الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

اللعنة ؟! بقلم سليم عوض عيشان ( علاونة )

تاريخ النشر : 2018-11-24
اللعنة ؟! بقلم سليم عوض عيشان ( علاونة )
" اللعنة " ؟؟!!
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
------------------------------------
( نص بدون مقدمات ولا تقديم فللقارئ حرية الرأي بما يراه مناسبًا ... ولا داعي للتنويه بأن بطل النص هو نفسه الراوي .. " الكاتب " )..
( الكاتب )
------------------------------------
" اللعنة "

... وصلت إلى منزل المضيف في أطراف القرية الوادعة، يطل علينا الجبل العتيد عن بعد حارس أمين للقرية ، يتحدى الزمن شموخاً ورهبة ..
استقبلمي المضيف بالترحاب والتهليل، مد يده الخشنة المتشققة مصافحاً ، من حوله زوجته البشوشة وأطفاله الأبرياء ، الذين التفوا حولي ينظرون إلىّ باستغراب؟! وملايين الأسئلة تدور في أذهانهم ...
كان المضيف قد أعد لنا مجلساً بسيطاً ومتواضعاً في وسط كرمه ، ولكنه كان رائعاً جداً ، فلقد سررت جداً بهذا، فأنا بطبعي أكره أن أكون سجيناً داخل جدران المنزل ، أيّ منزل ، فالمجلس الذي أعده المضيف كان ما أشتهيه .. وما أريده فعلًا ...
على أرض الكرم كان قد افترش حصيراً .. وضع فوقه شيئاً من الفراش المتواضع المريح وبعض الوسائد ، وفي مكان ليس بالبعيد ، كان موقداً للنار المتأججة ، أظن أنه قد وضع عليها وعاءً للقهوة أو الشاي أو كلاهما .. وما أسرع ما كان المشروب يقدم لنا ساخناً مع كلمات ترحيب أروع وأروع..
... تعمد المضيف أن يكون مجلسنا تحت شجرة زيتون عريقة ضخمة ألقت بظلالها وفروعها في كل اتجاه ، إلى جانبها شجرة تين ما أظن أني رأيت أضخم منها قط ، يجري بين هذه وتلك جدولاً صغيراً رقراقاً ، تنعكس على صفحته الرقيقة زرقة السماء الرائعة، فيبدو للعين كاللؤلؤ أو أروع ؟ بينما انتشرت أشجار اللوز والفاكهة هنا وهناك بعناية بالغة وذوق رفيع يدل على الأصالة بعيدة الجذور..
استمر الحديث والنقاش بيننا ، حتى انتصف النهار أو كاد ، والرجل متبسط بالحديث معي ، وزوجته في غدوٍ ورواح كالمكوك ، تأتى بالأشياء وتذهب بأخرى ، ومع اقتراب موعد تناول طعام الغداء ازدادت الحركة سرعة ، وازداد الترحيب حرارة.
سرنا نتمشى قليلاً في الكرم الكبير ، بين الأشجار العريقة والجداول العديدة ، يميل المضيف تارة ناحية شجرة التين العظيمة ، يناولني بيده حبة تين ما أظنني رأيت مثل حجمها يوماً ولا أظن بأنني تذوقت أشهى منها طعماً ، ويميل مرة ناحية شجرة اللوز ، يتناول حبات يابسة عنها ، يفركها بين يديه القويتين ، فإذا هي مطيعة سهلة له رغم صلابتها الشديدة ، فأرى للوز مذاقاً مختلفاً وطعماً آخر..:
ما كدنا ننهي جولتنا ونصل إلى مجلسنا ، حتى هبت زوجة المضيف تضع إلى جانبي الوسائد مرحبة متهللة الأسارير ، تقدم لي كوباً من الشاي الذي أَعد على الحطب فكان ذي نكهة عجيبة ، وطعم مميز بينما تصل إلى أنفي رائحة " الشواء " عن بعد حيث كان يعد في " الطابون " مع الخبز الذي طال اشتياقي له ..
ومع اللمسات الأخيرة لإعداد وإحضار طعام الغداء فجأة ، اندفعت نحوي فتاة قروية في العشرين من عمرها أو ما يزيد قليلاً ، وقبل أن أتنبه للمفاجأة كانت الفتاة تطوقني على حين غرة بذراعيها ، وأنا في حيرة بالغة من أمري ؟! وراحت تمطرني بالقبلات الممتزجة بالدموع هاتفة برقة وانكسار :
" يا حبيبي يا محمد ؟ يا أخويا يا محمد ؟ يا حبيبي يا محمد " ؟؟!! .
تبلد ذهني وفكري ولم أستطع مجاراة الأمور، أو فهم كنه ما يدور من حولي ؟ فلقد حدث كل هذا بسرعة خاطفة كالبرق..
ما أسرع أن اندفع المضيف من مجلسه صارخاً بصوت مدوٍ :-
- ابعدي يا بنت .. اذهبي . امشي ..
تشبثت الفتاة بي أكثر رغم الصياح والوعيد ، فيضطر المضيف إلى سحبها ليبعدها عني ؟! .. أسرعت الأم لمساعدته في هذه المهمة الشاقة ، وأنا مشدوه حائر مضطرب لا أدري سر هذا أو ذاك ؟ ولا أعرف ماذا يجب علىّ أن أفعله ؟!
وبعد جهد جهيد ، استطاع المضيف وزوجته سحب الفتاة بعيداً عني ، فتلفت نحو أحد الجالسين إلى جواري أتساءل بلسان عقدته الدهشة ، وعيون ألجمتها المفاجأة ، فيجيب الرجل دون أن أسأل ، يبتسم نصف ابتسامة :
" أوه .. إن لهذا الأمر قصة طويلة يا سيدي "..
" إن لهذا الرجل ابن اسمه " محمد " فعلاً ، أنفق عليه من كده وشقاءه حتى تخرج من الجامعة ، ثم انتدب للعمل مدرساً في إحدى دول الخليج ، كانت فرحة الأب عظيمة خاصة عندما تلقى أول رسالة من ولده يرافقها أول راتب يتقاضاه ولعلهما كانا آخر رسالة وآخر مبلغ يصلاه ..
قاطعت الرجل وقد أفقت من دهشتي بعض الشيء:
" يا له من ابن جاحد عاق ، كيف يضن على والديه هكذا؟ "
ابتسم الرجل ابتسامة ذات مغزى وراح يكمل الحديث:
" ليس الأمر كما تظن يا سيدي ، لقد كان " محمد " رجلاً ملتزماً وابناً مطيعاً ومسؤولاً .. لكنه وقع في حب فتاة تعمل في إحدى صالونات التجميل هناك، أحبها كما يحب ابن القرية البسيط المتواضع وبكل ما في قلبه من حب وبراءة وسذاجة أنفق عليها بجنون ، أغدق رغم إمكانياته البسيطة جداً ومسؤولياته الجسام...
ثم طلب منها الزواج ؟ فضحكت منه سخرت وهزأت به فاستشاط غضباً ، تألم .. تمزق .. احترق ، ولما ركز فكره المجهد ، وصل إلى نتيجة واحدة ؛ لا بد لرفضها من سبب ، والسبب واضح .. فهي لا بد تعشق غيره كما عشقته أو كما أوهمته بالحب لابتزازه ... فهي فتاة لعوب ولا تفكر بالزواج ، إذن فلقد خدعته .. لقد خدعته ؛ فتحطم الرجل .. وتحطم قلبه..
ابتعد عنها أسبوعاً .. أسبوعين .. ثلاثة ؛ طالت لحيته وشعره .. تهلهل زيه .. ترك عمله وأهمل واجباته وأحاطه الضياع من كل جانب ، فلما لم يستطع صبر الابتعاد عنها ؛ كان في تلك الأمسية المتأخرة يركل باب الصالون بقدمه ويدخل إليها ليفاجئها ، ففاجأته وأذهبت المفاجأة بما تبقى له من عقل ، لقد وجدها على أريكة الصالون في أحضان رجل ذو لحية كثة ، وجيب منتفخ وزيّ غريب ..طار صوابه .. اندفع نحوها .. صرخ فيها بصوت مدوٍ .. هزها بعنف:
- " أيتها الخائنة .. أيتها الماكرة .. أيتها الفاسقة .
نهضت الفتاة بغير مبالاة ، تسوي من ملابسها المبعثرة .. صرخت فيه باستهتار وخلاعة:
" اخرج من هنا .. اخرج أيها الكلب " ؟!
أحس بدوار رهيب .. فظيع .. رأسه يكاد أن يتحطم .. ينفجر .. يدمر . فهل من الممكن أن تسبه وتشتمه بغلظة ووقاحة إلى مثل هذه الدرجة ؟! أهذه من كان يهوى أهي من كان يعشق؟!
في لحظة تهور ، اندفع نحوها بجنون ، لطمها لطمة أعادتها إلى أحضان الرجل ذي اللحية الكريهة والجيب المنتفخ؟! الذي هرول ناحية باب الصالون ينبح ككلب مسعور ..
نظرت الفتاة نحوه بوقاحة واستهتار وزمجرت :
" لقد أضعت الزبون أيها الوغد "؟!
.. سدد إليها لكمة أخرى أطارت بعضاً من أسنانها ..
تناولت الفتاة مقصاً سددت له طعنة في القلب لولا أن تفاداها ببراعة فمزقت كتفه وصدره .. رأي الدماء تنساب منه بغزارة ، جن جنونه ، زمجر كالليث الجريح :
" تغوينني .. تخدعينني .. ثم تقتلينني " ؟!
اندفع نحوها بجنون ، أطبق بيده الفولاذية على معصمها .. سقط المقص من يدها.. تناوله بسرعة وبسرعة سدد إلى القلب طعنة واحدة سقطت الفتاة بعدها على الأرض بلا حراك بعد أن أطلقت صرخة مدوية..
ما هي سوى لحظات ؛ حتى كانت الأيادي تمتد إليه وهو يقف مذهولاً ، ينظر إلى الفتاة الملقاة جثة هامدة على الأرض، وإلى المقص الذي يقطر دماً بيده ، وإلى الجرح العميق النازف بقوة من ذراعه وصدره ... ألقوا به بعنف وقسوة داخل سيارة الشرطة التي كانت تخترق الشارع الطويل مولولة ، تشاركها العويل سيارات الإسعاف العديدة..
صمت الرجل طويلاً .. وأفقت من دهشتي واستغراقي مع الأحداث المتلاحقة سارعت إلى التساؤل:
- " ثم ماذا ؟ ماذا حدث بعد ذلك" ؟؟
ابتسم الرجل متمتماً :-
- لا شيء .. لا شيء..
صحت متعجباً:-
- كيف هذا بالله عليك يا رجل ؟!
هتف الرجل :
" لقد سُجِنَ " محمد " في سجن الدولة المركزي ، وذهب أبوه وأمه إلى هناك لزيارته ، وتكليف المحامي للدفاع عنه ولكن للأسف لم يستطيعا ذلك أبداً...
هتفت بحدة :
" وكيف ذلك بالله عليك يا رجل ؟! كيف ذلك " ؟
أجابني وآلاف المعاني والألغاز على محياه:
- " قال البعض بأنه توفى في السجن فيما بعد ، وقال آخرون أنه توفى بعد العراك مع الفتاة مباشرة نتيجة لإصابته البليغة ونزيفه الرهيب ؛ وقال آخرون أشياء وأشياء أخرى" ..
هتف:-
" وهذه الفتاة التي هاجمتني قبل قليل ؟! ما شأنها ؟!" ..
رد الرجل :
- " إنها شقيقته... أتدري ؟ إنها تختلف مع الجميع في آرائهم فعقلها الباطن الطيب ، وقلبها الرقيق ، وإحساسها المرهف ، يرفض كل ما قالوه ، لقد كانت تحبه كثيراً ؛ إن عقلها لم يستطع استيعاب الموقف مطلقاً أو تصديقه .... إنها تظن أن شقيقها " محمد " قد فر من السجن في غفلة من سجانيه ؟! وتظن أنه هرب من هناك ؛ وأنه حضر إلى هنا خفية وخلسة ، وهي تعتقد بأنها ستراه يوماً ما ... لقد اضطرب عقلها..
هتفت بالرجل متبرماً :
" وأنا ما شأني بهذا كله حتى تفعل بي ذلك " ؟!
ابتسم الرجل ابتسامة عريضة غامضة تتضاءل إلى جانبها ابتسامة "الموناليزا " هتف :
- " إنك تشبه " محمد " كثيراً .. فعندما رأتك الفتاة عن بعد ، ظنت أن شقيقها " محمد " قد عاد وقد ظهر من المخبأ بعد طول انتظار ؟ .
طوحت بناظريّ بعيداً أتأمل الفضاء الفسيح من خلف الجبل العتيد ؛ هيئ لي أنني أسمع صرخة عذاب وأنين ألم من خلف الجبال .. ترددها السماء ولا تمل الترديد .. خيل لي أنني أسمع بكاءً خافتاً وأنيناً مكتوماً .. رجعت بناظريً إلى مدخل المنزل ، خيل لي أنني أرى شبح إنسان يقف عن بعد من وراء القضبان الحديدية للنافذة الكبيرة دققت النظر جيداً .. وتأكدت ...
.. لقد كانت هي .. الفتاة المسكينة تنظر نحوي .. تبكي .. تئن .. تلوح بيديها المكدودتين .. تضرب حديد النافذة برأسها بقوة..
بدون وعيّ أو إرادة ، وجدتني أنهض من مكاني ، أمد يدي إلى مضيفي مودعاً..
هتف الرجل بي باستغراب وتعجب :
" والغذاء يا أستاذ " ؟!
التفت حولي وكأني لا أعي ما يقول.. أخذت أتمتم بما يشبه الهذيان ..
" أيّ غذاء يا رجل ؟! .. أيّ غذاء ؟! "
أسير بلا وعيّ أو إرادة .. أمد يدي داخل النافذة مصافحاً الفتاة مودعاً ، تلتقط يدي بكلتا راحتيها ، تطبق عليها بقوة .. تحتضنها .. تقبلها .. تبللها بالدموع الملتهبة الحارقة كالإعصار .
يصرخ المضيف مزمجراً هادراً :
" ابعدي يا بنت .. اذهبي .. امشي ..: " .
أنظر نحوه بعيون مرهقة تترقرق فيها الدموع الحائرة ، أهمس كحشرجة الموتى:
" دعها يا سيدي .. دعها بالله عليك .. فهذا هو غذائي.. "
تترك يدي رويداً رويداً ؛ تمد يدها المرتعشة من خلال القضبان الصدئة ؛ تتحسس وجهي بحنان بالغ ، تمسح دموعي بيدها المرتجفة .. تسحب يدها برفق إلى الداخل ، تطرق إلى الأرض ، كأنها تودعني ؟!..
أسير في الطريق الطويل طريق قرية الآهات .. طريق العذاب والمعاناة ... أبدو صامتاً كالجبل العتيد ..
أسير بلا وعيّ أو إرادة .. وأنا أستعيد ذلك المشهد ... عندما كنت أمد يدي داخل النافذة مصافحاً الفتاة مودعاً ، وهي تلتقط يدي بكلتا راحتيها ، وتطبق عليها بقوة .. تحتضنها .. تقبلها .. تبللها بالدموع الملتهبة الحارقة كالإعصار ....
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف