الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قراءة مؤسسة الحق القانونية لقرار المحكمة الدستورية العليا الخاص بالشأن العسكري والشرطة والقضاء المختص بمحاكمة عناصرها

تاريخ النشر : 2018-09-25
قراءة قانونية في قرار المحكمة الدستورية العليا التفسيري
حول الشأن العسكري والطبيعة القانونية للشرطة والقضاء المختص بمحاكمة عناصرها
صادرة عن مؤسسة الحق بتاريخ 24/9/2018

الملخص التنفيذي
1. أصدرت المحكمة الدستورية العليا القرار التفسيري رقم (2/2018) بتاريخ 12/9/2018 بشأن الطبيعة القانونية للشرطة الفلسطينية، ومفهوم الشأن العسكري لغايات تحديد اختصاص القضاء العسكري، والمحكمة المختصة بمحاكمة عناصر الشرطة. قرار المحكمة أخذ طابعاً عسكرياً حيث اعتبر الشرطة الفلسطينية قوة ذات طابع عسكري تخضع للقضاء العسكري متراجعاً بذلك عن قرار تفسيري سابق يعتبر أن اختصاصات الشرطة مدنية. ومنح القرار التفسيري القضاء العسكري ولاية هائلة على المدنيين، بتوسعه بلا حدود في تفسير الشأن العسكري، الذي يحدد ولاية القضاء العسكري، مخالفاً بذلك القانون الأساسي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان وما استقرت عليه الأنظمة الديمقراطية منذ زمن طويل ومتجاهلاً الممارسات الفضلى بل التوجه العالمي الذي يعتبر الشرطة جهازاً مدنياً كما ويحظر عرض المدنيين على القضاء العسكري. 
2. القرار التفسيري الصادر عن المحكمة الدستورية العليا خرج وعلى نحو جوهري وجسيم عن جميع الأصول والمبادىء القانونية الحاكمة للقرارات التفسيرية، بل وذهب إلى أبعد من ذلك بتعطيل نصوص واردة في قرار بقانون الشرطة لسنة 2017 بالحكم بعدم دستوريتها وحظر تطبيقها من خلال طلب تفسيري ودون وجود خصومة قضائية أو نزاع مثار أمام المحكمة الدستورية ودون بيان أوجه المخالفة الدستورية للنصوص التي جرى تعطيلها مخالفاً بذلك القانون الأساسي وقانون المحكمة الدستورية والمعايير الدولية، وبذلك فإن هذا القرار التفسيري لا يحوز على أية حجية ولا يعدو كونه مجرد رأي صادر عن قضاة المحكمة الدستورية غير ملزم.
3. لا توجد منهجية واضحة المعالم تحكم القرارات التي تصدر عن قضاة المحكمة الدستورية العليا، ولا توجد أسانيد قانونية واضحة تبين الأساس الذي يُبنى عليه القرار، ولا توجد أية إشارات للمعايير الدولية وتجارب الأنظمة الديمقراطية والممارسات الفضلى في القرار التفسيري الصادر عن المحكمة وما سبقه من قرارات، ولا توجد أية مصادر أو مراجع فيما ذهبت إليه المحكمة من قرارات، وفيما يبدو أن الاجتهاد الذاتي لقضاة المحكمة الدستورية العليا يلعب دوراً كبيراً في قراراتها، وعلى الرغم من أهمية دور المحاكم الدستورية في إنفاذ الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان على الصعيد المحلي إلا أن المحكمة الدستورية العليا الفلسطينية لا تلعب أي دور يذكر على هذا الصعيد، بل ساهمت من خلال قراراتها بما يشمل هذا القرار التفسيري في تعطيل إنفاذ الاتفاقيات الدولية والتأثير سلباً على الحقوق والحريات العامة، الأمر الذي دفع باللجنة المعنية بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) إلى توجيه انتقادات مباشرة للمحكمة الدستورية في ملاحظاتها الختامية على التقرير الرسمي الذي قدمته دولة فلسطين مؤخراً، كما أن قرار تشكيل المحكمة والقرارات الصادرة عنها كانت وما زالت تلاقي انتقادات واسعة من قبل المجتمع المدني الفلسطيني لمساسها بالقانون الأساسي ومنظومة الحقوق، الأمر الذي أضعف وإلى حد كبير من ثقة المواطنين بأداء المحكمة الدستورية.   
4. تعاني المحكمة الدستورية حالة من التخبط؛ فبعد أن أصدرت قرارها التفسيري الذي منح صلاحيات واسعة للقضاء العسكري على حساب القضاء المدني صاحب الولاية العامة، وفتح الباب على مصرعيه لإحالة المدنيين على القضاء العسكري، أصدرت المحكمة الدستورية العليا بياناً صحفياً موقعاً من رئيسها يتناقض تماماً مع ما قررته بشأن عرض المدنيين على القضاء العسكري قالت فيه إن قرار المحكمة لم يطال المدنيين على الإطلاق، وهو تطور لا يقل خطورة عن القرار التفسيري للمحكمة الدستورية، علماً أن تراجع المحكمة عن قراراتها، أو حالة التخبط التي ترافق قراراتها، تأخذ أشكالاً مختلفة حيث نجد أن المحكمة قد تراجعت مثلاً عن قرارها التفسيري السابق الذي يعتبر الشرطة جهازاً مدنياً بالنظر لاختصاصاتها المدنية في قرارها الحالي بعد أن قدمت تفسيراً ثانياً للطبيعة القانونية للشرطة مخالفاُ لتفسيرها الأول واعتبرت الشرطة قوة ذات طابع عسكري.
5. الشرطة جهاز مدني في مجال قانون حقوق الإنسان، ويتمتع بالحماية المقررة في القانون الإنساني الدولي؛ وهي الحماية المقررة للأشخاص المدنيين بموجب المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الرابعة، القرار التفسيري الصادر عن المحكمة الذي يعتبر الشرطة قوة ذات طابع عسكري لا يرتكز إلى أي أساس في القانون الدولي والنظم الديمقراطية بل والتوجه العالمي الذي يؤكد على الطبيعة القانونية المدنية للشرطة. تفسير المحكمة قد يستخدم كذريعة من قبل إسرائيل لتبرير استهداف الشرطة الفلسطينية عسكرياً لا سيما وأن إسرائيل قد استخدمت "فعلياً" تلك الذرائع لتقويض الصفة المدنية للشرطة الفلسطينية من أجل تبرير استهدافهم عسكرياً. يتوجب على دولة فلسطين أن تحسم أمرها بشأن الطبيعة القانونية للشرطة وفي حال تبني موقف المحكمة رسمياً فإنه يتوجب عليها بعد انضمامها للبرتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف وبخاصة المادة (43) فقرة (3) أن تُخطر أطراف النزاع الأخرى بذلك، أي بأن الشرطة الفلسطينية باتت قوة ذات طابع عسكري، بما يعنيه هذا الإخطار وبخاصة في مناطق الصراع وفي ظل تأكيد إسرائيل مراراً بأن الشرطة الفلسطينية ليست جهازاً مدنياً.
6. إن القرار التفسيري الصادر عن المحكمة الدستورية الذي منح القضاء العسكري صلاحيات واسعة على المدنيين يشكل تراجعاً كبيراً للتوجهات التي عبر عنها الرئيس في 15/1/2011 بحظر عرض المدنيين على القضاء العسكري، والتزمت بها الأجهزة الأمنية الفلسطينية لغاية اليوم، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من التدهور في حالة حقوق الإنسان التي تشهد أساساً حالة غير مسبوقة من التراجع في الآونة الأخيرة.
أصول ومبادىء التفسير الدستوري
إن القرار التفسيري الصادر عن المحكمة الدستورية رقم (2/2018) بتاريخ 12/9/2018 قد خرج عن جميع المبادىء والأصول الحاكمة للقرارات التفسيرية المبينة في القانون الأساسي المعدل وقانون المحكمة الدستورية العليا رقم (3) لسنة 2006 وتعديلاته وما استقر عليه الفقه والقضاء الدستوري المقارن، للأسباب التالية:
7. يشير القرار التفسيري الصادر عن المحكمة الدستورية العليا إلى أن طلب التفسير  المقدم للمحكمة من وزير العدل جاء بناءً على كتاب مدير الاستخبارات العسكرية المرفق بكتاب المستشار القانوني للرئيس وكتاب أمين عام مجلس الوزراء الموجه لوزير العدل والمؤشر عليه من رئيس الوزراء بالإحالة إلى المحكمة الدستورية، وجاء أيضاً بناءً على كتاب رئيس هيئة التنظيم والإدارة العسكرية الموجه للرئيس والمؤشر عليه من قبل الرئيس بالإحالة للمحكمة عبر وزير العدل، وذلك بخصوص تفسير المواد (84) و (101/2) من القانون الأساسي والمادة (53) من قرار بقانون رقم (23) لسنة 2017 بشأن الشرطة فيما يتعلق بالطبيعة القانونية للشرطة ومفهوم الشأن العسكري لغايات اختصاص القضاء العسكري والمحكمة المختصة بمحاكمة عناصر الشرطة.
8. بالرجوع إلى المادة (30) فقرة (1) من قانون المحكمة الدستورية العليا فقد نصت على أن " يقدم طلب التفسير من وزير العدل بناء على طلب رئيس السلطة الوطنية أو رئيس مجلس الوزراء أو رئيس المجلس التشريعي أو رئيس مجلس القضاء الأعلى أو ممن انتهكت حقوقه الدستورية". وبالتالي، فإن مدير الاستخبارات العسكرية ورئيس هيئة التنظيم والإدارة العسكرية لا يمتلكان الصفة القانونية التي تخولهما تقديم طلب تفسيري للمحكمة الدستورية، وإنما يجب أن يقدم طلب التفسير ابتداءً، وعلى نحو حصري، من قبل رؤساء السلطات العامة الثلاث أو ممن انتهكت حقوقه الدستورية. وحيث أن طلب التفسير قدم من جهات غير مختصة، وحيث أن تأشير الجهة المختصة على طلب مقدم من جهة غير مختصة لا يجعل من الأخيرة مختصة قانوناُ بتقديم طلب التفسير، وحيث أن القرار التفسيري للمحكمة الدستورية لا يفيد بوقوع انتهاك للحقوق الدستورية لكل من مدير الاستخبارات العسكرية ورئيس هيئة التنظيم والإدارة العسكرية، وحيث أن القرار التفسيري لم يبين الضوابط أعلاه التي ينبغي اتباعها في تقديم طلب التفسير الدستوري، فإن إجراءات تقديم طلب التفسير  للمحكمة الدستورية قد خالفت أحكام قانون المحكمة الدستورية وأصول وضوابط التفسير.
9. خالف القرار التفسيري المذكور الصادر عن المحكمة الدستورية العليا كافة الشروط الموضوعية الحاكمة للقرارات التفسيرية، التي تشترط لصحة القرار التفسيري أن يكون هناك نص تشريعي غامض، طُبق على أرض الواقع، وأثار تطبيقه خلافاً بين السلطات في الحقوق والواجبات والاختصاصات، وأن تكون هناك أهمية جوهرية تتطلب تفسير هذا النص، لضمان وحدة تطبيقه، وفق معيار موضوعي وليس شخصي، بما يستدعي والحالة تلك تدخل المحكمة الدستورية للتفسير. وهذا ما أكدته المادة (30) فقرة (2/ب) من قانون المحكمة الدستورية التي أكدت صراحة على أنه "يجب أن يبين في طلب التفسير: النص التشريعي المطلوب تفسيره، وما أثاره من خلاف في التطبيق، ومدى أهميته التي تستدعي تفسيره تحقيقاً لوحدة تطبيقه". وكذلك المادة (24) فقرة (2) من قانون المحكمة الدستورية المعدل بالقرار بقانون رقم (19) لسنة 2017 والتي أكدت على أن " تختص المحكمة الدستورية العليا دون غيرها ‌بتفسير التشريعات إذا أثارت خلافاً في التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضي تفسيرها". وحيث أن قرار المحكمة لم يُبين ولم يتحقق من توافر جميع الشروط القانونية الموضوعية المذكورة فلا يعد قراراً تفسيرياً نظراً لمخالفته كافة الشروط القانونية الحاكمة للقرار التفسيري.
10. رغم أن الطلب المقدم إلى المحكمة الدستورية هو طلب تفسير للنصوص الدستورية والقانونية المتعلقة بمفهوم الشأن العسكري والطبيعة القانونية للشرطة والمحكمة المختصة بمحاكمة عناصر الشرطة، ورغم الفارق الجوهري بين اختصاص المحكمة بتفسير القانون الأساسي والتشريعات واختصاصها بالفصل في النزاعات الدستورية وإصدار الأحكام، إلا أننا نجد أن المحكمة قد تجاوزت اختصاصها التفسيري المحدد في الطلب التفسيري المقدم لها وأصدرت أحكاماً دون وجود نزاع أو خصومة قضائية بل وحظرت تطبيق نصوص قانونية في قرار بقانون الشرطة رقم (23) لسنة 2017 ودون أن تبين أوجه مخالفتها للقانون الأساسي المعدل.
القرار التفسيري للمحكمة لا يحوز على أية حجية
11. إن خروج المحكمة الدستورية العليا عن جميع الشروط والضوابط القانونية الحاكمة للقرار التفسيري ومخالفتها مخالفة جوهرية يعني القرار التفسيري المذكور رقم (2/2018) لا يحوز على أية حجية، لتجاوزه أحكام القانون الأساسي وقانون المحكمة الدستورية ومبدأ سيادة القانون على الجميع كأساس دستوري، ولا يمكن أن يأخذ ما صدر عن المحكمة الدستورية العليا صفة القرار التفسيري، ولا يعدو كونه رأي استشاري غير ملزم.
12. يبدو أن المحكمة الدستورية العليا، بخروجها كلياً عن الأصول والضوابط الحاكمة للقرار التفسيري كما يظهر بوضوح في القرار الصادر عنها، تخلط بين مهامها واختصاصاتها المبينة في القانون الأساسي وقانونها وبين مهام واختصاصات ديوان الفتوى والتشريع التابع للحكومة، فالمحكمة الدستورية لا يجوز لها أن تقبل أي طلب تفسير يقدم لها بمجرد تقديمه ودون أن تتحقق من توافر الشروط والضوابط القانونية اللازمة لصحته ابتداءً، ولا يجوز لها أن تخرج عن اختصاصها التفسيري باتجاه إصدار الأحكام القضائية بحظر تطبيق نصوص قانونية دون وجود خصومة قضائية. وهذه ليست المرة الأولى التي تخرج فيها المحكمة الدستورية العليا عن حدود اختصاصها التفسيري على نحو جوهري خطير، فقد سبق وأن خرجت عن حدود اختصاصها وبذات الطريقة منذ أول قرار تفسيري صدر عنها (تفسير رقم 1/2016) وتعدت على اختصاصات المحكمة العليا وأصدرت أحكاماً بهذا الخصوص، وهذا ما دفع بنائب رئيس المحكمة الدستورية العليا المصرية وأساتذة القانون الدستوري في الأردن وفلسطين خلال تعليقهم على هذا القرار التفسيري إلى القول بالإجماع إنه لا يحوز على أية حجية. 
مكانة الاتفاقيات والمعايير الدولية في القرار التفسيري للمحكمة
13. لا توجد أية إشارة في مضمون التفسير الصادر عن المحكمة الدستورية العليا للاتفاقيات التي انضمت إليها دولة فلسطين بدون تحفظات والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وهذا ما يمكن ملاحظته بوضوح في جميع التفاسير والأحكام السابقة الصادرة عن المحكمة الدستورية، رغم وضوح موقف المواثيق الدولية من جميع المسائل محل التفسير والتي تتعلق بالشأن العسكري والتبعية القانونية للشرطة والمحكمة المختصة، الأمر الذي قد يوحي بعدم رغبة، أو ضعف إلمام، قضاة المحكمة الدستورية العليا، المناط بها حماية القانون الأساسي والحقوق والحريات العامة، بآليات الأمم المتحدة وبخاصة نظام المراقبة على حقوق الإنسان سواءً لجهة الآليات التعاقدية ولجان الاتفاقيات الأساسية لحقوق الإنسان وما يصدر عنها من وثائق أو فيما يخص الآليات غير التعاقدية ولا سيما الإجراءات الخاصة بما يشمل المقررين الخاصين وفرق العمل في الأمم المتحدة وغيرهم. وبالتالي، فإن المحكمة الدستورية العليا الفلسطينية لا تلعب دوراً في إنفاذ الاتفاقيات وفي المقابل فإن القرارات التي تصدر عنها، بما يشمل هذا القرار التفسيري، تخالف في جوانب عديدة المواثيق الدولية كما سنرى.
14. سار القرار التفسيري الصادر عن المحكمة الدستورية في اتجاه معاكس للموقف المستقر عالمياً كما سنرى، والذي يعتبر الشرطة جهازاً مدنياً، ويضع قيود وضوابط صارمة جداً على مفهوم الشأن العسكري، ويؤكد وبصورة جازمة على أن الشرطة جهاز مدني ويجب أن تخضع للإشراف والمساءلة أمام سلطات مدنية. وهنالك غياب واضح لتجارب الأنظمة الديمقراطية والممارسات الفضلى للدول في القرارات التي تصدر عن المحكمة الدستورية، الأمر الذي من شأنه أن يجعل المحكمة الدستورية في عزلة أمام عالمية حقوق الإنسان، ولا يساهم في إنفاذ الاتفاقيات والمعايير الدولية ذات الصلة وفي تعزيز حالة حقوق الإنسان وبخاصة في ظل الدور الكبير والمتصاعد الذي تلعبه المحاكم الدستورية بمختلف مسمياتها في الأنظمة الديمقراطية على هذا الصعيد.


 موقف اللجان الدولية من أداء المحكمة الدستورية العليا
15. شهدت المراجعة الأولى التي أجرتها اللجنة المعنية بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) للتقرير الرسمي لدولة فلسطين في تموز 2018 العديد من الأسئلة التي وجهتها اللجنة سواء لمنظمات المجتمع  المدني الفلسطينية أم للوفد الرسمي الفلسطيني بشأن المحكمة الدستورية العليا وأدائها، وقد طالت الأسئلة جوانب عديدة تتعلق بمدى استقلالية المحكمة الدستورية العليا، ومدى انسجام أدائها مع الاتفافيات والمعايير الدولية، والقرارات التي صدرت بشأن مكانة الاتفاقيات التي انضمت إليها دولة فلسطين في التشريعات المحلية.
16. وجهت لجنة سيداو نقداُ مباشراً لأداء المحكمة الدستورية العليا الفلسطينية خلال المناقشات التي جرت في مقر الأمم المتحدة بجنيف، وذهبت اللجنة الدولية التي تتكون من (23) خبير/ة مستقل على مستوى العالم إلى أبعد من ذلك من خلال تضمين نقدها الموجه إلى المحكمة الدستورية العليا الفلسطينية في ملاحظاتها الختامية الخطية الموجهة إلى دولة فلسطين وهذا ما يظهر بوضوح في البند رقم (13) من الملاحظات "يساور اللجنة القلق إزاء تفسير المحكمة الدستورية العليا الذي قرر سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الداخلية بما يتواءم مع الهوية الوطنية والدينية والثقافية للشعب الفلسطيني". كما وأوصت اللجنة دولة فلسطين في البند رقم (13) من الملاحظات الختامية "بأن تعمل على ضمان أن تفسير المحكمة الدستورية العليا الذي يقرر سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الداخلية بما يتواءم مع الهوية الوطنية والدينية والثقافية للشعب الفلسطيني لا يعفي دولة فلسطين من التزاماتها بموجب الاتفاقية". (الوثيقة رقم CEDAW/c/PSE/C0/I) 
17. نظراً لطبيعة القرارات الصادرة عن المحكمة الدستورية، وارتباطها الوثيق بالحقوق والحريات العامة، فإنه من المتوقع أن يتكرر هذا السيناريو أمام مختلف لجان الاتفاقيات الأساسية لحقوق الإنسان التي انضمت إليها دولة فلسطين. وبخاصة في ضوء تعارض القرارات التي تصدر عن المحكمة الدستورية العليا الفلسطينية مع الاتفاقيات والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وبالتالي فإن الأداء الذي تسير عليه المحكمة الدستورية من شأنه أن يسيء إلى صورة دولة فلسطين أمام اللجان الدولية في الأمم المتحدة، وأن يطرح تساؤلات حول مدى جدية دولة فلسطين في إنفاذ الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دون تحفظات، وأن يظهر المحكمة الدستورية على أنها تعمل على عرقلة قيام دولة فلسطين بتنفيذ التزاماتها على المستوى الدولي وتراجع حالة حقوق الإنسان.



موقف المجتمع المدني من تشكيل وأداء المحكمة الدستورية
18. أكدت مؤسسات المجتمع المدني في العديد من البيانات وأوراق الموقف التي صدرت عنها بأن قرار تشكيل المحكمة الدستورية العليا مخالفٌ ابتداءً للقانون الأساسي المعدل وقانون المحكمة بانطوائه على مخالفات دستورية وقانونية، وأنه ينتهك مبدأ استقلالية وحيادية المحكمة بظهور لون سياسي في عضوية المحكمة، علاوة على غياب أي تمثيل للمرأة في عضوية المحكمة خلافاً لالتزامات دولة فلسطين بموجب الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها بدون تحفظات، بما يطرح تساؤلات جدية تطال مشروعية وجود المحكمة الدستورية وقراراتها.
19. أثارت القرارات التي صدرت عن المحكمة الدستورية العليا منذ نشأتها اعتراضات واسعة من قبل مؤسسات المجتمع المدني، لانتهاكها أحكام القانون الأـساسي المعدل الذي يشكل المرجعية الدستورية لأداء المحكمة وانتهاكها لاحكام قانون المحكمة الدستورية العليا، وتخطت المحكمة الأصول والضوابط الدستورية والقانونية الحاكمة لما يصدر عنها من قرارات تفسيرات، وبدلاً من أن تشكل المحكمة الدستورية الذراع القوية لحراسة القانون الأساسي الفلسطيني المعدل وسموه وحماية الحقوق والحريات الدستورية وصيانة مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات بدت المحكمة الدستورية العليا في العديد من القرارات التي صدرت عنها وكأنها الذراع القوية للسلطة التنفيذية ما أدى للمزيد من التدهور في حالة حقوق الإنسان والمزيد من التفرد بالسلطة.
رأي مسبق قبل إحالة طلب التفسير إلى المحكمة الدستورية
20. أبدى رئيس المحكمة الدستورية العليا رأياً مسبقاً في موضوع الطلب التفسيري الخاص بتفسير المواد (84) و (101/2) من القانون الأساسي والمادة (53) من قرار بقانون الشرطة المتعلقة بمفهوم الشأن العسكري لغايات اختصاص القضاء العسكري والطبيعة القانونية لجهاز الشرطة والمحكمة المختصة بمحاكمة عناصر الشرطة. حيث أبدى رئيس المحكمة الرأي المسبق في موضوع التفسير خلال مؤتمر البناء الدستوري الثاني الذي نظمته جامعة النجاح الوطنية ونشرته فضائية النجاح بتاريخ 2/5/2018 وجاء هذا الرأي المسبق بناء على سؤال موجه من قبل ضابط في جهاز الشرطة لرئيس المحكمة الدستورية حول المقصود بالشأن العسكري والطبيعة القانونية للشرطة وجاء رد رئيس المحكمة في ذات الاتجاه الذي قررته المحكمة في التفسير الدستوري.
21. أبدى رئيس المحكمة الدستورية العليا رأياً مسبقاً آخر بذات الشأن خلال مشاركته في مناقشة رسالة الماجستير كممتحن خارجي للطالب علاء الدين الشلبي والتي كانت بعنوان "الولاية القضائية للقضاء العسكري" وجرت المناقشة وأجيزت بتاريخ 22/10/2017 حيث سارت ملاحظات رئيس المحكمة الدستورية بذات الاتجاه الذي سار عليه قرارها التفسيري في موضوع الطلب التفسيري المذكور. ولم يتنحَ رئيس المحكمة الدستورية العليا عن نظر التفسير المعروض على المحكمة الدستورية وترأس الهيئة التي فصلت في طلب التفسير.
22. إن قيام رئيس المحكمة الدستورية العليا بإبداء رأي مسبق في موضوع القرار التفسيري قبل إحالته إلى المحكمة الدستورية يُظهر حجم المخالفات لأحكام القانون الأساسي وقانون المحكمة الدستورية التي رافقت قرار التفسير الصادر عن المحكمة، علماً أنها ليست المرة الأولى التي يبدي فيها رئيس المحكمة الدستورية رأياً مسبقاً فقد سبق وأن أبدى رأياً مسبقاً بتاريخ 29/3/2013 بشأن صلاحية الرئيس برفع الحصانة عن نواب المجلس التشريعي ثم ترأس هيئة المحكمة التي فصلت في القرار التفسيري الخاص بحصانة النواب بتاريخ 3/11/2016.
أبرز الملاحظات على القرار التفسيري الصادر عن المحكمة الدستورية
23. يعاني القرار التفسيري للمحكمة الدستورية حالة من الارتباك في التعامل مع الطبيعة القانونية للشرطة، ولا أدل على ذلك من أن المحكمة الدستورية توصلت في التفسير الدستوري رقم (1/2017) الصادر بتاريخ 12/7/2017 بشأن الطبيعة القانونية للشرطة إلى أنها "قوة نظامية ذات طبيعة خاصة تمارس اختصاصات مدنية". ثم أدرجت هذا التفسير في قرارها التفسيري محل البحث رقم (2/2018) الصادر بتاريخ 12/9/2018 وعملت وخلافاً لأصول التفسير التي تقتضي رد الطلب على تفسيره مره أخرى بالقول إن الشرطة هي"قوة نظامية أمنية، لديها رتب عسكرية، تحمل سلاحاً ولديها تدريب خاص وزي عسكري موحد، لكنها تمارس اختصاصات مدنية، وهي ليست هيئة مدنية نظامية وبالتالي فإن الشرطة تأخذ الطابع العسكري مع بعض الاختصاصات الخاصة بالقضايا المدنية. وهكذا يجب أن يفهم تفسير نص المادة (84) من القانون الأساسي".
24. إن التفسير الأول للمحكمة الدستورية العليا يذهب باتجاه أن الطبيعة القانونية للشرطة أنها "قوة مدنية" انطلاقاً من طبيعة اختصاصاتها المدنية التي تخلو كما يظهر من التفسير من أي ذكر للشأن العسكري، ما يعني أن الجرائم التي ترتكب من قبل الشرطة هي جرائم عادية وليست جرائم عسكرية وتدخل في اختصاص القضاء المدني. في حين نجد أن التفسير الثاني للمحكمة الدستورية بشأن الطبيعة القانونية للشرطة يقول بأنها تأخذ طابعاً عسكرياً، ولكن لم تبين المحكمة الدستورية الأساس القانوني الذي دفعها للقول بالطابع العسكري للشرطة، علماً أن المادة (84) من القانون الأساسي التي تستند إليها المحكمة في تفسيرها لا تشير إطلاقاُ إلى أن الشرطة تأخذ طابعاً عسكرياً، وبالتالي فإن التفسير الثاني للطبيعة القانونية للشرطة مخالف للقانون الأساسي وللتوجه الدولي الذي يرى أن الشرطة جهاز مدني ينبغي أن يخضع لإشراف سلطة مدنية وللمساءلة أمامها.
25. يبدو أن الطابع العسكري يسيطر على القرار التفسيري للمحكمة الدستورية، فهي لم تكتف بالتراجع عن قرارها التفسيري الأول بشأن الطبيعة القانونية المدنية للشرطة، وإنما ذهبت إلى تعطيل المواد الواردة في قرار بقانون الشرطة رقم (23) لسنة 2017 التي تمنح الولاية للنيابة العامة والقضاء المدني على الشرطة وعبر قرار تفسيري، حيث أصدرت المحكمة الدستورية حكماً، دون وجود خصومة قضائية أمامها، بعدم دستورية وحظر تطبيق المادة (53) من قرار بقانون الشرطة التي منحت القضاء المدني ولاية عامة للمساءلة الجزائية للشرطة ومنحت القضاء العسكري ولاية استثنائية للمساءلة محصورة بالشأن العسكري، كما وقضت أيضاً بعدم دستورية وحظر تطبيق تعريف النيابة العامة والقضاء المدني الوارد في المادة الأولى من التعريفات، في محاولات واضحة لإحالة جهاز الشرطة من خلال القرار بقانون إلى جهاز عسكري يتبع القضاء العسكري، في حين لم تبين المحكمة الدستورية أوجه مخالفة النصوص المذكورة للقانون الأساسي الفلسطيني خلافاً لأحكام نص المادة (27) من قانون المحكمة الدستورية العليا التي توجب على المحكمة الدستورية عند الحكم بعدم دستورية نص تشريعي "بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته، والنص الدستوري المدعى بمخالفته، وأوجه المخالفة".
26. إن جميع النصوص الدستورية التي ساقتها المحكمة الدستورية للدلالة على الطبيعة القانونية للشرطة تسير بعكس اتجاه تفسيرها؛ حيث استندت المحكمة الدستورية للمادة (101/2) من القانون الأساسي التي تحصر اختصاص القضاء العسكري بالشأن العسكري فقط وهي متفقة تماماً مع نص المادة (53) من قرار بقانون الشرطة الذي قضت المحكمة بعدم دستوريته وحظر تطبيقه، كما واستندت المحكمة إلى المادة (84) من القانون الأساسي التي تتحدث عن مهام واختصاصات الشرطة وهي لم تنص إطلاقاً على أن الشرطة قوة عسكرية أو لها طابع عسكري، واستندت أيضاً إلى المادة (6) من القانون الأساسي التي تنص على وجوب احترام مبدأ سيادة القانون على الجميع الذي خالفته المحكمة بتفسيرها الذي عطل نصوصاً قانونية خلافاً للقانون الأساسي وقانون المحكمة، واستندت كذلك للمادة (15) من القانون الأساسي التي تتحدث عن مبدأ شخصية العقوبة ومنع العقوبات الجماعية ومبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وهذا النص الدستوري لا علاقة له إطلاقاً بالطبيعة القانونية للشرطة، وأخيراً فقد استندت المحكمة الدستورية إلى نص المادة (30) من القانون الأساسي الذي يتحدث عن "القاضي الطبيعي" للدلالة على الطبيعة العسكرية للشرطة واختصاص القضاء العسكري في حين أن مفهوم القاضي الطبيعي في الاتفاقيات والمعايير الدولية ودساتير الدول يسير في اتجاه معاكس نحو القضاء المدني صاحبة الولاية العامة والاختصاص الأصيل في محاكمة المدنيين بما يشمل الشرطة المدنية. 
27. رغم أن القرار التفسيري للمحكمة الدستورية حاول أن يغير من الطبيعة القانونية للشرطة المدنية بالقول إنها قوة ذات طابع عسكري، خلافاً للقانون الأساسي وقرار بقانون الشرطة، إلاً أن ما قامت به المحكمة الدستورية لم يغير شيئاً في الطبيعة القانونية المدنية للشرطة ولم يغير شيئاً في قرار بقانون الشرطة، ليس فقط لأن القرار التفسيري لا يحوز على أية حجية نظراً لخروجه الكامل عن الأصول والمبادىء القانونية الحاكمة للقرارات التفسيرية، وإنما لأن إلمام قضاة المحكمة الدستورية بأصول وفنون التشريع ومقتضيات الهندسة التشريعية (قراءة اللوحة التشريعية كاملة قبل اتخاذ القرار) غير واضح، وذلك لأن الولاية العامة للنيابة العامة والقضاء المدني لا تحتاج إلى مادة التعريفات في قرار بقانون الشرطة التي عطلتها المحكمة كونها راسخة في القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية وقانون الإجراءات الجزائية والتعريفات المذكورة كاشفة لما ورد في تلك التشريعات، كما أن المادة (53) من قرار بقانون الشرطة التي عطلتها المحكمة وتحصر الولاية الاستثنائية للقضاء العسكري بالشأن العسكرية مؤكدٌ عليها في المادة (101/2) من القانون الأساسي، في حين لم تلحظ المحكمة الدستورية النصوص الواردة في قرار بقانون الشرطة التي تمنح الولاية للنيابة والقضاء المدني.
28. للدلالة على أن التفسير الذي جاءت به المحكمة الدستورية العليا لم يغير شيئاً في القرار بقانون نجد أن  المادة (6) منه تنص على أن "يتمتع الضباط وضباط صف الشرطة بصفة الضبطية القضائية أثناء تأدية واجباتهم، كل في حدود اختصاصه، وفقاً لأحكام قانون الإجراءات الجزائية - وليس قانون أصول المحاكمات الثوري- النافذ. ويباشرون صفتهم تحت إشراف النائب العام - وليس النائب العام العسكري - بصفته رئيس الضابطة القضائية. وبالرجوع إلى قانون الإجراءات الجزائية، بإحالة من قرار بقانون الشرطة، نجد أن المادة (19) من قانون الإجراءات الجزائية نصت على أن يتولى أعضاء النيابة العامة مهام الضبط القضائي والإشراف على مأموري الضبط القضائي كل في دائرة اختصاصه، ونصت المادة (20) من القانون المذكور على أن النائب العام هو المشرف على مأموري الضبط القضائي، فيما أكدت المادة (21) من ذات القانون على أن يكون من مأموري الضبط القضائي مدير الشرطة ونوابه ومساعدوه ومديرو شرطة المحافظات والإدارات العامة. وحتى في مجال المساعدة القانونية، في الجرائم التي ترتكب من عناصر الشرطة، بسبب مهامهم الوظيفية، فقد كان القرار بقانون واضحاً في الولاية العامة للنيابة العامة والقضاء المدني بشأنها؛ حيث نصت المادة (34/1) من قرار بقانون الشرطة على أن "توفر الشرطة المساعدة القانونية المجانية لعناصر الشرطة العاملين الذين تتم إحالتهم إلى النيابة العامة والقضاء بسبب مهامهم الوظيفية، أو المتقاعدين بسبب مهام قاموا بتأديتها أثناء الخدمة".
29. إن هذا القرار التفسيري الذي سعت المحكمة الدستورية من خلاله إلى بسط الولاية العامة للقضاء العسكري على الشرطة  المدنية يتجاوز إرادة المشرع الدستوري، وذلك لأن الولاية العامة للنائب العام والقضاء المدني على كافة الجرائم، والولاية الاستثنائية للنائب العام العسكري والقضاء العسكري المحصورة في الشأن العسكري بمفهومه الوارد في القانون الأساسي والواضح في المعايير الدولية، شأن دستوري مرتكز على مبدأ سمو القانون الأساسي الذي يعد المرجعية التي تحكم أداء المحكمة الدستورية، وبالتالي فإن تجاوز إرادة المشرع الدستوري كفيلٌ بحد ذاته بأن يجعل قرار المحكمة الدستورية فاقد لأي حجية. إن الولاية العامة للنائب العام، باعتباره مفوض من قبل المجتمع بدعوى الحق العام، ولاية دستورية ثابتة في المادة (107/2) من القانون الأساسي التي نصت على أن "يتولى النائب العام الدعوى العمومية باسم الشعب العربي الفلسطيني ويحدد القانون اختصاصات النائب العام وواجباته". كما أن الولاية العامة للقضاء المدني ثابتة في المادة (30) من القانون الأساسي التي أكدت على حق كل فلسطيني في اللجوء إلى (قاضيه الطبيعي) وكذلك المادة (97) التي أكدت على أن السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها. في حين حصرت المادة (101/2) الولاية الاستثنائية للقضاء العسكري بالشأن العسكري فقط الذي سنأتي بيان المقصود منه تفصيلاً.
30. تؤكد المحكمة الدستورية العليا في قرارها التفسيري، الذي يطغى عليه الطابع العسكري، بأنه "لو خضعت قوات الأمن والشرطة للتنظيم القضائي النظامي في الدولة الذي يختلف في مبادئه وتشكيله عن النظام العسكري من طاعة وولاء وحرص على الأمن والسرية لاختل تنظيم الدولة وانهار أمنها لذلك من غير المعقول أن تختص المحاكم النظامية بنظر الجرائم العسكرية ...". لا بد من التأكيد، مجدداً، على أنه لا توجد منهجية ومرجعيات ومصادر واضحة المعالم ترتكز عليها المحكمة الدستورية في قرارها التفسيري كما غيره، والذي يبدو أنه اجتهاد ذاتي من قضاتها، لا يرتكز إلى القانون الأساسي والأعمال التحضيرية وأصول التفسير، ولا يرتكز إلى الاتفاقيات والمعايير الدولية - لا يبدو أن قضاة المحكمة الدستورية على اطلاع بها - ولا يرتكز إلى ممارسات فضلى وتجارب معروفة في أنظمة ديمقراطية، ما تقوله المحكمة الدستورية لا علاقة له بكل ما ذكر على الإطلاق.
31. هناك اختلاف في فهم العدالة العسكرية في الأنظمة الديمقراطية بين النظم التي تعتمد على القانون العام (التقاليد الإنجلوسكسونية) وتلك التي تعتمد على القانون المدني (تقاليد القارة الأوروبية) حيث تعتمد نظم القانون العام على محاكم عسكرية خاصة تنعقد على أساس كل قضية على حدة، فليس هناك محاكم عسكرية دائمة في التقاليد الإنجلوسكسونية، خلافاً لتقاليد القارة الأوروبية التي تتجه نحو المحاكم العسكرية الدائمة، وقد قامت كل من المملكة المتحدة ودول وسط أوروبا بحظر المحاكم العسكرية الدائمة في أوقات السلم وبالتالي تقوم المحاكم المدنية إلى جانب المحاكم الإدارية (التأديبية) مكان المحاكم العسكرية في وقت السلم. على سبيل المثال، ليس هناك محاكم عسكرية دائمة في ألمانيا وقت السلم، وبالتالي فإن الجرائم التي تقع خلال الخدمة العسكرية تتولاها المحاكم المدنية إلى جانب المحاكم الإدارية التأديبية. وقد ألغت العديد من الدول الأوروبية، وليس فقط ألمانيا، المحاكم العسكرية في وقت السلم، لتحل محلها المحاكم المدنية، حيث سارت كل من النمسا والنرويج والسويد على ذات النهج الذي سارت عليه ألمانيا في فهم العدالة العسكرية. ويشكل مفهوم العدالة العسكرية في هولندا مَعلماً هاماً من خلال دمج القضاء العسكري كلياً في القضاء المدني، ووفقاً للمعلومات التي قدمتها الحكومة الهولندية إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فإن التشريع الهولندي ألغى المحاكم العسكرية، وبالتالي فإن العسكريون في هولندا يحاكمون أمام القضاء المدني، وألغيت النيابة العسكرية وحلت محلها النيابة العامة صاحبة الولاية العامة والشاملة . وبالنتيجة، فإن ما ورد في تفسير المحكمة الدستورية العليا الفلسطينية من أن خضوع قوات الأمن والشرطة للقضاء النظامي من شأنه أن يؤدي إلى "اختلال تنظيم الدوله وانهيار أمنها" لا يتعدى كونه رأيٌ نابعٌ من قضاة المحكمة الدستورية ولا علاقة له بالمعايير الدولية ومفهوم العدالة العسكرية في الأنظمة الديمقراطية والممارسات الفضلى.
32. خرجت المحكمة الدستورية العليا عن الأصول والمبادىء الحاكمة للقرار التفسيري، واعتمدت أسلوباً غير مألوف على الإطلاق، ويتعارض مع مبدأ سمو القانون الأساسي، في تفسيرها للمادة (101/2) من القانون الأساسي التي حصرت الولاية الاستثنائية للقضاء العسكري بالشأن العسكري فقط. إذ بدلاً من أن تلتزم المحكمة بأصول التفسير الدستوري، من خلال العودة إلى الاعمال التحضيرية، والتطور التاريخي للنص التشريعي، للكشف عن حقيقة إرادة المشرع الدستوري من النص المراد تفسيره، مرتكزة في تفسيرها على المعايير الدولية والممارسات الفضلى حتى يصل التفسير مداه ويحقق مراميه، نجد أن المحكمة الدستورية قد فسرت المادة (101/2) من القانون الأساسي من خلال تفسير التشريعات القديمة السارية المتعلقة بالقضاء العسكري ومن ثم إسقاط تفسيرها لتلك التشريعات القديمة على النص الوارد في القانون الأساسي، أي أنها فسرت نصاً دستورياً من خلال تفسير نصوص واردة في قوانين عادية وإسقاطها على النص الدستوري، وهو أسلوب غير مألوف على الإطلاق كونه يتعارض مع مبدأ سمو القانون الأساسي على القوانين العادية. ويزداد الأمر غرابة، عندما نجد أن المحكمة الدستورية قد اعتمدت في قرارها التفسيري على نصوص قديمة واردة في قانون أصول المحاكمات الثورية لمنظمة التحرير الفلسطينية، تتعارض بوضوح مع القانون الأساسي والمعايير الدولية، ولم تتصدى المحكمة لأي منها، في حين تصدت وقضت بعدم دستورية وحظرت بعض النصوص المتعلقة بالولاية العامة للنيابة والقضاء المدني رغم انسجامها التام مع القانون الأساسي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
33. أخذت المحكمة الدستورية العليا في تفسيرها للشأن العسكري بثلاثة معايير يكفي تحقق أحدها للقول إننا أمام شأن عسكري ينعقد الاختصاص فيه للقضاء العسكري، المعيار الأول هو "المعيار الشخصي" أي الصفة العسكرية للمتهم بغض النظر عن نوع الجريمة التي يرتكبها سواءً أكانت جريمة مدنية تخضع لقانون العقوبات العام أم جريمة عسكرية؛ ومؤدى ذلك أن قيام شرطي مثلاً بتحرير شيك بدون رصيد فإن الاختصاص والحالة تلك ينعقد للقضاء العسكري. والمعيار الثاني هو "المعيار المكاني" أي مكان وقوع الجريمة بغض النظر عن مرتكبها سواء أكان عسكرياً أم مدنياً، وذهبت المحكمة الدستورية أبعد ما يمكن الذهاب إليه في الاختصاص المكاني من خلال ربطه بالقواعد العامة في سريان القانون من حيث المكان عندما استندت في الاختصاص المكاني على المادة (9) من قانون العقوبات الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية لعام 1979 والتي تنص" تسري أحكام هذا القانون على كل فلسطيني أو سواه فاعلاً كان أو متدخلاً أو محرضاً أقدم على ارتكاب إحدى الجرائم الآتية :أ. الجرائم التي ترتكب ضد أمن وسلامة ومصالح قوات الثورة .ب. الجرائم التي تقع في المعسكرات أو الثكنات أو المراكز أو المؤسسات أو المصانع أو السفن أو الطائرات أو الأماكن أو المساكن او المحال التي يشغلها الأفراد لصالح قوات الثورة اينما وجدت ج. الجرائم التي ترتكب من أو ضد الأفراد متى وقعت بسبب تأديتهم واجباتهم". وبما أن المحكمة الدستورية العليا لم ترجع إلى السياق التاريخي للقوانين الثورية الصادرة عام 1979 الذي هو أساس في أصول ومبادىء التفسير الدستوري، فإنها لم تلاحظ أن قانون العقوبات الثوري لعام 1979 وقانون أصول المحاكمات الجزائية الثوري لعام 1979 مستمدة من التشريعات العقابية والإجرائية الجزائية العامة الأردنية والمصرية، وأن تلك التشريعات قد تعاملت مع الفلسطينيين كافة مدنيين وعسكريين على أنهم جزء من الثورة الفلسطينية لغايات انطباق القوانين الثورية، وبالتالي فإن المعيار المكاني في تفسير الشأن العسكري لغايات انعقاد الاختصاص للقضاء العسكري واسع جداً وينطبق على كافة الجرائم التي يرتكبها المدنيون والعسكريون على حد سواء. المعيار الثالث هو "المعيار الموضوعي" أو النوعي الذي يتعلق بنوع الجريمة المرتكبة ووفقاً لتفسير المحكمة فإن الاختصاص النوعي ينعقد للقضاء العسكري في "أي جريمة تضر أو تهدد بطريق مباشر أو غير مباشر مصلحة عسكرية أو أمنية" ولم تشر المحكمة في تفسيرها لأية ضوابط تتعلق بمفهوم المصلحة العسكرية أو الأمنية، ما يعني أن هذا المعيار الذي جاءت به المحكمة الدستورية لا يمكن قياسه للاستدلال عليه.
34. وفقاً للمعايير الثلاثة التي جاءت بها المحكمة (الشخصي، المكاني، الموضوعي) في تفسير "الشأن العسكري" الوارد المادة (101/2) والذي ينعقد الاختصاص فيه للقضاء العسكري، فإن أية جريمة تقع وبغض النظر عن صفة مرتكبها سواء أكان مدنياً أم عسكرياً تصبح متعلقة بالشأن العسكري وتدخل في اختصاص القضاء العسكري. ما يعني أن هذا التفسير يلغي عملياً دور النيابة العامة والقضاء المدني، كما ويلغي عملياً المبادىء الدستورية المتعلقة بالولاية العامة للقضاء المدني ومفهوم القاضي الطبيعي وضمانات المحاكمة العادلة. الأمر الذي ينتهك أحكام القانون الأساسي والاتفاقيات والمعايير الدولية لحقوق الإنسان انتهاكاً خطيراً ويؤكد على أن مثل هذا التفسير الصادر عن المحكمة الدستورية لا يحوز على أية حجية ولا يعدو كونه رأياً يعبر عن قضاة المحكمة الدستورية، فالخروج الكامل عن قواعد التفسير شكلاً وموضوعاً لا يكسب قرارات المحكمة أية حجية. 
35. وفي المقابل، فإن المحكمة الدستورية العليا لم تلاحظ وهي تقوم بتفسير الشأن العسكري الوارد في المادة (101/2) من القانون الأساسي بطريقة غريبة وغير مألوفة أن قانون العقوبات الثوري لعام 1979 وقانون أصول المحاكمات الجزائية الثوري لعام 1979 هي خارج حدود المسطرة التشريعية المطبقة في فلسطين منذ القرار الرئاسي رقم (1) لسنة 1994 الذي نص على "استمرار العمل بالقوانين والأنظمة التي كانت سارية المفعول في الضفة الغربية وقطاع غزة قبل تاريخ 5 حزيران 1967 حتى يتم توحيدها" وأن تلك القوانين الثورية لم تكن مطبقة في فلسطين، ولم تلحظ المحكمة أيضاً أن تلك القوانين الثورية غير منشورة في الجريدة الرسمية (الوقائع الفلسطينية) بما يخالف المادة (116) من القانون الأساسي التي تنص على وجوب نشر القوانين في الجريدة الرسمية وأن يتم العمل بها بعد ثلاثين يوماً من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية أو في المدة التي يحددها القانون من تاريخ النشر، وأن تلك التشريعات الثورية تخالف العديد من النصوص الواردة في القانون الأساسي المتعلقة بالولاية العامة للنيابة والقضاء المدني على الجرائم وحق كل فلسطيني في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي والنصوص الدستورية المتعلقة بضمانات المحاكمة العادلة. وبالتالي، فإن المحكمة الدستورية العليا لم تتصدَ لكل تلك المخالفات الدستورية التي شابت القوانين الثورية القديمة، بل واستخدمت نصوصاً غير دستورية واردة في القوانين الثورية للدلالة على مفهوم الشأن العسكري الوارد في القانون الأساسي.
36. إن تفسير المحكمة الدستورية للشأن العسكري يؤدي إلى نتيجة مفادها أن القضاء العسكري هو صاحب الولاية العامة على المدنيين في حين أن ولاية القضاء المدني هي ولاية استثنائية، وبالتالي فإن هذا التفسير يمنح القضاء العسكري اختصاصاً واسعاً جداً، لا مثيل له بين الدول، في محاكمة المدنيين. وبذلك تكون دولة فلسطين، من خلال تفسير المحكمة الدستورية، هي الدولة التي قدمت التفسير الأوسع للشأن العسكري بين الدول على حساب الحياة المدنية ومفهوم القاضي الطبيعي وضمانات المحاكمة العادلة. وتجدر الإشارة، إلى أن التوسع في مفهوم الشأن العسكري، في تجارب الأنظمة غير الديمقراطية، والذي لم يصل إلى المدى الذي تقول به المحكمة الدستورية العليا، يهدف إلى تمكين القضاء العسكري من التغول على الحياة المدنية، وإلى تحصين الأجهزة الأمنية من المحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان من خلال غطاء القضاء العسكري.
37. بعد أن قامت المحكمة الدستورية العليا بتفسير للشأن العسكري على النحو الذي أوضحناه سابقاً فقد اعتبرت فيما يبدو أن من مهمتها تقديم "توصيات" لذوي الشأن بهذا الخصوص، حيث ورد في القرار التفسيري الصادر عن المحكمة الدستورية العليا التالي "توصي المحكمة الدستورية العليا بوجوب الإسراع بتشريع قانون يحدد بدقة الجرائم ذات الشأن العسكري وفقاً لما تم بيانه في هذا التفسير". يبدو أن المحكمة الدستورية لم تلاحظ أن اختصاصاتها محددة في القانون الأساسي وقانون المحكمة الدستورية، وأنه ليس من اختصاصها تقديم توصيات لأحد، الأمر الذي يدلل على أن المحكمة الدستورية تخلط بين دورها المفترض كحارسة للدستور (القانون الأساسي) وحامية للحقوق والحريات وبين دور ديوان الفتوى والتشريع الذي يتبع للسلطة التنفيذية.
38. إن البيان الصحفي الصادر عن المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 23/9/2018، والذي يحمل توقيع رئيس المحكمة، يدلل على حجم الفوضى والتخبط في أدائها، حيث ورد في البيان المذكور أن القرار التفسيري للمحكمة بخصوص الشأن العسكري لم تطل به المدنيين على الإطلاق وإنما هو قرار تفسيري يخص فقط المنتسبين إلى قوى الأمن الذين يحاكمون أمام القضاء العسكري، في حين أن هذا البيان الصادر عن المحكمة الدستورية أو رئيس المحكمة يتناقض تماماً مع القرار التفسيري الصادر عنها، وذلك لأن المحكمة قد استندت في المعايير الثلاثة التي أوردتها بشأن اختصاص القضاء العسكري (الشخصي، المكاني، الموضوعي) إلى قانون العقوبات الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية لعام 1979 وقانون أصول المحاكمة الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية لعام 1979 وقد سبق القول أن تلك التشريعات الثورية القديمة تنطبق على المدنيين والعسكريين على حد سواء وتتعامل مع الفلسطيين كافة على أنهم جزء من الثورة الفلسطينية لغايات انطباق التشريعات الجزائية الثورية.
39. إن البيان الصحفي الصادر عن المحكمة الدستورية العليا أو رئيس المحكمة لا يقل خطورة عن قرارها التفسيري، علاوة على كونه أسلوب غير مألوف على الإطلاق في القضاء الدستوري، لأن المحكمة الدستورية قد تراجعت من حيث المبدأ عن قرار تفسيري، بمعزل عن مدى حجيته، متصل بصلاحياتها الواردة في القانون الأساسي وقانون المحكمة الدستورية العليا من خلال بيان صحفي. ولا توجد منهجية واضحة للمحكمة الدستورية، حتى في مسألة التراجع عن قراراتها، حيث نلاحظ أن المحكمة الدستورية قد تراجعت عن الصلاحيات الهائلة التي منحتها للقضاء العسكري على المدنيين بقرارها التفسيري المتعلق بالشأن العسكري من خلال بيان صحفي، في حين تراجعت عن الطبيعة القانونية المدنية للشرطة التي أوردتها في التفسير رقم (1/2017) الصادر بتاريخ 12/7/2017 من خلال إدراجها مرة أخرى في التفسير رقم (2/2018) الصادر بتاريخ 12/9/2018 وإعادة تفسيرها مرة أخرى بتحول الطبيعة القانونية المدنية للشرطة إلى قوة ذات طابع عسكري.   
الطبيعة القانونية للشرطة في المعايير الدولية والممارسات الفضلى
40. بالرجوع إلى المعايير الدولية بشأن الشرطة التي أعدتها اللجنة الوزارية التابعة للمجلس الأوروبي واعتمدتها رسمياً منذ تاريخ 19 ايلول/سبتمبر عام 2001 فقد نصت في الجانب المتعلق بالأساس القانوني للشرطة في ظل سيادة القانون وتحديداً في البند رقم (5) على أن "يخضع أفراد الشرطة لذات التشريعات بصفتهم مواطنين عاديين". كما نصت تلك المعايير الدولية في الجانب المتعلق بالهيكل التنظيمي للشرطة وتحديداً في البند رقم (13) على ما يلي "يجب أن تتحمل الشرطة، عند أدائها للمهام الموكلة إليها في المجتمع المدني، المسؤولية أمام السلطات المدنية". ما يعني أن المعايير الدولية تؤكد بأن الشرطة جهاز مدني يخضع لإشراف السلطات المدنية.
41. لا تعتبر الشرطة مسؤولة أمام السلطات المدنية فحسب في الأنظمة الديمقراطية وإنما هي مسؤولة أيضاً أمام جمهور المواطنين، حيث تعتمد فعالية الشرطة المدنية في الحياة المدنية ونجاعتها على مستوى الدعم الذي يقدمه لها الجمهور، وبذلك تحتل الوظيفة الاجتماعية والخدمات العامة المنوطة بالشرطة قدراً عظيماً من الأهمية بالنسبة لإنفاذ القانون، ومن هنا يبرز اهتمام المعايير الدولية بالرقابة المجتمعية على أداء الشرطة.
42. بالرجوع إلى التوصية رقم (10) لسنة 2001 الصادرة عن اللجنة الوزارية التابعة للدول الأعضاء بشأن مدونة قواعد السلوك للشرطة الأوروبية فقد نصت المدونة في البند رقم (9) على أنه "يجب أن يقوم تعاون وظيفي ومناسب بين الشرطة والنيابة العامة، ويتوجب اتخاذ الإجراءات التي تضمن تلقي الشرطة تعليمات واضحة ودقيقة من النيابة العامة، ويمكن أن تأتي تلك الإجراءات على شكل تعليمات من خلال القوانين أو التشريعات الثانوية". وقد تواترت التوصيات الصادرة عن مجلس أوروبا بشأن إشراف النيابة العامة المدنية على الشرطة.
43. بالرجوع إلى التوصية رقم (19) لسنة 2000 الصادرة عن اللجنة الوزارية التابعة للدول الأعضاء بشأن دور النيابة العامة في نظام العدالة الجنائية فقد نصت في البند رقم (21) بشأن العلاقة بين النيابة العامة والشرطة على أنه "ينبغي على المدعين العامين التدقيق في قانونية تحقيقات الشرطة على أبعد تقدير عند اتخاذ قرار بشأن بدء المقاضاة أو الاستمرار فيها، وأن يراقبوا مدى احترام حقوق الإنسان عموماً من قبل الشرطة". وهذا يرجع بطبيعة الحال إلى أن النيابة العامة المدنية والشرطة يمثلان ركنين رئيسيين من الأركان الأربعة التي يقوم عليها نظام العدالة الجنائية والتي تتمثل بالشرطة والنيابة العامة والمحاكم ومراكز التأهيل والإصلاح.
44. بالرجوع إلى دليل عمل الشرطة في النظم الديمقراطية، الذي أعده كبير مستشاري الأمين العام لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا حول شؤون الشرطة، وجرى إقراره وصدر كوثيقة رسمية في اجتماع كوبنهاجن عام 1990، فقد نص في المادة (82) على ما يلي " في عام 1990، أعلنت الدول الأعضاء في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في كوبنهاجن، بصورة جازمة، وجوب خضوع الشرطة لإشراف السلطات المدنية والمساءلة أمامها". وبالتالي، نحن أمام إعلان جازم في الانظمة الديمقراطية يؤكد خضوع الشرطة للولاية العامة للنيابة العامة والقضاء المدني. 
45. حرصت المبادىء التوجيهية الدولية بشأن دور أعضاء النيابة العامة التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة في هافانا سنة 1990 على أهمية التعاون الوظيفي بين النيابة العامة والشرطة بهدف ضمان عدالة وفعالية الملاحقة القضائية، وهذا ما يتضح من خلال المبدأ رقم (20) من تلك المبادىء الدولية الذي أكد على أنه "ضماناً لعدالة الملاحقة القضائية وفعاليتها، يسعى أعضاء النيابة العامة جاهدين إلى التعاون مع الشرطة والمحاكم ومزاولي المهن القانونية وهيئات الدفاع العامة وسائر الوكالات أو المؤسسات الحكومية".
الطبيعة القانونية للشرطة في القانون الإنساني الدولي
46. إن التفسير الصادر عن المحكمة الدستورية العليا الفلسطينية باعتبار الشرطة المدنية قوة عسكرية أو ذات طابع عسكري قد يقوض صفتهم كمدنيين محميين بموجب القانون الإنساني الدولي في النزاعات المسلحة وبخاصة فيما يتعلق بتعريف الأشخاص المحميين بموجب المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وهذا يضرب مبدأ التمييز بين المدنيين والعسكريين والأعيان المدنية والأهداف العسكرية، والذي يعتبر مبدأ أساسياً من مبادئ القانون الإنساني الدولي، وقد يستخدم كمبرر لاستهدافهم عسكرياً (هدف عسكري) خلال النزاعات المسلحة بذريعة أنهم ليسوا مدنيين محميين بموجب القانون الإنساني الدولي وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة. إن المحكمة الدستورية العليا الفلسطينية لم تلحظ في قرارها التفسيري أن إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال قد استخدمت "فعلياً" تلك الذرائع لتقويض الصفة المدنية للشرطة الفلسطينية من أجل تبرير استهدافهم عسكرياً.
47. تأكيداً على ذلك، وبالرجوع إلى تصريح وزارة الخارجية الإسرائيلية المنشور على موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بعنوان ممارسات الدول التي تتعلق بالقاعدة رقم (4) من قواعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر المعنية بالقانون الدولي الإنساني العرفي الخاصة بتعريف "القوات المسلحة" والذي ورد في تقرير الخارجية الإسرائيلية بشأن العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة بين 27 كانون الأول 2008 و 18 كانون الثاني 2009 فإن تصريح الخارجية الإسرائيلية قد جاء حرفياً كما يلي" بينما لا يعتبر أفراد قوة الشرطة المدنية، التي هي قوة شرطة مدنية فقط، ولا تعمل في أية مهمة قتالية، مقاتلين بموجب قانون الصراع المسلح، فإن القانون الدولي يقر بأن هذا المبدأ لا ينطبق عندما تكون الشرطة جزءاً من القوات المسلحة، وفي تلك الأحوال، فإن الشرطة قد تشكل هدفاً عسكرياً مشروعاً. وبعبارة أخرى، يعتمد وضع "الشرطة" الفلسطينية بموجب قانون النزاع المسلح على ما إذا كانوا قد قاموا بمهام القتال في سياق النزاع المسلح والأدلة حتى الآن هي مقنعة أنهم كذلك".
48. وفي هذا السياق تطرق تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في غزة الصادر بتاريخ 25/9/2009 لبحث ما إذا كانت الهجمات التي شُنت على الشرطة تتمشى مع مبادئ التمييز  بين الأهداف المدنيـة والأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين والأشخاص العسكريين، وقامت البعثة بتحليل التطور المؤسسي لـشرطة غزة منذ استيلاء حماس الكامل على غزة في تموز/يوليه ٢٠٠٧ ودمج شرطة غزة في "القوة التنفيذية" التي كانت قد أنشأتها بعد فوزها بالانتخابات. وخلصت البعثة إلى أنه بينما عُين عدد كبير من أفراد شرطة غزة من بين أنـصار حماس أو أعضاء الجماعات المسلحة الفلسطينية، فإن شرطة غزة هي هيئة مدنية مكلفة بإنفاذ القوانين. وخلصت البعثة أيضاً إلى أنه لا يمكن القول بأن أفراد الشرطة الذين قتلوا في ٢٧ كانون الأول/ديـسمبر ٢٠٠٨ كـانوا يضطلعون بدور مباشر في أعمال القتال ومن ثم فإنهم لم يفقدوا حصانتهم المدنية من الهجوم المباشر باعتبـارهم مدنيين على هذا الأساس. وتسلّم البعثة بأنه قد يوجد بعض الأفراد من شرطة غزة كانوا هم في الوقت ذاته أعضاء في جماعات مسلحة فلسطينية ومن ثم كانوا مقاتلين. بيد أنها تخلص إلى أن الهجمات التي شُنت على مرافق الشرطة في اليوم الأول من العمليات المسلحة لم توازِن على نحو مقبول بين الميزة العسكرية المباشرة المتوقعة (أي قتل أفراد الشرطة هؤلاء الذين ربما كانوا أعضاء في جماعات مسلحة فلسطينية) وفقدان الأرواح المدنية (أي أفراد الشرطة الآخرون الذين قُتِلوا وأفراد الجمهور الذين كان لا بد أن يكونوا متواجدين في هذه المرافق أو بالقرب منـها، ولذلك فإنها تشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي).
49. يتوجب على دولة فلسطين أن تحسم أمرها بعد أن اعتبرت المحكمة الدستورية العليا في قرارها التفسيري أن الشرطة الفلسطينية ذات طابع عسكري وتخضع للقضاء العسكري، وبخاصة أن دولة فلسطين قد انضمت إلى البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف المتعلق بحماية ضحايا النزاعات الدولية المسلحة الصادر عام 1977 وبالتالي فإنه يتوجب عليها أن تنفذ التزاماتها الدولية في تلك الحالة بإخطار أطراف النزاع بالطبيعة العسكرية للشرطة الفلسطينية وفقاً لأحكام المادة (43) فقرة (3) من البروتوكول والتي تنص على أنه "إذا ضمت القوات المسلحة لطرف في نزاع هيئة شبه عسكرية مكلفة بفرض احترام القانون وجب عليه إخطار أطراف النزاع الأخرى بذلك". إن دولة فلسطين أمام خيارين؛ المضي قدماً باعتبار الشرطة الفلسطينية ذات طابع عسكري وتقديم إخطار لأطراف النزاع بذلك أو التأكيد على أن الشرطة جهاز مدني.
ما هو مفهوم "الشأن العسكري" في المعايير الدولية والممارسات الفضلى؟
50. بالرجوع إلى المبادىء الدولية بشأن إقامة العدل عن طريق المحاكم العسكرية التي اعتمدتها لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة عام 2006 (وثيقة رقم E/CN.4/2006/58) بناءً على التقرير المقدم من المقرر الخاص للجنة الفرعية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، فقد اشتملت على (20) مبدأـ بشأن المحاكم العسكرية، وقد تناول المبدأ رقم (8) الاختصاص الوظيفي للمحاكم العسكرية وأكد على ما يلي "يجب أن يكون اختصاص المحاكم العسكرية مقصوراً على الجرائم ذات الطابع العسكري البحت التي يرتكبها العسكريون". إن هذا المبدأ الدولي يضع قيوداً صارمة جداً، على مفهوم الشأن العسكري، من خلال الجمع بين المعيار الموضوعي الذي ينحصر في "الجرائم العسكرية البحتة" أي المرتبطة بالوظيفة العسكرية والمعيار الشخصي أي الجرائم التي ترتكب بين العسكريين فقط، وبحصيلة الجمع بين هذين المعيارين وفقاً للقيود والضوابط نكون أمام "شأن عسكري" تنعقد الولاية الاستثنائية فيه للنياية العسكرية والقضاء العسكري، وبغير ذلك تبقى الولاية العامة للنيابة العامة والقضاء المدني وفقاً للمعايير الدولية المتعلقة بإقامة العدل عن طريق المحاكم العسكرية.
51. يحظر المبدأ رقم (5) من مبادئ إقامة العدل عن طريق المحاكم العسكرية عرض المدنيين على القضاء العسكري، وقد جاء البند المذكور على النحو التالي" من المفروض، من حيث المبدأ، أن تكون المحاكم العسكرية غير مختصة في محاكمة المدنيين. وفي جميع الأحوال تسهر الدولة على أن تحاكم محاكم مدنية المدنيين المتهمين بارتكاب مخالفات جنائية". وقد سارت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان المنبثقة عن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على هذا النهج منذ أكثر من ثلاثين عاماً سواء من خلال ملاحظاتها على التقارير المقدمة من الدول بشأن مدى التزامها بالحقوق الواردة في العهد أو خلال نظرها للبلاغات الفردية التي تتلقاها، واتخذ العديد من المقررين الخاصين (الإجراءات الخاصة) في الأمم المتحدة مواقف شديدة الحزم في مواجهة الانتهاك المتعلق بعرض المدنيين على القضاء العسكري، وهو محل إجماع في القرار الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والمحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان واللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
52. أكدت المقررة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين بأن "الغرض الأوحد للمحاكم العسكرية يجب أن يكون التحقيق في المسائل ذات الطبيعة العسكرية البحتة التي يرتكبها أفراد عسكريون، ورفع قضايا بشأنها ومحاكمة مرتكبيها".  وقد عبرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة المنبثقة عن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ولجنة مناهضة التعذيب المنبثقة عن اتفاقية مناهضة التعذيب، مراراً، عن مخاوفها من توسيع اختصاصات المحاكم العسكرية ليشمل جرائم متعلقة بحقوق الإنسان يرتكبها أفراد عسكريون وأوصت اللجنتين بمحاكمة المشتبه بهم بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان أمام المحاكم المدنية".
53. يؤكد المبدأ رقم (9) من المبادىء الدولية الخاصة بإقامة العدل عن طريق المحاكم العسكرية على أنه "في جميع الظروف والأحوال، يجب أن يحل اختصاص المحاكم العادية محل المحاكم العسكرية فيما يتعلق بإجراء التحقيقات في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مثل حالات الإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري والتعذيب وملاحقة مرتكبي هذه الجرائم ومحاكمتهم". وبالتالي، فإن "الانتهاكات الجسيمة" لحقوق الإنسان التي يرتكبها العسكريون تخرج كلياً من اختصاص القضاء العسكري وتدخل في الاختصاص العام للقضاء المدني. ويكمن المغزى من وراء هذا التوجه الدولي في تحري مبادىء الاستقلالية والحياد، وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب، وحماية حقوق الإنسان، وتعزيز سبل الانتصاف الفعالة، وتعزيز الولاية العامة للقاضي الطبيعي. 
54. اتخذت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة العديد من القرارات التي تؤكد على الاختصاص الحصري للقضاء المدني في ملاحقة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومن بينها القرار الصادر عن لجنة حقوق الإنسان رقم (67/1994) المعنون "قوات الدفاع المدني" والذي نص على أنه "يجب على الحكومات أن تكفل في تشريعاتها المحلية أن تكون الجرائم التي يرتكبها أفراد القوات المسلحة والدفاع المدني والتي تنطوي على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من المحاكم المدنية". وفي الوقت ذاته، فقد أكدت اللجنة الفرعية في الأمم المتحدة المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في القرارات الصادرة عنها بالأرقام (3/1998) و (3/1999) على أنه "ينبغي على الحكومات ضمان أن لا تفلت الجرائم التي ترتكب ضد المدافعين عن حقوق الإنسان من العقاب، وإتاحة وتسهيل كل ما يلزم من تحقيق، وضمان المحاكمة أمام محكمة مدنية، ومعاقبة مرتكبي تلك الجرائم".
55. يؤكد المبدأ رقم (17) من مبادىء إقامة العدل عن طريق المحاكم العسكرية على أنه " ينبغي في جميع الحالات التي توجد فيها محاكم عسكرية أن يقتصر اختصاصها على محاكم الدرجة الأولى، وبالتالي ينبغي مباشرة إجراءات الطعون القضائية أمام المحاكم المدنية، وفي جميع الأحوال ينبغي أن تقوم المحكمة المدنية العليا بالفصل في المنازعات المتعلقة بالشرعية القانونية". وهكذا، فإنه في مرحلة الاستئناف، أو على الأقل مرحلة النقض، تشكل المحاكم العسكرية، في الشأن العسكري، جزءاً لا يتجزأ من الجهاز القضائي المدني، وتكون مباشرة إجراءات الطعن على الأحكام العسكرية متاحة للمتهم والمجني عليه أمام القضاء المدني.
56. يؤكد المبدأ رقم (20) من مبادىء إقامة العدل عن طريق المحاكم العسكرية، المتعلق بمراجعة قوانين القضاء العسكري، على أنه "ينبغي أن تخضع قوانين القضاء العسكري لمراجعة دورية منتظمة تجري على نحو مستقل وشفاف من أجل ضمان توافق اختصاصات المحاكم العسكرية مع الضرورة الوظيفية البحتة، ودون التعدي على الاختصاصات التي يمكن، بل ينبغي، أن تخوَّل للمحاكم المدنية العادية".
57. أكدت المبادىء الدولية الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية التي اعتمدت في مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ونشرت بموجب قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة (32/40) والقرار (146/40) الصادرين في العام 1985 على الولاية القضائية العامة للقضاء المدني على الجرائم من خلال البند رقم (5) من المبادىء والتي أكد على ما يلي "لكل فرد الحق في أن يحاكم أمام المحاكم العادية أو الهيئات القضائية التي تطبق الإجراءات القانونية المقررة حسب الأصول، ولا يجوز إنشاء هيئات قضائية لا تطبق الإجراءات القانونية المقررة حسب الأصول والخاصة بالتدابير القضائية لنزع الولاية القضائية التي تتمتع بها المحاكم المدنية".
الخلاصة
في ضوء قراءة القرار التفسيري الصادر عن المحكمة الدستورية العليا فإن "الحق" تؤكد على ما يلي:
58. ضرورة الالتزام بالمعايير الدولية سواءً على صعيد قانون حقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي والتجارب المتبعة في الأنظمة الديمقراطية والممارسات الفضلى التي تؤكد على أن جهاز الشرطة جهاز مدني، يخضع للولاية العامة للنيابة العامة والقضاء المدني، انسجاماً مع الحق الأصيل باللجوء إلى القاضي الطبيعي، وقواعد الاستقلالية والحياد، وتعزيزاً لضمانات المحاكمة العادلة التي تعد من عناصر سيادة القانون وحقوق الإنسان.
59. وجوب التعامل مع مفهوم "الشأن العسكري" وفقاً للمعايير الدولية والممارسات الفضلى والذي يعني الجرائم ذات الطابع العسكري البحت التي يرتكبها العسكريون، لغايات انعقاد الولاية الاستثنائية للقضاء العسكري، في مقابل الولاية العامة للنيابة العامة والقضاء المدني بملاحقة الجرائم ومحاسبة مرتكبيها وإنصاف الضحايا وضمان عدم الإفلات من العقاب، وهي التي تبرر الاحتكام إلى القضاء المدني وليس القضاء العسكري.
60. حظر عرض المدنيين على القضاء العسكري حظراً مطلقاً لانعكاساته الخطيرة على الحق الدستوري في اللجوء إلى القاضي الطبيعي والحق الدستوري في ضمانات المحاكمة العادلة، ولانتهاكه الخطير للاتفاقيات التي انضمت إليها دولة فلسطين ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب وتوجهات لجان الاتفاقيات الدولية والمقررين الخاصين بشأن حظر عرض المدنيين على القضاء العسكري، والتزاماً بتوجهات السيد الرئيس منذ عام 2011 التي حظرت عرض المدنيين على القضاء العسكري.
61. وجوب العمل على إحالة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترتكب من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية على القضاء المدني التزاماً "بمبادئ إقامة العدل عن طريق المحاكم العسكرية" والمعايير الدولية ذات الصلة.
62. وجوب العمل على ضمان خضوع الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية للمراجعة من قبل القضاء المدني ومن بينها الإعدام خارج نطاق القانون وجرائم التعذيب المرتكبة من الأجهزة الأمنية والعسكرية، التزاماً "بالمبادئ الدولية الخاصة بإقامة العدل عن طريق المحاكم العسكرية" والمعايير الدولية والممارسات الفضلى ذات الصلة.
63. ضرورة العمل على توحيد وتكثيف جهود المجتمع المدني والضغط المتواصل باتجاه عدم صدور أي قرار عن المحكمة الدستورية العليا، في ضوء ما صدر عنها منذ قرار تشكيلها رقم (57) لسنة 2016 ولغاية القرار التفسيري الأخير رقم (2/2018) الصادر بتاريخ 12 أيلول 2018، وما أثبتته التجربة العملية من مخاطر قرارات المحكمة الدستورية على المبادئ والقيم الدستورية وبخاصة مبدأ سمو القانون الأساسي ومبدأ سيادة القانون ومبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ استقلال القضاء ومخاطر قراراتها على منظومة حقوق الإنسان برمتها.
64. تجدد مطالبة الرئيس محمود عباس بسحب قرارات تشكيل المحكمة الدستورية العليا التي ولدت من رحم الانقسام الداخلي وآثاره الكارثية على حالة حقوق الإنسان وساهمت بقراراتها في تعزيزه، ولمخالفة إجراءات تشكيل المحكمة لأحكام القانون الأساسي المعدل وقانون المحكمة الدستورية، ومساس قرارات التشكيل بقواعد الاستقلالية والحياد، وغياب تمثيل المرأة في عضوية المحكمة، وانتهاك العديد من قراراتها أحكام القانون الأساسي الذي يعد المرجعية التي يُفترض أن تحكم عمل المحكمة وانتهاك قراراتها للاتفاقيات والمعايير الدولية.
65. تجدد التأكيد، من بين أمور أخرى، أنه من الصعب الحديث عن إصلاح جدي لقطاع العدالة في ظل غياب الإرادة السياسية، واستثناء المحكمة الدستورية من الإصلاح. ‘  
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف