"مقاصد الشريعة الإسلامية"
عند الأستاذ علال الفاسي (ت 1974 م) و "الدكتور أحمد بوعود" .
مقدمة :
تعرف مقاصد الشريعة بتعريفات كثيرة ، لعل من أبرزها ، تعريف العلامة محمد الطاهر ابن عاشور ـ رحمه الله ـ الذي عرف المقاصد بما يلي : "مقاصد التشريع العامة هي المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة ، فيدخل في هدا أوصاف الشريعة ، وغايتها العامة ، والمعاني التي لا يخلو التشريع عن ملاحظاتها ، ويدخل في هدا أيضا معان من الحكم ليست ملحوظة في سائر الأحكام ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها" .
وعرف الدكتور أحمد الريسوني مقاصد الشريعة بقوله : " هي المعاني والغايات والآثار والنتائج ، التي يتعلق بها الخطاب الشرعي والتكليف الشرعي ، ويريد من المكلفين السعي والوصول إليها " .
ويخلص الباحث المغربي يوسف عطية في كتابه "الاجتهاد والتجديد في الفكر المقاصدي، دراسة في إمكانات التفعيل " إلى أن "الفكر المقاصدي هو التدبر والتأمل المنضبطان لأحكام الشرع وغاياته ومراميه ، المراعيان لمصالح الخلق الدنيوية والأخروية" .
وقد ألف في علم مقاصد الشريعة العديد من العلماء الأفداد من القدامى والمعاصرين ، وسنعرض بعضا منهم :
ـ "الموافقات في أصول الشريعة" لشيخ المقاصديين ، الإمام أبو إسحاق الشاطبي .
ـ "مقاصد الشريعة الإسلامية" للعلامة محمد الطاهر بن عاشور .
ـ "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" للعلامة والأستاذ علال الفاسي .
ـ "نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي" ، "من أعلام الفكر المقاصدي" ، "الفكر المقاصدي ، قواعده وفوائده" ، "مدخل إلى مقاصد الشريعة" للدكتور أحمد الريسوني.
ـ " مقاصد الشريعة ، من النظر إلى السلوك" للدكتور أحمد بوعود .
ـ "نحو تفعيل مقاصد الشريعة" للدكتور جمال الدين عطية .
ـ "علم المقاصد الشرعية " للدكتور نور الدين الخادمي .
ـ "الاجتهاد والتجديد في الفكر المقاصدي، دراسة في إمكانات التفعيل" للباحث يوسف عطية.
ويعد الأستاذ علال الفاسي من أبرز الرواد الدين استأنفوا الكتابة في مقاصد الشريعة بعد الشاطبي وابن عاشور ، حيث يعتبر كتابه "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" ، نصا أساسيا ومحوريا لا تقل أهميته عن كتاب "مقاصد الشريعة الإسلامية للإمام الطاهر بن عاشور. وبناء عليه ، يمكننا أن نطرح بعض الأسئلة بشأن الكتاب وهي :
ـ ما أهمية كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها للعلامة والأستاذ علال الفاسي ؟
ـ وما النظرية المقاصدية التي تبناها علال الفاسي في كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها ؟
ـ وما الغاية التي كتب علال الفاسي من أجلها كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها ؟
سيجيب هدا المقال عن هده الأسئلة ، في ضوء فصل من فصول الكتاب ، الذي عنونه صاحبه بـ "المقاصد الشرعية في الإسلام" .
وضح علال الفاسي في هدا الفصل أن " المقصد العام للشريعة الإسلامية هو عمارة الأرض ، وحفظ نظام التعايش فيها ، واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها ، وقيامهم بما كلّفوا به من عدل واستقامة ، ومن إصلاح في العقل وفي العمل ، وإصلاح في الأرض واستنباط لخيراتها وتدبير لمنافع الجميع" .
فقد أثبت علال الفاسي ـ رحمه الله ـ أن للشريعة مقاصد ، وأن هذه المقاصد هي المرجع الأبدي لاستقاء الأحكام ، وهي في نفس الوقت تعبر عن موقف الشارع ووجهة نظره. فقد قال: "مقاصد الشريعة هي المرجع الأبدي لاستقاء ما يتوقف عليه التشريع والقضاء في الفقه الإسلامي ، وأنها ليست مصدرا خارجيا عن الشرع الإسلامي ولكنها من صميمه ، وليست غامضة غموض القانون الطبيعي الذي لا يعرف له حد ولا مورد ولكنها ذات معالم وصوى كصوى الطريق " .
وأورد الفاسي ـ رحمه الله ـ نصا جامعا في لابن القيم ـ رحمه الله ـ في شأن العدل ومقاصد الشريعة . يقول ابن القيم : ـ رحمه الله ـ " الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد . وهي عدل كلها ، ورحمة كلها ، ومصالح كلها ، وحكمة كلها . فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور ، وعن الرحمة إلى ضدها ، وعن المصلحة إلى المفسدة ، وعن الحكمة إلى العبث ، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل . فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه..." .
إن الشريعة الإسلامية ـ عند علال الفاسي وعند الجمهور ـ مبنية على تحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد ، فهي لا تحلل ولا تحرم إلا بناء على مقاصد ومصالح وحكم ، وهدا ما يرمي إليه الفاسي من خلال كتابه بصفة عامة وفي هدا الفصل ـ تحديدا ـ بصفة خاصة .
أهمية كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها للعلامة والأستاذ علال الفاسي :
لعل أهمية الكتاب تتجلى من خلال ما أبداه المؤلف وأعلنه في مستهل كتابه بقوله: "هذا كتاب "مقاصد الشريعة و مكارمها" ، أضعه بين قرائي الأفاضل ، و أنا واثق من أنه سيسد فراغا في المكتبة العربية ؛ لأن الذين تعاقبوا على الكتابة في المقاصد الشرعية ، لم يتجاوزوا الحد الذي وقف عنده إمامنا أبو إسحاق الشاطبي – رحمه الله -، أو لم يبلغوا ما إليه قصد ، و بعضهم خرج عن الموضوع إلى محاولة تعليل كل جزء من أجزاء الفقه أخذا للمقاصد بمعناها الحرفي" .
وما يمكن ملاحظته هنا هو أن علال الفاسي ـ رحمه الله ـ " كان واثقا من أن الكتاب سيسد فراغا في المكتبة العربية ؛ دلك لأن الكتابات في موضوع المقاصد لم تزد على ما كتبه الشاطبي ـ رحمه الله ـ في الموافقات شيئا ، أو أن الدين كتبوا لم يبلغوا ما إليه قصد ، وبعضهم خرج عن الموضوع إلى محاولة تعليل كل جزء من أجزاء الفقه أخدا للمقاصد بمعناها الحرفي " . كما أن كتابه "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" ، هو محاولة لإنقاذ المقاصد من الوقوع في النصية والحرفية.
وقد نوه الدكتور إسماعيل الحسني ـ محقق الكتاب ـ بأهمية كتاب "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" وصرح بأن: "للفاسي إسهام واضح في نقل الفكر المقاصدي من علياء التنظير الأصولي إلى واقع التوظيف العملي ، فذلك ما يتسق مع طبيعة شخصية الفاسي الذي مارس العمل الوطني ، و امتهن النضال ضد الاستعمار الفرنسي ، وكان رئيسا لحزب سياسي مغربي عريق" .
وهذا التوظيف العملي كان باديا من خلال نضاله السياسي المرير لنصرة التوابث الوطنية وقضايا الأمة العربية و الإسلامية ، ومن هنا كان الحضور الكبير لكثير من اختياراته و توجهاته في العديد من الدراسات و الأبحاث العلمية ، التي قدمها باحثون وفقهاء و مفكرون معاصرون في علم مقاصد الشريعة .
النظرية المقاصدية التي تبناها علال الفاسي في كتابه "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" :
لا شك أن علال الفاسي ـ رحمه الله ـ من أبرز رواد أعلام الفكر المقاصدي ، الدين استأنفوا الكتابة المستقلة في مقاصد الشريعة ، فكتب فيها بنسق مستقل ، سواء في مجال التوسع في الموضوع المقاصدي ، أو في مجال المعالجة المتحررة ، التي تقتضي الصدور عن موقف فلسفي واضح و رؤية منهجية دقيقة ، فضلا عن امتلاك عدة علمية تجعل الجرأة على اقتحام موضوع في أهمية مقاصد الشريعة ؛ جرأة علمية مؤسسة على العلم الراشد.
ولا شك كذلك أن المؤلف ـ رحمه الله ـ بدل مجهودا علميا عظيما في مؤلفه ، وهو الذي أمدنا بالقول " ويعلم الله ماذا بذلت من جهد استخلاص فصول هذا الكتاب وجعلها قريبة من أذهان المعاصرين ، مستندا إلى أهم المصادر الإسلامية و الكتب العلمية الصحيحة ، مجتهدا كل الاجتهاد في فهم آراء المسلمين و التوفيق بينها، و توضيح مواطن الضعف في كتابات المعاصرين منهم ، ومتتبعا ما أسميته بالإسرائيليات الجديدة ، أي الأفكار المتسربة من غيرنا عن طريق الاستعمار الروحي الذي هو آفتنا في هذا العصر" .
إلا أن علال الفاسي ـ رحمه الله ـ تناوله لموضوع كتابه " لم يكن بالشكل الذي سار عليه الشاطبي في جزء المقاصد ، أو ابن عاشور في كتابه الانف الذكر ، ـ رحمهم الله جميعا ـ وإنما تميز تحليله بعرض الشبهات التي أثيرت وتثار حول بعض مناحي الشريعة ، خصوصا من قبل أولئك الدين تشبعوا بالأفكار الغربية " .
ولذلك أشار الفاسي ـ رحمه الله ـ في المقدمة إلى أنه " عرض إلى أصول الشرعة ( وهي الطريقة التي تناول بها موضوع كتابه ) فتناولها من جهة المقاصد أكثر مما تناولها من جهة العلة " .
الغاية التي كتب علال الفاسي من أجلها كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها:
لقد كتب علال الفاسي ـ رحمه الله ـ كتابه "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" لبيان صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان وتفوقها على كل قانون وردا على دعاة التغريب ، فالرجل كما تشهد بذلك بعض عبارات الكتاب ، كان يواجه تيارًا قويًّا يدعو إلى التخلي عن الشريعة ، والإقبال على الغرب بعلومه وفلسفاته ، لنتقدم كما تقدموا ، ونتحضر كما تحضروا ، فكانت صرخته عبارة عن كتاب سماه "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" في محاولة إلى ردهم إلى صوابهم ، وتبصيرهم بمحاسن شريعتهم. وهذا لهو من أهم أهداف مقاصد الشريعة .
تساءل الدكتور أحمد بوعود عن إمكانية القول إن العلامة علال الفاسي ـ رحمه الله ـ كتب مقاصد الشريعة ليواجه تيار التغريب الذي بدأ يفد على المغرب أواخر الخمسينيات وبداية الستينات ؟ . ثم أجاب عن السؤال بقوله : " إن الجواب بالإيجاب هو الذي تؤكده صفحات الكتاب في مختلف فقراته ، حيث لم يغفل عن عرض الأراء المخالفة للإسلام ولنظام الإسلام ، مستعرضا أراء أعداء الإسلام الدين يملكون رؤى منصفة لنظام الإسلام ، ليختم كتابه بصرخة بها حرقة كبرى يوجهها إلى أبناء بلده ودينه " .
وصفوة القول ، لم يكتب علال الفاسي ـ رحمه الله ـ كتابه "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" متوجها به إلى أهل الاجتهاد خاصة ؛ بل كتبه متوجها به إلى النخبة المغربة التي تلقت تعليمها في الخارج ، وتلقفت ما ينتجه الغرب ، و تشبعت بالأفكار الغربية المتسربة عن طريق الاستعمار الروحي الذي هو افتنا في هدا العصر على حد تعبير علال الفاسي .
وإذا كان العلامة علال الفاسي ـ رحمة الله عليه ـ قد أسهم في نقل الفكر المقاصدي من علياء التنظير الأصولي إلى واقع التوظيف العملي كما صرح بدلك الدكتور إسماعيل الحسني ، وقد ساعده على دلك جملة من العوامل (وقد سبقت الإشارة إلى دلك انفا) ، فإن الدكتور أحمد بوعود قد تناول "مقاصد الشريعة من النظر إلى السلوك" ، منطلقا من رؤية مفادها أن الفكر المقاصدي يجب أن يبحث "عما يؤهل لسلوك مقاصدي يتوافق والتكليف الشرعي ، ويقترح خطة عملية للانتقال من النظر إلى السلوك ، يطبع العمل الإسلامي عامة ، وسلوك الأفراد خاصة ، ودلك ببيان أن الإنسان أمام مقصدين كبيرين لا ينفك أحدهما عن الاخر : مقصد عدلي أو استخلافي ، ومقصد إحساني " . في سبيل تقديم صورة لما ينبغي أن تكون عليه الحياة الإسلامية المعاصرة على هدي الوحيين .
ودلك لأن ؛ أغلب الكتابات في مقاصد الشريعة "جنحت إلى الكلام عن المقاصد باعتبارها أداة من أدوات الاجتهاد الفقهي ...وقل ما نجد الكلام عن المقاصد باعتبارها سلوكا ينبغي أن يطبع العمل الإسلامي" .
خصص الدكتور أحمد بوعود الفصل الثاني من كتابه الموسوم بـ "مقاصد الشريعة من النظر إلى السلوك" للحديث عن التكليف الشرعي والسلوك المقاصدي .
تناول في المبحث الأول ، مقاصد الشريعة بين العاجل والآجل ، فالأولى متمثلة في نيل السعادة الأخروية والقرب من الله عز وجل ، وهي لب ما رغب فيه الشرع الحنيف ، والثانية متمثلة في توافق الأعمال مع ضرورات الحياة الاجتماعية ، وهدا ما يحقق الاستخلاف ويساعد على تحقيق العبودية لله .
وتحدث في المبحث الثاني عن المقصد الشرعي من وضع الشريعة ، المتمثل في تحقيق غايتين أساسيتين هما :
ـ غاية عدلية أو استخلافية، ترمي إلى تكاليف تهتم أساسا بعلاقة الأفراد بعضهم مع بعض ، أو مع أجهزة الحكم ، قوامها العدل بجميع صوره ومجالاته وفك رقاب الناس من ظلم الطغاة .
ـ غاية إحسانية ، تقصد إليها تكاليف تهم بالأساس علاقة الإنسان بربه عز وجل ، تعينه هو أولا في مصيره وعاقبته .
وتطرق في المبحث الثالث إلى كون الأحكام الشرعية المختلفة ؛ تصب في تحقيق مقصدين للمكلف :
ـ مقصد عدلي : يتمثل في المساهمة في إقامة نظام اجتماعي إسلامي والمحافظة عليه (المشاركة في البناء الاستخلافي ).
ـ مقصد إحساني : يتجلى في نيل السعادة الأخروية والفوز برضى الله عز وجل .
وتأسيسا على ما سبق ، يخلص الدكتور أحمد بوعود إلى أن مقاصد الشريعة ، يجب أن تنتقل من كونها أداة للاجتهاد يمتلكها العلماء والمجتهدون ، إلى سلوك يطبع تصرفات كل متدين يصبو نحو غايتين :
الأولى إحسانية : تكمن في تمتين الصلة بالخالق عز وجل من أجل رضاه .
الثانية عدلية : تبرز في المشاركة الجماعية في البناء الاستخلافي الذي ندب إليه الإنسان بتكليف الشرع .
خاتمة :
وتأسيسا على ما سبق ، يتضح أن الفكر المقاصدي عند العلامة والأستاذ علال الفاسي ـ رحمه الله ـ مبني على اجتهاد واع بمتطلّبات العصر وحاجاته ، وبفهم جديد ومتجدد يستوعب أحداث العصر المتسارعة ، ويستظل بمظلة الشريعة ونصوصها ، ويأخذ بعين الاعتبار المقاصد التي رمى إليها الشارع من وراء أحكامه ؛ لأن أحكام الشريعة الإسلامية معللة كلُّها ما عدا التعبدي منها يقول الفاسي : "إن الله لا يفعل إلاّ ما تقتضيه الحكمة المودعة في نواميسه الكونية التي جعلها هو على ما هي ما عليه."
وما يميزه فكر الفاسي المقاصدي ـ أيضا ـ دعوته إلى إحياء العقيدة وإعادة دور الاجتهاد ذلك "أن الفكر الديني في الإسلام معناه الحرية الكاملة" ، معتبرا خصوصية المجتمعات الإسلامية (والمجتمع المغربي بصورة خاصة) ذات طبيعة دينية بالأساس ، فلا سبيل لقيامها إلا ببعث ديني يطور الفهم ويحقق معاني العقل والحرية والعدل .
وأختم الكلام بقول الفقيه المقاصدي الدكتور أحمد الريسوني في حق الفاسي ، يقول الريسوني : "إن علال الفاسي كان عالما مجددا في كل شيء ، فكره وحياته وسيرته ومؤلفاته كلها مطبوعة بطابع التجديد" ، مؤكدا أن الرجل يعد أحد علمي الفكر المقاصدي المعاصر ، إلى جانب الطاهر ابن عاشور.
هدا وإن الدكتور أحمد بوعود قد أسهم إسهاما واضحا في بناء صرح الفكر المقاصدي والانتقال به من النظر إلى السلوك ، سلوك يتوافق والتكليف الشرعي ؛ لأن المقاصد ينبغي أن تصبح سلوكا عاما في الفكر الإسلامي ، وفي العمل الإسلامي المعاصر ، وما يعانيه العمل الإسلامي اليوم إلا من غياب المقصد من توجهاته .
وحسبنا أن الدكتور أحمد بوعود ، فتح بابا للمختصين والمهتمين والباحثين إلى خوض غمار البحث والدراسة في مقاصد الشريعة الإسلامية ، للانتقال بمقاصد الشريعة من مجال النظر و التنظير إلى مجال العمل والسلوك المقاصدي ، "في سبيل تقديم صورة لما ينبغي أن تكون عليه الحياة الإسلامية المعاصرة على هدي الوحيين" . وعلى الله قصد السبيل .
بقلم : الأستاد أنوار العبوري.
لائحة المصادر والمراجع المعتمدة :
ـ "مقاصد الشريعة الإسلامية" ، محمد الطاهر بن عاشور ، تحقيق محمد الحبيب بن الخوجة ، الشركة التونسية للنشر والتوزيع ، تونس ، ط : 3 ، 1985 م .
ـ "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" ، علال الفاسي ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ط : 5 ، 1993 م .
ـ "مدخل إلى مقاصد الشريعة" ، أحمد الريسوني ، مطبعة التوفيق ، الرباط ، ط : 2 ، 1997 م .
ـ " مقاصد الشريعة ، من النظر إلى السلوك" ، أحمد بوعود ، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ، ط : 1 ، 2011 م .
ـ "الاجتهاد والتجديد في الفكر المقاصدي، دراسة في إمكانات التفعيل " للباحث يوسف عطية ، دار الطليعة ، بيروت ، ط : 1 ، 2014 م .
عند الأستاذ علال الفاسي (ت 1974 م) و "الدكتور أحمد بوعود" .
مقدمة :
تعرف مقاصد الشريعة بتعريفات كثيرة ، لعل من أبرزها ، تعريف العلامة محمد الطاهر ابن عاشور ـ رحمه الله ـ الذي عرف المقاصد بما يلي : "مقاصد التشريع العامة هي المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة ، فيدخل في هدا أوصاف الشريعة ، وغايتها العامة ، والمعاني التي لا يخلو التشريع عن ملاحظاتها ، ويدخل في هدا أيضا معان من الحكم ليست ملحوظة في سائر الأحكام ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها" .
وعرف الدكتور أحمد الريسوني مقاصد الشريعة بقوله : " هي المعاني والغايات والآثار والنتائج ، التي يتعلق بها الخطاب الشرعي والتكليف الشرعي ، ويريد من المكلفين السعي والوصول إليها " .
ويخلص الباحث المغربي يوسف عطية في كتابه "الاجتهاد والتجديد في الفكر المقاصدي، دراسة في إمكانات التفعيل " إلى أن "الفكر المقاصدي هو التدبر والتأمل المنضبطان لأحكام الشرع وغاياته ومراميه ، المراعيان لمصالح الخلق الدنيوية والأخروية" .
وقد ألف في علم مقاصد الشريعة العديد من العلماء الأفداد من القدامى والمعاصرين ، وسنعرض بعضا منهم :
ـ "الموافقات في أصول الشريعة" لشيخ المقاصديين ، الإمام أبو إسحاق الشاطبي .
ـ "مقاصد الشريعة الإسلامية" للعلامة محمد الطاهر بن عاشور .
ـ "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" للعلامة والأستاذ علال الفاسي .
ـ "نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي" ، "من أعلام الفكر المقاصدي" ، "الفكر المقاصدي ، قواعده وفوائده" ، "مدخل إلى مقاصد الشريعة" للدكتور أحمد الريسوني.
ـ " مقاصد الشريعة ، من النظر إلى السلوك" للدكتور أحمد بوعود .
ـ "نحو تفعيل مقاصد الشريعة" للدكتور جمال الدين عطية .
ـ "علم المقاصد الشرعية " للدكتور نور الدين الخادمي .
ـ "الاجتهاد والتجديد في الفكر المقاصدي، دراسة في إمكانات التفعيل" للباحث يوسف عطية.
ويعد الأستاذ علال الفاسي من أبرز الرواد الدين استأنفوا الكتابة في مقاصد الشريعة بعد الشاطبي وابن عاشور ، حيث يعتبر كتابه "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" ، نصا أساسيا ومحوريا لا تقل أهميته عن كتاب "مقاصد الشريعة الإسلامية للإمام الطاهر بن عاشور. وبناء عليه ، يمكننا أن نطرح بعض الأسئلة بشأن الكتاب وهي :
ـ ما أهمية كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها للعلامة والأستاذ علال الفاسي ؟
ـ وما النظرية المقاصدية التي تبناها علال الفاسي في كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها ؟
ـ وما الغاية التي كتب علال الفاسي من أجلها كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها ؟
سيجيب هدا المقال عن هده الأسئلة ، في ضوء فصل من فصول الكتاب ، الذي عنونه صاحبه بـ "المقاصد الشرعية في الإسلام" .
وضح علال الفاسي في هدا الفصل أن " المقصد العام للشريعة الإسلامية هو عمارة الأرض ، وحفظ نظام التعايش فيها ، واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها ، وقيامهم بما كلّفوا به من عدل واستقامة ، ومن إصلاح في العقل وفي العمل ، وإصلاح في الأرض واستنباط لخيراتها وتدبير لمنافع الجميع" .
فقد أثبت علال الفاسي ـ رحمه الله ـ أن للشريعة مقاصد ، وأن هذه المقاصد هي المرجع الأبدي لاستقاء الأحكام ، وهي في نفس الوقت تعبر عن موقف الشارع ووجهة نظره. فقد قال: "مقاصد الشريعة هي المرجع الأبدي لاستقاء ما يتوقف عليه التشريع والقضاء في الفقه الإسلامي ، وأنها ليست مصدرا خارجيا عن الشرع الإسلامي ولكنها من صميمه ، وليست غامضة غموض القانون الطبيعي الذي لا يعرف له حد ولا مورد ولكنها ذات معالم وصوى كصوى الطريق " .
وأورد الفاسي ـ رحمه الله ـ نصا جامعا في لابن القيم ـ رحمه الله ـ في شأن العدل ومقاصد الشريعة . يقول ابن القيم : ـ رحمه الله ـ " الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد . وهي عدل كلها ، ورحمة كلها ، ومصالح كلها ، وحكمة كلها . فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور ، وعن الرحمة إلى ضدها ، وعن المصلحة إلى المفسدة ، وعن الحكمة إلى العبث ، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل . فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه..." .
إن الشريعة الإسلامية ـ عند علال الفاسي وعند الجمهور ـ مبنية على تحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد ، فهي لا تحلل ولا تحرم إلا بناء على مقاصد ومصالح وحكم ، وهدا ما يرمي إليه الفاسي من خلال كتابه بصفة عامة وفي هدا الفصل ـ تحديدا ـ بصفة خاصة .
أهمية كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها للعلامة والأستاذ علال الفاسي :
لعل أهمية الكتاب تتجلى من خلال ما أبداه المؤلف وأعلنه في مستهل كتابه بقوله: "هذا كتاب "مقاصد الشريعة و مكارمها" ، أضعه بين قرائي الأفاضل ، و أنا واثق من أنه سيسد فراغا في المكتبة العربية ؛ لأن الذين تعاقبوا على الكتابة في المقاصد الشرعية ، لم يتجاوزوا الحد الذي وقف عنده إمامنا أبو إسحاق الشاطبي – رحمه الله -، أو لم يبلغوا ما إليه قصد ، و بعضهم خرج عن الموضوع إلى محاولة تعليل كل جزء من أجزاء الفقه أخذا للمقاصد بمعناها الحرفي" .
وما يمكن ملاحظته هنا هو أن علال الفاسي ـ رحمه الله ـ " كان واثقا من أن الكتاب سيسد فراغا في المكتبة العربية ؛ دلك لأن الكتابات في موضوع المقاصد لم تزد على ما كتبه الشاطبي ـ رحمه الله ـ في الموافقات شيئا ، أو أن الدين كتبوا لم يبلغوا ما إليه قصد ، وبعضهم خرج عن الموضوع إلى محاولة تعليل كل جزء من أجزاء الفقه أخدا للمقاصد بمعناها الحرفي " . كما أن كتابه "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" ، هو محاولة لإنقاذ المقاصد من الوقوع في النصية والحرفية.
وقد نوه الدكتور إسماعيل الحسني ـ محقق الكتاب ـ بأهمية كتاب "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" وصرح بأن: "للفاسي إسهام واضح في نقل الفكر المقاصدي من علياء التنظير الأصولي إلى واقع التوظيف العملي ، فذلك ما يتسق مع طبيعة شخصية الفاسي الذي مارس العمل الوطني ، و امتهن النضال ضد الاستعمار الفرنسي ، وكان رئيسا لحزب سياسي مغربي عريق" .
وهذا التوظيف العملي كان باديا من خلال نضاله السياسي المرير لنصرة التوابث الوطنية وقضايا الأمة العربية و الإسلامية ، ومن هنا كان الحضور الكبير لكثير من اختياراته و توجهاته في العديد من الدراسات و الأبحاث العلمية ، التي قدمها باحثون وفقهاء و مفكرون معاصرون في علم مقاصد الشريعة .
النظرية المقاصدية التي تبناها علال الفاسي في كتابه "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" :
لا شك أن علال الفاسي ـ رحمه الله ـ من أبرز رواد أعلام الفكر المقاصدي ، الدين استأنفوا الكتابة المستقلة في مقاصد الشريعة ، فكتب فيها بنسق مستقل ، سواء في مجال التوسع في الموضوع المقاصدي ، أو في مجال المعالجة المتحررة ، التي تقتضي الصدور عن موقف فلسفي واضح و رؤية منهجية دقيقة ، فضلا عن امتلاك عدة علمية تجعل الجرأة على اقتحام موضوع في أهمية مقاصد الشريعة ؛ جرأة علمية مؤسسة على العلم الراشد.
ولا شك كذلك أن المؤلف ـ رحمه الله ـ بدل مجهودا علميا عظيما في مؤلفه ، وهو الذي أمدنا بالقول " ويعلم الله ماذا بذلت من جهد استخلاص فصول هذا الكتاب وجعلها قريبة من أذهان المعاصرين ، مستندا إلى أهم المصادر الإسلامية و الكتب العلمية الصحيحة ، مجتهدا كل الاجتهاد في فهم آراء المسلمين و التوفيق بينها، و توضيح مواطن الضعف في كتابات المعاصرين منهم ، ومتتبعا ما أسميته بالإسرائيليات الجديدة ، أي الأفكار المتسربة من غيرنا عن طريق الاستعمار الروحي الذي هو آفتنا في هذا العصر" .
إلا أن علال الفاسي ـ رحمه الله ـ تناوله لموضوع كتابه " لم يكن بالشكل الذي سار عليه الشاطبي في جزء المقاصد ، أو ابن عاشور في كتابه الانف الذكر ، ـ رحمهم الله جميعا ـ وإنما تميز تحليله بعرض الشبهات التي أثيرت وتثار حول بعض مناحي الشريعة ، خصوصا من قبل أولئك الدين تشبعوا بالأفكار الغربية " .
ولذلك أشار الفاسي ـ رحمه الله ـ في المقدمة إلى أنه " عرض إلى أصول الشرعة ( وهي الطريقة التي تناول بها موضوع كتابه ) فتناولها من جهة المقاصد أكثر مما تناولها من جهة العلة " .
الغاية التي كتب علال الفاسي من أجلها كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها:
لقد كتب علال الفاسي ـ رحمه الله ـ كتابه "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" لبيان صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان وتفوقها على كل قانون وردا على دعاة التغريب ، فالرجل كما تشهد بذلك بعض عبارات الكتاب ، كان يواجه تيارًا قويًّا يدعو إلى التخلي عن الشريعة ، والإقبال على الغرب بعلومه وفلسفاته ، لنتقدم كما تقدموا ، ونتحضر كما تحضروا ، فكانت صرخته عبارة عن كتاب سماه "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" في محاولة إلى ردهم إلى صوابهم ، وتبصيرهم بمحاسن شريعتهم. وهذا لهو من أهم أهداف مقاصد الشريعة .
تساءل الدكتور أحمد بوعود عن إمكانية القول إن العلامة علال الفاسي ـ رحمه الله ـ كتب مقاصد الشريعة ليواجه تيار التغريب الذي بدأ يفد على المغرب أواخر الخمسينيات وبداية الستينات ؟ . ثم أجاب عن السؤال بقوله : " إن الجواب بالإيجاب هو الذي تؤكده صفحات الكتاب في مختلف فقراته ، حيث لم يغفل عن عرض الأراء المخالفة للإسلام ولنظام الإسلام ، مستعرضا أراء أعداء الإسلام الدين يملكون رؤى منصفة لنظام الإسلام ، ليختم كتابه بصرخة بها حرقة كبرى يوجهها إلى أبناء بلده ودينه " .
وصفوة القول ، لم يكتب علال الفاسي ـ رحمه الله ـ كتابه "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" متوجها به إلى أهل الاجتهاد خاصة ؛ بل كتبه متوجها به إلى النخبة المغربة التي تلقت تعليمها في الخارج ، وتلقفت ما ينتجه الغرب ، و تشبعت بالأفكار الغربية المتسربة عن طريق الاستعمار الروحي الذي هو افتنا في هدا العصر على حد تعبير علال الفاسي .
وإذا كان العلامة علال الفاسي ـ رحمة الله عليه ـ قد أسهم في نقل الفكر المقاصدي من علياء التنظير الأصولي إلى واقع التوظيف العملي كما صرح بدلك الدكتور إسماعيل الحسني ، وقد ساعده على دلك جملة من العوامل (وقد سبقت الإشارة إلى دلك انفا) ، فإن الدكتور أحمد بوعود قد تناول "مقاصد الشريعة من النظر إلى السلوك" ، منطلقا من رؤية مفادها أن الفكر المقاصدي يجب أن يبحث "عما يؤهل لسلوك مقاصدي يتوافق والتكليف الشرعي ، ويقترح خطة عملية للانتقال من النظر إلى السلوك ، يطبع العمل الإسلامي عامة ، وسلوك الأفراد خاصة ، ودلك ببيان أن الإنسان أمام مقصدين كبيرين لا ينفك أحدهما عن الاخر : مقصد عدلي أو استخلافي ، ومقصد إحساني " . في سبيل تقديم صورة لما ينبغي أن تكون عليه الحياة الإسلامية المعاصرة على هدي الوحيين .
ودلك لأن ؛ أغلب الكتابات في مقاصد الشريعة "جنحت إلى الكلام عن المقاصد باعتبارها أداة من أدوات الاجتهاد الفقهي ...وقل ما نجد الكلام عن المقاصد باعتبارها سلوكا ينبغي أن يطبع العمل الإسلامي" .
خصص الدكتور أحمد بوعود الفصل الثاني من كتابه الموسوم بـ "مقاصد الشريعة من النظر إلى السلوك" للحديث عن التكليف الشرعي والسلوك المقاصدي .
تناول في المبحث الأول ، مقاصد الشريعة بين العاجل والآجل ، فالأولى متمثلة في نيل السعادة الأخروية والقرب من الله عز وجل ، وهي لب ما رغب فيه الشرع الحنيف ، والثانية متمثلة في توافق الأعمال مع ضرورات الحياة الاجتماعية ، وهدا ما يحقق الاستخلاف ويساعد على تحقيق العبودية لله .
وتحدث في المبحث الثاني عن المقصد الشرعي من وضع الشريعة ، المتمثل في تحقيق غايتين أساسيتين هما :
ـ غاية عدلية أو استخلافية، ترمي إلى تكاليف تهتم أساسا بعلاقة الأفراد بعضهم مع بعض ، أو مع أجهزة الحكم ، قوامها العدل بجميع صوره ومجالاته وفك رقاب الناس من ظلم الطغاة .
ـ غاية إحسانية ، تقصد إليها تكاليف تهم بالأساس علاقة الإنسان بربه عز وجل ، تعينه هو أولا في مصيره وعاقبته .
وتطرق في المبحث الثالث إلى كون الأحكام الشرعية المختلفة ؛ تصب في تحقيق مقصدين للمكلف :
ـ مقصد عدلي : يتمثل في المساهمة في إقامة نظام اجتماعي إسلامي والمحافظة عليه (المشاركة في البناء الاستخلافي ).
ـ مقصد إحساني : يتجلى في نيل السعادة الأخروية والفوز برضى الله عز وجل .
وتأسيسا على ما سبق ، يخلص الدكتور أحمد بوعود إلى أن مقاصد الشريعة ، يجب أن تنتقل من كونها أداة للاجتهاد يمتلكها العلماء والمجتهدون ، إلى سلوك يطبع تصرفات كل متدين يصبو نحو غايتين :
الأولى إحسانية : تكمن في تمتين الصلة بالخالق عز وجل من أجل رضاه .
الثانية عدلية : تبرز في المشاركة الجماعية في البناء الاستخلافي الذي ندب إليه الإنسان بتكليف الشرع .
خاتمة :
وتأسيسا على ما سبق ، يتضح أن الفكر المقاصدي عند العلامة والأستاذ علال الفاسي ـ رحمه الله ـ مبني على اجتهاد واع بمتطلّبات العصر وحاجاته ، وبفهم جديد ومتجدد يستوعب أحداث العصر المتسارعة ، ويستظل بمظلة الشريعة ونصوصها ، ويأخذ بعين الاعتبار المقاصد التي رمى إليها الشارع من وراء أحكامه ؛ لأن أحكام الشريعة الإسلامية معللة كلُّها ما عدا التعبدي منها يقول الفاسي : "إن الله لا يفعل إلاّ ما تقتضيه الحكمة المودعة في نواميسه الكونية التي جعلها هو على ما هي ما عليه."
وما يميزه فكر الفاسي المقاصدي ـ أيضا ـ دعوته إلى إحياء العقيدة وإعادة دور الاجتهاد ذلك "أن الفكر الديني في الإسلام معناه الحرية الكاملة" ، معتبرا خصوصية المجتمعات الإسلامية (والمجتمع المغربي بصورة خاصة) ذات طبيعة دينية بالأساس ، فلا سبيل لقيامها إلا ببعث ديني يطور الفهم ويحقق معاني العقل والحرية والعدل .
وأختم الكلام بقول الفقيه المقاصدي الدكتور أحمد الريسوني في حق الفاسي ، يقول الريسوني : "إن علال الفاسي كان عالما مجددا في كل شيء ، فكره وحياته وسيرته ومؤلفاته كلها مطبوعة بطابع التجديد" ، مؤكدا أن الرجل يعد أحد علمي الفكر المقاصدي المعاصر ، إلى جانب الطاهر ابن عاشور.
هدا وإن الدكتور أحمد بوعود قد أسهم إسهاما واضحا في بناء صرح الفكر المقاصدي والانتقال به من النظر إلى السلوك ، سلوك يتوافق والتكليف الشرعي ؛ لأن المقاصد ينبغي أن تصبح سلوكا عاما في الفكر الإسلامي ، وفي العمل الإسلامي المعاصر ، وما يعانيه العمل الإسلامي اليوم إلا من غياب المقصد من توجهاته .
وحسبنا أن الدكتور أحمد بوعود ، فتح بابا للمختصين والمهتمين والباحثين إلى خوض غمار البحث والدراسة في مقاصد الشريعة الإسلامية ، للانتقال بمقاصد الشريعة من مجال النظر و التنظير إلى مجال العمل والسلوك المقاصدي ، "في سبيل تقديم صورة لما ينبغي أن تكون عليه الحياة الإسلامية المعاصرة على هدي الوحيين" . وعلى الله قصد السبيل .
بقلم : الأستاد أنوار العبوري.
لائحة المصادر والمراجع المعتمدة :
ـ "مقاصد الشريعة الإسلامية" ، محمد الطاهر بن عاشور ، تحقيق محمد الحبيب بن الخوجة ، الشركة التونسية للنشر والتوزيع ، تونس ، ط : 3 ، 1985 م .
ـ "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" ، علال الفاسي ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ط : 5 ، 1993 م .
ـ "مدخل إلى مقاصد الشريعة" ، أحمد الريسوني ، مطبعة التوفيق ، الرباط ، ط : 2 ، 1997 م .
ـ " مقاصد الشريعة ، من النظر إلى السلوك" ، أحمد بوعود ، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ، ط : 1 ، 2011 م .
ـ "الاجتهاد والتجديد في الفكر المقاصدي، دراسة في إمكانات التفعيل " للباحث يوسف عطية ، دار الطليعة ، بيروت ، ط : 1 ، 2014 م .