الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ترقية بقلم:علي فايز الحاج

تاريخ النشر : 2018-10-28
ترقية 
استيقظ مرغماً بعد أن تقلب في فراشه عشرات المرات وتمطى عشرات ايضاً , كانت هذه الليلة العاشرة التي لم ينم فيها منذ أن سمع أن تغييراً إداريا سوف يجري في شركته التي يعمل بها منذ 15 عاماً قدم فيها كل ما يمكن للإنسان أن يقدمه حتى أنه لم يستطع الارتباط بمرأة لأكثر من شهرين , فأي امرأة ترتبط به كانت تفر مسرعة بعد حديثه الممل عن العمل وما حصل مع زميل له هنا ومع زميلة له هناك .
هذا الارق الذي جاءه فجأة عائدٌ الى إشاعةٍ قالها أحد زملائه لم يعرف إن كان يقولها بقصد طمأنته أم أنه قالها بقصد المشاكسة , لقد قال أنه الاوفر حظاً ليتقلد منصب نائب المدير , المنصب الذي حلم به وعمل أكثر من أي موظفٍ للحصول عليه . 
خرج من الغرفة وتوجه نحو المطبخ لشرب كأس من الماء , لم يكن يعاني من الارق في حياته السابقة كان ينام كطفل وكانت حياته الرتيبة تلك تؤمن له استقراراً نفسياً , كان قد وصل الى قناعة بأن الحظ لن يحالفه في أي ترقية وبأنه سيبقى موظفاً صغيرا حتى خروجه على التقاعد ولكن هذه الاشاعة التي انتشرت بين الموظفين عن التغيير الاداري المرتقب والحديث عن حظوظه في المنصب جعلت النوم يطير من عينيه وتفقده السكون الجميل ذاك . بعد أن عدل عن شرب الماء أراد إعداد فنجان من القهوة كان قد قطع أمله بالنوم ولأن الصباح قد اقترب فقد آثر تنشيط دماغه على إراحته . كان يمسك بالملعقة وهو يحرك القهوة ويفكر في نفسه : ماذا سيقول لو أصبح مديراً ؟ ماذا سوف يفعل ؟ هل ستتغير علاقته بزملائه؟ هل سوف تهتم به زميلته الحسناء تلك التي لم يجرؤ على الحديث معها ظناً منه بأنها لن ترضى الخروج معه وهو موظف صغير . 
_ سترضى الآن وأنا نائب المدير , هذا مؤكد.
ابتسم وهو يستعيد في ذاكرته تفاصيل جسدها الممشوق وصدرها الممتلئ والشعر الاسود المسدل حتى منتصف الظهر وهو يتأرجح يمنة ويسرة بفعل حركتها الخفيفة , أراد تعريتها والاستمرار بحلم اليقظة اللذيذ ذاك لو لم يتنبه الى فوران القهوة فأطفأ الموقد وحمل قهوته الى أرض الدار .
كان بيته كبيراً من بيوت دمشق القديمة بنافورة في وسطه وحولها أشجار النارنج والبرتقال والورد الشامي المزروع أصص فخارية كانت والدته رحمها الله قد زرعتها عندما كان طفلاً صغيراً ووزعتها على أرض الدار وأمام الغرف . بشكل عام كان بيتاً جميلاً ولكن ذكريات الطفولة تمنعه من تذوق الجمال ذاك , فوالده لم يكن أباً عطوفاً رحيماً بل كان من أولئك الاباء الذين يعتقدون أنهم بضربهم أبنائهم سيصبحون رجالاً ناضجين قادرين على مواجهة الحياة .
جلس على كرسيه أمام نافورة الماء كما اعتاد كل صباح وبدأ يترشف قهوته بتلذذ وهو يحاول رسم حياة جديدة له بعد الترقية. 
_ أول شيء سأغير هذا البيت اللعين سأبيعه وأشتري غيره , سأبيع كل أثاثه وكل قطعه لن أبقي على شيء منه سآخذ ملابسي فقط ... نعم هذا ما سأفعل ....... هذا ما سأفعل . 
شرب من فنجانه شفة وأعاده وتجول بنظره في أرص الدار وتذكر تلك الايام التي كان والده فيها يجبره على تنظيفه مرات فأشاح بوجهه نحو شجرة النارنج ولكنه تذكر تلك المرة التي ربطه والده على غصنها الكبير وتركه معلقاً عليها ليومين بسبب حصوله على علامة سيئة في الامتحان . هز رأسه ونظر باتجاه السماء 
_ يا للطفولة الكئيبة ...... الله يسامحك يا أبي .
حمل فنجان قهوته وأراد الشرب ولكنه فوجئ بصفعة على رأسه من الخلف , التفت مذهولاً الى الوراء ولكنه تجمد في مكانه فقد كان يرى والده واقفاً بقنبازه وطربوشه المعروفين له جيداً .
_ الله يسامحني .... الله لا يسامحني على هالترباية على ما يبدو ما عرفت ربيك مليح .
اندفع الرجل نحو يد أبيه مقبلاً طالباً للسماح كما كان يفعل دائماً وهو صغير ولكنه اصطدم بالكرسي , نظر أمامه فلم يرى شيئاً ولكنه سمع صوت أمه من وراء ظهره يقول :
_ على مهلك يا رجال الولد ما غلط. 
كانت هي ... نعم هي والدته التي كانت تدافع عنه أمام والده الغاضب دائما الفارض هيبته على كل من في البيت بفعل عوامل الدين والمجتمع .
ركض الرجل نحو والدته واختبئ خلفها بينما تابع والده :
_ هذا الولد لا ينفع لشيء لابد من تأديبه 
وترد أمه كعادتها أيام زمان : 
_ حرام عليك الولد عمل كل جهده........ حرام عليك 
كان الرجل خلف والدته يتحامى بها من ضربات موجعة كان والده قد عاجله بها من خيزرانته الطويلة التي لم تكن تفارقه كحال كل قبضايات الشام . كان هذا الوالد الهرقلي الجسم معروفاً بقسوته وجبروته حتى على المقربين منه وولده هذا الرجل القابع خلف والدته يعرف هذا جيداً , فلم يكن يمض شهر أو اسبوع الا وقد كان والده يضربه ضرباً مبرحاً على أسفل قدميه لأقل خطأ ما وعندما يسأل هذا الوالد عن سبب قيامه بهذا الامر كان يجاوب جوابه المعروف :
_ الضرب بيعمل من الخروق رجال .
بالرغم من كون والديه متوفيان منذ زمن وكل ما كان يراه هذا الرجل مجرد خيال وسراب ولده عقل مضطرب ودماغ تعب من قلة النوم الا أن الضربات كانت تؤلمه كما كانت تفعل دوماً, ولما فشلت والدته في حمايته هرب الى الغرفة وأقفل الباب وجلس على أرضها مقهوراً , كان لايزال يسمع والده من الخارج يقول:
_ هذا الولد فاشل لا ينفع لشيء 
ووالدته تصرخ ايضاً:
_ حرام عليك ..... والله حرام 
نهض الرجل ونظر الى الباب بعينين حمراوين وصرخ بأعلى صوته :
_ لست فاشلاً 
_ انا نائب المدير .... هل سمعتني ... انا نائب المدير 
أحس بالارتياح بعد أن أفرغ مخزون الغضب من صدره, شعر وكأن المنصب قد أصبح له فعلاً وأنه بذلك قد انتصر على والده أخيراً و بإمكانه الآن أن ينام ولكن صوتاً مألوفا سمعه يقول :
_ من قال هذا؟ هل صدقت حقاً؟ أنت مجرد موظف صغير .
التفت الى الوراء حيث مرآته التركية الكبيرة التي ورثها عن والدته فهاله ما رأى .... رأى والده ولكن لم يكن هو كان هو بلباس والده ....
خرج من المرآة واقترب قليلاً من نفسه وقال:
_ كانوا يهزؤون منك وانت تعلم هذا .
_ لا .. لا ... أنا نائب المدير الجديد أنت لا تعرف شيئاً 
_ لا لست أنت ... أنت لا تصلح لهذا 
_ اخرس قلت لك اخرس 
_ أنت لا تصلح لتكون مديراً أنت فاشل 
_ اخرس 
_ انت فاشل 
_ اخرس .... اخرس ... اخرس ... اخراااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااس
كان الرجل قد انشطر نصفين الاول متكور خائف في الزاوية والثاني يقف ضاحكاً هازئاً 
_ قلت لك أنت مجرد موظف صغير في هذه المؤسسة لما لا تصدقني . قم ونم ودع عنك عناء التفكير فلن تحصل على شيء .
نظر الرجل الى نفسه وأصبح أمامه . كان وجهه أصفراً وعينيه حمراوين وشعره مشعثاً , وقف وفتح جاروراً من الكمودينة بالقرب منه وأخرج مسدس جده الفرنسي وأطلق النار باتجاه الرجل الضاحك أمامه وصرخ بصوت أراده قوياً أقوى من أي مرة صرخ بها .
_ لست فاشلاً ..... بم ...... انا نائب المدير .....بم .... الا تفهم هذا .... بم .... انا نائب المدير... بم 
نظر الرجل بارتياح الى بركة الدم التي تشكلت حول جثة الرجل الضاحك , ولكنه شعر فجأة بالتعب وأحس بضيق في صدره , جلس على الارض وبدأ يلتقط أنفاسه , كان يتعذب في كل مرة يستنشق فيها الهواء وكأنه على قمة جبل افريست ... رأى والدته ...... زحف باتجاهها .... فتحت له ذراعيها وضمته 
قال لها :
_ ماما أنا بردان 
ضمته جيداً فوضع رأسه على صدرها وأغمض عينيه .
في الصباح وفي الساعة العاشرة تماما ً كان زملائه قد أقلقهم تأخره المفاجئ عن العمل , خاصة وهو الذي لم يتأخر أبداً ولكنهم عندما وصلوا الى البيت شاهدوا جمهرة من الناس أمام منزله وسيارات الشرطة تملأ المكان , اقترب أحدهم وسأل الضابط :
_ ما الذي حصل هنا ؟ 
_ حادثة انتحار .... الرجل أطلق على نفسه أربع رصاصات ومات .
_ مات !!!!!!!!
عاد الرجل الى أصدقائه مصدوماً وأخبرهم بذلك فلم يصدقوا ولما أخرجوه على حمالة الاسعاف نظروا الى بعضهم وتأسفوا .
_ يا للمسكين ...... لم يعش حتى يرى نفسه مديراً 
_ من كان يدري أن اليوم الذي سيموت فيه هو اليوم الذي سوف يصبح فيه مديراً علينا 
_ والآن ... ماذا سنفعل ؟
_ سنعود ماذا غير ذلك.
وعندما غادروا غادرت خلفهم سيارة الاسعاف وهي تحمل الرجل الذي ولد ومات وهو لم يحقق شيئاً في حياته . 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف