بشرى بن فاطمة
تأثير مفاهيم الهوية والانتماء
على الصورة وأسلوب التعبير في الرؤية التشكيلية للتجربة العربية
تعبّر الفنون بشكل عام والفنون البصرية بشكل خاص عن الانسان بكل تفاصيل وجوده واقعه حلمه انتظاراته انتمائه وهويته وتماسه الكامل مع الآخر واندماجه مع البيئة والوجود والحياة بكل ما فيها من تلقّ ساذج ومعقد أو فلسفي وجودي وميتافيزيقي، بعلامات تعنيه ورمزيات تحمله وتعبر به بامتداد تفصيلي للهوية والتاريخ للحضارة والتراث الشعبي الذي يميّز كل أرض وانسان وانتماء.
*علي حسون
وبين كل هذا التوافق يتكاثف التنوع التعبيري بأساليبه التي تُبقي على المعنى والمفاهيم تلك التي تشير إلى الأحقية والتماهي مع تلك الهوية التي تفسّره بتفاصيلها وتثبّته مع واقعه، وهو ما يربط مثلا بين التراث والهوية وجوانب التأصيل التي يعتمدها الفنان في مفاهيمه للتعبير عن الحق والوطن والإنسان في قضاياه الفردية الاجتماعية والوطنية مثل الرهانات التي يطرحها الفن التشكيلي الفلسطيني المعاصر والفن العراقي والفن الخليجي واللبناني والمغاربي باعتبار أن لكل منها توجهه لتفسير فكرة انتمائه لجذوره والتعبير عنها حسب البيئة والتواصل مع الآخر والانفتاح على ثقافات العالم من حوله مع إعطاء الصورة التي تعني حضوره.
*ليلى كبة
فالتوجه نحو التراث في الفنون التشكيلية المعاصرة أصبح حاجة تعبيرية يفرضها الانفتاح على العالم لتأكيد الانتماء والهوية الفنية في المنجز مع ما تخلقه ضرورات التفرد والخصوصية التي تحيل على عراقة الأصل والمنشأ فيستند على فكرة ومثل وتراث وزخرف وتعبير وتشكل وملامح وأيقونات ورموز وخامات ومشاهد تُدمج وتُضاف إلى المفاهيم الفنية لتُعبّر بشكل ماورائي في أبعاده ففي تجربة المغتربين تقع الصورة على الانتماء وتتشكل على التواصل بين عالمين الغربي والشرقي وإثبات عميق للحضور والتعايش والتوافق الفكري الحضاري كما يعبر التشكيلي اللبناني الإيطالي علي حسون في تشكيل رؤاه التوفيقية مع علاماته بدأ من ملامح الأشخاص وانتماءاتهم من خلال رمزية الملبس والحياة اليومية والحرف العربي والزخارف والألوان، كما يحدث مع توظيف التراث لفعل المقاومة كما في التجربة الفنية الفلسطينية مع عبد الحي مسلم باعتماد الصور البصرية للواقع الفلسطيني اليومي تراثيا بحكايات تسرد الحالات الأفراح وملابس النساء وأهازيج الحضور وتفاصيل الحياة التي يشكلها بأسلوبه الحفري على الخشب والبرونز وفي لوحاته الصاخبة بالفرح الشعبي الملون، أو مع تجربة عبد الرحمان المزين في تشكيل صورة المرأة وما تحمل من علامات تحوي وتحتضن الأرض بطقوسها بشكلها ملبسها بيئتها حياتها وانتمائها، وعدنان يحي الذي سرد تفاصيل وطنه وعبر عن قضيته ومقاومته بفنه مستوحيا البيئة والتراث واللغة البصرية حرفا وملامح وتشكيلا للخامات وتجربة سليمان منصور الذي حمل الجذور ألوانا معتقة النضج في تفاصيل الحياة طبيعة أرضا وناسا لتسرد فلسطين الوطن الأم والحبيبة، وتجربة هيمت علي مع الطبيعة الرمز والزخرف والحرف المستوحى من بيئة العراق ونديم كوفي الذي حمل من عمقها طاقة اللون الأحمر والأخضر وسرد الأسطورة القديمة في العراق من عشتار إلى شهرزاد، كما أثار نبيل نجدي من السعودية فكرة توظيف الخامات تشكيليا مثل الجلد والحجر مع الألوان الترابية وقيصر مقداد من لبنان الذي سرد تفاصيل المدن في جغرافيا الألوان وتداخلاتها الرمزية للتعبير عن القضايا أو لإثبات الحضور وكسب الدعم والانفتاح ومواكبة العصر والمعاصرة، وتجربة ثريا البقصمي من الكويت وإلهام فرجاني من ليبيا وليلى كبه من العراق فقد تحمّلت الألوان والحكاية الشعبية بصور أنثوية متنوعة المفاهيم.
*هيمت علي
إن الفن التشكيلي وتعبيره عن التراث والهوية هو توازن بصري يجمع الذاكرة بالفكرة ليقدّم مادة إبداعية لها تلقائيتها الوجدانية التي تمزج الحرفية والمهارة والابتكار انطلاقا من علامة بصرية مثل التطريز والزخرف والصور مثلا النجمة والشجرة والحصان والثوب والكوفية واليد الخمسة التي فعّلت دورها التشكيلية التونسية يمينة المثلوثي لتكون في بعدها الخرافي طقسا من طقوس السرد والحكاية التشكيلية. إن العمل التشكيلي موظّف تراثيا وفنيا للتعبير عن المفهوم العام للرؤية الفنية للمتلقي سواء من الجيل الجديد الذي يجب أن يتعايش مع موروثه أو للعالم ليقدمه على أساس بارع في التعبير عن الذات ما يهب العمل والتجربة خصوصية متفردة وبصمة تحاكيه بحيوية وحركية لها ثباتها القار على العلامة والرمز ولها تحولها مع الرؤى الحداثية كما فعل مصطفى الحلاج بتوظيف التاريخ الأسطوري للحضارة الكنعانية والفرعونية ومدى توافقها للتعبير عن الجذور الفلسطينية في الأرض بتوافق ملحمي لفكرة البقاء والخلود.
*عبد الحي مسلم
للفن التشكيلي العربي إيقاعه وخطوطه التي تنسجم مع الألوان مثلا الترابية والألوان الباردة والحارة فمن الأزرق إلى الأصفر والأخضر تختلف البيئة والطبيعة والعلامات ودلالتها الرمزية بدقة واضحة الشكل ومتباينة التعابير المتنوعة حسب الفكرة المقصودة مع توظيف الشخوص والملامح والعناصر والخامات لتتقمص كلها الدور المرجو منها لإيصال المعنى ومدلوله وهنا تتحقق المتعة البصرية أولا ويخلق العمل نوعا من الحضور المألوف والاكتشاف النابع من البيئة نفسها وأساسيات التعايش في المجتمع رغم الاختلافات العرقية والدينية وتوافقاتها مع سيكولوجيات المجتمع وعاداته وتقاليده وكذلك مع صداماتها وصراعاتها في قصصها زخارفها وأشكالها التعبيرية من النجمة والهلال والصليب والألوان والخط العربي والحرف ومجسم المعابد الجرس والقبة باختلافات ممتعة تعني الأصل كما في تجربة السوري محمد قباوة الذي جمع التراث مع أسلوب المنمنمات وحاكى به البيئة الشامية.
*عبد الرجمان المزين
إن تناول الجوانب التراثية ومعاني الهوية في العمل الفني التشكيلي ودلالته تحيل على الأصل والأصالة والجذور والتجدد في أبعادها المعنوية والمادية التي تبعده عن التقليد فالابتكار يحدد وظيفة الفهم ويبسط الفكرة على التقنيات والأسلوب والإخراج دون مساس بالأصل بل بتوفيق فكري وإبداعي.
*ثريا البقصمي
يتطلب اعتماد رموز وعناصر التراث الشعبي والهوية حرصا وحذرا عند الابتكار حتى لا يقع في المسخ والتشويه لأنه دلالة ثقافة ومقاومة وسلاح الحقيقة بمختلف معانيها التي تثير فكرة الأرض والهوية والأصل، ودون أن تتشابه الفكرة التوظيفية بين تجربة وأخرى تتعدد التجارب التي تدرك تماما انه لا يمكن للتعبير أن يحمل نفس الرموز الجاهزة واعتمادها بلا أي روح تجددها وتلازم فكرة التعبير المقصودة لأن مسألة الابتكار الفني لتلك العلامات هامة جدا لدورها في أن تبعد المنجز عن التكرار والجمود والعجز الفعلي لأنها تحيل على روح الفهم للمعنى الماضي في مراحله السابقة ومعانيه الجديدة.
*الاعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum
تأثير مفاهيم الهوية والانتماء
على الصورة وأسلوب التعبير في الرؤية التشكيلية للتجربة العربية
تعبّر الفنون بشكل عام والفنون البصرية بشكل خاص عن الانسان بكل تفاصيل وجوده واقعه حلمه انتظاراته انتمائه وهويته وتماسه الكامل مع الآخر واندماجه مع البيئة والوجود والحياة بكل ما فيها من تلقّ ساذج ومعقد أو فلسفي وجودي وميتافيزيقي، بعلامات تعنيه ورمزيات تحمله وتعبر به بامتداد تفصيلي للهوية والتاريخ للحضارة والتراث الشعبي الذي يميّز كل أرض وانسان وانتماء.
*علي حسون
وبين كل هذا التوافق يتكاثف التنوع التعبيري بأساليبه التي تُبقي على المعنى والمفاهيم تلك التي تشير إلى الأحقية والتماهي مع تلك الهوية التي تفسّره بتفاصيلها وتثبّته مع واقعه، وهو ما يربط مثلا بين التراث والهوية وجوانب التأصيل التي يعتمدها الفنان في مفاهيمه للتعبير عن الحق والوطن والإنسان في قضاياه الفردية الاجتماعية والوطنية مثل الرهانات التي يطرحها الفن التشكيلي الفلسطيني المعاصر والفن العراقي والفن الخليجي واللبناني والمغاربي باعتبار أن لكل منها توجهه لتفسير فكرة انتمائه لجذوره والتعبير عنها حسب البيئة والتواصل مع الآخر والانفتاح على ثقافات العالم من حوله مع إعطاء الصورة التي تعني حضوره.
*ليلى كبة
فالتوجه نحو التراث في الفنون التشكيلية المعاصرة أصبح حاجة تعبيرية يفرضها الانفتاح على العالم لتأكيد الانتماء والهوية الفنية في المنجز مع ما تخلقه ضرورات التفرد والخصوصية التي تحيل على عراقة الأصل والمنشأ فيستند على فكرة ومثل وتراث وزخرف وتعبير وتشكل وملامح وأيقونات ورموز وخامات ومشاهد تُدمج وتُضاف إلى المفاهيم الفنية لتُعبّر بشكل ماورائي في أبعاده ففي تجربة المغتربين تقع الصورة على الانتماء وتتشكل على التواصل بين عالمين الغربي والشرقي وإثبات عميق للحضور والتعايش والتوافق الفكري الحضاري كما يعبر التشكيلي اللبناني الإيطالي علي حسون في تشكيل رؤاه التوفيقية مع علاماته بدأ من ملامح الأشخاص وانتماءاتهم من خلال رمزية الملبس والحياة اليومية والحرف العربي والزخارف والألوان، كما يحدث مع توظيف التراث لفعل المقاومة كما في التجربة الفنية الفلسطينية مع عبد الحي مسلم باعتماد الصور البصرية للواقع الفلسطيني اليومي تراثيا بحكايات تسرد الحالات الأفراح وملابس النساء وأهازيج الحضور وتفاصيل الحياة التي يشكلها بأسلوبه الحفري على الخشب والبرونز وفي لوحاته الصاخبة بالفرح الشعبي الملون، أو مع تجربة عبد الرحمان المزين في تشكيل صورة المرأة وما تحمل من علامات تحوي وتحتضن الأرض بطقوسها بشكلها ملبسها بيئتها حياتها وانتمائها، وعدنان يحي الذي سرد تفاصيل وطنه وعبر عن قضيته ومقاومته بفنه مستوحيا البيئة والتراث واللغة البصرية حرفا وملامح وتشكيلا للخامات وتجربة سليمان منصور الذي حمل الجذور ألوانا معتقة النضج في تفاصيل الحياة طبيعة أرضا وناسا لتسرد فلسطين الوطن الأم والحبيبة، وتجربة هيمت علي مع الطبيعة الرمز والزخرف والحرف المستوحى من بيئة العراق ونديم كوفي الذي حمل من عمقها طاقة اللون الأحمر والأخضر وسرد الأسطورة القديمة في العراق من عشتار إلى شهرزاد، كما أثار نبيل نجدي من السعودية فكرة توظيف الخامات تشكيليا مثل الجلد والحجر مع الألوان الترابية وقيصر مقداد من لبنان الذي سرد تفاصيل المدن في جغرافيا الألوان وتداخلاتها الرمزية للتعبير عن القضايا أو لإثبات الحضور وكسب الدعم والانفتاح ومواكبة العصر والمعاصرة، وتجربة ثريا البقصمي من الكويت وإلهام فرجاني من ليبيا وليلى كبه من العراق فقد تحمّلت الألوان والحكاية الشعبية بصور أنثوية متنوعة المفاهيم.
*هيمت علي
إن الفن التشكيلي وتعبيره عن التراث والهوية هو توازن بصري يجمع الذاكرة بالفكرة ليقدّم مادة إبداعية لها تلقائيتها الوجدانية التي تمزج الحرفية والمهارة والابتكار انطلاقا من علامة بصرية مثل التطريز والزخرف والصور مثلا النجمة والشجرة والحصان والثوب والكوفية واليد الخمسة التي فعّلت دورها التشكيلية التونسية يمينة المثلوثي لتكون في بعدها الخرافي طقسا من طقوس السرد والحكاية التشكيلية. إن العمل التشكيلي موظّف تراثيا وفنيا للتعبير عن المفهوم العام للرؤية الفنية للمتلقي سواء من الجيل الجديد الذي يجب أن يتعايش مع موروثه أو للعالم ليقدمه على أساس بارع في التعبير عن الذات ما يهب العمل والتجربة خصوصية متفردة وبصمة تحاكيه بحيوية وحركية لها ثباتها القار على العلامة والرمز ولها تحولها مع الرؤى الحداثية كما فعل مصطفى الحلاج بتوظيف التاريخ الأسطوري للحضارة الكنعانية والفرعونية ومدى توافقها للتعبير عن الجذور الفلسطينية في الأرض بتوافق ملحمي لفكرة البقاء والخلود.
*عبد الحي مسلم
للفن التشكيلي العربي إيقاعه وخطوطه التي تنسجم مع الألوان مثلا الترابية والألوان الباردة والحارة فمن الأزرق إلى الأصفر والأخضر تختلف البيئة والطبيعة والعلامات ودلالتها الرمزية بدقة واضحة الشكل ومتباينة التعابير المتنوعة حسب الفكرة المقصودة مع توظيف الشخوص والملامح والعناصر والخامات لتتقمص كلها الدور المرجو منها لإيصال المعنى ومدلوله وهنا تتحقق المتعة البصرية أولا ويخلق العمل نوعا من الحضور المألوف والاكتشاف النابع من البيئة نفسها وأساسيات التعايش في المجتمع رغم الاختلافات العرقية والدينية وتوافقاتها مع سيكولوجيات المجتمع وعاداته وتقاليده وكذلك مع صداماتها وصراعاتها في قصصها زخارفها وأشكالها التعبيرية من النجمة والهلال والصليب والألوان والخط العربي والحرف ومجسم المعابد الجرس والقبة باختلافات ممتعة تعني الأصل كما في تجربة السوري محمد قباوة الذي جمع التراث مع أسلوب المنمنمات وحاكى به البيئة الشامية.
*عبد الرجمان المزين
إن تناول الجوانب التراثية ومعاني الهوية في العمل الفني التشكيلي ودلالته تحيل على الأصل والأصالة والجذور والتجدد في أبعادها المعنوية والمادية التي تبعده عن التقليد فالابتكار يحدد وظيفة الفهم ويبسط الفكرة على التقنيات والأسلوب والإخراج دون مساس بالأصل بل بتوفيق فكري وإبداعي.
*ثريا البقصمي
يتطلب اعتماد رموز وعناصر التراث الشعبي والهوية حرصا وحذرا عند الابتكار حتى لا يقع في المسخ والتشويه لأنه دلالة ثقافة ومقاومة وسلاح الحقيقة بمختلف معانيها التي تثير فكرة الأرض والهوية والأصل، ودون أن تتشابه الفكرة التوظيفية بين تجربة وأخرى تتعدد التجارب التي تدرك تماما انه لا يمكن للتعبير أن يحمل نفس الرموز الجاهزة واعتمادها بلا أي روح تجددها وتلازم فكرة التعبير المقصودة لأن مسألة الابتكار الفني لتلك العلامات هامة جدا لدورها في أن تبعد المنجز عن التكرار والجمود والعجز الفعلي لأنها تحيل على روح الفهم للمعنى الماضي في مراحله السابقة ومعانيه الجديدة.
*الاعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum