الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ورقة بحثية بعنوان: "ربع قرن على اتفاق أوسلو ..ما هي آثاره على القضية الفلسطينية؟"

تاريخ النشر : 2018-09-29
17/9/2018
ورقة بحثية بعنوان:
ربع قرن على اتفاق أوسلو ..
ما هي آثاره على القضية الفلسطينية؟
إعداد
 مجلس معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية    
اياد الشوربجي                        ماجد الزبدة                        عبد الله العقاد
رامي الشقرة                          اشرف مشتهى                    ابراهيم المدهون
عبد الرحمن صالحة

مقدمة:
لعله من المفارقات أن تتزامن ذكرى مرور ربع قرن على توقيع اتفاق أوسلو والمعروف رسمياً باسم "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي", بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني, والذي رعته الولايات المتحدة الأمريكية؛ مع قرار واشنطن بإغلاق ممثلية المنظمة لديها, بعد سلسلة إجراءات وقرارات أمريكية غير مسبوقة اتخذتها إدارة ترامب, بدءاً بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس, مروراً بوقف تمويل الأونروا أمريكياً, في محاولات لشطب حق العودة, وليس انتهاءً بإغلاق مكتب المنظمة في واشنطن. الأمر الذي يؤكد وصول عملية التسوية إلى حالة الموت التام, في ظل غياب القدرة على توفر أي مرجعيات بديلة, أو بيئة دولية إقليمية داعمة لاستكمال هذه العملية بما يضمن نيل الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.
أثار توقيع اتفاق أوسلو في 13 سبتمبر 1993 ولا يزال؛ موجة جدل واسعة في أوساط الشعب الفلسطيني وقواه ونخبه السياسية بين مؤيد ومعارض لهذا الاتفاق, وقد تشكل نتيجة لذلك تياران أو تجاهان, الاتجاه الأول هو الاتجاه الفلسطيني الرسمي, أقطابه رأس السلطة وفتح ومن دار في فلكما, والتيار الآخر هو تيار المقاومة والمعارضة الذي ضم معظم الفصائل الفلسطينية الوازنة, مؤذنا ببداية انقسام سياسي وبرامجي واضح في الساحة الفلسطينية. ورغم وصول مشروع التسوية إلى طريق مسدود, وتنكب الوسيط الأمريكي وتنكر "الشريك" الصهيوني لكل ما تم الاتفاق عليه, فيما خلا الوظائف والاشتراطات الأمنية؛ إلا أن البعض سيما فريق أبو مازن لا يزال مصراً على المضي قدماً في هذا المسار.
سيتم في هذه الدراسة تسليط الضوء برؤية تقييمية على هذ الاتفاق من حيث تداعياته وآثاره على القضية الفلسطينية, والمكاسب التي حققها أطرافه, واستشراف مستقبله السياسي.

الآثار السياسية لاتفاقية أوسلو
جاءت اتفاقية أوسلو في خضم انتفاضة الحجارة والتي أعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية وأربكت الاحتلال الاستيطاني الصهيوني وجلبت تعاطفا متصاعدا مع الشعب الفلسطيني حيث تحرك بعفوية وشمولية وبمشاركة جميع القطاعات، لهذا شكلت اتفاقية اوسلو بأنها التفافا على الانتفاضة، وأنها أعاقت تقدم حصان الثورة وأحبطتا وأخرت إنجازات الشعب، كما أقرت بكيان صهيوني لا يؤمن بالحقوق الفلسطينية، في حين تنازلت المنظمة  عن 78% من الأرض الفلسطينية لصالح المشروع الصهيوني من غير ضمان لإقامة دولة، بل مجرد وعود باستمرار المفاوضات..
وأسست اتفاقية أوسلو للانقسام الفلسطيني، وقبلها كان هناك توحد ضد الاحتلال، ولكن بعد توقيع تلك الاتفاقية أصبح هناك تيارين، تيار مقاوم يعمل ضد الاحتلال، وتيار آخر يتعامل مع الاحتلال وينسق معه وارتبط باتفاقيات محكمة اقتصادية وسياسية وأمنية، مما عزز فجوة الاختلاف والانقسام ادى لصراعات مستمرة، فتعتبر اتفاقية أوسلو بذرة الانقسام والتشتت، ولو لم تكن أوسلو لكانت قضية فلسطين اليوم مختلفة شكلا ومضمونا.
ورغم اتفاقية أوسلو إلا أن هيمنة الاحتلال الإسرائيلي والظلم والطغيان ضد الفلسطينيين يتمدد، كما أن الاستيطان يتوسع على حساب أراضي الفلسطينيين، وهذا كله يستفيد منه الاحتلال، ويستغل الاتفاقية لتعزيز وجوده وتعظيم احتلاله في ظل مساهمة الاتفاقية على تكبيل واعاقة المشروع الوطني الفلسطيني.
ولهذا أهم الآثار السياسية :
1- إضعاف الموقف الفلسطيني والقضية وشرعنة الاحتلال: فبعد أوسلو هرولت كثير من الدول للتصالح وتعزيز العلاقة مع الاحتلال بعدما كانت تعتبره قوة غاصبة لا شرعية لها،  ومنحت الاتفاقية للقوى العربية والإسلامية حجة للتطبيع وعقد الاتفاقيات مع الاحتلال. واستغل الاحتلال اتفاقية اوسلو لتحسين صورته في العالم.
2- تشكيل سلطة من غير دولة ولا سيادة: اتفاقية أوسلو أوجدت سلطة ذاتية دون دولة وقبل التحرير مما جعلت عبئ العمل الثوري مضاعفا وأحالت بين العمل التحرري واستكماله بسلطة تتوسط بين الشعب والاحتلال فقللت كلفة الاحتلال وتحملت أعباؤه في كبح جماح المقاومة والتصدي لها.، كما وضعت هذه السلطة نفسها تحت رحمة الابتزاز الإسرائيلي  مما افقدها الروح الوطنية وقدرتها على التعامل مع متطلبات التحرر، ومن خلال تكبيلها بالاتفاقيات والالتزامات الأمنية والاقتصادية وتفريغها من البعد الوطني باتت أشبه لسلطة تابعة ومرتبطة بالاحتلال.
3- تغول المستوطنين وخلق بيئة آمنة لهم: بسبب الالتزامات الأمنية والعمل على توفير بيئة آمنة للمستوطنين في الضفة والقدس فقد زاد عددهم وتضاعفت مساحة المستوطنات، فهناك زيادة اليوم أكثر من 400%  في الارض والمستوطنين، (فلم يكن يتجاوز عدد المستوطنين عام 1993 في الضفة الغربية 116 ألف مستوطن، وفي القدس 144 ألفاً، أما في عام 2016 فقد وصل عدد المستوطنين في الضفة الغربية إلى 420 ألف مستوطن، و240 ألف مستوطن في القدس، وهو ما أدى إلى سيطرة المستوطنات التي يبلغ عددها الآن 128 مستوطنة، 116 بؤرة استيطانية على حوالى 60% من مساحة الضفة الغربية وخلق واقعاً يستحيل معه قيام دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي وسكاني)( ).
4- انقسام فلسطيني رأسي وافقي: ما حدث من انقسام فلسطين تمثل في احداث 2007 ليس الا نتيجة مؤكدة لواقع اوسلو والذهاب لسلطة ذات التزامات امنية في مناطق شغرافية متباعدة يفصل بينهما الاحتلال، ومنذ توقيع الاتفاقية والاحتلال يتعامل بوضوح مع قطاع غزة بطريقة مختلفة عن الضفة الغربية لهذا ساهم في تباين بيئتين مختلفتين احداهما، ولهذا لو لم تكن اوسلو  لما وصل الشعب الفلسطيني لهذا الاتقسام القسري والذي شتت واقع فلسطيني موحد
5- اهمال الشتات: حصرت أوسلو الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، وتجاهلت فلسطيني الشتات وهم مخزون فلسطيني هائل مما أدى لتمزق ارتباطهم بقضيتهم وتم إهمال متطلبات عودتهم، وأدت لنتائج صعبة ساهمت في تجرؤ الاحتلال والولايات المتحدة لطرح نظريات وأفكار لتجاوزهم وطي صفحة عودتهم.
وتبقى هذه التداعيات عناوين، ينضوي تحتها تفاصيل كثيرة أمام ما تركته أوسلو من تهشيم واقع فلسطيني مقاوم، وتم استغلالها من قبل الاحتلال بسبب غموضها وتأجيل القضايا المهمة كالقدس واللاجئين والمستوطنات،  ولم تكن اتفاقية دولية ولم تخضع حتى للأمم المتحدة وقراراتها، فجعلت موازين القوى تحولها لاتفاقية



الآثار الاقتصادية لاتفاق أوسلو
يتميز الاقتصاد الفلسطيني بخصوصية، تميزه عن باقي اقتصاديات البلدان العربية، فمنذ نكبة عام 1948، وفقدانه لقاعدته الإنتاجية، تعرض ما بقي من مكوناته، لأوضاع سياسية جديدة في الضفة الغربية عبر إلحاقها للنظام الأردني، وفي قطاع غزة عبر الوصاية المصرية عليها، فرضت على اقتصاد كل من الضفة والقطاع، التكيف مع الأوضاع الجديدة.
وعلى إثر الاحتلال الصهيوني، للضفة والقطاع، في حزيران 1967، تعرض الاقتصاد الفلسطيني فيهما لأوضاع قسرية جديدة أفقدته القدرة على النمو والتطور بعيدا عن شروط الاحتلال وتحكمه في كافة الموارد الاقتصادية والقطاعات الإنتاجية وغير الإنتاجية، عبر سياسات وأوامر عسكرية، حالت دون تطور أو نمو البنية الاقتصادية بما يتعارض مع تلك السياسات، وعبر تعميق تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي، بما يضمن استمرار ترابط وتواصل هذه التبعية في كل الظروف.

ومع توقيع إعلان المبادئ في أوسلو ، فقد تم خلق أسس ومعطيات لبداية مرحلة جديدة من مراحل التطور في حياة شعبنا الفلسطيني في الضفة والقطاع، لا تؤثر في الجانب السـياسي فحسب، بل أيضاً تؤثر في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية بصورة متداخلة ومترابطة عضويا بين كافة هذه الجوانب، وكان قيام السلطة الفلسطينية في أيار 1994، التعبير الرئيسي المباشر عن طبيعة هذه المرحلة الجديدة وتداخل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كعنوان موحد ورئيسي شامل لم يسبق لقيادة م.ت.ف أو قيادة السلطة أن تعاطت معه بهذه الشمولية والاتساع والترابط والتعقيد.
نورد فيما يلي، تطورات الأداء الاقتصادي الفلسطيني واتجاهاته الرئيسية وابرز تحدياته خلال الأحد عشر عاما الماضية، تعبر عنها المؤشرات الرئيسية التالية :
1-    اتساع الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، وبين الوارد والصادر، بعد حدوث تحول بالغ الأهمية لجهة تقلص القاعدة الإنتاجية الفلسطينية وتراجع قطاعات الإنتاج السلعي/ الزراعة والصناعة/ وهي القطاعات القادرة على خلق دخل متجدد، واتجاه مضطرد للتحول نحو قطاع الخدمات غير الإنتاجية- ولهذا الموضوع تأثير بالغ الأهمية لجهة تعميق وزيادة التشوه في تركيبة الاقتصاد الفلسطيني وتهميشه.
2-    تسارع النمو في القطاع الحكومي بما لا يتناسب وحاجة البلاد. أو مع قدرة الاقتصاد المحلي على تحمل تمويل تكاليف هذا النمو، فضلاً عن أن هذا النمو في عدد العاملين في القطاع الحكومي وفي تكاليف هذا القطاع لا يصاحبه تحسن في الأداء الحكومي كماً أو نوعاً مما أدى إلى تحول القسم الأكبر منه إلى شكل من اشكال البطالة المقنعة.
3-    تراجع مستوى المعيشة إلى أكثر من الضعف قياسا بعام 1993 ، بفعل التضخم وارتفاع الأسعار وثبات الأجور والتوزيع غير العادل للثروة والدخل، وتراجع القطاعات الإنتاجية عموما والزراعة بصورة خاصة التي لا تتجاوز مساهمتها في الناتج الإجمالي 10.8% فقط في عام 2004.
4-    استمرار ضعف تطبيق التشريعات والقوانين الاقتصادية التي تم اقرارها، بفعل الاوضاع والعلاقات الداخلية التي ما زالت محكومة لقاعدة المحسوبيات واهل الثقة والفوضى والمصالح الانانية، مما اسهم في تعطيل البيئة التشريعية الاقتصادية، وتواصل النشاط الاقتصادي للسلطة (الحكومة) دون الالتزام بالمرجعيات القانونية التي تنظم عمل القطاع الحكومي والعام ومجالاته وآلياته، مما ساهم في استمرار معاناة اقتصادنا الفلسطيني وبقاءه ضمن حالة الانكشاف المستمر، والهشاشة والضعف، رغم الحديث عن اهمية اعداد الخطط التنموية للاعوام 2006-2008 على ضوء ما يسمى بالانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة، ويعود السبب في ذلك الى بقاء ادوات الفساد ورموزه على رأس العديد من مؤسسات السلطة الفلسطينية .
5-    التناقض المضطرد في قدرة الاقتصاد المحلي الفلسطيني على خلق فرص عمل جديدة وتراجع قدرته على التشغيل واستيعاب العمالة الفلسطينية في ظل تنامي ظاهرة البطالة بشكليها السافر والمقنع. حيث لم يستطع سوق العمل الفلسطيني أن يوفر جزءا كبيرا من فرص العمل الجديدة خلال الاعوام 2003/2004/2005، فيما انخفضت الأهمية النسبية للعمالة الفلسطينية في سوق العمل الإسرائيلي من 22.9% في نهاية عام 1999 إلى 9.7% في 2003 " . علاوة على اتساع الفجوة بين نمو القوى العاملة والقدرة على التشغيل.
6-    بالنسبة لتطورات التجارة الخارجية الفلسطينية، فما زالت إسرائيل تهيمن على هذه التجارة حيث أن نسبة وارداتنا منها تصل إلى 73% مقابل 2% فقط من الدول العربية، و 25% من باقي بلدان العالم، ولا يختلف الأمر بالنسبة للصادرات التي تصل حصة إسرائيل فيها أكثر من 92%  ، هذه الأرقام تجعل الاهتمام بتطوير العلاقة التجارية مع البلدان العربية باتجاه توسيع قاعدة المصالح المشتركة وتعزيز فرص نمو هذا التعاون مع الأولويات الضرورية في هذا الجانب .
7-    تنامي الاتجاه لزيادة العون الدولي للشعب الفلسطيني، حيث ارتفعت حجم المساعدات الدولية من حوالي 523.9 مليون دولار عام 1999 إلى حوالي 1051 مليون دولار عام 2002  ، وهي لا تغطي اثار الانتفاضة الفلسطينية وظروف الحصار والمعاناة التي تعرض لها شعبنا منذ أيلول 2000 حتى الآن التي تفرض تقديم المزيد من العون، لكن استجابة الدول الأوروبية للضغوط الأمريكية حالت دون تقديم أية معونات جدية، وهو أمر لا نستغربه قياسا بالدول العربية " الشقيقة " التي استجابت بدورها للضغوط الأمريكية ولم تقم بدورها في تقديم الدعم المادي لشعبنا إلا بالقدر الذي أوحت به واشنطن !
8-    منذ عام 1996 ، تزايد الاتجاه نحو إحلال القروض محل المنح في تمويل الاستثمار العام حيث تدل معطيات تقرير معهد ماس المشار إليه ، على ارتفاع حجم الدين العام الخارجي الفلسطيني ليتجاوز 990 مليون دولار عام 2003  ، بما يعني استمرار ارتهان الإنفاق الحكومي التطوري لما يتوفر من عون دولي ، سواء كمنح أو قروض .
9-    استمرار محدودية حجم الائتمان المصرفي حيث لم تزد نسبة القروض للودائع عن 40% –كما صرح محافظ سلطة النقد الفلسطينية د. جورج العبد في مايو 2005- وبالطبع فإنها تتراجع وتنخفض بدرجات عالية في ظروف الانتفاضة الراهنة، رغم أن السياق الطبيعي أو المنطقي في العلاقة في ظروفنا الراهنة يتطلب تزايد الدور الوطني للبنوك المحلية في دعم قطاعي الصناعة والزراعة والمشاريع الصغيرة، إلا أن استمرار الهبوط العام وغياب النظام وتفاقم مظاهر الخلل والفساد وعم الاستقرار، ساهم كل ذلك في تغييب الدور الواجب أن تقوم به البنوك في هذا الظرف.
10-    في ظل هذه الأوضاع، ارتفعت نسبة الفقراء إلى إجمالي السكان من 20.1% عام 97 إلى أكثر من 60% عام 2002 في الأراضي الفلسطينية، وقد اظهر مؤشر الفقر النسبي ان 67.6% من الأسر قد عانت من الفقر عام 2003  ، كما اظهر مسح نتائج الإجراءات الإسرائيلية على الأوضاع الاقتصادية للأسر الفلسطينية في أيلول 2004 ان 63.8% من الأسر الفلسطينية تقع تحت خط الفقر بواقع 53.5% في الضفة الغربية و82.7% في قطاع غزة  والأكثر أهمية في هذا الخصوص ، هو أن أسرتين من ثلاثة اسر فقيرة في قطاع غزة تعاني من حالة الفقر المدقع ، أي أنها غير قادرة على توفير المتطلبات الدنيا من الطعام والملبس والمسكن ، مقارنة مع أسرة واحدة في الضفة من كل أسرتين فقيرتين تعيش حالة من الفقر المدقع ، ما يعني تزايد نسبة الفقر بحيث وصلت في ظروف الانتفاضة خلال الفترة (2000 – 2005) –وبسبب البطالة- إلى 60% من مجموع الطبقة العاملة في السوق المحلي الفلسطيني، ولا نعتقد أن هذه النسبة ستتراجع بصورة ملموسة في ظل ما يسمى بالانسحاب الإسرائيلي والوعود والأوهام التي ارتبطت بذلك طالما بقيت اوضاع ومؤسسات السلطة الفلسطينية دون تغيير ديمقراطي يفسح المجال للمشاركة الديمقراطية لجميع القوى السياسية الفلسطينية .

وفيما يتعلق باستفحال ظاهرة الفقر والفقر المدقع وانتشارها بصورة لم يسبق لها مثيل من قبل، فإننا، لا بد من أن نؤكد على أن انتشار هذه الظاهرة، واستفحالها في ظروف الانتفاضة في مجتمعنا، لم تكن بسبب السياسات العدوانية الإسرائيلية –التي نقر بها سببا أساسيا- فحسب، ولكنها أيضا نتيجة للتراكمات السلبية للسياسات الداخلية طوال الأحد عشر عاما الماضية، وتعمق الخلل والانحطاط والفساد والتلوث الإداري والمالي، بحيث باتت ظاهرة الفقر والفقر المدقع لا تقتصر على المعيشة فقط، بل تتخطاها إلى الفقر في النظام وسيادة القانون العادل، وفقرا في القيم والعلاقات الاجتماعية والمشاركة، يتبدى ذلك مع استشراء مظاهر البذخ والإنفاق الجاري الذي يصل إلى 60 ألف دولار يوميا تصرف على المهمات والسفر للخارج والمباني الحكومية المستأجرة والتليفونات المحمولة والسيارات الفارهة، يترافق كل ذلك مع الاستيراد المفتوح بلا قيود أو ضوابط من السوق الإسرائيلي الذي زاد عن 2.2 مليار دولار عام 2003 أكثر من نصفه كماليات لا معنى لها سوى أنها تنسجم مع تراكم الثروات الطفيلية لدى العديد من رموز السلطة، بمثل ما تعبر عن هذه الفجوة التي تتسع باستمرار بين توزيع الدخل والثروات.

 
الآثار الأمنية لأوسلو

شكَّل إعلان المبادئ والرسائل المتبادلة نقطة فارقة في شكل العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال (إسرائيل).
فلم يكن مجرد حدث سياسي جاء في ظرف دولي وإقليمي يُعدُّ الأسوأ في تاريخ القضية الفلسطينية، بل كان أيضا نقطة تحول في سير حركة التاريخ على مسرح العمل الوطني، فتجاوزت تداعياته حدود الجغرافيا حيث معالم الوطن المنشود في خضم التهويد المستمر والنهب للموارد والاقتطاع للأرض.
فعلى منظمة التحرير الفلسطينية أن تنبذ المقاومة التي وسِمت بالإرهاب والعنف، وتحذف البنود التي تتعلق بها في ميثاقها.. وأن تُكلف (إسرائيل) بالمسؤولية عن حفظ أمن منطقة الحكم الذاتي من أي عدوان خارجي..
 لقد صدق إدوارد سعيد مستنكراً، كيف تحولت منظمة التحرير الفلسطينية نفسها من حركة تحرر وطني إلى ما يشبه حكومة بلدية صغيرة..؟!( ).
ولكنَّ الأكثر إيلاماً كانت اللوثة العقلية وهي ما أصابت البنية الثقافية والمعرفية لطغمة متنفذة تشوهت فيها الهوية الوطنية؛ فانعدمت عندها حدود الرؤية الفارقة بين الأعمال الخيانة والمصالح الوطنية..
وذلك بما يسمى "التنسيق الأمني"، المصطلح الذي طفح على السطح الوطني متزامناً مع تطبيق بنود إعلان المبادئ.
وإن كان المصطلح في أصل الوضع اللغوي يأتي بمعنى التنظيم، وهو ما جاء من الكلام على نظام واحد وعطف بعضه على بعض، وما يحمله من دلالة تبادلية بلطف وعطف وتفاهم.
ولكن، وبفارق شاسع كانت الحقيقة التي عكسها واقع الممارسات الأمنية إذ جاست أجهزة السلطة الأمنية خلال ديارنا فداهمت واعتقلت، ولاحقت، واغتالت أبرز رجالات المقاومة.. وما خفي أعظم!
لكن، ما المقابل الوطني وإن كان من يتورط في تلك الفواحش لا يتبقى للوطن في أجندته مكان أو متسع..؟!
فإن كل ما كان يعطيه الاحتلال لم يتجاوز أبداً ما يعطيه لعملائه المأجورين من امتيازات، وتسهيلات مقابل العلاقات التي وسمت على مدار الصراع مع الاحتلال بالخيانة، ولم يكن ليجرؤ أحد على قبول تبريرها بأي مبرر وتحت أي ظرف كان.
هي نفسها العلاقة التي نجدها تتم عبر الوكلاء الأمنيين، ولكنها تمارس اليوم ليس بفعل أفرادٍ ناشزين عن الطوع الوطني أو شاذين عن الاطار المجتمعي العام.
وفقد تكفل بحركة "التنسيق الأمني" أجهزة أمنية تابعة للسلطة الفلسطينية بموجب اتفاق خاص تم التوصل إليه في روما في يناير 1994م، بين شخصيتين ترأستا فيما بعد جهاز (الأمن الوقائي) في قطاع غزة والضفة الغربية، وشخصيتين أمنيتين من الاحتلال وهما، يعقوب بيري رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (شين بيت) آنذاك، وأمنون شاحاك إذ كان نائب رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال.
وإن لم يكن هذا الجهاز (الوقائي) واردًا في اتفاقات التي وقعت في واشنطن أو القاهرة، ولكن في اتفاق شفوي بين الطرفين.. وقد توصل الطرفان في ذلك الاجتماع إلى أن (إسرائيل) سوف تعطي جهاز الأمن الوقائي حرية الحركة والعمل في مختلف المناطق الفلسطينية، مقابل أن يقوم الجهاز بحملة واسعة ضد المقاومة الفلسطينية المسلحة آنذاك وخاصة حركة حماس.
"التنسيق الأمني" بذلك عمالة، ولكن بالجملة..!
العجيب أنه وفي كل مناسبة تتأزم العلاقة بين قيادة السلطة في رام الله وبين شركائهم تلوح الأولى بوقف "التنسيق الأمني"، لو كان ذلك التنسيق لا يخدم غير الاحتلال؛ لما هددت السلطة بوقفه، وهي تعلم أنها بهذا السلاح تستمد شرعية بقائها أو امدادها بأسباب البقاء من أموال عائدات الضرائب الفلسطينية التي تمثل ثلثي ايرادات السلطة، فهي سلطة مكبلة وتعلم أنها رهينة لا تنعتق عن مركزها الاقتصادي.
ولكن، السؤال الذي يلح دوماً مع كل مناسبة تهدد فيها السلطة بوقف التنسيق الأمني..
هل ذلك تهديد أم تذكير بقيمة الدور الذي تلعبه أجهزة أمنها في الحفاظ على الأمن العام للاحتلال؟
     قبل الجواب أعرض لما كشفته التقديرات الأمنية الصهيونية من التخوفات جراء تصاعد أعمال المقاومة في الضفة الغربية والقدس خشية تطورها إلى انتفاضة ثالثة، وما تعنيه الانتفاضة الثالثة في الضفة الغربية والقدس التي يتحرك نحوها مشاعر ما يقرب من اثنين مليار إنسان مسلم على وجه الأرض.
لكن يتضاءل ذلك التخوف وفق تلك التقديرات ذاتها لوجود عامل مهم ألا وهو "التنسيق الأمني" الذي تحرص السلطة في رام الله على استمراره؛ لأنها ترى أن انتفاضة الثالثة لن تكون لمصلحتها.. وي كأن الاحتلال جعل من مصير السلطة متعلق بمصالحه الأمنية.. فالحديث ليس عن المصير المشترك، بل المصير مقابل مصالح لأغراض احتلالية فقط..
وفي تقرير نشره مركز الفلسطيني للإعلام استعرض فيه ركائز التنسيق الأمني وعددًا من ميادينه.
ركائز التنسيق الأمني( ):
أولاً: ظهور أجهزة أمنية فلسطينية غير جهاز الشرطة وخارج نصوص الاتفاقيات المعلنة، حيث ظهرت أجهزة مثل الأمن الرئاسي، والأمن الوطني، والأمن الوقائي، والمخابرات، والاستخبارات وأمن المؤسسات، والبحرية وغيرها، وتبين أن جزءًا من عملها يصب في ملاحقة "الإرهاب" عن طريق الاعتقال المباشر، أو التهديد أو الطرد من الوظيفة.
ثانياً: تسليح السلطة الفلسطينية وفق المعايير "الإسرائيلية" وتحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية "الإسرائيلية".
ثالثاً: ربط الفلسطينيين بالمال لكي يبقوا ملتزمين بالأمن "الإسرائيلي" حيث تم استئجار الفلسطينيين بصورة غير مباشرة لخدمة الأمن "الإسرائيلي"، والسلطة الفلسطينية تعي تماما أن توقفها عن التنسيق الأمني مع "إسرائيل"، وحل الأجهزة الأمنية التي تخدم الأمن "الإسرائيلي" سيؤدي إلى توقف تدفق الأموال إليها، وسيتوقف صرف رواتب موظفيها.
رابعاً: تشجيع الفلتان الأمني لكي يتحول انتباه الشعب الفلسطيني عن خدمة "إسرائيل" أمنيا لصالح طلب الأمن المدني لأنفسهم.
خامساً: وجود إشراف أمريكي على التزام السلطة الفلسطينية بالمتطلبات الأمنية “الإسرائيلية” ، وبالتالي اتفقت “إسرائيل” وأمريكا على توظيف منسق أمني أمريكي للتأكد من حسن أداء السلطة الفلسطينية لمهامها الأمنية، ولتوجيه السلطة الفلسطينية بالطريقة المناسبة التي تحقق أقصى أمن ممكن للإسرائيليين بمن فيهم المستوطنون.
سادساً: تشييد المواقع الأمنية ومراكز التدريب بإشراف أمريكي، حتى بنت أمريكا العديد من المراكز الأمنية للأمن الوقائي والمخابرات والشرطة والاستخبارات وفق مواصفات تتناسب مع سهولة سيطرة "إسرائيل" عليها فيما إذا لزم الأمر، وأنشأت مراكز تدريب متطورة وخصوصًا في أريحا.
وللتنسيق الأمني عدد من الميادين( ):
1- الدوريات المشتركة والتي تعني أن تسير دوريتان عسكريتان فلسطينية وإسرائيلية معا لضمان أمن بعض الطرق عبر المدن الرئيسية.
2- ملاحقة سلاح المقاومة وهو السلاح المخصص لقتال “إسرائيل” والذي تحمله عناصر المقاومة التابعة لبعض الفصائل الفلسطينية بخاصة حماس والجهاد وشهداء الأقصى.
3- اعتقال من يشتبه برغبتهم ونواياهم بمقاومة الاحتلال وزجهم بالسجون بدون محاكمة وتعذيبهم بشدة.
4- ملاحقة التنظيمات التي تتبنى فكرة المقاومة، وهدمها تمامًا والقضاء على بناها التحتية كما يحصل الآن ضد حركتي حماس والجهاد الإسلامي وشهداء الأقصى في الضفة الغربية المحتلة.
5- إشاعة الذعر في صفوف الشعب الفلسطيني من حيث نشر المخبرين ومندوبي أجهزة الأمن للتفتيش على أقوال الناس وأعمالهم وتوجهاتهم، وملاحقة المنتقدين للسلطة وأجهزتها الأمنية.
وقبل أن ننهي نذكر بأن رئيس سلطة التنسيق الأمني هدد بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل 58 مرة، لكن أيا من هذه التهديدات لم يجد طريقه للتنفيذ، بل انتهت عند تصريحه المشهور "بأن التنسيق الأمني مع إسرائيل هو أمر مقدس" (قالها عام 2014 وعام 2016)، بل إن الوزير الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قال حرفيا: "يستحق ضباط التنسيق الأمني الفلسطيني كل الشكر على دورهم" (افيغدور ليبرمان –جروزلم بوست 13 فبراير 2018).
وتشير دراسة صادرة عن معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية – في ديسمبر 2017 أن التنسيق الأمني هو جزء هام من الهيكل الأمني الفلسطيني الذي يضم 80 ألف فرد وهو ما يساوي 44%  من مجموع موظفي السلطة من العسكريين والمدنيين، وأن هذا الجهاز يستحوذ على 40% من ميزانية السلطة، وهو ما يتفوق على مجموع النفقات على التعليم والصحة.
وتشير الدراسة إلى أن التنسيق ساهم في إجهاض 40% من الهجمات التي كانت مخططة لضرب الاحتلال، وأن هذه النسبة ترتفع في لحظات التوتر مع الاحتلال كما حدث خلال شهرين من نهاية 2015 وبداية 2016 حيث نجح التنسيق الأمني الفلسطيني في إجهاض 200 هجوم محتمل، واعتقال الخلايا التي خططت لهذه الهجمات، ومجموع أفرادها  حوالي 100 عنصر.
لكن الدراسة الأوروبية تلفت الانتباه لظاهرة معاكسة وهي ارتفاع نسبة الجرائم المدنية في المجتمع الفلسطيني من ناحية، وارتفاع نسبة هجمات المستوطنين على الأفراد والممتلكات الفلسطينية بنسبة 33% خلال الفترة من 2014 الى نهاية 2017، أي أن التنسيق الأمني يخدم طرفا (إسرائيل) ويضر الطرف الآخر(الفلسطيني)، والغريب أن الدراسة الأوروبية تشير إلى أن 85% من هجمات المستوطنين على الفلسطينيين وممتلكاتهم  لم يتم الكشف عنها أو انتهت بتقييدها ضد مجهول( ).
ألم يُجرم القانون الثوري مجرد التواصل والتخابر مع الاحتلال؟!
فكيف بمن يقدس العمالة ويجعلها سبيلاً وحيدًا للوطن..؟!

الآثار الوطنية لاتفاق أوسلو
أحدثت أوسلو تآكل شديد في القيم والمفاهيم الوطنية, لأول مرة يجري تجريم المقاومة واعتقال وملاحقة عناصرها من قبل أجهزة فلسطينية, كما جرى شرعنة ومأسسة التعاون الأمني الذي يُعتبر عملياً رديف للعمالة في الذهنية الفلسطينية وفي الأدبيات النضالية التي امتدت من عمر الصراع. وجرى على إثر ذلك اعتقالات واسعة في صفوف معارضي السلطة ورافضي أوسلو ومشروع التسوية, سيما من الإسلاميين من حركتي حماس والجهاد الإسلامي. كما جرى تصدع في الثقافة الوطنية نتيجة تحول المفاهيم وتبدل المصطلحات, حيث جرى وصف المقاومة بالإرهاب, والعدو بالشريك أو الطرف الآخر, فضلاً عن انتشار الأنشطة والفعاليات التطبيعية ضمن ما يُسمى "بثقافة السلام", ومنح الفرصة الكاملة للاحتلال للتوسع في سياساته وأنشطته الاستيطانية والتهويدية بشرعية فلسطينية رسمية. والأخطر أن هذا الاتفاق شكل جسراً للكيان الصهيوني لعبور العالم العربي والإسلامي ضمن سياسة التطبيع, فضلاً عن محاولة فتح الأسواق العربية في إطار ما يُسمى "بالسلام الاقتصادي"( ).
ومن تداعياتها على الصعيد الوطني أيضاً أنها أحدثت شرخاً وتصدعاً في صفوف الشعب الفلسطيني, وكانت سبباً رئيساً في حدوث مقدمات ظاهرة الانقسام الفلسطيني بصورته الحالية, نتيجة التفرد بالقرار والتوقيع على اتفاق رفضته معظم الفصائل والحركات السياسية الفلسطينية, حتى تلك المنضوية في إطار منظمة التحرير. كما أنها أخرجت أحد أكبر فصائل العمل الوطني من مربع الصراع والمواجهة مع العدو إلى مربع التطبيع والتعاون الأمني مع العدو, وهذه خسارة وطنية كبيرة للقضية الفلسطينية( ).
فضلاً عن ذلك فقد تسبب الاتفاق في تغيير ميثاق منظمة التحرير من ميثاق وطني تحرري مقاوم؛ إلى ميثاق تطبيعي تسووي قائم على حسن العلاقة مع الاحتلال, وقد حجم الاتفاق من دور المنظمة لصالح الجسم الوليد الذي نشأ نتيجة الاتفاق وهو السلطة الفلسطينية, التي استحوذت فيما بعد على معظم دور المنظمة والكثير من مجالات عملها, حتى تحولت المنظمة إلى إطار هامشي مفرغ من مضمونه, ولم تجر محاولات لإنعاشها إلا بعد فوز حماس في انتخابات 2006, في محاولة لكبح حماس عن الهيمنة على النظام السياسي الفلسطيني.
وقد كانت تداعيات أوسلو كارثية على المشروع الوطني التحرري , وجعلت الاحتلال بلا كلفة, ومنحته غطاءً سياسياً لديمومته, وديمومة مشاريعه التهويدية والاستيطانية, بل أن عنصر الأمن الفلسطيني أصبح حامياً لأمن الاحتلال وجنوده ومستوطنيه, في سابقة ربما هي الأولى من نوعها في تاريخ النضال الإنساني, دعمت بشكل كبير رواية العدو وأساطيره التي قام عليها .
 
المكاسب الفلسطينية من اتفاق اوسلو
لا بد هنا من تقصي ما يمكن اعتباره مكاسب تم تحقيقها فلسطينياً تمخضت عن توقيع اتفاق أوسلو بحسب ما تم رصده مما صرح به صانعيها ومؤيديها أو ما دونه المراقبون في هذا الصدد, وتتلخص هذه المكاسب في النقاط التالية:
1.    تشكيل كيان سياسي فلسطيني يدير شؤون نفسة على أرض فلسطينية لأول مرة، وإنشاء المؤسسات الإدارية والخدمية في إطار حكومي قادر على جلب الدعم المالي الدولي( ), وإن كان بلا سيادة.
2.    أعطت المجال للتعبير عن مظاهر الهوية الفلسطينية بما في ذلك الجواز الفلسطيني والعلم الفلسطيني والمناهج الدراسية الفلسطينية كعلامات من السيادة وتثبيت الهوية.
عودة نحو 55 ألف لاجئ فلسطيني إلى أرض الوطن، بمن فيهم الكثير من قيادات وعناصر منظمة التحرير الفلسطينية.
3.    إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين من سجون الاحتلال, ممن شاركوا في النضال الفلسطيني ومقاومة الاحتلال.
4.    سمحت بأن يعبر الشعب الفلسطيني في أراضي ال67 عن اختياره وإرادته الحرة من خلال إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية( ).
5.    ساهمت في تحسين أوضاع البنية التحتية ومنظومة الخدمات الاجتماعية وعلى رأسها التعليم والصحة, وتحسين أوضاع البيئة الاقتصادية, وبناء المؤسسات التي تمهد لقيام الدولة( ).
6.    اعتراف الكيان الصهيوني بمنظمة التحرير والتعاطي معها باعتبارها ممثل للشعب الفلسطيني بعدما عدها منظمة ارهابية لعقود, الأمر الذي ساهم بتكثيف النضال الدبلوماسي لصالح القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي( ).
والملاحظ أن جملة ما تم تحقيقه من مكاسب لا ترقى لتضحيات الشعب الفلسطيني ولا لتحقيق الحد الأدنى من حقوقه, ولا تقارن بحجم الخسارة أو التآكل التي تعرضت لها القضية الفلسطينية, أو المكاسب التي جناها الاحتلال الصهيوني. سيما وأن ما يمكن اعتباره مكاسب فلسطينية؛ تم تفريغه من مضمونه جراء سياسات الاحتلال وتنكبه عن استكمال مسار التسوية, والتزامه بما تم التوقيع عليه, كما صرح صائب عريقات بهذا المضمون عندما قال إن "إسرائيل" هي من انهت اتفاق اوسلو بحديثها عن مواعيد لم تلتزم بها وبتكثيفها للاستيطان( ).

المكاسب الصهيونية من اتفاق أوسلو
في قراءة متأنية بعيداَ عن بروبوغندا الإعلام الصهيوني ومراكز دراساته الموجهة للمتحدثين باللغة العربية وفي عملية تقييم واقعي وحقيقي للأهداف الوجودية لدولة الكيان وما يحمله من طبيعته الاحلالية الكولونيالية الاستيطانية لم يكن اعلان المبادئ الذي وقع بين دولة الاحتلال الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية اتفاقا عابرا يؤسس لتحقيق الحلم
الفلسطيني ببناء دولة فلسطينية حرة بعاصمتها القدس بل هندسة صهيونية لإنهاء ذلك الحلم.
فكرة عبقرية في تاريخ اسرائيل
بعد مرور ما يقارب ربع قرن على توقيع اعلان المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة (إسرائيل) ودخول الفلسطينيين اكبر مصيدة في العصر العربي الحديث ودخلت في دهاليزه بعيون مفتوحة استطاعت إسرائيل فيه ان تضمن استمرار احتلالها لفلسطين وتقليل حجم خسائرها سواء في رفض الشعب الفلسطيني لوجودها مرورا  بلفظ الشعوب العربية لإمكانية التعايش معها  وليس إنتهاءا بحالة العزلة الدولية التي كانت تعانيها إسرائيل من دول واحرار العالم وذلك من خلال استراتيجية عملية التسوية باستغلال الفلسطيني نفسه وجعله أداة مهمة  في تمرير مخطط الانتشار العربي والإقليمي والدولي و شرعنه وجودها كدولة والاعتراف بالفلسطيني كأقلية تعيش داخل حدود دولة الكيان وله جسم يمثله وهوما كان مطلبا إسرائيليا منذ عام 1968م بإقامة سلطة فلسطينية  تجمل شكل الاحتلال بل يتحمل تبعات المطالب الصهيونية ويحوله الى احتلال ناعم بدون دفع أي ثمن لاحتلاله( ).
أوسلو مشروع الحل الدائم
استطاعت إسرائيل ان تهمش القضايا الأساسية للشعب الفلسطيني (الاستيطان-القدس-الحدود-اللاجئين) وتحويل مسار اعلان المبادئ عام 1993 من معاهدة سلام الى وسيلة لوضع ترتيبات الحكم المؤقت ومع مرور الزمن ومع انتهاء المدة الزمنية المحددة بخمس سنوات للمفاوضات التي تفضي الى ولادة دولة للشعب الفلسطيني وكيانية ممثلة لتطلعاته واستفادت إسرائيل من الوقت لترسيخ وجود الاستيطان بل قضم أراضي ال 67 وانهاء حلم قيام الدولة الفلسطينية وإبقاء الشعب الفلسطيني بنظامه السياسي تحت مسؤولية سلطة  إدارية دائمة تهتم بالشؤون المدنية للفلسطينيين بعيدا عن ملامح السيادة والكيانية الدولية.
أوسلو ووهم الانقسام الصهيوني
عارض اليمين الصهيوني توقيع أي اتفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية بالرغم من اعتراف ياسر عرفات بدولة الكيان ونبذ الإرهاب وشطب حق اللاجئين بالعودة من خلال حل الدولتين الذي تبناه بل تجاوز الى المشاركة الفاعلة في مؤتمر شرم الشيخ 1996 لمكافحة الإرهاب الفلسطيني والغاءه للبنود التي تتحدث عن العمل المسلح في الميثاق الوطني وشطب أي بند يتعلق بالقضاء على الاحتلال كل ذلك لم يشفع للمنظمة عند اليمين الصهيوني لاعتقادهم ان مشروع أوسلو سينهي الاستيطان ولكن بعد مرور الوقت واتضاح الرؤيا الصهيونية في إدارة عملية التسوية وحجم المماطلة وتضييع الوقت لرسم معالم جديدة على الأرض وتغيير ديموغرافيا الضفة الفلسطينية وجغرافيا الوجود الصهيوني .
في حين ان اليسار الصهيوني لعب دوراَ مخالفاَ لليمين ليضاعف من علاقاته مع المنظمة بعد ان بادر ياسر عرفات من خلال النرويج عام1979 لتوفير قناة اتصال سرية مع الإسرائيليين عندما رفضت إسرائيل ذلك استطاع اليسار الصهيوني من الحديث مع المنظمة بل بدأت بعدها سلسلة انحراف المنظمة عن أهدافها الكبرى واللعب على وتر الحل المرحلي.
وفي كلا الحالتين سواء من اقصى اليمين الى اقصى اليسار الصهيوني العامل المشترك الدائم في العقلية الصهيونية هو الاستمرار في الاستيطان وضم الضفة الفلسطينية الى دولة الكيان.
اوسلو مشروع العبقرية الصهيونية لإنهاء الصراع بالرؤيا الإسرائيلية ورسم ملامح التمثيل الفلسطيني ليتناغم مع تلك الرؤيا تحت راية وحدة الموقف الصهيوني امام الموقف الفلسطيني والعربي الهزيل وغياب لمشروع وطني جامع للكل الفلسطيني.  
خيارات الفلسطينيين للخروج من نفق أوسلو المظلم
اليوم وبعدما اتضحت جلياً التأثيرات المدمرة لاتفاقية أوسلو على مكانة القضية الفلسطينية ووحدة الشعب الفلسطيني تكثر التساؤلات المُلحّة: هل السلطة الفلسطينية قادرة على الخروج من نفق أوسلو المظلم؟ وهي لديها الرغبة بذلك؟ وهل تملك القوى والفصائل الفلسطينية من القدرة ما يساعدها على تجاوز هذا الواقع بمنأى عن السلطة الفلسطينية في ظل الاعتراف الدولي بأن السلطة الفلسطينية هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني؟  
تعتبر اتفاقية أوسلو اتفاقية دولية قانونية ملزمة للطرفين، وطالما أن الاحتلال قد تحلَّل من كافة التزاماته المتعلقة بقضايا الحل النهائي وإقامة الدولة الفلسطينية فإن سحب منظمة التحرير الفلسطينية اعترافها بدولة الاحتلال وطعنها باتفاقية أوسلو والتحلل منها –إن توفرت لديها الإرادة الوطنية- والإعلان عن حل السلطة الفلسطينية لزيادة كلفة الاحتلال يبقى الخيار الأيسر والأقل تكلفة للشعب الفلسطيني في المرحلة الراهنة.
إنّ إتمام الوحدة الفلسطينية الداخلية وإنهاء الانقسام الفلسطيني وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وفق مبدأ الشراكة السياسية والاعلان عن المرحلة الراهنة كمرحلة تحرر وطني فلسطيني هو الخيار الأفضل للقضية الفلسطينية، حيث يلتئم الشمل الفلسطيني فيتضاعف مثلث القوة والتأثير الفلسطيني ما بين حاضنة شعبية مؤازرة ومقاومة مشتعلة شعبيا وعسكريا لمضاعفة الضغط على الاحتلال، ودبلوماسية فلسطينية ترفع الصوت عالياً أمام المحافل الدولية للمطالبة بدعم الحق الفلسطيني في الحرية والاستقلال.
المؤسف فلسطينيا أن الوقائع الميدانية والتصريحات السياسية الصادرة عن قيادات السلطة الفلسطينية تشير إلى رفض رئيس السلطة محمود عباس إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وإتمام الوحدة الفلسطينية وفق مبدأ الشراكة السياسية مع قوى المقاومة الفلسطينية، وعدم سعيه نحو بناء اقتصاد فلسطيني مستقل بعيدا عن التبعية والارتباط بدولة الاحتلال، إضافة إلى تصدّيه لفكرة الانسحاب من اتفاقية أوسلو التي تسببت في إحداث شرخ في البيت الفلسطيني منذ توقيعها قبل خمسة وعشرين عاما، والأدهى هو عدم التزامه بقرارات المجلسين الوطني والمركزي بإيقاف التعاون الأمني مع الاحتلال والذي يهدف إلى القضاء على أية مقاومة شعبية أو عسكرية ضد الاحتلال بل وذهاب الرجل بعيداً عن الأهداف الوطنية الفلسطينية بمشاركته العلنية في حصار غزة ومعارضته لأية تهدئة انسانية مع الاحتلال تؤدي إلى تخفيف حصار غزة.
أمام هذا الواقع الفلسطيني المأساوي بفعل إصرار السلطة الفلسطينية على التمسك بأوسلو فإن إقدام قوى المقاومة الفلسطينية –بمؤازرة من فلسطينيي الخارج- على خيار الطعن بشرعية عباس والعمل على عزل السلطة الفلسطينية وإعلان عدم تمثيلها للشعب الفلسطيني هو الخيار الأكثر كلفة، نظرا لما يتطلبه هذا الخيار من تكثيف التصعيد الشعبي والعسكري ضد الاحتلال في الضفة المحتلة، وإيجاد تشكيلات فلسطينية ممثلة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج على شاكلة المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، إضافة إلى ما قد يواجهه هذا الخيار من تحديات سيما من السلطة الفلسطينية التي اعتادت احتكار التمثيل الفلسطيني وتحرص على إجهاض أي حراك فلسطيني داعم للقضية الفلسطينية بعيدا عنها.
تبقى المقاومة الشعبية والمسلحة هي الخيار الأفضل لانتزاع الحقوق الفلسطينية من براثن الاحتلال، وعليه فإن القوى والفصائل الفلسطينية مدعوة اليوم للمبادرة العملية بوضع استراتيجية وطنية تعمل على إيقاف النزيف الذي أحدثته اتفاقية أوسلو في الجسد الفلسطيني، وتتجاوز إفرازات أوسلو بما فيها السلطة الفلسطينية ذاتها من خلال:
•    تشكيل جسم تمثيلي يضم كافة أطياف الشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين.
•    سحب الاعتراف بدولة الاحتلال والتمسك بالثوابت الفلسطينية وفي مقدمتها عروبة مدينة القدس وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وفق القرارات الدولية.
•    الطعن في شرعية محمود عباس والسلطة الفلسطينية بتمثيل الشعب الفلسطيني.
•    تكثيف المقاومة الشعبية والمسلحة في الضفة والقدس.
•    تفعيل دور الجاليات الفلسطينية في الخارج للضغط على الاحتلال.


المراجع:
 ( أسامة يوسف, اتفاق أوسلو: التداعيات الكارثية على القضية الفلسطينية, موقع العربي الجديد 30/9/2017, .
  ) المراقب الاجتماعي، عدد(8)، مرجع سبق ذكره، صفحة المؤشرات.
  ) الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فلسطين في أرقام 2002، أيار 2003، ص36.
  ) المراقب الاقتصادي، عدد (10) ، مرجع سبق ذكره، صفحة المؤشرات.
  ) تقرير التنمية البشرية 2004، مرجع سبق ذكره، ص54.
  ) المصدر السابق، ص55.
  ) المراقب الاجتماعي، عدد (8)، مرجع سبق ذكره، ص50.
( عبد الله العقاد, التنسيق الأمني.. عقد باطل مع الاحتلال, صحيفة فلسطين 12/2/2015,
(  المركز الفلسطيني للإعلام, التنسيق الأمني.. هل تنفك السلطة عن وظيفتها "المقدسة"؟, تقرير بتاريخ 8/8/2018,
 ( المصدر السابق.
(  محمد عطا الله, تقدسه رئاسة السلطة: ربع قرن على "أوسلو".. التنسيق الأمني في أوج مراحله!, صحيفة الرسالة 11/9/2018,
 ( أنظر أيضاً عوني فرسخ, لمصلحة من إنجازات فريق أوسلو؟, المركز الفلسطيني للإعلام 27/10/2006,
 ) سعيد الحاج, ما لم أكن أعرفه عن أوسلو, موقع نون بوست 6/2/2014,
(  وليد القططي, 25 عامًا من "بيع الوهم": "أوسلو" خطيئة سياسية دمرت القضية الفلسطينية وساعدت في تثبيت الاحتلال, حوار خاص مع وكالة فلسطين اليوم الإخبارية 11/9/2018,
(  انظر ديفيد ماكوفسكي, اتفاقية أوسلو لا تزال ذات أهمية بعد عشرين عاماً, معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى 16/9/2013,
 ) حنا عيسى, اتفاقية اوسلو لسنة 1993 "الايجابيات والسلبيات", موقع دنيا الوطن 25/5/2015,
(  كمال إبراهيم علاونه, اتفاقية أوسلو المرحلية 1993 - 2013 .. والرؤية الفلسطينية للدولة بين الاستقلال والاضمحلال, موقع دنيا الوطن 14/9/2013,
(  راجع كلام مسعود اغبارية, 20 عاما على أوسلو: محطة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية, موقع عرب 48 في 16/9/2013,
(  وكالة سوا للأنباء, عريقات: اسرائيل هي من انهت اتفاق اوسلو, 15/9/2016,
  )  وكالة فلسطين اليوم، "أوسلو".. فكرة عبقرية ضمنت بها "اسرائيل" استمرار احتلالها دون أن تدفع الثمن،
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف