الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

نسق "المفكـر الـفحل" في سياق الثقافة العالمة الجزائرية الراهنة ، رؤية تأويلية بقلم: زياد بوزيان

تاريخ النشر : 2018-11-27
الكاتب : زياد بوزيان ياريت لو يؤخذ بهذا الارسال لا بالذي قبله

بادئ ذي بدء لا بد من ملاحظة أن ظاهرة " الشاعر الفحل" و "الروائي الفحل" و"الناقد الفحل" كانت ولا زالت إحدى انشغالات النقد الثقافي ، لم تكن لتتطور بصورة مذهلة إلى نسق مضمر لا شعوري جديد ، ولا في محاولة إخراجه من هامشيته إلا نادرا ، بخاصة في المجتمعات المحافظة المنغلقة ألا و هو نسق " المفكر الفحل" ، لو لا بعض الأحداث البارزة التي خلعت حجاب سديمي كان مضروب بإحكام على هكذا نسق ، فكان بداية تبلوره الحقيقي هو المناقشات والتأويلات الحادة التي أعقبت أحداث الربيع العربي ولولا مساهمة الأنترنت و وسائل الإعلام والاتصال الجديدة في ظهور فجائي لطبقة متسرعة في إلقاء الأحكام الجاهزة عبره ، أطلقت على نفسها تارة اسم مفكرو الإجتهاد (إسلاميين وعلمانيين معا) وطورا اسم العلمانيين الجدد (علمانيين فقط) لعل الناقد عبد الله الغذامي نفسه لو أمعن النظر إلى تلكم النخبة لضمها إلى قائمة أنساق الفحولة في الثقافة العربية الراهنة نتيجة: 1 ــ حرقها لمراحل التكوين 2 ــ غياب كلي أو جزئي لتطبيق المنهج العلمي 3 ــ العوز اللغوي الشديد. و لابد عندئذ أيضا من وضع المنهج العقلي البرهاني في مقابلة للمنهج التأويلي ـــ الذي هو إخراج الدلالة المجازية ( التي تحوي معنيين ظاهر و باطن) من الدلالة الحقيقية أو العكس ، لأن النص بطبيعته يحمّل اللفظ معنى لا تقتضيه اللغة ، و المؤول هو الذي ينقله من معناه المجازي إلى معناه الحقيقي ـــ في سياق معاصر و لن يكون ذلك السياق إلاّ سياق التيار الفكري المعروف بما بعد الحداثة ، و حتى لا نلام من قبل العلمانيين والإسلاميين فإن القراءة التأويلية (البرهانية) هاته ستأخذ في الاعتبار مقولة تشظي العقل إلى عقول ، بالتالي أي فكرة تأويلية قد تبرز وتتجلى من خلال ما يعرف بالمتشابه في النص القرآني فإنها تضع بعين الاعتبار ما أصبح يسمى في الفكر الما بعد حداثي "العقل الإسلامي" ــ المتميز تمام التميز عن العقل الغربي ، ذلك العقل الذي يؤول العلم من وجهة إيمانية ــ ليس ذلك القلب الذي ينبض في المخ مزودا إياه برؤيويته المرتكزة على معطى حسي ، لا استجابة للجدل الصاعد من العالم المحسوس إلى عالم المثل والعكس عند أفلاطون ، ولا الجدلية المثالية الهيجلية ، ولا المادية الجدلية الماركسية وإنما عودة لا بد منها إلى نظرية نقد العقل الخالص لإيمانوال كانط الذي يقول فيها أن العقل الإنساني مكتفي لذاته ، وهو ليس في حاجة إلى أخلاق أو دين خارجية لأن ماهية العقل لا تسمح للإنسان الحسم في قضية الإله بل أن تلك القضية لا تهمه أصلا. فما بعد الحداثة كشفت النقاب عن اقتراب نظرية كانط « الأخلاق والدين مفهومين مؤسسين على عقل الانسان بارادته الحرة بمعنى أن قلب الإنسان في ذاته هو قلب عاقل » من مبدأ تشظي العقل نفسه. هذا الفكر الفلسفي الغربي المتعلق بماهية العقل والروح عند كانط نجد له آثار عند المفكر العقلي البراغماتي/الواقعي ابن رشد ؛ عندما يجمع بين العقل والنقل في منهج واحد التأويل البرهاني/ التوفيقي إن صح التعبير، ليقف ضد الجمهور و المتكلمين الخائضين في أمور لا يفقهونها حق الفقه أو قل أمور لم يكن ليقتحموها لولا وجود نقص معرفي وإيماني عندهم حملهم على تبييت نية النيل من القرآن ــ والقرآن أسماهم بالذين في قلوبهم مرض أو نزغ أو زيغ ــ هؤلاء المتكلمين ومن شابههم هم في عصرنا يماثلون إلى حد رهيب المثقفين والباحثين و"المفكرين" الذين يحرقون أو حرقوا المراحل في تكوينهم العلمي وفي أبحاثهم العلمية ضمن النطاق النخبوي والأكاديمي الجزائريين ، نتيجة لتمنهجهم في نطاق ثقافة فحولية غير واعية بذاتها كما يسميها الناقد عبد الله الغذامي ، فلو أنهم شعروا بها لما تفرعنوا حدّ التعدي على القرآن والسنة المسندة واقعين في أخطاء تأويلية كارثية ، أو على الأقل لتفرغوا لتخصصات هي دون تخصص نقد الخطاب الديني لبرهة من الزمن قصد مزيد من اكتساب للثقافة والتجارب ، أو قل لو أنهم نقدوا ذواتهم ولجموها بتكسير ثقافة الفحولة فيهم أولا تقويما لهرم النقد و الفكر الجزائريين المقلوب ليماثل نظيره المصري:

