الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

فن الكلام الصادق (بين الملل والإثارة) بقلم بكر أبوبكر

تاريخ النشر : 2018-11-19
فن الكلام الصادق (بين الملل والإثارة) بقلم بكر أبوبكر
 خير من عرف جمهوره وعرف كيف يخاطبه كان الخالد ياسر عرفات رحمه الله، ولنا في خطاباته في المجلس الوطني الفلسطيني نماذجا عدة، كما لنا في خطاباته الجماهيرية فنا آخر يختلف عن خطاباته في المحافل الرسمية، وخاصة خطابه التاريخي في الأمم المتحدة عام 1974 خطاب البندقية وغصن الزيتون.
عرفات والجمهور نموذج فذ إلا اننا سنضرب هنا مثالا آخر على عميق فهمه للجمهور والتوقيت، منذ بداياته اي عندما كان طالبا في جامعة القاهرة.
 انعقد في العام ١٩٥١ مؤتمر ضخم بجامعة القاهرة ضد الاستعمار البريطاني في مصر حضرته الأحزاب وحركات التحرر والقوى السياسية المصرية والعربية والافريقية والاسلامية، وممثلون عن الطلاب فكيف لمثل الطالب العملاق ياسر عرفات الا يكون في هذا المؤتمر.
جرى تحديد قائمة المتحدثين أمام الاجتماع، وجُدولت مواقيت إلقاء كلماتهم ولكن عرفات اكتشف وجود نقص في هذه القائمة حيث لا يوجد تمثيل لفلسطين، كما لايوجد متحدث باسمها وباسم شعبها،فأمسك بأخيه فتحي وانطلقا من فورهما معا، يخترقان الحشد المتزاحم حتى وصلا منظمي المؤتمر.
 فتحدث ياسر اليهم سائلا:"وماذا بشأن فلسطين أين كلمتها"؟ وعقب مناقشة قصيرة وافقوا على ادراج اسمه ضمن قائمة المتحدثين.
قُدّم ياسر عرفات بوصفه رئيسا لرابطة الطلبة الفلسطينيين، ممثلا فلسطين، فأسرع نحو المنصة. وفي لحظة خاطفة مد يده الى جيبه واخرج مسدسا راح يشهره في الجمع.
خيّم الصمت على المكان حتى اخترقته كلمات ياسر الذي شرع يتكلم محدقا في بحر الطلاب الماثل أمامه مباشرة:
"لا وقت للكلام أيها الزملاء، لا وقت للكلام، ولندع الرصاص يتكلم"
وأطلق من مسدسه طلقة تصاعد أزيزها في الهواء
 ثم أعلن:"هذه هي كلمة فلسطين"
وما كان هذا المشهد الا مولد تيار كهربائي سرت حرارته في صفوف الحشد، فاندفع الطلاب في نوبة هياج يهتفون بصوت انشادي موحد :
"فلسطين فلسطين"
 كان ياسر عرفات هو الشخص الأبرز في ساحة الاجتماع،وبعدئذ،صار هو الأكثر شهرة في محيط الجامعة، فاتبع عديد من الطلاب خطاه مرددين كلماته:
"لاوقت للكلام،ولندع الرصاص يتكلم".[1]
من الملل الى الإثارة
استدعينا محاضرا في التاريخ ليتحدث عن بني اسرائيل القبيلة العربية اليمنية المنقرضة، والصلة الموهومة والخرافية لمحتلي بلادنا اليوم من اليهود من أصقاع العالم بأرض فلسطين، وتحقيق الربط بين القبيلة المنقرضة التي لا صلة لها جينيا او قوميا او بالدم بيهود العالم اليوم أو بمدعي الاسرائيلية الجديدة، يحتاج اثبات تاريخي وعلمي وآثاري.
        وكان الجمهور يظن أن الملالة (من الملل) هي السمة للمحاضرة والمحاضر فالتاريخ ممل، ولكنهم لم يعلموا أن التاريخ أيضا ممتع! وأنت من يجعله ذو ملالة او ذو جاذبية فاختر ما تشاء، إما أن تكسب الجمهور او تخسره.
        كان من المحاضر المتمكن بعد أن رحب بالجمهور أن قسمهم الى قبائل! وتحدث عن كل قبيلة طالبا من القبائل العربية الاخرى جمع سلبياتها وايجابياتها مما سيقوله (قبيلة الفلستيين "الفلسطينيين"، قبيلة بني اسرائيل، قبيلة اللخميين، قبيلة الكُنانيين "الكنعانيين"...الخ)، فأثار الحضور وامتلأت محاضرته بالأمثلة والقصص، وخرافات التوراة، مفرّقا بين الحقائق التاريخية المتكشفة، وخرافات التوراة رغم جمالية سردها وتكرارها في المأثور العربي والاسلامي إلا أن المحاضرة التي امتلأت بالقصصص والمقارنات والتناقضات بين الروايات ودحضها أو اثباتها والمتشابهات وآلية التحفيز بالتقسيم للجمهور ليشترك معه بالمحاضرة قد أفشلت توقعات الملل.
        وكانت محاضرة ضجّت بالحياة رغم كم الاساطير التوراتية والخرافات، الا انه فن الحديث الذي جعل من طلاب الدورة يرجونني مرارا وتكرارا أن أستضيف مثل هذا المحاضر الفذ متمنين الالتقاء بالمفكر العربي فاضل الربيعي أو فرج الله صالح ديب أو احمد الدبش، أو العبد الفقير، ممن أشار لهم المحاضر مرارا في سياق التثبيت أو الدحض.
حصر الافكار والقصص
يعتبر خالد الحسن من الشخصيات الهامة في الثورة الفلسطينية فهو المفكر الذي لا يشق له غبار، إذ كان متحدثا عميقا وحين يتحدث يكون التجريد والنظري طاغٍ على حديثه، فكان يلطّف النظريات والفكر العميق بكثير من الأمثلة العربية والأمثال الشعبية والقصص[2] والتشبيهات،[3] ومدعما طروحاته بالوثائق والارقام حيث لزم، وهو الى ذلك كان يحصر وقته بعنوان المحاضرة اوالكلمة، ولا يعطي مواعيدا لأي كان، عدا عن انضباطه الحديدي بوقت المحاضرة بل قبلها إذ كان يأتي مبكرا بدرجة لافتة لم تشابه غيره من قيادات الثورة التي ترى في التأخير وكأنه علامة فخامة أو نظرة إعجاب يحاولون اقتناصها من بين العيون المحملقة.
كان خالد الحسن كما يقال في فن الحديث: "كن كما أنت، طبيعيا بلا تكلف"، فكان نموذجا يحتذى كما كان أخيه هاني الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الذي استوى على عرش الكلمة فاستخدم بطاقة "قطار الأفكار" من مقدمة فمتن أو نص فخاتمة.
 ولم يملّ -وممكن ان نقول لم يملّا- أن يدبج كل خطاباته بالآيات القرآنية ذات الصلة، وبالقصص التي كان أشهرها ما علق بأذهاننا قصة السد الذي يحصر الماء، وهو القوة الجماهيرية الدافقة، وقصة العصفور والثعبان الأثيرة لديه عن إرادة المقاومة.
وهي مما نسميه بفن الحديث والقاء الكلمة: اترك شيئا بالختام ليعلق بذهن الجمهور فالخاتمة فن يجب إجادته كما المقدمة.
من تأثير القصة
وفي معرض الحديث عن تأثير القصة خاصة متى اتسمت بالواقعية والمصداقية والشفافية فإنها تكون أوقع من محاضرة او تقرير.
يذكر الكاتب السوري المعارض للنظام ميشيل كيلو[4] أنه كان مسجونا لدى نظام الأسد في سوريا فرع التحقيق العسكري، فتعرف عليه أحد السجانين، واهتم به فاخذ يسرب له بعض الأدوات مثل مقص أظافر، ثم تفاحة وكلها من المحظورات؟!
وجاء السجان اليه في يوم مساء وتسلل معه الى زنزانة بعيدة 40 مترا.
وقال له بتحدٍ : ادخل هذه الزنزانة، واحكِ قصة للطفل الذي فيها؟
قال دخلت فإذ بشابة بالعشرينات متكورة على ذاتها خافت عندما شاهدتني.
قلت لها: يا ابنتي مطلوب مني احك قصة لابنك
تلعثمت ولم تدري ما تقول.
كان بقربها طفل بعمر 5 سنوات بوجه منتفخ لم يرى الشمس
قعدت قرب الطفل لأحكي له قصة.

 
فقلت له ما يقال للاطفال: كان في عصفور
قال: ماذا يعني عصفور؟
ارتبكت وذهلت فلم أفهم. فقلت له: العصفور الذي يطير ويعيش على الشجرة
قال:وما هي الشجرة؟
 وأحسست بالورطة وبمعنى الحرية، وشدة الظلم، فلم أعلم ماذا أقول له، فغنيت له "ماما زمنها جاية" وأغنية (ريما الحندقة)[5]
دققت على الباب وقلت للسجان -الذي تحداني أن استطيع قول قصة للطفل وفاز بالتحدي-: برجاء اخرجني سأختنقك.
قال: ألم تحكِ له قصه؟
قلت له: ألم يخرج من السجن بحياته؟
قال: أبدا، فهو ولد هنا و لم يرى لا الشمس ولا الهواء ولا الطاولة ولا العصفور
وعندما سألته عن الام.
قال سجنت رهينة عن أبوها واغتصبت بالسجن وهذا ابنها.
قلت هذه القصة في مؤتمر لحقوق الانسان في جنيف بحضور 400 كلهم بدأوا يبكون، وذلك في معرض تعداد جرائم النظام السوري بحق شعبه منذ الحاكم الاب وحتى اليوم.
القصص القرآني
وفي هذه النقطة من المهم أن نتعرض لمدى أهمية القصص والامثال، بمثال القصص القرآني وكيف لها من التاثير على الجمهور خاصة ما كانت تشتمل على حكمة او عظة وبقالب جميل هو الاعجاز المتمثل بالأساليب الفنية الجمالية في القرآن الكريم
يقول الكاتب عبدالله بوغيث أن : كلمة القصص جمع مفردها قصة، والقصة في لغة العرب هي الأخبار المروية والأنباء المحكية، وقد سمى القرآن الكريم ما حدثنا به من أنباء الغابرين قصصاً، قال الله تعالى: (( كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ )) سورة طه: آية 99، وقال تعالى: (( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ )) سورة هود: آية: 100
ويضيف عبدالله بوغيث أن قصص القرآن وصحيح السنة هي حق كله وصدق كله، فهو يحكي أخباراً وقعت لا زيادة فيها ولا نقصان، قال الله تعالى: (( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبأهم بالحق)) سورة الكهف آية: 13، وقال تعالى: (( إن هذا لهو القصص الحق )) سورة آل عمران آية: 62، ومتى أيقن العباد أن ما يتلى عليهم من قصص القرآن وما بلغهم من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم كله حق وصدق فإنه له أثر عظيم في تقويم نفوسهم وتهذيب طباعهم وأخذهم العبر والعظات من هذه القصص.
ويضيف: وقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يقص على الناس ما يعلمه من القصص، قال تعالى: (( فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )) سورة الأعراف آية: 176، ولقد كان الرسل والدعاة يأخذون العظة من قصص السابقين، ولا تزال قصص القرآن والسنة زاداً تروي النفوس وتثبت القلوب، قال تعالى: (( وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ )) سورة هود آية:120، إن القصص القرآنية والحديثة تمثل الصورة الواقعية والعملية التي ترسم التعاليم القرآنية في مشاهد نابضة بالحياة، وكثير من الناس يرون الحق من خلال الواقع العملي أكثر مما يعرفونه من خلال التعاليم المجردة، ولذا فإن المستقيم من البشر قد يؤثر مسلكه في الناس أكثر مما تؤثر أقواله فيهم.[6]
ويذكر باسم وحيد الدين علي في مقالته: أن قصص القرآن مختارة ومتنوعة، ففي كل قصة وموعظة منه خصوصية وتمايز لا تشبه سواها، لأن القصة ليست الغاية بل الموضوع هو الأهم ليكشف ميول النفوس، وأمراض المجتمعات، وأنواع المعاصي، وسمات أصحاب الإرادات العظيمة والنفوس الكبيرة، فيكون بعض الناس عبرة لمن يعتبر ويكون البعض الآخر القدوة والأسوة.[7]
الهوامش
[1] -نانسي دوبرو، ترجمة د.عبدالرحمان بسيسو ، ياسر عرفات متى لم يكن هنا،مؤسسة ياسر عرفات،رام الله ٢٠١٦ ص ٩٢
 [2] القصة - لكي تأخذ شكلها الأدبي – يجب أن تتكون من العناصر التالية: الحادثة؛ أي: موضوع القصة، ثم الشخصية، ثم العقدة والتنوير والحل، مع وحدة الزمان والمكان، والمغزى من القصة.
[3] في لقاء جمعنا مع سميح ابوكويك (قدري) عضو مركزية فتح قبل أن ينشق على حركة فتح عام 1938 استخدم تشبيها جميلا رسخ بالذاكرة، إذ قال لنا ونحن طلاب في إطار الحث: انه من المتوجب على كل عضو حركي أن يفصّل قميصا بجيبين الاول يضع فيه البرنامج السياسي والثاني يضع فيه النظام الأساسي (القانون/النظام الداخلي) للحركة.
[4]ولد الكاتب والمحلل السياسي والمترجم ميشيل كيلو في مدينة اللاذقية عام 1940 ،وعمل في وزارة الثقافة والإرشاد القومي. يشغل ميشيل كيلو منصب رئيس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، وهو ناشط في لجان إحياء المجتمع المدني وأحد المشاركين في صياغة إعلان دمشق، وعضو سابق في الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي، ومحلل سياسي وكاتب ومترجم وعضو في اتحاد الصحفيين السوريين.ترجم كيلو بعضاً من كتب الفكر السياسي إلى العربية منها كتاب "الإمبريالية وإعادة الإنتاج" و"كتاب الدار الكبيرة"، و"لغة السياسة" و"كذلك الوعي الاجتماعي".
[5]كلمة (الحندقة) فكانت مستعملة في ترقيص أهل الشام لأطفالهم قبل أغنية فيروز، وربما يعود ذلك إلى ما قبل الإسلام بمدة طويلة. فقد وردت في الحديث النبوي كلمات، لا يبعد أن تكون أصلا لها، كالحُزُقَّة والحُبُقّة. ومنه الحديث: (أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يُرقِّص الحسين ويقول: حُزُقَّة حزقة، ترَقَّ عين بقة)-عن الكاتب زهير ظاظا في موقع الوراق
[6] عبدالله مساعد بوغيث، مقال: أهمية القصص في القرآن والسنة،موقع صحيفة الرأي الكويتية، 11 يونيو 2015
[7] من مقال باسم وحيد الدين علي حول الاعجاز القصصي في القرآن الكريم في موقع اعجاز، ويمكن الرجوع لكتاب التصوير الفني لسيد قطب.
بكر أبوبكر
كاتب وأديب عربي فلسطيني
في الفكر والدراسات العربية والاسلامية
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف