جمال خاشقجي وتحدي الإرادة الحرة
د. نزار بدران
مقتل جمال خاشقجي، الصحفي السعودي بقنصلية بلادة بإسطنبول، هو صفحة جديدة بالحرب التي تشُنها السعودية على حرية الكلمة مهما كانت مؤدبة. هذا ما حدث أيضاً ضد المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، وهو التعبير الاسمى حالياً للمجتمع المدني، الذي يحاول الولادة بالوطن العربي على إثر بدء الربيع العربي قبل بضع سنوات.
هذه الجريمة إذاً، ليست استثناء بالسياسة السعودية، هو الحال أيضا بالعديد من الدول العربية الأخرى. إخراس الكلمة الحرة، هو انعكاس هاجس الخوف الذي يسود الأوساط الاستبدادية، والتي تُدرك تماماً أن زمنها قد ولى، كما حدث بأماكن عديدة أخرى بالعالم.
الإرادة الحرة كما عرفها الفلاسفة أمثال إيمانيويل كانت بالقرن الثامن عشر، هو ما يمكن اعتباره الصبغة الإنسانية، وما يُميزها عن باقي عالم الكائنات الحية. امتلاك القدرة على التفكير والحكم المستقل، يجعل من الإنسان هدفاً لكل عمل، ومنعه عن ذلك واستبدال إمكانياته بالحكم المستقل والتفكير، بأفكار أخرى مفروضة عليه هو بالحقيقة مسخ للإنسان، وتحويله من موضع السمو والنهاية، إلى موقع الشيء والوسيلة، بمعنى آخر، منع الكلمة الحرة والتفكير المستقل، هو حيونة للإنسان، وإنهاء كامل لكل ما يمكن أن يُقدم للسمو بالإنسانية من تقدم علمي واجتماعي. لو تذكرنا التاريخ الإسلامي، لرأينا أن فترة الانفتاح والتقدم الحضاري، تزامنت مع فترة حرية العقل بالتفكير والإنتاج (زمن ابن سينا والفارابي وغيرهم)، حيث لم توضع قيود على الفكر، وانتقلت المعرفة عن طريق الترجمة من شعوب لشعوب أخرى، بينما تقوقع العرب والمسلمون عندما أغلقوا باب العقل الحر وفرضوا فكراً واحداً، وهو ما أوصلنا لما نحن عليه الآن ومنذ عشرة قرون.
حرية الكلمة والفكر، هي ليست بالنسبة لنا، ترفاً فكرياً أو تقليد للغرب، وإنما حاجة ماسة حتى نتمكن من استرجاع هويتنا الإنسانية، وحتى نتمكن من اللحاق بركب الشعوب، التي سبقتنا وتجاوزتنا، بينما نحن نتصدح بالتمجيد لأوهام فكرية لا تمس للعقل الإنساني بصلة.
الأنظمة العربية، كما أظهرته مأساة الصحفي الشهيد جمال خاشقجي، لا تريد لأحد أن يشُق عصا الطاعة العمياء، مُتلحفة بغطاء الدين أو الأفكار القادمة من الغيب، مُستهدفة تحويل أبناء الوطن، من أُناس لهم الحق بأن يكونوا هدف كل سياساتها، إلى وسيلة لتحقيق بقائهم بالحكم واستيلائهم الدائم على السلطة والثروة. هكذا أنظمة، لا يمكنها بالقرن الواحد والعشرين، البقاء طويلاً بعد أن أزاحت الشعوب الغشاء الذي غطى لمئات السنين أعين الناس بمعظم بقاع الأرض.
جمال خاشقجي، هو رمز لهذا التناقض، بين الحرية والظلم، بين الإرادة الحرة والاستعباد، وبين الإنسانية والهمجية. إن استطاع بموته، أن ينشر ولو قليلاً هذا الوعي بحاجة البشرالطبيعية، لحرية الإرادة، فإن مقتله لن يذهب هدراً.
كاتب عربي من باريس
د. نزار بدران
مقتل جمال خاشقجي، الصحفي السعودي بقنصلية بلادة بإسطنبول، هو صفحة جديدة بالحرب التي تشُنها السعودية على حرية الكلمة مهما كانت مؤدبة. هذا ما حدث أيضاً ضد المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، وهو التعبير الاسمى حالياً للمجتمع المدني، الذي يحاول الولادة بالوطن العربي على إثر بدء الربيع العربي قبل بضع سنوات.
هذه الجريمة إذاً، ليست استثناء بالسياسة السعودية، هو الحال أيضا بالعديد من الدول العربية الأخرى. إخراس الكلمة الحرة، هو انعكاس هاجس الخوف الذي يسود الأوساط الاستبدادية، والتي تُدرك تماماً أن زمنها قد ولى، كما حدث بأماكن عديدة أخرى بالعالم.
الإرادة الحرة كما عرفها الفلاسفة أمثال إيمانيويل كانت بالقرن الثامن عشر، هو ما يمكن اعتباره الصبغة الإنسانية، وما يُميزها عن باقي عالم الكائنات الحية. امتلاك القدرة على التفكير والحكم المستقل، يجعل من الإنسان هدفاً لكل عمل، ومنعه عن ذلك واستبدال إمكانياته بالحكم المستقل والتفكير، بأفكار أخرى مفروضة عليه هو بالحقيقة مسخ للإنسان، وتحويله من موضع السمو والنهاية، إلى موقع الشيء والوسيلة، بمعنى آخر، منع الكلمة الحرة والتفكير المستقل، هو حيونة للإنسان، وإنهاء كامل لكل ما يمكن أن يُقدم للسمو بالإنسانية من تقدم علمي واجتماعي. لو تذكرنا التاريخ الإسلامي، لرأينا أن فترة الانفتاح والتقدم الحضاري، تزامنت مع فترة حرية العقل بالتفكير والإنتاج (زمن ابن سينا والفارابي وغيرهم)، حيث لم توضع قيود على الفكر، وانتقلت المعرفة عن طريق الترجمة من شعوب لشعوب أخرى، بينما تقوقع العرب والمسلمون عندما أغلقوا باب العقل الحر وفرضوا فكراً واحداً، وهو ما أوصلنا لما نحن عليه الآن ومنذ عشرة قرون.
حرية الكلمة والفكر، هي ليست بالنسبة لنا، ترفاً فكرياً أو تقليد للغرب، وإنما حاجة ماسة حتى نتمكن من استرجاع هويتنا الإنسانية، وحتى نتمكن من اللحاق بركب الشعوب، التي سبقتنا وتجاوزتنا، بينما نحن نتصدح بالتمجيد لأوهام فكرية لا تمس للعقل الإنساني بصلة.
الأنظمة العربية، كما أظهرته مأساة الصحفي الشهيد جمال خاشقجي، لا تريد لأحد أن يشُق عصا الطاعة العمياء، مُتلحفة بغطاء الدين أو الأفكار القادمة من الغيب، مُستهدفة تحويل أبناء الوطن، من أُناس لهم الحق بأن يكونوا هدف كل سياساتها، إلى وسيلة لتحقيق بقائهم بالحكم واستيلائهم الدائم على السلطة والثروة. هكذا أنظمة، لا يمكنها بالقرن الواحد والعشرين، البقاء طويلاً بعد أن أزاحت الشعوب الغشاء الذي غطى لمئات السنين أعين الناس بمعظم بقاع الأرض.
جمال خاشقجي، هو رمز لهذا التناقض، بين الحرية والظلم، بين الإرادة الحرة والاستعباد، وبين الإنسانية والهمجية. إن استطاع بموته، أن ينشر ولو قليلاً هذا الوعي بحاجة البشرالطبيعية، لحرية الإرادة، فإن مقتله لن يذهب هدراً.
كاتب عربي من باريس