جرعة وجع
فاطمة بشير.. ليبيا
كان يجب أن يقاتل أكثر، حرب شرسة كهذه تبحث عن مقاتلين من العيار الثقيل، هشاشة القلب دائما سلاح فاشل لا يصمد كثيرا أمام قسوة الحياة.
ذاتهما العينين البائستين بلون البندق الغامق تسبح في بحر من الغموض. ينظر في عيني مباشرة، يستبيح حرمة الرعب في قلبي كأنه يستنجد بآخر قشة في الحياة. منهك متكئ على شجرة الزيتون الغاضبة التي قيده والدي صباحا بجذعها الصلب. غضبها واضح من غصونها حتى أوراقها التي تضربها بقوة جيوش الرياح العدوة الثائرة.
أخي عمر، رجل بقلب مراهق أبى أن ينضج، يصغرني بسبعة أعوام كئيبة، طفلي البكر وإحساسي الأول بالأمومة كان معه، وضعني قدري وإياه قبالة والد قاسي صلب التفاصيل، يرى أن الحياة اختارته ليكون وحده قائدها. كنا نستيقظ على عاصفة غضب منه وننام على أخرى، جعل مني هذا طفلة مطيعة ومن عمر رجلا هشا.
أذكر جيدا ذلك اليوم الذي ضربني فيه والدي بهستيرية عندما قدمت حصتي من العشاء لعمر بعدما حرمه من وجبة العشاء ليلتها كنوع من التعود على القسوة.
في الوقت الذي ربط فيه عمر على جذع الزيتونة سمعته يهدد أمي بأنه سيسلمه لقوات الردع الخاصة، قوة انتشرت مؤخرا يشاع إنها تعيد تأهيل الشباب لكنها تستخدم أسلوب تأهيل من النوع الخاص جدا، تلقنهم دروسا من العذاب حتى يفقدوا القدرة على الحياة من جديد، هم لن يعاودوا ارتكاب زلاتهم من جديد، هم لن يعاودوا الحياة أصلا، ذكريات هذه المؤسسة السوداء لن تمحى من عقولهم أبدا.
أتخيل في هذه اللحظة صغيري معلقا إلى السقف ويجلد، سيفقد حينها حتى القدرة على الصراخ من شدة الوجع. يظن والدي إنه الحل الأنسب للقضاء على طيش وعدم مبالاة عمر.
لا يعلم والدي حتى هذه اللحظة أن عمر أدمن الحبوب المسكنة من نوع "الترامادول". أتخيل ردة فعله إن علم. أظن أن العقاب هذه المرة سيكون أسوأ من ربط عمر لحضن الزيتونة. سيشنقه ويقول للناس أنه انتحر نتيجة اكتئابه. نسيت أن أخبركم أن أخي يعاني اكتئابا منذ أن كان في عامه الخامس عشر، وقررت أمي وقتها أن تأخذه للشيخ "عبد الغفور" شيخ يقطن في الحي المجاور لحيينا؛ ليقرأ عليه بضع آيات من القرآن ويعلق له تميمة تحميه من شرور أعين الحاسدين؛ كانت والدتي تظن أن أعين الجارات هن من أصبنه بسوء، لكن إصابته كانت أعظم، أعين الجارات بريئة من جريمة كهذه، قلب والدي كان السبب، لم تتحسن حالة عمر إطلاقا، بل أصبح يتعمد أن يخالف قرارات والدي ويفتعل المشاكل واحدة تلو الأخرى، تمرد من النوع الثقيل أباحه لنفسه.
عمر المعلق لجذع الزيتونة يحتضر الآن، أخاف أن تكون هذه لحظاته الأخيرة، يعوي كذئب عجوز جريح ينظر في عيني مباشرة ويستنجد.
فاطمة بشير.. ليبيا
كان يجب أن يقاتل أكثر، حرب شرسة كهذه تبحث عن مقاتلين من العيار الثقيل، هشاشة القلب دائما سلاح فاشل لا يصمد كثيرا أمام قسوة الحياة.
ذاتهما العينين البائستين بلون البندق الغامق تسبح في بحر من الغموض. ينظر في عيني مباشرة، يستبيح حرمة الرعب في قلبي كأنه يستنجد بآخر قشة في الحياة. منهك متكئ على شجرة الزيتون الغاضبة التي قيده والدي صباحا بجذعها الصلب. غضبها واضح من غصونها حتى أوراقها التي تضربها بقوة جيوش الرياح العدوة الثائرة.
أخي عمر، رجل بقلب مراهق أبى أن ينضج، يصغرني بسبعة أعوام كئيبة، طفلي البكر وإحساسي الأول بالأمومة كان معه، وضعني قدري وإياه قبالة والد قاسي صلب التفاصيل، يرى أن الحياة اختارته ليكون وحده قائدها. كنا نستيقظ على عاصفة غضب منه وننام على أخرى، جعل مني هذا طفلة مطيعة ومن عمر رجلا هشا.
أذكر جيدا ذلك اليوم الذي ضربني فيه والدي بهستيرية عندما قدمت حصتي من العشاء لعمر بعدما حرمه من وجبة العشاء ليلتها كنوع من التعود على القسوة.
في الوقت الذي ربط فيه عمر على جذع الزيتونة سمعته يهدد أمي بأنه سيسلمه لقوات الردع الخاصة، قوة انتشرت مؤخرا يشاع إنها تعيد تأهيل الشباب لكنها تستخدم أسلوب تأهيل من النوع الخاص جدا، تلقنهم دروسا من العذاب حتى يفقدوا القدرة على الحياة من جديد، هم لن يعاودوا ارتكاب زلاتهم من جديد، هم لن يعاودوا الحياة أصلا، ذكريات هذه المؤسسة السوداء لن تمحى من عقولهم أبدا.
أتخيل في هذه اللحظة صغيري معلقا إلى السقف ويجلد، سيفقد حينها حتى القدرة على الصراخ من شدة الوجع. يظن والدي إنه الحل الأنسب للقضاء على طيش وعدم مبالاة عمر.
لا يعلم والدي حتى هذه اللحظة أن عمر أدمن الحبوب المسكنة من نوع "الترامادول". أتخيل ردة فعله إن علم. أظن أن العقاب هذه المرة سيكون أسوأ من ربط عمر لحضن الزيتونة. سيشنقه ويقول للناس أنه انتحر نتيجة اكتئابه. نسيت أن أخبركم أن أخي يعاني اكتئابا منذ أن كان في عامه الخامس عشر، وقررت أمي وقتها أن تأخذه للشيخ "عبد الغفور" شيخ يقطن في الحي المجاور لحيينا؛ ليقرأ عليه بضع آيات من القرآن ويعلق له تميمة تحميه من شرور أعين الحاسدين؛ كانت والدتي تظن أن أعين الجارات هن من أصبنه بسوء، لكن إصابته كانت أعظم، أعين الجارات بريئة من جريمة كهذه، قلب والدي كان السبب، لم تتحسن حالة عمر إطلاقا، بل أصبح يتعمد أن يخالف قرارات والدي ويفتعل المشاكل واحدة تلو الأخرى، تمرد من النوع الثقيل أباحه لنفسه.
عمر المعلق لجذع الزيتونة يحتضر الآن، أخاف أن تكون هذه لحظاته الأخيرة، يعوي كذئب عجوز جريح ينظر في عيني مباشرة ويستنجد.