الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أمة تئن بين الضلع والسن بقلم: عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2018-09-27
أمة تئن بين الضلع والسن بقلم: عادل بن مليح الأنصاري
أمة تئن بين الضلع والسن ( عادل بن مليح الأنصاري )

لن أهتم هنا بمصداقية حادثة كسر ضلع الزهراء من عدمه فهناك دراسات مستفيضة تتناول هذه الحادثة بكافة أنواع التحليلات وسرد الأدلة المؤيدة أو الداحضة لكلا الفرقاء , ولكن لا شك أن هذه الحادثة بكل ما يحيط بها من إشكاليات وبالرغم من مرور أكثر من 1400 سنة على حدوثها , إلا أنها لازالت تتربع تبعاتها على عقول الكثير من أبناء الأمة الإسلامية شيعة وسنة , وليت الأمر يتمحور حول الدهماء والبسطاء ولكن الأدهى إثارتها حتى من قبل بعض العلماء والذين يلعبون دورا توجيهيا وقياديا لشباب الأمة , وكلنا يعلم أن الشيعة لهم طقوس عقائدية عديدة عبر العام يحتفلون بطرقهم الخاصة بمظلوميات عديدة وقعت على بعض آل البيت ( كما يدعون ) , ولعل حادثة كسر ضلع الزهراء تكاد تطغى على تلك الفعاليات وما يصاحبها من بكاء وعويل ونحيب ولطم و (تطبير) , وكذلك تعودنا في كل عام من الاستماع عبر بعض الفضائيات لبرامج ومقابلات وتغطيات لهذه الأحداث وما يصاحبها من برامج يقوم بعضها بدور المتظلم والمُهّيج للمتشيعين , وما يقابلها من دحض تلك المظلومية من قبل منكريها , كل ذلك مشاهد ويتكرر كل عام , وربما هذا التكرار والمبالغة في تناول الأحداث بكل أنواع التوجيه النفسي والعرض الإعلامي والذي يتطور بأدواته وأساليبه كل عام , هو ما يهمنا في طرحنا العابر , فالأمة الإسلامية عانت ومازالت تعاني وستظل تهاني من أحداث وقعت قبل قرون وبغض النظر عن درجة المصداقية في أحداثها وجزئياتها , إلا أنها تشكل ظاهرة إنسانية تحتج لدراسة عميقة , خاصة وأنها لاشك تضع علامات استفهام كبيرة ومستعصية أما المراقبين من خارج أمتنا الإسلامية , ففي الوقت الذي تواجه هذه الأمة تحديات حضارية معاصرة تتطلبها المرحلة الحالية والمقبلة من ثورة هائلة وقفزات لا تصدق للعلم وانطلاق الإنسان نحو اكتشافات مذهلة وعبقرية في كل ما يحيط به في هذا الكون من أدق تفاصيل جزئيات جسده ومرورا بظواهر الأرض وباطنه وبحاره وحتى الكون الفسيح الذي وقف العلم باهتا أمام حقيقته واتساعه وغموض أسراره , نضيف على ذلك هذه الطفرة الإنسانية في سرعة وتطور الاختراعات الحديثة في شتى المجالات واكتشاف أسرار كثيرة نحو الكون والحياة البشرية قديمها وحديثها .
وبشيء من الواقعية فلنواجه سؤالا مهما يتبادر لأذهان البعض , أين نحن كأمة إسلامية من تلك الطفرة العلمية الشاملة , ولن نحاول الإجابة ولكن يكفي أن نلقي نظرة على واقعنا المعاصر ونبحث عن مكانتنا بين الأمم في ما سبق , هل نبالغ لو قلنا أن مقاليد التطور الحديثة في شتى المجالات يتخطفها الغرب والشرق , بينما نكتفي نحن أبناء الأمة بتلقي منتجاتهم المعاصرة ونأخذ ما ينتج عن فكرهم واختراعاتهم وما يتوالد في معاملهم وليس لنا أي مشاركات مهمة تذكر .
من المستفيد في إغراقنا في حوادث تاريخية مرت عليها قرون ومازالت تغيبنا عن الواقع المعاصر وما تتطلبه المرحلة الحديثة من التسابق نحو العلم والتصور البشري , من المؤلم أننا لن نستطيع سرد إفرازات تلك الصراعات التي تنافي كل ما هو معقول سواء أكان إنسانيا أو حضاريا أو حتى إسلاميا , لن نتفرع لطرح الأدلة والحكم والأطروحات عن حقيقة تسامح الإسلام كدين إنساني حضاري يدعو للرحمة والتسامح والمحبة بين الفرد والمجتمع وبين الأفراد وبعضهم وبين الأمم كافة , هذا الدين الذي حث الإنسان على مجرد الابتسام في وجه أخيه الإنسان , بل وحتى شجعه كونها صدقة يثاب عليها , هذه الفعلة البسيطة العابرة لم يتوانى الدين الإسلامي عن الإشارة إليها , ويرتقي بتعاليمه حتى يشمل البشرية جميعها , ( فمن أحياها فكأنما احيا الناس جميعا ) , دين يتناول في تفاصيله رحمة الحجر والشجر والعجزة والأطفال , دين يمنعك من مجرد التبول في ظل شجرة ليتمكن أخ لك في الإنسانية من الجلوس تحتها ولا يتأذى من بقايا هذا البول .
من حول هذا الدين العظيم الذي بدأ خطابه للإنسانية بكلمة تختصر كل ما يفعله الغرب والشرق ( عدانا ) اليوم , أليست هي كلمة ( اقرأ ) ؟
من حول هذا الدين العظيم لمجموعة من الطقوس الدموية وتأجيج ثارات الغضب والدم من جيل إلى جيل , لتستمر هذه الخيانة العظمى لرسالة السماء الأخيرة وتحويلها لمظاهر خرافية وقصص ساذجة تتوارثها الأجيال تلو الأجيال , أمة ترك ( الكثير ) من أبناؤها المعامل والمختبرات والبحث في أسرار العلم والكون والطب والفيزياء ليتفرغوا لمهاترات ( الضلع المكسور والمسيار والمتعة وعبادة الموتى وصراعات لا نهاية لها في كيفية رفع اليدين وغيرها الكثير ) , لماذا تعج سماوات اليوتيوب والتي تخضع لإدارات الغرب وتساهم في نشر التخلف الحضاري والسخرية العميقة من أشخاص تصدروا المشهد الاجتماعي والثقافي والديني والفكري , وتصدوا لتشكيل عقول الأمة الواعدة الفتية بالكثير من السخافات التي لا تجد سوقا رائجة إلا بين أفراد هذه الأمة التي تئن تحت وطأة سخافاتهم المتوالية كل عام .
من يحمل وزر كل هذا الإثم الذي تأصل في عقول الأمة وقسمها لشيعة وسنة , وساهم في تنمية الخلاف والشقاق والحقد وحتى إسالة الدماء ؟
إن القانون الإلهي الذي نزل على موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام جميعا , وهو ( العين بالعين و السن بالسن ) , كحكم رباني يحقق العدالة بين البشر , يوضح حقيقة لا ريب فيها أن القصاص يكون عادلا عند أخذ الحقوق بين البشر , فمن فقأ عينك تفقأ عينه , ومن كسر سنك , تكسر سنه , ولكن كيف يطلب أبناء الأمة الإسلامية الواحدة تحقيق العدالة منذ 1400 سنة تقريبا ؟
بعيدا عن حقائق المنطق والعقل والإنسانية والحضارة أن تطلب طائفة من بني الإسلام بأخذ الثأر من شطر الأمة ( الأعظم ) ويتم التحريض على قتلهم وتشريدهم وحرق بيوتهم من أجل حادثة ( وإن صحت ) حدثت من قبل أشخاص معينين بذواتهم ومر عليها عدة قرون , هنا يتضح بما لا شك فيه , أن تغييب العقل والمنطق والعدالة يرفض هذه التصرفات الغير أخلاقية ولا إسلامية , إن أعظم وصف أسبغه نبي الأمة هو ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) , فأي بنيان هذا الذي يتعمد البعض بتلطيخه بالدماء والثارات الخرافية والهمجية وتوارث الأحقاد بين أبناء الأمة الواحدة من أجل أفكار عبثية وخرافات تناقلتها عقول حاقدة وربما قصدت الإساءة لأبناء الأمة الإسلامية الواحدة .
إن ما يطلبه بعض أولئك المنادين بالثارات كمن يسن قانونا ظالما جائرا ( العين بالسن ) فمن كسر سنك فلتفقأ عينيه , وهذا في أقل تقدير لمطالباتهم في تحقيق العدالة من وراء تلك القصص التي يمكن تجاوزها لمصلحة الأمة .
هل من سبيل لإحداث إفاقة إنسانية وإسلامية للخروج من هذه العبثية الغير أخلاقية ؟
هل سيستمر هذا العبث الثقافي السنوي لقصة المظلومية والمطالبة بالثأر من أمة كاملة وجرها أو ربما تجميدها في إطار هذا التخلف العبثي ؟
هل سنترك زمام اللحاق بمدارات التقدم والعلم والاكتشاف والطفرة الإنسانية الشاملة لنفكر في طرق جديدة في المطالبة بالثأر وعرض مظلومياتنا ؟
أما اكتفينا من الحروب والنزاعات والمؤامرات وتجميد المجتمعات في دائرة التخلف والجوع والمرض والجهل تحت عباءة الطائفية والمظلومية ؟
ألا يستطيع الإخوة الشيعة بالذات التوقف عن تلك المهرجانات والخطب العدائية نحو الغالبية العظمى من أبناء الأمة والبقاء رهن حوادث تاريخية موغلة في التاريخ وبات أطرافها بين يدي رب العالمين وسيجزى كل نفس بما كسبت ؟
من منح البعض منهم حق المطالبة بالثأر , ومن منحهم الحق في تأجيج الفتن بتلك الصور والعروض والمهرجانات التي لا تهدف إلا لزرع الفتن والشقاق بين افراد الأمة الواحدة ؟
لن نتطرق لما يحدث من جرائم وإسفاف وهمجية في الكثير من تلك المواد التي نراها ويراها العالم قاطبة من امتهان لعقل وكرامة البشر , كيف نعرض الحجة بسمو ديننا وصلاحه لكل ومان ومكان ولكل البشر ونحن نعرض عليهم تلك الخرافات التي لا يقبلها عقل ولا دين ولا منطق سليم ؟
كيف نقنعهم بإن الإسلام دين سلام ونحن نعجز عن فرضه فيما بيننا نحن ؟
كيف نقنع العالم بأن ديننا الإسلامي دين علم وابتدأ كتابه ودستوره العظيم بــ( اقرأ ) , ونحن نرقص ونبكي ونلطم ونادي بالثأر وقتل الآخر من أجل شبهة ( ضلع مكسور ) ؟
كيف نقنع العالم بعدالة ديننا الإسلامي ونحن ننادي بقانون ( العين بالسن ) ؟

أخيرا :
كيف نقنع العالم بأننا أمة تتطلع للمستقبل ونحن نقبع في الماضي ؟
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف