الأخبار
38 شهيداً في عدوان إسرائيلي على حلب بسورياالاحتلال الإسرائيلي يغتال نائب قائد الوحدة الصاروخية في حزب الله17 شهيداً في مجزرتين بحق قوات الشرطة شرق مدينة غزةمدير مستشفى كمال عدوان يحذر من مجاعة واسعة بشمال غزة"الإعلامي الحكومي" ينشر تحديثًا لإحصائيات حرب الإبادة الإسرائيلية على غزةغالانت يتلقى عبارات قاسية في واشنطن تجاه إسرائيلإعلام الاحتلال: خلافات حادة بين الجيش والموساد حول صفقة الأسرىالإمارات تواصل دعمها الإنساني للشعب الفلسطيني وتستقبل الدفعة الـ14 من الأطفال الجرحى ومرضى السرطانسرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطيني
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

المتدين.. كيف يفهم الناس ويتعامل معهم؟! بقلم:سري سمّور

تاريخ النشر : 2018-10-18
المتدين.. كيف يفهم الناس ويتعامل معهم؟! بقلم:سري سمّور
السؤال أعلاه يطرح إشكاليتين؛ الأولى: ما المقصود بالمتدين أصلا، وهل كلمة (الملتزم) مناسبة أكثر؟ والثانية: إذا اتفقنا جدلا على ماهية المتدين أو الملتزم فهل يجب أن يكون له فهم خاص بالناس، يختلف عن فهم غير المتدينين لهم، أم أن فهم الناس مسألة تشبه سؤالا بسيطا في الرياضيات مثل كم حاصل جمع/طرح/ضرب رقمين مجردين، بحيث يتفق المتدين مع غير المتدين على الإجابة؟ وبالتالي يكون التعامل هو نفسه غير منبت عن الفهم المذكور؟

لا أنكر أن كتابتي لهذه السطور تنبع من حيرة متواصلة منذ أكثر من عشرين سنة، ولا أزعم أنني الآن قد تمكنت من تحليل(شيفرة) هذه الإشكالية الملحة خاصة بالنسبة لي. هنا ربما يظهر أنني أدعي التدين أو الالتزام، وهذا أمر ينطوي على ما يشبه المغامرة أو المجازفة حتى؛ فالله وحده يعلم ما تخفي الصدور، كما أن التدين يظل في أعين العامة أمرا نسبيا حسب الظرف الموضوعي والبيئة المحيطة؛ وقد اطلعت عيانا على من حمل لقب (شيخ) من قرنائه وأقاربه فقط لأنه أعفى لحيته، أو لأنه يؤدي الصلاة المفروضة في البيت وقد لا يدخل المسجد إلا يوم الجمعة!

فلنقل: الملتزم أو المتدين هو الذي مرجعيته في الأمور هي تعاليم الإسلام من القرآن والسنة وما كان عليه السلف الصالح، بحيث تكون هي القاعدة في تكوينه، والأساس في سلوكه وحكمه على الأشياء. فالإسلام مثلا يحضنا على إحسان الظن بنوايا الناس وأن نأخذ بظاهرها، ولكن كيف وقد يكون وراء الظاهر ما هو سيء وقبيح، ما العمل؟ وكيف يتعامل المتدين الملتزم مع حالة الكذب إذا كان المطلوب منه أن يحسب الصدق فيمن يتعامل معهم؟ وكيف يتعامل الملتزم مع من ظاهره الدين والخلق فيزوجه ابنته أو أخته فيكتشف أنه على عكس ما تصوّر، وقد كان يمكنه معرفة حاله لو أنه نظر إلى أحوال عائلته وأسرته وتأمل حالته الاجتماعية الموروثة؟

القرآن الكريم يتوعد بالويل لمن يمنع (الماعون) ومع أن ثمة تفسيرات مختلفة، ولكن لنأخذ أنه العارية وما ينتفع به؛ فكيف تعير شيئا لمن لن يعيده أو سيتأخر كثيرا في إعادته أو يحدث به تلفا؟ كيف تتعامل مع أصحاب الوجوه المتغيرة، والمتمسكنين، والمتسلقين، والوصوليين، والانتهازيين، كيف تتعامل أيها المتدين مع زملاء لك لديهم استعداد أن يسحقوك لأجل لعاعة الدنيا بلا رحمة؟ والتشبيه القرآني البليغ وصف الغيبة كمن يأكل لحم أخيه الميت؛ ومع التقزز الذي يفهمه المتدين الملتزم ويدركه، فكيف لا يأتي بذكر سوء سلوك وتعاطي بعض الناس معه؟

والأمر الرباني للمؤمنين هو اجتناب أكثر الظن لأن بعض الظن إثم، فكيف ننفذ الأمر في واقعنا حيث لطالما أحسنا الظن فأُصبنا وجرحنا؟! وكيف تبيت وليس في قلبك أيها الملتزم ذرة من حقد وقد ظُلمت كثيرا وتحاك ضدك الدسائس والمؤامرات وهناك من أهل ملتك من يتربصون بك الدوائر؟ كيف تثق بالناس ومواعيدهم أيا كانت وقد خبرت خيانتهم وغدرهم وتقلّبهم المؤذي لك؟ كيف تتعامل مع بائع أو تاجر أو حرفي يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويغشك ويستغلك وهو يعلم حرمة فعله، ولكنه يبني عملية الخداع على حسن نيتك به، كمسلم يأخذ بالظاهر؟ فالملتزم يحسب الإخلاص أساس والخيانة حالة شاذة معزولة، ولكنه في معترك حياته يكتشف صورة مفزعة بعكس رؤيته!

أدرك يقينا أن حالة الاغتراب هذه ناجمة عن أوضاع سياسية نجمت عن احتلال أجنبي واستبداد وفساد تسببت في هذه التشوهات التي جعلت أمة المسلمين تعيش حالة من التناقض بين عقيدتها وشعائرها وطريقة التعامل والسلوك، وهو ما تسبب بكل حالات التطرف والتكفير أو الردة أو تلك الانتقائية المنفرة في التعاطي مع تعاليم الإسلام.. لذا فإن الرد المتوقع على الموضوع بالاستشهاد بمقولة عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- :لست بخب ولا يخدعني الخب، يظل ضعيفا أمام الحالة التي نحياها؛ فعمر وعصره ومن تعامل معهم والظرف(الدولي) مختلف عما نكابده في زمننا، لأن النظام الإسلامي جرى تحييده أو إقصاؤه عن معظم شؤون حياة الناس، واشتغل أعداء الأمة على العلمنة بأقبح مخرجاتها، بحيث لم يعد الإسلام بعظيم قرآنه وطهارة سنته مرجعا لدى نسبة لا يستهان بها من المسلمين!

فكيف للفرد الملتزم أن يحيا وهو يشعر أنه صار في غابة مليئة بوحوش تتسابق على التهامه؟ هذا إضافة إلى إعلام -مهما حاولت التحايل والتملص- يحمل كل صنوف الخبث والفسق والحرب على قيم الإسلام بقصد أو بغير قصد! هل يكيف الملتزم نفسه مع الوضع القائم ويتحول إلى وحش كاسر وذئب مفترس ويتبع سبيل التناقض بحيث يعتقد عقيدة الإسلام بالمجمل، ويؤدي ما استطاع من شعائر وعبادات ولكن في تعامله مع إخوته المسلمين يكون كذابا غشاشا انتهازيا ناكثا للعهد حانثا لليمين ماكرا ومخادعا طاعنا من الخلف خائنا مستغلا للظروف؟ هناك من فعل ذلك فعلا كما نلاحظ، ولكن هل من يفعل ذلك يظل تحت مظلة أو تصنيف التدين والالتزام أصلا؟!

قد يكون الحل في العزلة الفيزيائية، لا الشعورية المفترضة ضمنا فقط، مع أن الحديث الذي رواه أحمد وغيره يحض على تجنب العزلة لأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، هو خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم.. لو أخذنا بالرخصة أو بأن نكون أقل في حظنا من الخير، فهل العزلة في زمننا هذا ممكنة وقد تعقدت وتشابكت حياتنا؟ فحتى لو أراد المرء أن يأخذ أغناما ليرعاها بعيدا عن شرور الخلق، فلن يجد إلى ذلك سبيلا، ثم أليس له أولاد سيدخلون المدارس مثلا، فيحضهم على طيب القول فتلتقط آذانهم ما خبث من الكلام؟ وينشئهم على حسن السلوك فيرون السوء من الأقران فيصابون بالصدمة مثلما حصل معه؟

 فهل بات باطن الأرض للمتدين أفضل له من ظاهرها؟
لقد تأملت الحال وما زلت كل هذه السنين، وبدا لي أن التلوث بمخرجات الوضع المزري لا بد أن يطال المتدين الملتزم ولو حرص على النقاء وعض على الطهر بالنواجذ، ومهما سبح بمهارة عكس التيار! ولكن هل يستسلم وينجرف إلى القاع الآسن، مواسيا نفسه بالرخص، ومتأملا برحمة الله وعفوه ومغفرته، مع تناسي شدة عقابه؟ هذا لعمري لا يستقيم.

 

فرأيت أنه حتى يتغير الحال ويأتي أمر الله، فليحرص الملتزم المتدين على أن يقدم للناس صورة عملية فعلية لا قولية فقط عن تمسكه بدينه، وأن يكون ما يصيبه من النجاسة أقل القليل، مستعينا بالصبر والدعاء، ومتزودا بالوقود المعين على اجتياز هذا الطريق الوعر بقراءة القرآن الكريم بتدبر والنهل من سنة النبي –صلى الله عليه وسلم- وتكثيف المطالعة في التاريخ والسير خاصة ما يتعلق بأحوال السلف الصالح والمواعظ والحكم.

وبالتوازي مع ذلك هناك شيء صعب أنا شخصيا أعاني منه وهو تغيير قاعدة الفهم المعاصر، وفصلها عما تربينا عليه وتشبعنا به، أي النظر بأن أحوالنا ليست على ما يرام وبالتالي فإن راية الشر مرفوعة وطغت على المجتمع، وصرنا مضطرين أن نفترض تلقي المساوئ فوجب الاحتياط والاحتراز الدائم، وهذا ليس سهلا ويسبب ألما نفسيا خبرته وجربته وما زلت.. وراية الخير بانتظار من يرفعها.. والموعد الله!
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف