الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

عن المتوكل طه وسيرته عرض وتحليل كتاب "أيام خارج الزّمن"

تاريخ النشر : 2018-10-17
عن المتوكل طه وسيرته عرض وتحليل كتاب "أيام خارج الزّمن"
عن المتوكل طه وسيرته
عرض وتحليل كتاب
"أيام خارج الزّمن"
بقلم : محمد درويش عواد
( عضو رابطة الكتّاب الأردنيين )

****************

  يُعتبر الكاتب د.المتوكّل طه أحد أهمّ أعمدة الأدب الفلسطينيّ والعربيّ ؛ فهو المولود في قلقيلية الفلسطينيّة عام ألف وتسعمئة وثمانية وخمسين ، والذي صدر له أكثر من خمسين كتاباً في الشّعر والسّرد والنّقد والفكر ، رئيس اتّحاد الكتّاب الفلسطينيين لأكثر من دورة ، والمؤسّس لبيت الشّعر الفلسطينيّ ، والمحاضر والسّفير والباحث والحائز على عدد من الجوائز منها جائزة القدس وإحسان عباس والحرية والإبداع المقاوم .. وغيرها . ورغم ذلك ما زال المتوكّل غريباً عند عدد من المعنيين باللغة العربيّة ؛ ولهذا جاءت هذه الدّراسة لتسليط الضوء عليه من خلال كتاب سيرته .
     تُعتبر عتبة العنوان من العتبات الرئيسيّة لجذب القارئ للدّخول إلى عالم النّصّ وكشف أسراره ؛ وبخاصّة إذا استخدم الكاتب الانزياح  في عنوان مؤَّلَّفه ، والذي يُعطيه قوّة وفاعليّة تُخرجه من النّمط المألوف ، وهذا ما فعله المتوكّل حين وضع لسيرته الذّاتيّة عنواناً رئيسيّاً ( أيام خارج الزّمن ) ، وعنواناً فرعيّاً ( سيرة كاتب نصف قرن من الدّم والحبر ) ، وبهذا فقد انزاح عنوانه الرئيسيّ عن اللغة المعتادة ، حين جعل أيّامه خارج زمننا المُتعارف عليه ، وهذا ما جعلنا في شوق لمعرفة طبيعة هذا الزّمن الذي عاشه الكاتب بعيداً عن زمننا ، وهو بهذا العنوان الذي يصلح أن يكون عنوان ديوان شعر ، جذبنا إليه وأجبرنا على الدّخول في خفايا سيرته خارج الزّمن المألوف . لكنْ يبدو أنّ المتوكّل قد أشفق علينا من هذا الولوج المضني في زمن لم نعتد عليه ، لذلك وضع عنواناً فرعيّاً ( سيرة كاتب نصف قرن من الدّم والحِبر ) مع ما لكلمة  ( الدّم ) من وقع صعب علينا ، لكنّنا نتوقّعها كونه فلسطيبيّ وما زال يرى الدّماء تسيل كلّ يوم في فلسطين ؛ ولهذا كان لهذه السيرة خصوصيّتها وهدفها النّبيل ، وهذا ما نجده في قوله : ( وأقول لنفسي ما جدوى أن تعود إلى تلك الأيام ؟ فلا أجد جواباً سوى أنّها جزء منّي ومن شعبي وأهلي ، ولها قداسة الماضي الذي يحمل خلاصة ما ، ولديها القدرة على الإشعاع ، بحمولتها المأساويّة أو الجسورة ، لعلّ جزءاً منها يساهم في مراكمة الرّواية الكبرى التي نؤلّفها جميعاً ، منذ ما يقارب المئة عام ، بمعنى أنّ كلّ فلسطينيّ مُطالب برواية حكايته ، من واقعه وزاويته واختصاصه ، دون أن يُصاب بالصَّغار أو يشعر بتفاهة قصّته ... حتى تعرف البشريّة أيّ مخلوقات هذه التي تحتلّنا وتستلبنا وتُصادر أيّامنا ) . ( 1)
     يشكّل الإهداء عتبة ثانية من عتبات هذا النّصّ ، والذي اختصره بخمس كلمات ( إلى شعبي صاحب هذه السّيرة ) ، وهو بهذا يعلن صراحة عدم غرابة سيرته – مع ما فيها من خصوصيّة - ؛ لأنّ الشعب الفلسطينيّ بكلّ أطيافه يعيش وقائع هذه السّيرة كلّ يوم ، ويلتقي مع الكاتب في كثير من تفاصيلها ، وهو بهذا ينفرد عن كثير من كُتّاب السّير الذاتيّة ، الذين يُعلنون ولاءهم المطلق لحياتهم الشّخصيّة بكلّ ما فيها من تفاصيل دقيقة ، وهذا ما جعل المتوكّل يختلف معهم حين أعلن صراحة أنّ ( السّيرة الحقّة هي غير السّيرة المُنقّاة أو المُغربلة أو المنتقاة ، بل تلك التي تفرد بساطها وتضع كلّ بضاعتها ، ليرى المُتلقي المشهد من أوّله إلى آخره ، وليتمكّن من تفكيك الأسباب والمرجعيّات والدّوافع ، التي كانت وراء كلّ فعل ، مهما بلغت غرابته وحدّته ، والصّدمة التي يُحدِثها ، خصوصاً أنّ لدى كلّ واحدٍ منّا من الأسرار ما لا يُعدّ ، وما لا يمكن قوله .. ولأنّ سيرة أيّ فرد هي وثيقة تعكس الوضع الاجتماعيّ والسّياسيّ والاقتصاديّ والفكريّ الذي عاشه ) . ( 2) كما أنّ لهذه السّيرة خصوصيّتها ، حيث ( من المفيد أن نؤرّخ لكلّ ما مرّ بنا من أحداث ، بهدف تأصيل روايتنا ، التي مهما كانت شخصيّة ذاتيّة ، فإنّها تظلّ سيرة عامّة ؛ لصعوبة فصم الخاصّ عن العامّ ، وتداخلهما في وضعنا الفلسطيبيّ ، وحتى لا تظلّ ذاكرتنا عُرضة للفناء والعذريّة والعدم ، ولأنّ المعاناة بصمت تُعمّقها ، وعلى العالَم أن يعرف ) . ( 3 )
     يُحدّد المتوكّل منهاجه الخاصّ في كتابة سيرته بقوله : ( ولن أتقيّد بنمط كتابيّ جاهز ، ولن أنتهج مسرباً متوقّعاً ، بقدر ما سأكتب ما يرد على خاطري ، دون التزام مبرمج بالتّتابع الزّمنيّ ، أو بتسلسل الأحداث ، لأني لا أؤمن بشكل أدبيّ نهائيّ ينبغي اعتماده عند كتابة السّيرة ، فلكلّ سيرة نكهتها وحمولتها وطرائقها في القول ) (4) ، ولهذا استعان بكلّ الأشكال الأدبيّة من مقال وقصّة وسرد وحوار وسيناريو وتشكيل ، إضافة إلى الشّعر الذي هو أحبّ الأشكال لديه ، فعجنها في بعض ليقدّم لنا سيرة بنكهة عطرة ، مستفيداً من سير الكتّاب الكبار أمثال طه حسين وأحمد أمين وعبد الوهاب المسيري وكازانتازاكس ورسول حمزاتوف والناقد سعيد السريحي ، وعباس العقّاد وميخائيل نعيمة وفدوى طوقان وجيرالد مارتن وغيرهم ، الذين أفادوه وأضافوا إليه الشيء الكثير ، والحقّ أنّ ما كتبه المتوكّل في هذه السيرة يستحقّ منّا كلّ الثّناء والتّقدير .
     بلغة شاعريّة أخّاذة يدخل المتوكّل فضاءه اللازاورديّ الجميل حين يصف فلسطين بقوله : ( بلادي كأنّها الفضاء غير المحدود ، الذي يتّسع كلّما انفجرت مجرّة ، أو تناثرت نجوم وكواكب في هذا الهوّ اللامتناهي المخيف ... وتراب بلادي عسجد ، وشجرها طوبى ، تطرح ثمراً ، من كلّ لون وطعم ، ولها ريح المسك . بيوتها من بلّور ورخام وطين مخبوز , ممرّاتها مرصوفة بقطع منمنمة متجاورة كقطع الحلوى ، وشوارعها أحلام ، أو ممرات أنهار غيّرت مجراها ، لتأخذ مسارب أعمق بين المرتفعات والمنخفضات ، فتشتعل ضفافها بالخضرة الغامقة ) ( 5) ، وقوله : ( بلادي جنّة تامّة ، نموذج يقرّب صورة جنّة الآخرة إلى الناس في الدّنيا ) ( 6) ، وهو بهذا السّحر يجعلنا ندخل فضاءه البهيّ ، نقاسمه أفراحه بهذا الوطن الجميل ، نزور مدنه وقراه ، ونشتمّ رائحة ترابه النديّ ، نأكل من أرغفة طابونه المرنَّق بالزّيت ، نشارك أهله الدّبكات تحت عرائش الصيف التي تبعث قطوفها قناديل شهد ، ننام على عشبه الوثير مترنّمين بدغدغة الشلال للصّخر ، في بلاد هي بنت الشمس وأم القمر وشقيقة النّجوم . هكذا كنّا نعيش ، وهكذا كانت بلادي تنام بكلّ عافيتها كما ينام الأطفال الصّغار ، لكنّها الآن ترزح تحت وطأة المحتلّ ، الذي احتلّها وشرّد أهلها إلى كلّ أصقاع العالم مفزوعين ، وهم ينظرون إلى الوراء   ( ودمهم يتهاطل من أجسامهم ، ودموعهم ملء وجوههم . وكانت الأشجار تنخلع على عرشها الأبديّ ، وتجري نحوهم لتعانقهم العناق الأخير ، وكانت حجارة البيوت المهدومة تتطاير باتجاههم لتقبّل رؤوسهم وأكتافهم وتودّعهم ، وتبكي وحدتها مع الصبّار اليتيم ) .( 7) ومع هذا ينهض الفلسطينيّ من رماده كطائر الفينيق ليواصل الحياة بكلّ ما فيها من حيويّة ونشاط ليبدأ النشيد من جديد.
     للبيت أثر كبير في حياة المتوكّل ؛ فبيته حافل بأمهات كتب الأدب والتراث والتاريخ والفقه والشّعر ، راح كلّ مَن فيه يحفظ ما في بطونها من شعر وقصص وحكايات ، ينتمون لأب شاعر تعلّموا منه الفصاحة والبلاغة وقرض الشّعر .
   بروحه الوثّابة ، يصحبنا المتوكّل إلى جامعة بيرزيت، حيث الدّراسة والمعرفة والنّشاط الأدبيّ الذي كانت تقيمه دائرة اللغة العربيّة كلّ عام ، وهو (سوق عكاظ الأدبي ) للشّعر والقصّة والخطابة والمقالة ، ( وكانت أسماء كبيرة هي التي تشكّل لجنة التّحكيم ، وأذكر أنّ الروائي إميل حبيبي والصديق سميح القاسم والصديق الشاعر علي الخليلي ود. إبراهيم العَلَم والعزيزة فدوى طوقان ... وغيرهم منْ كانوا يقلّدوننا الجوائز ، ويعقّبون على ما نقدّمه من إبداع ) (8) ، وهذا ما جعله يغبط نفسه على معرفة ومعايشة توفيق زياد وسميح القاسم ومحمود درويش وفدوى طوقان ، حيث يقول : ( كيف لا أغبط نفسي على أنني عرفتُ هؤلاء وسافرتُ معهم ، وشاركتهم الأمسيات والقراءات ، ودخلت بيوتهم وعوالمهم ، وأخذوا بيدي إلى سدّة الرّفعة ، وعلّموني بتواضعهم وانتمائهم الحاسم ؟
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع ) . ( 9)
 ويكفي أن نقرأ في هذه السيرة صفحات متعددة عن الشاعرمحمود درويش الرائي المتعدد  ، الذي ختمها بقوله : ( ومحمود الذي شكّل الذائقة والسقف الجمالي ، وصار أكبر مدرسة في آخر نصف قرن ، حتى أكاد أقول : إنّ الشّعر الفلسطينيّ ، بشكل خلص ، والعربيّ بشكل عام ، مع استثناءات ونتوءات مضيئة بادية ومختلفة ، هو قصيدة واحدة متنوعة تنتمي إلى مدرسة هذا الشّاعر ، الذي كتب دراما الروح الجماعيّة ، فيما كتب معظم الآخرين دراما الحدث ) ( 10 ) ، ونقرأ كذلك علاقته الوطيدة بالشاعرة الكبيرة فدوى طوقان أثناء إعداده رسالة الماجستير عن أخيها إبراهيم ، حيث قدّمت له أوراقاً وقصائد خاصّة بشقيقها ، أشعرته بمسؤوليته الكبرى نحو قضيّة الشّعر ، باعتبارها قضيّة جماليّة بالدرجة الأولى ، ومن ثمّ قضيّة وظيفيّة تؤدي رسائل أو تحملها ، كما علّمته ( أن الشاعر الحقيقيّ يركض وراء روحه ، ويبحث داخله ويحفر في أعماقه ، لا تعميه الأضواء ولا تغشيه الفلاشات ). ( 11)
     تُشكّل المدن مرتكزاً أساسيّاً وعتبة مهمّة من عتبات هذه السيرة ، حيث تحضر يافا ورام الله والقدس وغيرها بكلّ عافيتها وزهوها وبهائها ، عبر لغة شاعريّة باذخة قلّما نجد لها نظيراً عند غيره من الشّعراء والأدباء ، وما ذاك إلّا لأنّه شاعر فذّ، أخذ على عاتقه أن يُخرج من صدفات اللغة العربيّة لؤلؤها الجميل ، كي يضعه على صدر تلك المدن ، ويكفي للاستدلال على هذا أن نقرأ قوله في رام الله : ( مدينة صغيرة بحجم القلب ، لكنّها أميرة المدائن ...كانت المدينة قبل أربعين عاماً ،هادئة كعباءة النّبي ، لا ضجيج ولا زحام ولا غبار ، تحرسها طرقاتها المعبّدة أسراب الحور والمطاط وحواكير اللوز والزيتون ، وما إن تذرع أحد شوارعها ساعة الأصيل حتى تعبئ صدرك الفراشات والأغاني البعيدة ، وتمشي في ليل شوارعها النّهاريّة ، فتأتيك نجمة تضع ذراعها بذراعك وتماشيك ، لتشهد معك غسيل قلبك بالندى وعبير ليلة القدر والياسمين ) ( 12) ، وقوله في القدس : ( أنا الماضي والآتي والكنز المجنون الذي لا يموت ! أنا الذهب الباقي .. أنا القدس )    ( 13 ) .
   كثيرة هي الذّكريات ، لكنّ أجملها التحاق المتوكّل بالعمل في المكتب الفلسطينيّ ومجلة العودة ؛ حيث تعلّم أبجديات الإعلام والتحرير الصّحفيّ ، ثمّ رئاسته لاتّحاد الكتّاب ، ثمّ لقائه بالمعلّم الشاعر علي الخليلي – رئيس تحرير مجلة الفجر الأدبي - ، فهو  ( مجموعنا وبذار حقلنا وأمطار غابتنا السّاخنة ، وأبونا الذي يسري نسغه في روحنا ، ومعلّمنا الذي حرّرنا ) ( 14 ) .
     تلعب السياسة دوراً بارزا في حياة كلّ فلسطيني ، لهذا أفرد المتوكل لها صفحات مطوّلة ، ابتداء من ثورة البراق مروراً بنكبة ونكسة فلسطين ، والانتفاضات المتعدّدة ، واعتقاله بكلّ تفاصيله ومأساته ، واجتياح المدن ومنع التجوّل فيها وذكاء الفلسطيني في التعامل مع هذا المنع ، والحديث المطوّل عن القائد الرمز أبي عمّار ، وموت والدته الحاجّة خديجة في ظروف صعبة ؛ حيث منعه الاحتلال كما منعوا إخوته من حضور جنازتها أو زيارتها في مرقدها ، ثمّ الحديث عن تمزيق الذّات الفلسطينيّة حيث اقتتال الأشقاء ، وتفاصيل الهجمة الغربيّة التي تقودها إسرائيل والولايات المتحدة ، وختاماً الربيع العربي ، وهو بهذه التفاصيل الدقيقة قد جعل من سيرته وثيقة سياسيّة هامّة ، لا بدّ لكلّ باحث من الرجوع إليها .
  يقدّم المتوكّل لنا كشفاً تفصيليّاً لكتابة قصيدته ، ابتداءً من طقوس ولادتها وبدايتها وكتابتها على ورق أبيض يشبه ثيابه اللائقة ، ويشبه الصّمت الذي يلفّ المكان في قلب الليل ، وانتهاء كتابتها . وهذا ما جعله في سجنه يفرد بساط الشّعر الطائر ، يعلو ويكبر ويمتد ليرى أيامه القادمة ، ف ( في الشّعر ما ليس في غيره ، هو المدهش والمفاجئ ، هو الذي يمنحني ما أنا فيه وما أنا عليه ، هو الذي يجدّدني ويجدني ويفجأني ، وهو الذي يمتعني ويغنيني ويعذبني ويعزيني ، لا أعرّفه ولا أعرفه لكنّه يعرفني ويعرّفني )  ( 15) .
      على غرار الكبار والعظماء في بساطتهم وتواضعهم ، يختتم المتوكّل سيرته بقوله : ( لم أكتب هذه الذكريات لكي أقول انظروا كم عانيت . إنّ آلامي غير جديرة بالذّكر. إنّ آلامي وأحزاني ستبدو سخيفة كمشوار سياحيّ فاشل ، فيما لو قورنت مع ما يمكننا أن نجده في تاريخنا من الشهداء العظام والمنفيين ... وتبقى الذاكرة كتاب الروح ، كما قال أرسطو ) ( 16 ) .
    وأخيراً ، وعبر ثلاثمئة وثلاث وعشرين صفحة ، استطاع المتوكّل طه بلغة شاعريّة أخّاذة قلّ نظيرها ، وبثقافة موسوعيّة عالية ، وخبرة طويلة في دروب السياسة والإبداع ، ومعاناة طويلة مع المحتلّ ، أن يقدّدم لنا سيرته خلال نصف قرن من الدّم والحِبْر ، هذه السيرة التي نعتزّ بها وبصاحبها ، الذي عبّر لنا بكلّ اقتدار عن معاناة وقهر الإنسان الفلسطيبيّ وخاصّة داخل فلسطين ، كما رسم لنا بريشة فنّان مبدع لوحات بديعة لعدد من مدن فلسطين كيافا ورام الله والقدس ، وأجلسنا مع كبار الأدباء والشّعراء كمحمود درويش وسميح القاسم وفدوى طوقان وغيرهم ، فنهلنا من نبعهم الثرّ حتى ارتوينا ، ويكفينا فخراً أننا صحبنا المتوكّل في أيامه ، التي تعلّمنا منها الكثير ؛ ولهذا بقول بحقّ : شكراً لك من أعماق قلوبنا دكتور المتوكّل ، متمنين لك دوام الصحّة والإبداع والتميّز .





المرجع
(1)    المتوكّل طه : أيام خارج الزمن ( سيرة كاتب ، نصف قرن من الدّم والحِبْر ) ، دار فضاءات للنشر والتوزيع ، عمان ، ط 1 ، 2017 ، ص 52 .
(2)    مرجع سابق ، ص 9 .
(3)    مرجع سابق ، ص 10 .
(4)    مرجع سابق ، ص 11.
(5)    مرجع سابق ، ص 17 .
(6)    مرجع سابق ، ص 19 .
(7)    مرجع سابق ، ص 24 .
(8)    مرجع سابق ، ص 78 .
(9)    مرجع سابق ، ص 81 .
(10)     مرجع سابق ، ص 89.
(11)    مرجع سابق ، ص 104 .
(12)     مرجع سابق ، ص 89 – 90 .
(13)     مرجع سابق ، ص 123 .
(14)     مرجع سابق ، ص 122 .
(15)     مرجع سابق ، ص 257 .
(16)     مرجع سابق ، ص 323  .
    
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف