الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

خرير.. بقلم: فهيمة الشريف

تاريخ النشر : 2018-10-31
خرير...

بقلم: فهيمة الشريف

في كوخنا المصمم بالصفيح كنا نجلس إلى الكانون في حلقة متلاصقين، ندفئ أجسامنا الهزيلة والمشتاقة لحنان الثياب الكثيفة المشبعة بالصوف، فالنار وحدها لا تكفي ولا الحنان الأسري يغني تلك الجلود المقشعرة.
الشتاء لا يرحم يا سادتي عندما يأتي، نحن الفقراء لا نملك شيئا حيال برده وهبوب ريحه الذي يسكن العظام دون استئذان.
تبهجنا رؤية الغيث وهو يهطل لكن يحزننا أنه ليس باستطاعتنا مقاومة سيوله الجارفة.
كوخنا الصفيحي لا يختلف عن باقي الأكواخ في القرية، واسع، هرمي الشكل في أعلاه، فقير في محتواه، ماذا تتوقع أن يمتلك ذوي الفاقة من متع الحياة في مساكنهم المهترئة؟.
لا تجعل خيالك يأخذك بعيدا هي أشياء بسيطة امتن بها أصحاب الخير على هؤلاء كــلحف مرقعة وخرقها أكثر من ترقيعها، أواني ألمونيوم غير مستوية القعر، قطع صغيرة من النشاف حظيت الفئران بنصيب كبير منها قبل أن تصبح مملوكة لهم، رقعة غبية الشكل قبيحة المنظر مددت على الأرضية الإسمنتية المُحفّرة في أجزاء منها وزلطها الظاهر تم استغلاله في تسليتهم بدل التلفاز، قدر أسود مخلوع الأذنين يتوسد الأثافي منتظرا نضج الحساء وأحيانا يستقيل من عمله لأيام متقطعة وربما متتالية، كانون متوسط الحجم جاءهم عطية من أحدهم هذا العام.

الشتاء المنقضي كنا نجمع الأعواد ونضعها في حفرة في ركن الكوخ ثم نشعل فيها النار ونجلس حولها ونطعمها كلما أنذرت بالخبو حتى نشعر بالدفء وهيهات نشعر به في هذا المربع القاسي المانح للبرودة.
أما هذا الشتاء صرنا أكثر تحضرا مع الكانون مع أننا لم نتخل عن الحفرة ونارها فلعلنا نصبح أكثر دفئا وآمانا فالنار في بعض الأوقات تشعرنا بالأمان!.

قبل حلول المساء كانت السماء تبشر بغيم ماطر هذه الليلة، كنا مستعدين لهذه البشارة المفرحة فعسى أن يكون في حبات الماء ما يغير مجرى حياتنا الروتيني الكئيب!.

كل شيء جاهز.. الأعواد والحفرة تحتضن اللهب والكانون مليء بالجمر.. الثقوب في الأسطح سُدّت، لن نسمح بتسلل المياه إلينا ككل شتاء.. حساء الخبيزة كالعادة فوق النار يغلي...

صفير الريح وهو يتسوّر الكوخ بالخارج يبعث فينا الرعب لولا أننا نتدارك ذلك بالحديث والقصص الممتعة الموروثة عن الأجداد.. البرق يلمع في علب الصفيح ونرى في وجوه بعضنا لمعانه الباهر، البرق يكشف لنا مزايا أنفسنا وتلونها، أسرار تبرز تلقائيا فور النظر للعيون الخائفة. سياطه الصارع للجدران المصفحة يحدث شرارات تبكي روحه وتجرح صدأه نازفا بذا جمرا باردا على الأجساد.

الرعد لا يتمهل في تركنا نتنفس راحة، هو أيضا يدفعنا لمزيد من الالتصاق ببعضنا لكأننا كومة لحم واحدة لها أذرع وأيدي وأرجل ورؤوس كثيرة.. قعقعاته المتلاحقة أشبه بمدفعية تدك الحصون!. كنا نترقب سقوط الكوخ علينا في أي قعقعة تالية، لو تهدم سنصبح في العراء.. بل لن نكون أصلا!.

البرق والرعد يتبادلان الصولات والجولات والغيث غائب في غيمه الداكن كقلب بعير يكظم غيظه. النار جائعة والحطب نفذ، الجمر بدأ بالانطفاء والصقيع يزحف على كل شيء، يجعلنا نرتعش كازين على أسناننا محاولين توقيف اصطكاكها.. لسنا وحدنا من يصطك ويرتجف.. الحوائط والسقف والأرضية والأشجار والجمر المطفأ وحساء الخبيزة المتبقي في القدر وزلط التسلية يتدحرج بعيدا.
ما أقسى الشتاء مع العوز يا سيدي!.
الفعل الوحيد الذي أشارت به الوالدة علينا هو أن نتكور على أنفسنا على الرقعة البالية ونتغطى باللحف البائدة الأقل من عددنا ولكن كل واحد يجذبها إليه أكثر ليتقي البرد الشديد - ليحلم كل فرد بحلمه الجميل ويحس خلاله بالحرارة!.
لعل في أحلامنا ما ينسينا هذا الجو المثلج.
كنت أحلم بيوم مشمس ولطيف وأنا أفتح باب الكوخ مستقبلة الصباح الرقيق فأفاجأ بعصفور يسقط أمامي، أُمسكه في حنو وأعرف أن جناحه مكسور فاعتني به وأُشربه الحنان وأُنسيه الحرمان حتى يتعافى ويعود لعشه.

وجدت مدامعي تتدفق وسؤال يغرقني وقد تلاشى ارتجافي.. لماذا الفقراء لا يتم انتشالهم من حياتهم المقذعة؟!. بماذا تختلفون عنهم ببشريتكم أو بسلوككم؟.

المطر ينهمر بقوة وغزارة. حباته الكبيرة تتسرب من الثقوب فقد نجحت في الاختراق، لقد أمسينا نرقد فوق بركة وأضحى الصفيح طوّافة!.
العجيب في الأمر الذي شد انتباهنا تلك المعزوفة المنقطعة النظير وهي تسري في الصدور كسريانها في السواقي الحجرية وعلى المعدن الصلب ناقرة بدعابة خفيفة ألم الحياة فينا...

* قاصة من ليبيا
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف