تباريح الزمن الأغبر
"قصة قصيرة" محمد نصار
لم يكن صبحا باهتا كتلك الصباحات التي تزورنا عند كل شروق، كان متخما بالحكايا والنوادر وشيئا من ضحك يشبه البكاء إلى حد كبير.
ولدي الذي جاء حاملا الخبر، جعلني أشعر باضطراب امتزجت فيه مشاعري، على نحو لم أعد قادرا معه على التعبير عنها بالضحك أم بالبكاء.
صوت الجلبة التي حدثت في الشارع، بفعل صافرات عرباتهم التي انتشرت فيه فجأة، دفع بالصبية والفضوليين إلى التجمهر ببابنا ودفعني أيضا إلى النظر من الشرفة المطلة على الشارع، فأثار حفيظتي ذلك الانتشار الكثيف لرجالها، وأثارني أكثر صوت الشيخ وهو يرعد بالوعيد والتهديد، ثم خروجه المدفوع قسرا بالعصي والرجال.
غادرت المكان وبداخلي غضب يتأجج، أشعلت سيجارة ورشفت من فنجاني الذي تركته قبل حين، ثم جلست صامتا وبي حمم تستعر و أسئلة تفتش عن إجابات.
مسكين.. ألا يكفيه ما به من خبل !. قالت زوجتي من بين دمعها المنساب على خدها، فتركت المكان وعدت إلى الشرفة من جديد.
بدا الشارع خاليا بعدهم ، إلا من صبية راحوا يقلدون الشيخ في صراخه ووعيده بشكل هزلي بريء، فطاف بخاطري آخر لقاء جمعني به، اذ كنت يومها جالسا عند جاري البقال، أرتشف القهوة معه ونتجاذب أطراف الحديث، مر ساعتها بالمكان وما أن رآنا جالسين حتى عرج طالبا سيجارة، ناولته واحدة، فيما دعاه صاحبي إلى الجلوس، لبى دون تردد وأشار طالبا فنجان قهوة.
سأله صاحبي بشيء من الدعابة:قائلا: هل حقا تدعي النبوة يا شيخ كما يزعم البعض؟.
- نعم أنا أحمد النبي.، ثم مج نفسا عميقا من سيجارته، أتبعه رشفة من فنجان قهوته بتجلي يثير الدهشة و الفضول، فيما رحت أنظر إليه بإشفاق وأسى، إلى لحيته الكثة التي تخللها شيب كثيف رغم أنه لم يجتز عقده الرابع بعد... إلى ثيابه الرثة ووجهه الكالح من أثر الشمس والسعي في الطرقات، لحظات من الصمت والتأمل أخذتني وصاحبي في طياتها، جعلته ينظر إلينا بتفحص وكأنه يقول مستهجنا: ما الغريب في زعمي هذا؟.
- الله المستعان.، قال صاحبي بشيء من الحسرة و الأسى.
- لن يعينكم الله. رد قائلا.
- لماذا ؟.
- لأنكم خون ، كل أمانيكم أن يحل الواحد منكم مكان أخيه وأن يحوز ما في يده.
- لقد وقع القول ما دمنا في حضرة نبي.، قال صاحبي بشيء من الاستخفاف.
فنظر إليه بازدراء ورد قائلا: أنا أحمد النبي يا هذا.
- كل الاحترام يا سيدي.، رد صاحبي محاولا تلطيف الموقف
- وأنت ؟.
- ماذا ؟.
- ألا تحمده ؟
فبهت صاحبي وأصابني ذات الشيء، إذ راح كل منا يحدق في الآخر مأخوذا بما سمع، حالة لم يخرجنا منها سوى طلبه للفافة أخرى أشعلها ومضى.
لم يكن صبحا باهتا كتلك الصباحات التي تزورنا عند كل شروق، كان متخما بالحكايا والنوادر وشيئا من ضحك يشبه البكاء إلى حد كبير.
ولدي الذي جاء حاملا الخبر، جعلني أشعر باضطراب امتزجت فيه مشاعري، على نحو لم أعد قادرا معه على التعبير عنها بالضحك أم بالبكاء.
صوت الجلبة التي حدثت في الشارع، بفعل صافرات عرباتهم التي انتشرت فيه فجأة، دفع بالصبية والفضوليين إلى التجمهر ببابنا ودفعني أيضا إلى النظر من الشرفة المطلة على الشارع، فأثار حفيظتي ذلك الانتشار الكثيف لرجالها، وأثارني أكثر صوت الشيخ وهو يرعد بالوعيد والتهديد، ثم خروجه المدفوع قسرا بالعصي والرجال.
غادرت المكان وبداخلي غضب يتأجج، أشعلت سيجارة ورشفت من فنجاني الذي تركته قبل حين، ثم جلست صامتا وبي حمم تستعر و أسئلة تفتش عن إجابات.
مسكين.. ألا يكفيه ما به من خبل !. قالت زوجتي من بين دمعها المنساب على خدها، فتركت المكان وعدت إلى الشرفة من جديد.
بدا الشارع خاليا بعدهم ، إلا من صبية راحوا يقلدون الشيخ في صراخه ووعيده بشكل هزلي بريء، فطاف بخاطري آخر لقاء جمعني به، اذ كنت يومها جالسا عند جاري البقال، أرتشف القهوة معه ونتجاذب أطراف الحديث، مر ساعتها بالمكان وما أن رآنا جالسين حتى عرج طالبا سيجارة، ناولته واحدة، فيما دعاه صاحبي إلى الجلوس، لبى دون تردد وأشار طالبا فنجان قهوة.
سأله صاحبي بشيء من الدعابة:قائلا: هل حقا تدعي النبوة يا شيخ كما يزعم البعض؟.
- نعم أنا أحمد النبي.، ثم مج نفسا عميقا من سيجارته، أتبعه رشفة من فنجان قهوته بتجلي يثير الدهشة و الفضول، فيما رحت أنظر إليه بإشفاق وأسى، إلى لحيته الكثة التي تخللها شيب كثيف رغم أنه لم يجتز عقده الرابع بعد... إلى ثيابه الرثة ووجهه الكالح من أثر الشمس والسعي في الطرقات، لحظات من الصمت والتأمل أخذتني وصاحبي في طياتها، جعلته ينظر إلينا بتفحص وكأنه يقول مستهجنا: ما الغريب في زعمي هذا؟.
- الله المستعان.، قال صاحبي بشيء من الحسرة و الأسى.
- لن يعينكم الله. رد قائلا.
- لماذا ؟.
- لأنكم خون ، كل أمانيكم أن يحل الواحد منكم مكان أخيه وأن يحوز ما في يده.
- لقد وقع القول ما دمنا في حضرة نبي.، قال صاحبي بشيء من الاستخفاف.
فنظر إليه بازدراء ورد قائلا: أنا أحمد النبي يا هذا.
- كل الاحترام يا سيدي.، رد صاحبي محاولا تلطيف الموقف
- وأنت ؟.
- ماذا ؟.
- ألا تحمده ؟
فبهت صاحبي وأصابني ذات الشيء، إذ راح كل منا يحدق في الآخر مأخوذا بما سمع، حالة لم يخرجنا منها سوى طلبه للفافة أخرى أشعلها ومضى.