كيف تشكلت طبقة النخبة المثقفة المصرية المعاصرة إلى أيامنا والتي ساهمت في نشر الوعي الثقافي والثقافة نفسها بعد أن حملت مشعلها عن النخبة الكلاسيكية أو النخبة الحديثة أو نخبة الإحياء؟ لا مراء بأنها تشكلت في معظمها جراء مخطط نهضوي شامل ، بإعطاء المثقف المسئول في الدولة المصرية الحديثة الأولوية لتكوين الفرد تكوينا تعليميا وجامعيا وأكاديميا ذو مستواﹰ لا يخالطه أو يعتريه شك بأي حال من الأحوال ، و النتيجة التي تدل على ذلك هو نقد النخبة لنفسها نقدا ذاتيا غربلة و تمحيصا مرارا وتكرارا بخاصة قبل وبعد ابتكار منهج النقد الثقافي ، ذلك النقد الذي أُحتضن عربيا أول ما أُحتضن في مصر والخليج العربي لتطبيقه لا النظر إليه في المرآة ، حتى ولو كان في سياق مختلف عن سياقه الغربي ، تطبيقه حتى على جميع "الهامات" أو أنساق الفحولة المتجبّرة والطاغية فكريا كما يسميها عبد الله الغذامي ، التي تشكّلت في ضمير المجتمع أو مخيال الأمة الجمعي الواحدة دون وعي (حتى أصبحت ثقافة) ولعلّ الوعي بها سيزداد مع مقاومتها لكل محاولات تجريدها من رسوخيتها المقلقة المحيّرة ضمن السياق الفكري والثقافي المحليين بقوله : « فرع من فروع النقد النصوصي العام ، ومن ثم فهو أحد علوم اللغة وحقول الألسنية معنيّ بنقد الأنساق المضمرة التي ينطوي عليها الخطاب الثقافي بكل تجلياته وأنماطه وصيغه ، ما هو غير رسمي وغير مؤسساتي وما هو كذلك سواء بسواء. ومن حيث دور كل منها في حساب المستهلك الثقافي الجمعي. (..)، وإنما همه كشف المخبوء من تحت أقنعة البلاغي الجمالي ، فكما أن لدينا نظريات في الجماليات فإن المطلوب إيجاد نظريات في القبحيات لا بمعنى عن جماليات القبح ، مما هو إعادة صياغة وإعادة تكريس للمعهود البلاغي في تدشين الجمالي وتعزيزه ، وإنما المقصود بنظرية القبحيات هو كشف حركة الأنساق وفعلها المضاد للوعي وللحس النقدي»[1] لاجئا إلى القراءة التأويلية طبعا لأن التأويل نمر به إلى المجاز الكلي في النقد الثقافي وهو البحث في اللفظ عن المضمر الدلالي.
كما يؤكد الغذّامي أن « على الناقد أن يميّز بين السمات الإيجابية والسمات السلبية التي ينبغي التركيز عليها لأن هذا يقودنا إلى التعرف على عيوبنا الحضارية والعراقيل التي اعترضت مسيرة النهضة العربية. وقد اختار الغذّامي نسق "الفحل" الذي يؤكد أنه في الثقافة العربية قد انتقل من الشعر إلى مختلف نواحي الحياة. فصار لدينا ، إلى جانب الشاعر الفحل : الفحل الاجتماعي و الفحل الثقافي والفحل الإعلامي والفحل السياسي...»[2]

محاولات ألفينا تجلياتها بخاصة في حرق المرحلية في الأبحاث والنقود الأكاديمية بفحولة بل بتغول ينم عن اصطناع الطاغية إن صح التعبير في السياق الجزائري ، هذه التي نسميها التجاوز بالايديولوجية في التدرج أو ما بعد التدرج ، القفز على المراحل في البحث و التفكير العلمي يعنيي ولوج محطات نقدية فكرية قفزا إليها من محطات نقدية أدبية مثلا دون مراعات النتائج ، الظاهرة جدد ضيقة لدى النخبة المثقفة الأكاديمية وغيرها في مصر، كما بدت لنا خارطتها في شكل سلامة هرم النقد المصري المعاصر : قاعدة عريضة مجال تخصصها نقد الحياة والمجتمع بكل أشكالهما الشعبية ثم فوقها نخبة مختصة في نقد المعرفة ونقد معرفة المعرفة والتي من ضمنها من يقدم تلك المعرفة أو من يقدم معرفة المعرفة/المنهج ، أي النقد الذي يستخدم كأداة الصيغتين كيف ولماذا شكلا ومضمونا. وأخيرا يقع في قمة الهرم النقاد والمفكرون الحذقون ذووا التجارب والخبرات الطويلة هؤلاء عندما يطرحون علينا دراساتهم في تأويل القرآن لا نستغرب ، فتمكنهم وقلّتهم يفسره اختيارهم للتخصص الصعب سواء عن فراسة ؛ وفقط في مثل هذه الحالة قلّ أصحاب نسق الفحولة بين أكاديميو ومثقفو الديار المصرية. أما هؤلاء الذين ينزعون بعد حصولهم على درجاتهم العلمية على مدى قريب دخول لا شعوري إلى حلقة نقد الفكر والخطاب الدينيين ، و ما أدراك ما نقد الفكر و الخطاب الدينيين و ربما حالات فيهم لا توفق حتى في استعمال المصطلح الصحيح لضعف قدراتهم اللغوية أيضا ـــ يستعملون بدله اسم فضفاض هو تخصص نقد التراث ـــ فنجد عددهم بألوف مألفة عندنا بالجزائر تاركين نقد ذواتهم التي أصبحوا يكادون يعبدونها أو على الأقل النظر إلى أنفسهم في مرآة الآخرين ، أو النظر إلى الواقع النظري و العملي من حوله أتغير أم استقر أم تراجع و العناية بدلها بالمجاملات والاطراءات والتملقات الروتينية التي لا يملّونها أبدا هل نفعتهم/أضمرت نسقهم أم كشفتهم في ظل هذا النظر؟ منهم المتطفلين على تخصصات أكبر منهم بكثير، وهذا هو ما قصدناه بقولنا " القفز على المراحل" أو ظاهرة الهرم المقلوب في طبولوجية الفكر و النقد المعرفيين المعاصرين في الجزائر، والسبب واحد و وحيد هو الإعراض عن نقد الفحولة في ميدان التفكير العلمي نقدا ثقافيا كنقدها في المجال الشعري على سبيل المثال لا الحصر، وعدم إخضاعها للدراسة والتشريح حتى تستفحل و تصبح عصية على الطرق لا شعوريا.
سنرى أن السبب هو بالنسبة لتخصصات أكاديمية بعينها كاللغة و النقد الأدبيين يكمن بالإضافة إلى أيديولوجية البلد منذ استقلالها المنعكسة على التعليم والتكوين الجامعي ، سيطرح مشكل تلقي اللغة العربية في المجتمع الجزائري الخليط اللغة أيضا وبحدة.
العبودية ليست هي تلكم الممارسة الانسانية التي سادت حسب علماء الأنثربولوجية قبل المرحلة البربرية والمرحلة الحضارية ، من كان يظن أنها مرحلة منقرضة زائلة من عالمنا فإنه سيكون واهما، بل هي أيضا إحدى تجليات ظاهرة الفحل الشجرة الضاربة ضمن نسق من الأنساق المجتمعية وهذا البعد الدلالي المضمر هو الفاعل والمحرك الخفي الذي يتحكم في سلوكنا العقلي والتذوقي ، وأشكال تلقينا لهذه الظاهرة الثقافية أو تلك. و يطلق الغذّامي على هذا النمط من المجاز تسمية المجاز الكلي[3] ، ولما كنا بصدد الفحولة في ميدان التفكير العلمي في فرعه الخاص بالنقد الفكريي والفلسفي الأكاديمي ، فإن تلكم الهامة الضاربة للجذور في كل صوب وحدب عن وهم ، و المنزوية في بروجها العالية لا تنزل منها إلا بإعمال معاول النقد الثقافي وإلاّ تخطت حدودها وتعدته إلى الطعن في المقدسات بحجة الاجتهاد و حرية الفكر و ما إلى ذلك من تراهات مكرسة لنوع من العبودية الفكرية ، عبودية للفرد "العبد العاقل" الذي هو ليس بذلك الفقير فقر مادي أو روحي بل الفقير فقر عقلي. سينتفي حتما هذا العبد العاقل بانتفاء الفحل المفكر بخاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار الحالة المادية الجيّدة لأستاذ التعليم العالي وما بالك بمن هو برتبة " الباحث الدائم" بمشروع بحث في مجال تخصصه بالجزائر، حينئذ سنجد أنفسنا أمام فحولة نسقية تطرح فحولتها أول ما تطرح على المقدّسات كما ذكرنا ، لكن أول ما يكشف زيفها في حالة الجزائر هو الأيديولوجية السائدة وغياب النقد الذاتي سواء قبل تبلور مشروع النقد الثقافي قبل عقدين من الآن أو بعدهما. لكن قد يقول قائل أن القوم الذين تصفهم بالفحولة الواهية لم يخرجوا عن تخصصاتهم ، فالتأويل في النقل كما في العقل موضوعه المجاز يعني علم الكلام و المجاز من اختصاص الدراسات النقدية لغوية أو أدبية. نقول لهم بلى ، لكن عن ثقافة فلسفية وخبرة مستفيضة بمناهج علوم الانسان والمجتمع تجعلهم لا يستغنون في تأويلاتهم عن البرهان العقلي ، وتمكن لغوي عميق و روح علمية و تواضع للعلم ، يعني تمرس مرافق على نقد الذات قبل نقد الذات الإلهية وإلا يسمى ذلك فوبيا النمطية ، المشرعنة لنمط ثقافي اسمه" المفكر الفحل" ، فالنقد الثقافي في الغرب ما كان ليولد على يد أعلامه فنسنت ليتش Vincint Leitch وهوتجارت وتيودور أدورنو لولا تلك النمطية التي اكتسحت كل دروب الحياة بما فيها التفكير والإبداع. و كنا نود أن نعرض لنماذج لباحثين مخضرمين من جامعة الجزائر2 كأحمد طالب الابراهيمي ومحي الدين عميمور و هما في الأصل طبيبان ، مصطفى شريف ، لوط بوناطيرو ، الشيخ أبو عمران ، عبد الرحمن الأخضري ، نور بوكروح ، فوضيل بومالة ، الساسي لعموري ، محمد الصديق بن يحي ، الشعراء أحمد حمدي ومالك مرتاض ولميس سعدي هذين الأخرين أصبح يضرب بهما المثل (لا قبلهما ولا بعدهما رجلا وأنثى)عندما يتعلق الأمر باستثمار شعريتهما ولوجا إلى الفكر السياسي والفكر الديني! والروائي أمين الزاوي من كلية اللغة العربية وآدابها ، كما لا يمكن المرور مرور الكرام أمام شاعران صنع مجد الجزائر الشعري في النصف الثاني من القرن العشرين ، هما محمد العيد آل خليفة ومفدي زكريا ، لمّا كان نسق الفحولة الشعرية نسقا مجبول على التقوّل على السلطة السياسية وحتى الدينية ، ليس بوعي فكري لكن بوعي تاريخي ، ولا أدل من تشبيه الأول للفرنسيين في زيهم بالغربان ، والثاني تشبيه معارك ثورة الجزائر بمعركة بدر، فاكتسبا شعبية نخبوية سرعان ما رسختهم بطلان فحلان. لكن تم كشف زيف هذا التصور نتيجة تطور الشعر في المشرق العربي/حداثته و تخلفه في المغرب لعربي ، فإذا لم يتم رفع غطائه عن طريق كشف محدودية طاقتهما الشعرية ــ كقول مفدي زكريا : (..) و ملأنا الدنا بشعر نرتله كالصٌــــــــــلاة تسابيحه من حنايا الجزائر (..) دون يستوقف هذا التشبيه أي ناقد لا أنذاك ولا حاليا ـــ كشفها رحيل الاستعمار نفسه فسكتت قريحتهما الشعرية إلا فيما ندر. و بما أنه سبق لنا و أن تمثلنا بأساتذة ، نقاد ، ومفكرين من كلية اللغة العربية وآدابها واللغات الشرقية بعينهم في مقالاتنا السابقة ، لذالكم نكتفي في هذا المقال الموضوعي بالتعرض كذلك لطلبتهم الذين ورثوا عنهم تلك "الفحولية المومئة إلى التفوق" المحكمة الإضمار ضمن سياقاتها النخبوية الأكاديمية :

ما الذي جعل شاب في الثلاثينات يخرج إلينا عبر قناته اليوتيوبية وهو ما أصبح يطلق عليه أكاديميا بالإعلام الجديد ، ليطرق مواضيع غاية في التعقيد ، تحتاج إلى عقود من تفرغ وتجرد في نوازع التفكير الفلسفي و اللاهوتي المضني ، في فيديو يقول فيه أنه باحث؟ لولا حب مغالٍ للذات مكتسب في سياق تبرز فيه المجموعات النسقية حتى لا أقول الحساسيات النسقية المكرسة للعظمة و الفحولية المطردة التي ما لها حدود ، طالت وتفرعنت في نفق الإضمار ، كون لا أحد استطاع رفع غطاء الوهم البطولي المُشرع عليها، ونقصد هاهنا الفحل المفكر و الناقد الأكاديمي الذي يتخذه الطلاب مرجعا لهم ، ربما يصل إلى ذروة الشهرة والمجد المادي والمعنوي ، وما أكثر عدد ما تراكم من هؤلاء في الجامعات الجزائرية لغياب تأسيس النقد الثقافي على ما يواجه ويقابل الذوات الجمعية المستندة إلى ثقافة وقوانين اجتماعية منومة بل مظهرة للذات البخسة على أنها في أبهى صورها! ولعل من أمثلة تلك الهامات المتمتعة بالفحولة الفكرية و اللغوية/البلاغية في جامعة الجزائر2 ! و التي أصبحت مرجع الطلاب و المثقفين على سبيل المثال لا الحصر البروفيسور الشجرة عبد الرحمن الحاج صالح مسيطر على الدرس اللساني داخل الجزائر طولا ولا عرضا بينما لا يكاد يسمع له صوت خارجها وكذالكم الحال مع قامات أصبحت أسمائها مرادفة للفكر والثقافة في ثقافة النخب الجزائرية الراهنة بينما انتاجها لا يكاد يتعدى حدود أسوار الجامعات التي سطعت فيها فحولتهم الفكرية الفجة واستقرت لعقود ، و إن تعدتها فبكتيّب أو اثنين في أفضل الأحوال كالعربي ولد خليفة و أبو القاسم سعد الله و أبو العيد دودو ، أحمد جبار و محمد حربي و مصطفى شريف وصولا إلى أحمد يوسف وأمين الزاوي ، وبالعودة إلى الشاب الثلاثيني الطامح في أن يصبح في يوم من الأيام "مفكرا فحلاﹰ" مثل قدوته أ.الزاوي قائلا بوهم انفصال الروح ، الروح واحدة غير منفصلة مجسدة في أشكال مختلفة ، هي روح الله الأزلي فينا التي لا تغادر أجسادنا إلا وتعود إليها ، ولم يأتي بسيرة الاتحاد والحلول أو نظرية التقمص الأفلاطونية على لسانه! ربما معتقدا أنها أفكار دينية! ولم يذكر و لو باشارة ، الفكر الصوفي ولا زعيمهم الحلاج المصلوب لأجل فكرته التي ود اقناع المشاهدين بها(مقولة ما في الجبة إلا الله) ، و لا حتى مدرسة ابن عربي ؛ بل هي فكرة دينية هندوسية (الله مستقر في أعماق النفس) ثم أصبحت فلسفة قبل أن ينطق بها الحلاج ، والحلاج لم يصلُبه الخليفة العباسي المقتدر بالله إلا بعد أن تمادى في التمكين لفلسفة وحدة الوجود التي ترى توحّد الخالق بمخلوقاته بقوله : ما رأيت شيئاً إلاّ رأيت الله فيه ، وله قصيدة طويلة تمدح هذه الفكرة أصبحت بمثابة قرآن ثان يتلى عند أتباعه من المتصوفة الحلوليين.

وليس هذا ما يفسر تطفله (الشاب المغتر بظاهرة الفحولة الفكرية) على دروب وعرة فقط ، لكن أيضا في اعتقاده أن صحة طروحاته في منطقيتها و في ردها على أسئلة كثيرة ، أتعني بمنطقيتها في أن روح الله تحس بإحساس الخبث والزنا فينا؟! و تُجيب على أسئلة معتبرة عددها 500 من ملايين المشاركات!! ثم ينتقد الإعجاز العلمي و اللغوي في القرآن قائلا باليقين القاطع : بالرغم منن وجود ما يسمى بالإعجاز العلمي واللغوي في القرآن فإن ذلك لا يعني أنه وحي إلهي مقدس، و لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لماذا؟ يقول بكل بساطة لأن حضارات قديمة تعود إلى 6000 سنة ناهيك عن الحضارتين السومرية و الفرعونية عرفت هي أيضا منتهى الإعجاز العلمي و اللغوي! غير مدرك للقانون القائل الأشياء بجزئياتها تكتمل ، الإعجاز العلمي واللغوي في الكتب السماوية وليس في القرآن وحده مكمّل لنواحٍ عدة مُبهرة وغير إنسانية بالمرة فيه حتى لا أقول معجزة ، توحي في تكامل بنيانها بألوهية الكتاب.

نموذج آخر لثقافة "المفكر الفحل" التي ترسخت في ثقافتنا الجزائرية المعاصرة نلتمس بعض ملامحها بكل عفوية ، من سؤال عن الجسد ألقاه الروائي والإعلامي أمين الزاوي في حديث إذاعي أجراه مع الشاعر اللبناني بول شاؤول ، و لعلّ حديث أمين الزاوي لم يكن حديث عن مضمر/ محظور ثقافي في ذاته بل كان أيضا حديث عن حامل هذا المضمر والواقع في شبهة "الفحل المفكر" دون أن يعي ، ومنذ عقود من الزمن كتخصص مفضل درج عليه هو و بعض "الحساسيات" جلّها متأتية من قطاعي الإعلام و السياسة ، فإذا كانت بلاغة وفكر الشاعر أبو الطيب المتنبي الفحولية وارثا إياها من تقاليد الشعرية العربية في ذلك الوقت ، و التي أصبحت نسقا ثقافيا مضمر لا أحد تطاول عليها وفككها قبل عبد الله الغذامي فإن فحولية هذا الروائي الجزائري(أ.الزاوي) ورثها بدوره عن روائيين وإعلامين وسياسيين جزائيين تخصصهم أبعد ما يكون مقدرةﹰ على إثارة قضايا فكرية عويصة كنقد الخطاب الديني ، مثل محمد ديب وآسيا جبار و جمال علام وغيرهم ، الذي أصبح في أيامنا موضة ؛ كل من لم يمضي عليها برهة من حمل لشهادة عليا أو من مر مِن على منصة قطاع جماهري فأصابه ما أصابه من شهرة زاد كبرياءا إلا والتمس عن قصد أمور فقهية تقع في درك ما يعرف بالمتشابه أو الأحاديث الضعيفة السند كأمين الزاوي نفسه ، لكن ليت شعري كيف يخوض في أمور الأدب فضلا عن الفقه والمتشابه من لا تلين له لغة الضاد بالمرة! لا على لسانه و لا على جرات قلمه! وهنا يكمن الفرق بين الجرأة الطفيلية للأكاديمي والمثقف الجزائري والجرأة الطفيلية للمثقف والأكاديمي المشرقي التي سمحت لكليهما دخول فضاءات لا ترحب بهما أصلا ، ألا وهي معترك "الفحولة الفكرية" حتى أن حالة السكر أو العمى اللاشعوري الذي يدور في حلقته هؤلاء الفحول مجبرين غير مخيرين ، سيتحول إلى خطر داهم يوشك أن تنفجر قنبلته على المجتمع من داخل الأعراف الثقافية الفكرية المستفحلة الخُيلاء المرضي ، كلٌ على حدى بالإجهاز بضربة قاضية ، لعل أقربها إلى الرصد و المتابعة والذكر في هذه السانحة قبل أي إجهاز هي مراكز البحوث التي أنشئها الصحفيون كمركز صحفيين بلا حدود ، و مراكز البحوث التي تشرف عليها منظمات حقوقية كمؤمنون بلا حدود ، و مخابر البحث التابعة لجامعت دول لا هي بالعلمانية ولا هي بالإسلامية كالجزائر ، فهنا مفكرا آخر هو السيد القمني أصبح واثقا أن الله أهداه أغلى ما يملك وهو نعمة العقل المفكر بمجرد أنه حاضر في تلكم المراكز كثيرا! ، أجل الفرق هو في لغة أهل المغرب العربي التي زادت في الحقيقة في استفحال و تبلور نمط ثقافي كنمط " المفكر الفحل" بحيث تتكشف للناقد الثقافي المُؤول المُعمل لبصيص تأمل فقط ، وبسرعة أكثر ما تتكشف له فيما أنه اعتمد على غـير عــورة عـدم التحكم في اللغة التي يتميز بها نسق "فحول المغرب" عن نسق "فحول المشرق" من المفكرين ، خذ المفكر الراحل محمد أركون رحمه الله مثلا لم أتمكن في حياتي من متابعة محاضراته باللغة العربية لأنه لا ينتقي الألفاظ الدالة على المعنى المراد بدقة بينما العكس هو الحاصل مع المفكر السوري الراحل أيضا رحمه الله عبد الكريم اليافي و ناصيف نصار ، ألفاظ جرت منهما مجرى الحُسن والسلاسة والكياسة والبلاغة بما يدفع للتساؤل والمقارنة ، ولعل ما يساعد الناقد على كشف " فحولة المفكر الجزائري " أكثر من غيره من المفكرين الفحول مشرقا ومغربا فضلا عن الثقافة السطحية و اللسان المصطنع هو أيديولوجية المجتمع الجزائري ، وظاهرة المحاباة واللاعدالة المتفشية فيه منذ أن استقل عن فرنسا سنة 1962 ، فالروائي أمين الزاوي هو أروع من تتجلى فيه السمات الثلاثة دفعة واحدة فهو الذي قال أن مدير الثانوية الفلانية سمح له أن يمتحن البكالوريا وهو في السنة الأولى ثانوي لنباهته ونبوغه و لم يشعر أنه ما كان له ليحرق المراحل حرقا بذالكم الشكل لولا أيديولوجية البلد السائدة أنذاك ( 1976) ، حتى لو كان عبقرياﹰ في مجتمع العدالة و الديمقراطية ؛ العبقرية ليست وثيقة إثبات المستوى التي تقدم للمسئولين والإدارة بل هي مزية مضافة خاصة ، لا يجوز أن تحرق بها المراحل ثم لو فكّـر هذا الكاتب الذي تنطبق عليه مقولة " المفكر الفحل" في الثقافة الجزائرية المعاصرة قليلا فقط لما تجرّأ على ذكر حادثة حرقه للمراحل تعظيما لذاته. لو عرف أن واقع الجزائر في محاربة المحاباة والنفوذ هو اليوم غير ما كان بالأمس ؛ اليوم لا يتمكن العباقرة من أبناء كبار المسئولين في الدولة حتى من تحويل ملفات دراستهم من مكان لآخر و ما بالك بحرق المراحل. إنه الخُيلاء الذي به نمت شجرته البلاغية والموضوعاتية حتى استعصت على كل اجتراح أو إمالة أمام رياح هوجاء صرصر ، فإن كان رشيد بوجدرة اختص بإثارة محظور التقوّل على الدين في الرواية الجزائرية المعاصرة ، فإن الزاوي اختص بمحظور التفنن في وصف الجنس فيها ، ما من رواية يكتبها إلا ويكون الجنس موضوعها الأساسي ، ما من ندوة أو مقابلة مع قامة كبيرة إلاّ وكان الجنس ضمن الثلاثي الروائي المحرّم موضوعها الأساسي ، لكن في سؤاله لضيفه الشاعر اللبناني الكبير تنكشف أدواء فحولة متمركزة حول ذاتها تمركزا وهميا لا شعوريا وآليا ، ليس ليكوّن جمهوره من خلالها. لكن كي يطعن كذلك في الدين والسلطة ، طبعا المقاومة والشد والجذب مع جمعية العلماء المسلمين وغيرها ــ كما حدث في قضية إزدراء الرسول (ص) عام 2009 إثر اصطدافته لأدونيس بالمكتبة الوطنية ـــ ستثبته فرضيا وترسبه مفكرا فحلا في مخيال الثقافة الجزائرية الراهنة ؛ فهو بعد أن طرح السؤال : كيف نكتب الجسد[4]؟ على ضيفه الشاعر والمفكر أيضا بول شاؤول الذي كان ذكيا ولم يكن مراوغا ـــ كما قد يتبدى لغير المختصين ــــ بحيث كشف فحولية أمين زاوي في التعاطي النرجسي مع قضايا الدين و السياسة و احتكار هكذا مواضيع عنوة ، لتكوين قامة وهمية و زائفة مناهضة لتقاليد المجتمع المحافظ بالجواب التالي: الجسد هو الذي يكتب موش إحنا ، الدماغ جسد اليد جسد هي التي تكتب. وعُقد بعدها لسان أمين الزاوي تماما ولم يزد ببنت شفة.

ذات يوم وأنا في طريقي إلى جامعة ابن عكنون بالعاصمة الجزائر فوجئت بشخص يسير إلى جانبي فلم أدري من أين خرج ، إلاّ أن يكون خرج من إحدى بنايات ابن عكنون ولا أظّنه ، كونه يحمل سمات لم أعهدها في ساكنة ابن عكنون قط ؛ فقد كان شديد بياض الثياب و شديد سواد اللحية به فصاحة اللسان و جهورية صوت وصحة بدن لا تكتمل إلاّ لبدو ، البدو الذين يبعدون عنا نحو ثلاثة مئة كيلومتر! وعندما حاولت الإبتعاد سألني قائلا :
ـــ أنا أطلب جامعة بن عكنون فهلا دللتني عليها؟
فقلت له : أترى تلك العمارات الزجاجية الفاخرة هناك؟ إنها كلية الطب ، قربها على اليمين توجد كازينات خشبية كأنها مراقد حراس كلية الطب. هي تلك جامعة الجزائر2 التي تبحث.
ثم سألني ثانية : هل أنت قاصد إليها أيضا؟
فتلعثمت في الإجابة كوني لم أتعود على مصاحبة السلفيين في حياتي. لكن كنت مضطرا لإجابته فقلت له : نعم ، أجل أنا قاصد إليها أيضا لكن ليس قبل أن أقضي حاجة.
ففكر قليلا ثم قال : لا بأس أريد أن أن ندخل معا إذا لم يكن عندك مانع ، لحضور مؤتمر : منهج النقل والعقل في تأويل المتشابه .
ـــ ولماذا تريد أن ندخل معا؟
ـــ لأني من غير منتسبي الجامعة ـ فأنا لم أدرس بها وإنما درست عصاميا في مدرسة الوحي. فالدعوة وصلتني من صديق يدرّس عندكم ، دعاني لكنه حذّرني من الدخول لوحدي بل قال يجب أن أدخل مع أحد المنتسبين.
ـــ وما موعد بدء المحاضرة؟
ـــ الساعة الواحدة بعد الزوال.
ـــ "مازال الوقت مبكرا" قلت له بصوت عال ثم رحت متمتماﹰ في نفسي « قد وقعت في ورطة! ترى ما تلك الحاجة التي يجب أن أتظاهر بقضاءها لأملص وأفل منه! لابد إذن عندما نصل إلى الكلية أن أشير له إليها بيدي ثم أعطف يمينا »
.......هذه هي الكلية هناك ، بالتوفيق ، فأنا سأسلك هذه الطريق لقضاء بعض حوائجي.
ـــ يا أخ العرب هل تريد أن تتركني وحيدا في مكان لا أعرفه ثم أن الوقت مازال مبكرا! فهلا سمحت لي بمرافقتك لتمضية الوقت؟
عندها زاد اهتياجي وقلقي إلى درجة لم أحسن فيها التصرف قط فقلت بتسرع : هذه الطريق تؤدي إلى حديقة ملعب 5 جويلية الأولمبي سيرها ذهابا وإيابا يستغرق ساعة كاملة فلا تلم إلا نفسك!
ـــ لا بأس، لكن ماذا تفعل في ملعب 5 جويلية هذا؟
ـــ أشتري بطاقة دخول لأحد أصدقائي أوصاني بها.
ـــ إذن هي فرصتنا لنتناقش عبر الحديقة المؤدية للملعب كمشائي تلامذة أرسطو و نحن نتجاذب أطراف النقاش حول الموضوع.
ـــ أي موضوع؟
ـــ "الـتـأويـــل بيننا وبينهم" أليس هو القائل في سورة آل عمران : « هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ »
ـــ وكأني بك قد حضّرت ورقة حول تأويل المحكم والمتشابه لإلقائها في المحاضرة.
ـــ لا ، كلاّ والله ، ما ضرك بأخٍ كريم يسدي النصيحة لأخٍ كريم.
ـــ أولا لدي تعقيب حول قولك الراسخون في العلم لكن بما أنه خارج موضوعنا " التأويل بيننا وبينهم" فسأمر إلى التأويل المذكور في الآية ، حتما المقصود هو غير تأويل العلمانيين ، لكن لماذا يأتي الله بالمتشابه ويقول أنه لا يعلم تأويله إلاّ هو، أليس هناك تناقض؟ ما خلق الله الأعين إلا لترى والعقول إلا لتفكر. ثم أليس أن عقل الانسان عندما يريد أن يستقصي أمر ما يشك فيه ، و الشك هنا عملية فطرية وعقلية نفسية واعية فيه ، وليست زيغ من الشيطان ، حتى الرسول نفسه شك في أناس وأحداث وأشياء كثيرة قبل أن يثبت شكه ، فهل كان في قلبه زيغ؟
ـــ كأنك تبغي تلميحا إلى مناقضة الذات الإلهية لذاتها أخطأت والله. ألم تقرأ قوله « وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ . قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ....... إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ« هو من خلق النار و الماء لحكمة في نفسه ، يبطش ويرحم واصطفى أنبيائه لحكمة. لكنك أصبت في معنى التأويل في الإسلام المفارق لمعناه عند العقليين كما تقول.
ـــ والله لقد ذكرتني بمقال لفحل أكاديمي عندنا اسمه وحيد بوعزيز تعود هو الآخر على حشر هامته فيما ليس لها فيه لا ناقة و لا جمل غير ما مرة ، في غمرة الفيض الانفعالي الانتهازي مع الأحداث السياسية من هنا وهناك سعى في مقال له وللسعي ثقافة وتجارب محاولاﹰ الربط بين نظريات مختلفة فلسفية و نقدية لسانية كانت أو أدبية ـــ كونه بالأساس مختص في الدراسات النقدية السيميائية لا أكثر ولا أقل ـــ لكن بعناء شديد كمن لا هم له غير محاولة التسلق المضنية إلى قامة المسيري و جورج جارودي وتشومسكي في عدائيتهم لإسرائيل ، أي أنه ترك تحليل ما ينتج من روايات و يثار حولها من نظريات نقدية بعينها في بلده قافزا إلى الفكر السياسي، حاثا على مقاومة كولونيالية إسرائيل تخييلا! بدل الحث على تأويل تراثه بما فيه المتشابه أو ما يسميه هو بالمجاز المهيمن في تراثه الديني تأويلا عقليا لمقابلة الحضارة بحضارة لا حضارة بتزمت وإنتقام بقوله : « لا يبقى لنا في الأخير إلا أن نؤيد الرأي الذي يذهب إلى أن أحسن طريقة لنسف الإستعارات المهيمنة هو صناعة استعارات مضادة ، تفضحها وتخلخل نسقها الظاهر والمضمر، إن الرد بالكتابة ورفع شعار ثقافة المقاومة لابد أن يبدأ من النقطة الحاسمة، التي لا تكتفي بنعي تخلفنا وانبطاحنا بقدر ما تساهم بطريقة جادة وذكية في إذكاء مرويات مضادة وسرديات موازية لتبيين الصورة كاملة ولجعل الاستعارات مرتعا لمحفل متعدد من المرايا المتقابلة»[5]
ـــ أنا لا أعرف سوى مالك بن نبي قديما و محمد أركون عندكم ، أما بوعزيز هذا الذي تذكره فلا أعرفه.
ـــ ولماذا لا تعرف سوى هذين المفكرين من بين قوافل هائلة منهم.
ـــ بصراحة لأن الأول خدمت تأويلاته الإسلام بينما الثاني خذلته جدا.
ـــ ولماذا لم تقل تأويلاته العقلية؟ هل تنتظر من عالم درس في الغرب أن يفسر القرآن حسب هوى فقهاء المالكية أو المتكلمين؟ .. إنتظر سأشتري مشروبين وأعود.
ـــ شكرا لك من المفروض أنا الذي أدفع.
ـــ لاعليك ، أنت ضيفي .
ـــ أمازال الملعب بعيدا؟ ستقتنع معي في مداخلات الندوة إنشاء الله أن هؤلاء هم المعنيون بقوله « في قلوبهم زيغ »
ـــ أنت مخطئ أتعتقد أنك داخل إلى جامعة شريعة أنت بصدد كلية أدب ، هنا ليس مثل هناك ، يوجد من سيقرأ المتشابه قراءة تأويلية تفسيرية ومن سيقرأها قراءة تأويلية عقلية ، ربما أن أمين الزاوي فحل هذه الكلية بلا منازع ، الذي لا تخطأه عين سيقنعك بضرورة منهج ابن رشد التوفيقي بين البرهان والتفسير.
ــــ « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ«
« إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَ(..) فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ »
ـــ يا راجل حسبك كيف إحنا في القرن ال21 موش في القرن الأول الهجري لقد مضت عصور الإنتقام والضلامية إلى غير رجعة. على العموم هذا هو الملعب الشهير 5 جويلية هل أعجبك؟
ـــ أنا لا أوافقك .. لكن هل هذا هو الملعب الذي طالما شاهدناه على التلفزيون.
ـــ نعم هو بعينه ، سأـشتري كذلك "ساندويش" لي و لك حتى نتابع الندوة المنتظرة بانتباه.
بعد نصف ساعة من الحوار الأرسطي بيني وبينه وصلنا إلى الكلية ودخلنا ، وإذ بنا نصادف المؤتمرون يغادرون! يا لها من خيبة ، فقد أقيمت الندوة مقدمة عن موعدها! وإذ بي ألتفت طالبا صاحبي السلفي دون أن أجد له أثر!! ثم رجعت بي ذاكرتي إلى كلامه « تعلمت في مدرسةة الوحي» أيكون جبريل عاد ليعلم العباد دينهم؟ لا أعتقد! لوكان كذلك ما كان ليكون للمتشابه فيي القرآن من أثر.
خلاصة القول أنه لم تكن العلمانية التي ارتقت بحياة الإنسان ، في يوم من الأيام ميدان للتعدي المباشر على الدين و لا على المبشرين بذلك الدين ، في أي عصر من العصور ، إلا عندما أحس أصحابها باحساس الفحولة الفكرية المترعرع معهم جراء سياق براغماتية وإيديولوجية مفرطة طغت عليها المآرب الخاصة ، تجلت في تملق النخبة لبعضها بعض ، مجاملات تلو الأخرى شرعنت لنسق الفحولة لكل من كان له حظ استيعاب بصيصا من العلم ، إنه التحول من إجلال العلم و وضع المقدسات في إطارها الطبيعي إلى عبادة الإنسان . ولعل إنزال هؤلاء المنزوون في بروجوهم العالية ، من خيلاء العلم والكبر اللاشعوري، جلهم صعد إليها من مجالات تستأثر بتلك المحاصصات الخاصة وهي الإعلام والسياسة والنقد والابداع الأدبيين بخاصة الشعراء وغيرهم منوط اليوم بالنقد الذاتي أو النقد الثقافي دون غيرهما.


________________________________________
[1]-عبد الله الغذامي : النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية ، المركز الثقافي العربي، ط3 ، بيروت 2005 ، ص 17-18.
[2] - المرجع نفسه ، ص 83-84.
[3] - المرجع نفسه ، ص66 -67.
[4] - الإذاعة الجزائرية القـناة الأولى : بول شاؤول في ضيافة حصة حبر و أوراق ، بثت يوم الاربعاء 25/5/2016 ، على الساعة الثانية زوالا.
[5] - ينظر مقال الهيمنة بالتخييل د. وحيد بن بوعزيز ، على الموقع :http://hwamsh.net/2016/07/
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف