبالتالي فهم التداولية باعتبارها أصلا ‏مفهوما نقديا جديدا وعصي على الفهم.‏
ومما جاء من ترجمتها لمفهوم التداولية كمصطلح جديد عن النقد العربي بحسب مقاربة ‏مقاربة إيلوار ‏Eluerd‏ بقولها : « التداولية إطار(...) فيما أفرزته من تصورات ‏صورية مبالغ فيها..» [9] في هذه الترجمة غموض فادح تجعل من مفهوم التداولية غامضا ‏لدى الباحثين فضلاﹰ عن الطلبة ، لعل الكثيرون مثلي لا زالوا لا يعرفون كيف يتصور ‏المتصور؟ وهناك في نفس بحث الكاتبة عدة كبوات ترجمية لا يسع المقام لذكرها جميعها ، ‏بينما لا بأس من ذكر ما ورد في البحث الذي قبله مباشرة في هذا العدد من مجلة اللغة ‏والأدب وهو بحث بعنوان مفهوم النص عند المنظرين القدماء لمحمد صغير بناني ، من ‏أخطاء ترجمية عديدة بخاصة التي أوردها في حواشي البحث حيث يترجم الاستطراد ‏discursives‏ بالاستقراء‎ ‎‏ و ‏théorie de l’évolusionisme‏ بنظرية التطور الارتقائي ‏مجانبا ترجمات مشرقية متفق عليها وهي النظرية النشوئية كما أن في الارتقاء معنى الصعود ‏، ولا يأتي بأداة التعريف : النكرة تتبع النكرة والمعرفة المعرفة كذلك في اللغة الفرنسية ، ‏ويقول أن ‏anomalie‏ هو الشذوذ لكن يرافقه بترجمة أخرى هي اختراق الدلالة! وعلى العموم ‏يورد ترجمات تأخذ بعين الاعتبار المعانى وليس لألفاظ و هي مقبولة عندما يتعلق الأمر ‏بالتماس المادة العلمية لا الحرفية الشعرية كقوله ‏referentiel‏ تعيًني (بضم الياء) في ‏تعريفات الجرجاني لا مرجعي.‏

غير أنه بالحفظ والاستسهال بالعادة ، الذي هو المنهج السري المخالط للمنهج العلني ، ‏يصبح كل شيء واضح ويستمر دوران الحلقة أبا عن جد ، فخولة الابراهيمي أستاذة ‏اللسانيات ورئيسة مخبره ، غير أنه تَظهر فرانكفونيتها في قسم اللسانيات العربية ، جلية ‏نتيجة تكونها باللغة الأجنبية في مراحل الصبا وتأليفها كتبا في اللسانيات بالفرنسية ، ‏وترجمتها للمقالات الأجنبية طبعا ، أما عن مطواعية لسانها للتحدث بالعربية ففيه كلام لا ‏يمكن التملص منه بسهولة.‏

أما الأستاذ عبد القادر بوزيدة الذي يشغل رئيس قسم مخبر الترجمة في قسم اللغة العربية ‏وآدابها بجامعة الجزائر2 ، وكان موضوع بحثه للدكتوراه ترجمة فعل ‏être et avoire‏ في ‏العربية،‎ ‎‏ يأتي هو الآخر بترجمات غير مضبوطة تمام الضبط تنم عن الاستسهال ، وجدت ‏الكثير منها في أعداد مختلفة من مجلتي اللغة والآدب والآداب واللغات اللتين يصدرهما القسم ‏المذكور أعلاه ، غير أني حملت عينة فقط منها وهي قوله أن:‏
السبك(التماسك) هو: ‏cohésion‏ بينما الالتحام والانصهار هما الأدق.‏
المقامية هو : ‏Situationalité‏ لكن المرحلية هي الترجمة الأقرب للصواب.‏
الحبك(الانسجام) هو ‏cohérence‏ لكن الترابط وهي الأقرب إلى حمل المعنى.‏
القصد هو ‏intentionalité‏ ، الصحيح هو القصدية و القصد غير القصدية ‏
الإعلام هو ‏informativité‏ ، الصحيح هو الإعلامية والإعلام غير الإعلامية
التناص هو ‏intertextualité‏ ، الصحيح هو التناصية و التناص غير التناصية [10]‏

ويقوم هذا المنظر والباحث الجزائري في مقاله مدرسة "تارتوـــ موسكو" سيميائية الثقافة و ‏النظم الدالة على إحراج الباحث المغربي جميل الحمداوي بتخطيئ معلوماته حول المدرسة ‏دون تنويه و لا إشادة بالجهد ، كما دأب أن يفعل مع طلبته ( كونه يحرص على التماس ‏الدقة على طلبته فقط ولا يحرص عليها على نفسه أكان ناطقا أو كاتيا أو ضاربا للأمثلة! ‏‏) وكان ذلك في العدد 3 مجلد 35 الصادر سنة 2007 من مجلة عالم الفكر الخاص ‏بالسيميائيات ، لكن بمقارنة بسيطة بين مقال الأستاذين من ناحية الأخطاء اللغوية سنجد أن ‏مقال الحمداوي الأقرب إلى تحري السلامة اللغوية من مقال بوزيدة ولاريب في ذلك ، كون ‏الباحثين الجزائرين المخضرمين تلقوا أول ما تلقوا اللغة الفرنسية في حداثة سنهم في ‏أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي ، ناهيك عن لهجة مدرسة العائلة، فالعائلات الجزائرية ‏في المدن والحواضر الكبرى تلقن أبناءها عربية مشوبة بالفرنسية والألفاظ التركية والأمازيغية ‏وإذا ما تجاوز الشخص مرحلة الطفولة كما تقول به نظرية الاكتساب لنعوم تشومسكي لا ‏يكون بمقدوره التحكم بيسر في قواعد اللغة لفظا أو كتابة ، والنظرية تنطبق على بوزيدة وهو ‏الباحث الفذ لمّا يقول : « مدرستي "تارتو" و"موسكو" والمشارب الفكرية والثقافية التي نهلتا ‏منها » ولما يقول : « وهو اختلاف يضرب بجذوره بعيدا في تاريخ..»[11] والصواب ‏‏: مدرستي "تارتو" و"موسكو" والمشارب الفكرية والثقافية اللتين نهلتا منهما ، وهل الجذور لما ‏تضرب بعيداﹰ تضرب أفقيا أم عموديا؟ بل الأصوب هو تضرب عميقاﹰ ، والملاحظ في بحثه ‏هو وجود خلل واضح في استعمال المزدوجتين والأقواس التي كثير ما يحرص على اتباع ‏خطوات محددة بخصوصها على طلبته ، و في توزيع الفواصل على الجمل بشكل كارثي مع ‏التحفظ الشديد حول هذه الملاحظات من منطلق أن هذه الأبحاث التي ينشرونها في بعض ‏المجلات الثقافية ، كمجلة عالم المعرفة ، لا تكتسي صبغة البحوث الأكاديمية بمعنى الكلمة ‏بل تشبه إلى حد ما ورقة أو خطبة معدة للإلقاء أو المقال الموضوعي ، و خلاصة الأمر ‏أن هناك غلبة النزعة الأيديولوجية على الباحثين الجزائريين تُعميهم عن أمور عدة منها ماهو ‏مكلف كاستسهال الترجمة.‏

وقد لا يُلتمس في التنظير النقدي الجزائري بخاصة ، والمغاربي بعامة الغموض من جراء ‏الترجمة عن الفرنسية فقط ، بل كذلك من الترجمة عن الترجمة ، والإطناب المصطلحي ‏أو التقتير المصطلحي ، في وجود إشكالية ترجمة المصطلح كما في هذا الشاهد : "إن ‏السيميولوجيا تدرس العلامات وأنساقها ، سواء كانت هذه العلامات لسانية أم غير ‏لسانية" وهل هذه الأنساق هي غير العلامات لسانية وغير لسانية؟ حتى يذكرهما المنظر ‏معاﹰ هذا من شأنه إرباك الطالب وتشتيت طاقاته ؛ عندما يدخله الظن أن هذه العلامات هي ‏غير الأنساق وإلاّ ما كانت لتُذكر.هذه هي الترجمة الحرفية التي تحدث عنها حمد دخيل.‏

أما التقتير المُحيل إلى الغموض في قول المنظر المغربي :« تستند البنية السطحية إلى ‏مكونين أساسيين : المكون السردي ، والمكون الخطابي. يدرس المكون الأول الأفعال، ‏والحالات، والتحولات، ومنطق الجهات، والبنية العاملية. في حين ، يدرس المكون ‏الخطابي الصور من جهة، ويقارب الحقل المعجمي والحقل الدلالي والأدوار التيماتيكية ‏التي يقوم بها الفاعل من جهة أخرى» [12] أي صور تلك المقصودة؟ المتلقي يحتاج ‏هاهنا إلى شرح ، لعل مشكل هذا التقتير راجع لعدم ضبط مفهوم الصورة ضبطا دقيقا ، ‏ليصبح المكون الخطابي عبارة عن دراسة للصور ذهنية مجردة أم لصور مجسدة؟ ، فنحتاج ‏هنا إلى ضبط المصطلح إمّا الصورة أو الوحدة الدالة في السيميائية و لا نقوم بتغييره بعد ‏ذلك ، أي نلتزم بمصطلح الذي ضبطناه ، وبذلك نتفادى الغموض من جراء "الأوأوات" كما ‏في قول الناقد جميل حمداوي : "ويكون قادرا على تدبر وفهم عميق للدلالات السياقية للكلمة ‏أو الصورة أو الليكسيم".‏

ناهيك عن الفقر أو القصور اللغوي عند المنّظر ومصدره يعود لظروف أول اكتساب للغة ‏في محيط العائلة والمجتمع المختلط اللغة فرانكفونيا وأمازيغيا ، كما أسلفنا غير ما مرة في ‏مقالاتنا السابقة ـــ لا يختلف المغربي عن الجزائري كثيرا ـــ أما في النموذج التالي للمنظر ‏الأكاديمي عثمان بدري في مجلة اللغة والأدب الأكاديمية فغموض مقاله ناتج عن التناقض ؛ ‏بحيث أن الفترة الجاهلية والأموية أسبق من العصر الذهبي للبلاغة العربية ألا وهو العصر ‏العباسي لكن بدري رأى العكس! إذ يقول :"(..) وفي سياق هذا التصور للغة الشعرية نستطيع ‏أن نفهم لماذا وظف الشعر العربي القديم ــــ بشكل عفوي وبشكل واع بعد ذلك مختلف المفاهيم ‏البلاغية كالتشبيه والإستعارة والكناية والتورية والمجازز وغيرهما من المحسنات الأخرى ‏بشكل مغاير ـــ إن لم نقل مفارق للأسس المدرسية المعيارية التي بنيت عليها البلاغة العربية ‏من قبل كثير من البلاغيين المقولتيين"[13] ، وهو يقصد أيضا بالمحسنات هاهنا أنواع البيان.‏

‏ 2 ــ تكديس المفاهيم النقدية وعدم ضبط المصطلح النقدي

هذه النقطة مرتبطة بسابقتها أي عشوائية الترجمة والعبث بالمصطلحات حيث يغدو المفهوم ‏النقدي المراد فهمه عصي على الفهم لدخول مفاهيم أخرى عليه واختلاط الحابل بالنابل، ‏فكيف إذاك نحبب الطلبة إلى المصنف الجزائري الذي موضوعه النظرية النقدية؟ بل إننا ‏ننفّرهم إلى مؤلفات المشارقة أو نجعلهم يرتكسون وينتكسون فيلتمسون الحفظ بدل الفهم ، ‏كأنها لغة غريبة عنهم تجعلهم يحفظونها أسوة بطالب الطب مع درسه المفرنس ، وهذا عكس ‏ما هو حاصل في المشرق العربي النظرية النقدية يجب أن تفهم وكي تفهم يجب أن يكون ‏هناك منطق يجتنب الاستطرادات ، يُحيل بالمفهوم إلى معنى واضح فآخر أوضح منه ، ‏وكي تفهم وتطبّق يجب أن تأتي في ثوب لغوي جمالي يجذب المهتم ويجعله يغوص في ‏التخصص أكثر وأكثر بمجرد أن تُحفّز حاسته وتطمح ذائقته ينحو ناحية التطبيق دون ‏الرجوع إلى نص النظرية ثانيةﹰ.‏

فعادة تكديس المفهوم على آخر وعقليته التي درج عليها مجال التنظير النقدي الجزائري دون ‏ما وضع حال الباحث والطالب في الحسبان تظهر في قول محمد ساري في مقاله "السوسيو ‏نقد" بالعدد 15 من مجلة اللغة والأدب : يربط السوسيونقد ـــ ‏الذي هو فرع من المنهج الاجتماعي ، أو ما يسمى بعلم اجتماع الأدب رائده "سكاربيه" ، ‏ناقد فرنسي له كتاب يحمل الاسم نفسه يُعنى بدراسة خضوع النص الأدبي ومن ورائه ‏المؤلف لعاملي العرض و الطلب ، حيث دور النشر تجيز أولوية السوق أو فعل القراءة عن ‏سواها ، وهذا ما يدخل الكاتب والقارئ في هذه الرؤية الاجتماعية للأدب ـــ لكن محمد ساري ‏لم يشاء إلاّ أن يجول ويصول في أكثر من صفحة[14] بكذا من مفهوم أعمق وأغمض من ‏سابقه ﻛقوله : التحليل السوسيو نصي والقراءة السوسيولوجية ، حيث القراءة أو التأويل هو ‏بحد ذاته منهج مستقل ، مدرجاﹰ مفهوم " السوسيولوجيا الجدلية للأدب" ثم مفهوم الأدبية ‏littérarité‏ وغير بعيد يذكر "شعرية النصوص" ثم "البنيوية التكوينية " ويغطي الجميع ‏بمصطلح الأيديولوجيا و المنهج التاريخي مع غياب تام للهوامش المساعدة ، فضلاﹰ عن ‏إفتقاد لسلاسة التعبير وجماليته ، فشتان بين ذلك الغموض وبين هذا الوضوح وسلاسته في ‏تعريف الناقد السعودي عبد الله خضر حمد لمفهوم الإنزياح : « انحراف الكلام عن ‏نسقه المألوف ، وهو حدث لغوي ، يظهر في تشكيل الكلام وصياغته، ويمكن بواسطته ‏التعرف على طبيعة أسلوب الأدبي، بل يمكن إعتبار الانزياح هو الأسلوب الأدبي ‏ذاته» [15] مدرجا لكثير من الهوامش التوضيحية ، ولا عجب أن يؤكد النقد المشرقي ممثلاﹰ ‏في اسم الناقد محمد القاضي أن العرب سعوا إلى المناهج النقدية المعاصرة لرهانات ثلاث ‏وجوبهوا بتحديات ثلاث ، يذكرها تباعا : التحدي المصطلحي والتحدي التطبيقي و التحدي ‏المفهومي ، من طبيعة النظرية النقد أنها أولا وأخيرا الطريق الموصلة للهدف ، فكيف بها إذا ‏كدّست مفاهيم أخرى صعبة الفهم ولا حتى المبالغة في ذكر المفاهيم المرادفة أو المتقاربة ‏المعاني ستصبح طريقا مضللة ؛ فالتطبيق هو الذي كشف عيوب مدرسة التنظير النقدي في ‏الجزائر ، كالتي تظهر في مصطلحات مرة تذكر كأنها مترادفات مرة لا ﻛ : البنيوية و ‏النسقية والنظام ــــ السيميائية و السيميوطيقا وعلم الإشارة و السيمولوجيا وعلم العلامات ‏ـــ التشاكل و التقابل و التناظر ــــ المنهج الاجتماعي والمنهج السوسيولوجي ـــ الخطاب ‏والتلفظ ـــ التأويل و الهيرمينوطيقا والقراءة التأويلية ـــ الشعرية و البويطيقا ــــ التحريف ‏والمفارقة ــــ الأبوية والبطريركية ـــ التفكيكية و التقويضية والتشريحية وهلم جر.. كما درج ‏عليه المنظرون الجزائريون دون أن يقفوا على تسمية مصطلحية ثابتة ــــ وقد فتحوا الباب ‏لإنجاز أطروحات عديدة في هذا الشأن تحت عنوان « اشكالية تعدد المصطلح النقدي » قد ‏تتجاوز الدكتوراه إلى نيل البروفيسورية/الأستاذية بها و هم المتسببين فيها مناصفة مع ‏المغربيين!! ـــ ، بخصوص مفهوم الانزياح هذا يجعلُه الناقد الأكاديمي فيصل الأحمر يقارب ‏مفهوم "سيميائية الخطاب الشعري" [16] بل ويكدّس عرمرم من المفاهيم حوله ﻛ " الوظيفة ‏العلائقية لتشومسكي " و"العلائقية في النص الشعري الكلاسيكي" إلاّ ليثبت أن الانزياح في ‏اللغة هو كلام غير إعتيادي في علاقة بالخطاب اللغوي ؛ فيؤدي إلى إزاحة قدم الباحث إن ‏لم يُدخله في حالة ملل إبستمولوجي إن جاز التعبير ، فإنه يدخله في عملية هدم الفكرة بالتي ‏تليها نتيجة تفسير الغامض بالغامض، بإطناب وإحالات إلى مفاهيم تحتاج هي الأخرى إلى ‏تقصٍ. كما نجد في قول منظر آخر قوله: « .. "النموذج العاملي"، الذي يُعد تشخيصا غير ‏تزامني ، و استبدالا لعالم الأفعال » الاختيار الغير موفق الذي يزيد من غموض هذا الشرح ‏للنموذج العاملي هو في كلمة استبدالاﹰ عوض تحولاﹰ لآن الاستبدال في اللسانيات يحمل ‏مفهوم الآنية/الخطية. وذكّرنا مفهوم النموذج العاملي هذا ، أو السيميائيات السردية الذي هو ‏فرع من فروع السيمياء وهي سيمياء التواصل‎ ‎، سيمياء الثقافة وسيمياء الدلالة ، كما ‏إستوقفنا كثيرا تركيز النقد التنظيري المغاربي المزمن على مفردة "الصورة" هذه المفردة تجدها ‏في اللسانيات والبلاغة والأدب المقارن ، ولم يفرط في توظيفها معهم علمي الدلالة و سيمياء ‏الدلالة ، بالرغم أن معنى "الصورة" في هذين الحقلين له نطاق معجمي يقارب معانى "الدلالة" ‏و"المعنى" نفسهما.‏‎ ‎فغموض مفهوم مفردة "صورة" يرجع أولا و لاريب في ذلك إلى غموضه ‏في مصدره مدرسة باريس السيميائية ، وثانيا في اقترابه من مفاهيم سيميائية أخرى عدة و ‏مفارقته إياها في نفس الوقت كمفهوم السيم (ما يندرج في تكوين أصغر وحدة معجمية ‏دالة/اللكسيم) و السيميم (أصغر وحدة دالة تمييزية) و اللكسيم (أصغر وحدة معجمية دالة) و ‏الكلاسيم (السيمات السياقية) فلمّا كان مفهوم الصورة مرتبط بالمسار التصويري أو التحول ‏الذهني الذي يجعله يُجلي معنى أو مضمون ما ، كثيرا ما تتداخل مفاهيم السيم و اللكسيم و ‏السيميم مع مفهوم الصورة بيد أن المنظر يفرق بينهم قائلا : « فالنص يستعمل الصورة ‏استعمالا خاصا يتم ضبطه باقتفاء مسار الصورة التي تتنامى فيه ، وذلك حتى يتبين مدى ‏كثافة الشحنة الدلالية فيها»[17]‏

‏ نزوع الباحثين إلى اختيارات منهجية و طروحات تضع القارئ أمام ترسانة هائلة من ‏المفاهيم والإجراءات غير المتداولة في لغته ، وفي سياقه الثقافي ، وينطبق الأمر على ‏الدراسات السيميائية العربية ، كونها أصلا تعرف إشكالا مصطلحيا في منبعها الغربي ، كما ‏إستوقفنا التمثيل الغير المنسجم مع ثقافتنا و عدم تغييره ؛ لا يجوز للمنظر طرق التمثيل ‏‏"البايخ" الغير متوافق مع ثقافتنا كقوله :‏‎ ‎‏« ومن المستحيل فصل تلك الشخصيات عن ‏الحبكة، ومجرد محاولة ذلك أمر غير مجد ، مثل محاولة الفصل بين الرقصة والراقصين ‏في الباليه. تتكون الحبكة من شخصيات تكافح قوى الطبيعة ، أو ضد كائنات بشرية أخرى ‏، أو تعيش أزمة داخلية. وتنعكس طبيعة هذه الشخصيات من خلال هذه الحبكة في ‏الأحداث » لأن ذلك مدعاة تحقير الميدان الذي يجمع الباحث بالأستاذ بالطالب الأجدى به ‏القول : الفصل بين الربان والسفينة أو بين السفينة والبحر..‏

‏3 ـــ محاولة خلق لغة نقدية خاصة ‏métalangue‏ ومحض مغاربية :‏

‎ ‎نحى كثير من النقاد والباحثين الجزائريين والتلامذة السابقين منحى كبيرهم عبد الملك ‏مرتاض في محاولة خلق لغة نقدية وبلاغية شبيهة بأسلوب المقامة إلى حد من الاستهجانية ‏بين قوسين ، لِمقابلة لغة النقد في المشرق العربي إضفاءا للتميز والإختلاف من جهة ، ‏وتأثرا بالبلاغة والنقد التراثيين الذي له على كل حال عصره ، هل يعقل العودة إلى أسلوب ‏التنميق والتزويق بالمحسنات والجناس على غرار المقامة البغدادية في عصر هو عصر ‏الخفة والسرعة ، عصر ما قل ودل؟ برغم استخفاف نقاد لهم وزنهم على الساحة كجهاد ‏فاضل بقوله: « وهل يمكن أن يصل الأمر إلى حد أن تصبح اللغة العربية هي لغة ‏الكيمياء والفيزياء والطب ، هل تسير الجزائر في مثل هذه السياسة؟ » [18] غير أن ‏مرتاض مضى في مشروعه محاكاةﹰ كذلك لمشروع المغربيين/ المغرب الأقصى الرّيادي مع ‏شلة مفكريهم الجابري وعبد‎ ‎لله العروي وطه عبد الرحمن ، لولا أن العمر داهمه ( أطال الله ‏في عمره ) لخرج لنا بمدرسة لغوية تراثية في ثوب حداثي ، ومحاكاةﹰ أيضا للمفكر الإنساني ‏جون بول سارتر في كتابه ما الأدب؟ عندما يستطرد في المفاهيم الفلسفية والاجتماعية التي ‏تعتبر منبت ومصدر المنهج النقدي الفلاني أو العلاني لعزلها بعد أن لصقت بجسد النقد ‏الأدبي ، خصوصا في كتابه النقدي المذكور أعلاه. ومشروع كهذا كان له مفعول ‏عكسي/سلبي ارتكاسي من حيث أريد به العكس : تعميق الهوة بين الادراك باللغة والادراك ‏للغة فيعسر التواصل بين المنتسبين لحلقة مثل هاته ، أي حلقة اللغة التنظيرية النقدية الراقية ‏إن جاز أن نسميها وغيرها من اللغات ، كاللغة المستعملة في تلقين علم الاجتماع مثلا ، ‏فهو أول من دعا إلى جمع الناقد بين عدة مناهج فتأتيه أصوات من هناك : هل يخلط الناقد ‏بين المناهج أم أن مفاهيمها تختلط عليه؟ وهو أول من أدخل مصطلحات نقدية فيها روح ‏الفكاهة على غرار أسلوب المقامة ، كقوله الشُعرور بدل الشاعر و منهج التّحلِفْسي بدل ‏التحليل النفسي ، واللسانياتين بدل اللسانيين، والتّفضية أي دراسة الفضاء وتكلُّفه المفردات ‏العسيرة المهجورة الاستعال كقوله الوَكْد بدل التأكيد ، بل يُحوّر كلمة يعتري إلى أصلها يعتوره ‏المهجورة الاستعمال ، وهو مُطّلِع أكثر من غيره عن ما تعنيه التداولية و لا يتوانى عن ‏الإتيان بمفردات مهجورة الاستعمال على المستويين العام و التخصصي للغة إذ يقول : « ‏اللغة عطاء قائم ،(...) ولا يبكُؤُ لجريانه غرب » [19] وتعمّد الغموض في قوله : « إن ‏الأسلوب ، من بعض الوجوه يشبه اللغة ( المادة التي يتكون منه)..» [20] ، ‏وقوله يتمحض التي ظننت في البداية أنها خطأ مطبعي ، أي يتمخض غير أن تكرارها أبان ‏لنا أنه يريد بها معنى آخر في قوله : « (..) وخصوصا فيما يتمحّض لمسألة ‏عدم الحُفول بالمبدع (..) » [21] فيتمحض يقصد بها يتعرض ، أما الحُفول والنقود هنا ‏فهما على وزن شخوص /الشخصيات أما آواليات التي يعني بها محمد مفتاح في كتابه ‏‏"النص من القراءة الى التنظير" علاقات التعدي ، و هي مفردات ليس لها أصول في ‏المعاجم العربية ، فهي مستحدثة ، من إختراع لغة النقد المغربي المعاصر ، والجزائريون أرادوا ‏‏" أولا ترجمة المصطلح السيميائي ، وثانيا حصر المصطلحية في المعاجم والبحوث ‏العربية المتخصصة ، ثم الجنوح إلى ترجمة ما استعصى نقله وفق عمليات التوليد ‏والاشتقاق والتعريب"[22] مثل ما فعل المغربيين وهم الآن يستدعون لندوات الخليج الأدبية ‏ذات الشأن للإستفادة من تنظيراتهم والإستمتاع لتهجيتهم العربية على طريقتهم وفي هذا القدر ‏كفاية ، و إذا ما إعتبر الفريق الذي يكدّس المفاهيم دفعة واحدة أن ذلك سبيل البحث العلمي ‏والدراسات العليا المتسمة بالعمق والجدية ، فإن أسلوب مرتاض المنفّر هذا يعتبره من ‏قبيل "الأدبية" والثورة على المتطفلين على النقد ومناهجه . وكلاهما كمن يلقي بحجته ‏ليتملّص ، كون أن أعمال الجزائريين في مجال النقد النظري الأدبي غير مرحّب بها إجمالا ‏ومحاصرة في القطر الجزائري ، وأن الأدمغة الجزائرية المبدعة الحقة كثيرا ما تتجاوزها إلى ‏المنجز المشرقي.

خلاصة القول هو إن استسهال الترجمة وعدم ضبط المصطلح أكاديميا في الجزائر تحصيل ‏حاصل لعدم التحكم في بديهيات التعبير بلغة عربية سليمة رغم نباهة أصحابه وتفوقهم في ‏اللغة الفرنسية ( لا نقصد بالتحكم كيفيات كتابة الهمزة في معتل الأول والوسط والآخر التي ‏يركز عليها كثيرا الأساتذة الجزائريون حتى في اشرافهم على مذكرات التخرج! والتي هي أصلا ‏مختلف حولها في مدرستي النحو العربية ، بل هو في سلامة التعبير الناتج عن معرفة نحو ‏وصرف الكلمات وتركيبها تركيبا يطوّعها أي يجعلها سلسة مطبوعة على اللسان فلا يلجأ ‏الطالب بعد ذلك إلى حفظ الدرس بل فهمه ثم التعبير بلغته أو إلى فهمه في لغته الأجنبية ‏كما حصل ويحصل مع كثير من الباحثين الجزائريين) و عدم التحكم ذاك هو تاريخي ‏اجتماعي يصيب المرء في مرحلة تعلم اللغة الأساسية وهي مرحلة الطفولة كما ذكرنا ، ‏وينطبق هذا المشكل في الجزائر على كثير من أساتذة اللغة العربية في التكوين العالي ‏للأسف ، الذين ترعرعوا في سياق مختلط اللغة ـــ فرنسية ، أمازيغية ، تعدد لهجي مفارق ‏محشو بمفردات تركية تعربت تاريخيا ـــ كما ذكرت أستاذة اللسانيات خولة الابراهيمي نفسها. ‏أما مشكل خلق لغة خاصة بالتنظير النقدي الأدبي عندنا فليس مشكل خاص باللغة العربية ‏بل خاصية تميزت بها جميع اللغات ، كاللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية ضمن نطاق ما ‏يعرف بالفرانكفونية والأنجلوسكسونية ، والسبب يرجع إلى توق الشعوب الفطري إلى التمايز ‏والاختلاف ، لكن ذلك لا يبرأ عندنا بالجزائر نسبيا عدم القدرة على تــطويـــع العربية الذي ‏أصبح مزمن.‏


‏ [1] ــ داود الشويلي : اشكالية النقد الأدبي العربي المعاصر، دص، اقتباس في يوم 18/2/2008 ، ‏من الموقع:‎‏ ‏
‏[2] ــ سعدية موسى : السيميائية أصولها ومناهجها ومصطلحاتها ، ص3 .اقتباس من الموقع : 
‏ [3] ــ بلوفي محمد : واقع النقد الأدبي في الجزائر مساره وإشكالاته ، اقتباس يوم 25/4/2009 ، ‏الموقع: 
‏[4] ــ يرجع تهميش الطاقات المبدعة الحقيقية ـــ في مجال التنظير النقدي الذي نحن بصدده أو حتى ‏مجالات أخرى ـــ إلى إيديولوجية الجامعة الجزائرية و ولاءاتها السياسية وتحزب النخبتين الأكاديمية ‏والمثقفة و إلى الجهوية المنطوية على الغيرة وغياب الروح العلمية.‏
‏[5] ــ الإذاعة الجزائرية القناة الأولى : بول شاؤول في ضيافة حصة حبر وأوراق ، اقتباس في ‏‏25/5/2016 الساعة الثانية زوالا.‏
‏[6] ــ خولة طالب الابراهيمي : قراءة في اللسانيات النصية ، مجلة اللغة والأدب ، العدد 12 ، جامعة ‏الجزائر2 ، أكتوبر1997 ، ص113.‏
‏[7] ــ المرجع نفسه ، ص114.‏
‏[8] ــ خولة طالب الابراهيمي : عن التداولية ، مجلة اللغة والأدب قسم اللغة العربية وآدابها ‏، العدد 16 ، جامعة الجزائر 2 ، ديسمبر 2003 ، ص116. وتعتبر التداولية و السيميائية ‏بخاصة السيميائيات السردية أكثر موضوعات النقد إثارة للجدل ترجمةﹰ وتعدد مصطلحي بالجزائر ‏والمغرب ـ لأنهما منهجان غامضان في الأصل إذ يعترف جوليان جريماس نفسه بتجريد و تشعب ‏النموذج العاملي المفضي للغموض وعسر التطبيق.‏
‏[9] ــ المرجع نفسه ، ص 116-117.
‏[10] ــ عبد القادر بوزيدة : فان ديك وعلم النص ، مجلة اللغة والأدب، جامعة الجزائر2، عدد 11 ، ‏ماي 1995 ، ص11.‏
‏[11] ــ مجلة عالم الفكر : مدرسة "تارتوـــ موسكو" سيميائية الثقافة والنظم الدالة ، مجلد 35 مارس ‏‏2007 ، ص 184.‏
‏[12] ــ ينظر جميل حمداوي : الاتجاهات السيميوطقية ، بحث منشور على الموقع ‏ ، ص81.‏
‏[13] ــ عثمان بدري : إشكالية المعنى بين الصورة البلاغية والصورة الشعرية ، مجلة اللغة والأدب ، ‏عدد 11 ، جامعة الجزائر2 ، ماي 1995 ، ص175.‏
‏[14] ــ محمد ساري : المنهج السوسيو نقدي بين النظرية والتطبيق ، مجلة اللغة والأدب عدد 15 ، ‏جامعة الجزائر2 ، أفريل 2001 ، ص21-22-23-24-25.‏
‏[15] ــ عبد الله خضر حمد : مناهج النقد الأدبي السياقية والنسقية ، دار القلم ، بيروت ، ص207-‏‏208-209.
‏[16] ــ فيصل الأحمر : الدليل السيميولوجي ، دار الألمعية ، الجزائر2011 ، ص90-91-92.‏
‏[17] ــGroupe d’entrevernes , analyse simiotique de texte, edition toubkal, ‎‎1eredition marocaine 1987,p92. ‎‏
‏[18] ــ جهاد فاضل : وجه لوجه مع عبد الملك مرتاض، مجلة العربي ، عدد 612 ، ‏نوفمبر2009 ، ص72.
‏[19] ــ عبد الملك مرتاض : في نظرية النقد ، دار‎ ‎هومة ، الجزائر 2007 ، ص166.
‏[20] ــ المرجع نفسه ، ص167.
‏[21] ــ المرجع نفسه ، ص193.‏
‏[22] ــ رشيد بن مالك‎ ‎‏: مقدمة في السيميائية‏‎ ‎، دار القصبة للنشر، الجزائر 2000 ، ص72‏‎.‎
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف