د. عز الدين حسين أبو صفية ،،،
قصة قصيرة
ما زلتُ طفلة ...
حضر أبو النعيم يصطحب معه مختار قريته وبعضاً من وجهاء القرية وإمام المسجد وشيخ البلد .وتوجهوا جميعا نحو احد المنازل ، وبعكازه الذي يسنده ليتجنب الآلام التي تسببها له الغضاريف التي نخرت فقراتٍ من عموده الفقري قام أبو النعيم بالدق على باب البيت الخشبيّ ،مين بيدق على الباب ، أتى السؤال من داخل المنزل على لسان امرأة ، فأجاب أنا ابو النعيم ومعي المختار وشيخ البلد وأم النعيم .
ردت المرأة من خلف الباب وهي ترحب بالحضور بصوتٍ مضطرب ومهتز وتقول أهلاً وسهلاً يا هلا يا هلا بالحضور،
كان صوت أبو النعيم وحضوره كفيلاً بان يهز مشاعر وشعور كل من في البيت ، وهو الرجل الصعب جاف المزاج وخشن الطباع ليس للعاطفة أو الحنان والحب مكان في قلبه وطباعه ، وهو الرجل الذي يتمتع بالغناء الفاحش والثراء لما لديه من الكثير من الأموال والذهب و مئات الفدادين من الأراضي الزراعية والبساتين ، ورغم كل ذلك فهو مضروب به المثل بالبخل وحرمان ابنائه العشرة وبناته الخمس وأحفاده العشرون ، بما فيهم زوجته التي شاركته الحياة بحلوها ومرها وساهمت وإياه يداً بيد في بناء ثروته حرمانهم جميعاً من حياة الرخاء والعيش بكرامة .
فُتِحَ الباب ودخل الجميع إلى البيت الذي لا يوجد به سوى غرفة واحدة تزدحم عند النوم ليلاً بجميع أفراد الأسرة ، الذين انصرفوا جميعاً إلى زاوية أخري من الحوش الصغير الملحق بالغرفة ليجلس الضيوف على خِرقةٍ من حصيرٍ قديم متآكل غطت مسطبة في الزاوية الأخرى من حوش المنزل والذي بالكاد يتسع للجميع بالجلوس والبعض لم يتمكن من الجلوس فاستمروا بالوقوف .
أمر أبو النعيم سائقه بإنزال الهدية التي أحضرها معه من الأقفاص المليئة بالفواكه والدجاج والحمام وإدخالها إلى المنزل ،بعد ان جلس من جلس وبقيّ واقفاً من بقيّ ، تحدث المختار مخاطبا أبو إسماعيل .. أتعلم يا أبو إسماعيل سبب هذه الزيارة ؟ قال لا أعلم ، قال المختار : جاء أبو النعيم لزيارتك وأحضر معه هذه الخيرات لك ولأسرتك ، وهو طالب القرب منك ، ! القرب مني ! في مَن ؟ ، قال : في بنتك ( نفوذ ) ... نفوذ !!! نفوذ صغيرة يا مختار ولا زالت طفلة ، ولم تُكمل من العمر سوى ثلاثة عشر سنة ، يعني عروسة يا أبو إسماعيل ، هذه بنتي صغيرة ولا زالت طفلة .
الشرع يسمح لها في هذا العمر بالزواج ، وسُترة الفتاه وتزويجها أفضل لها ، قال ذلك شيخ البلد وأيده إمام الجامع ،
ثم ردد المختار قائلاً : سيدفع لك أبو النعيم ثلاثة آلاف جنيه نقداً وسيتكفل بكل تجهيز العروس وتكاليف الفرح ،
خلينا نقرأ الفاتحة .. قرأ الجميع الفاتحة ، ثم وكز أبو النعيم بعكازه زوجته أم النعيم التي أحضرها معه وتكليفها بخطبة العروسة له آمراً لها بإطلاق زغرودة الفرح ، فأطلقت أم النعيم زغرودة قوية يشوبها بل يملأها القهر والغيرة من العروسة الطفلة .
ضحكت الطفلة نفوذ وهي لا تعلم بما يدور حولها ، وما أن سمعت الزغاريد إلا وانطلقت إلى الشارع فأحضرت دميتها العروسة وأعطتها لأبيها وهي تقول له : ها هي العروسة يا ابي ، كنت قبل ساعة أحدثها وأعدها بتزويجها ، وها تحققت الأمنية يا أبتي ، زوجها يا أبي ، وأنا سأطلب من أمي بأن تصنع لي عروسة أخري من الملابس البالية .
سمع الجميع هذا الحوار وتبسموا بمكرٍ وحزنٍ وخجل ، وأطلق أبو النعيم البالغ من العمر سبعون عاما وقد غزى الشيب كل شعره ولحيته الكثيفة وشاربه الخشن الذي تغير لونه إلى اللون البني من كثرة التدخين ، أطلق ضحكة صفراء وهو يقول مخاطباً الطفلة نفوذ ، ستكونين مبسوطة جداً يا نفوذ ، وسأشتري لك دمية عروسة جميلة وكبيرة .
بدى السرور على الطفلة نفوذ والقت بنفسها إلي حُضن أبو النعيم وهي تقول شكراً ، شكراً ، شكراً جدي ..
خجل الجميع وتسمر كل واحدٍ في مكانة .
د. عز الدين حسين أبو صفية ،،،
قصة قصيرة
ما زلتُ طفلة ...
حضر أبو النعيم يصطحب معه مختار قريته وبعضاً من وجهاء القرية وإمام المسجد وشيخ البلد .وتوجهوا جميعا نحو احد المنازل ، وبعكازه الذي يسنده ليتجنب الآلام التي تسببها له الغضاريف التي نخرت فقراتٍ من عموده الفقري قام أبو النعيم بالدق على باب البيت الخشبيّ ،مين بيدق على الباب ، أتى السؤال من داخل المنزل على لسان امرأة ، فأجاب أنا ابو النعيم ومعي المختار وشيخ البلد وأم النعيم .
ردت المرأة من خلف الباب وهي ترحب بالحضور بصوتٍ مضطرب ومهتز وتقول أهلاً وسهلاً يا هلا يا هلا بالحضور،
كان صوت أبو النعيم وحضوره كفيلاً بان يهز مشاعر وشعور كل من في البيت ، وهو الرجل الصعب جاف المزاج وخشن الطباع ليس للعاطفة أو الحنان والحب مكان في قلبه وطباعه ، وهو الرجل الذي يتمتع بالغناء الفاحش والثراء لما لديه من الكثير من الأموال والذهب و مئات الفدادين من الأراضي الزراعية والبساتين ، ورغم كل ذلك فهو مضروب به المثل بالبخل وحرمان ابنائه العشرة وبناته الخمس وأحفاده العشرون ، بما فيهم زوجته التي شاركته الحياة بحلوها ومرها وساهمت وإياه يداً بيد في بناء ثروته حرمانهم جميعاً من حياة الرخاء والعيش بكرامة .
فُتِحَ الباب ودخل الجميع إلى البيت الذي لا يوجد به سوى غرفة واحدة تزدحم عند النوم ليلاً بجميع أفراد الأسرة ، الذين انصرفوا جميعاً إلى زاوية أخري من الحوش الصغير الملحق بالغرفة ليجلس الضيوف على خِرقةٍ من حصيرٍ قديم متآكل غطت مسطبة في الزاوية الأخرى من حوش المنزل والذي بالكاد يتسع للجميع بالجلوس والبعض لم يتمكن من الجلوس فاستمروا بالوقوف .
أمر أبو النعيم سائقه بإنزال الهدية التي أحضرها معه من الأقفاص المليئة بالفواكه والدجاج والحمام وإدخالها إلى المنزل ،بعد ان جلس من جلس وبقيّ واقفاً من بقيّ ، تحدث المختار مخاطبا أبو إسماعيل .. أتعلم يا أبو إسماعيل سبب هذه الزيارة ؟ قال لا أعلم ، قال المختار : جاء أبو النعيم لزيارتك وأحضر معه هذه الخيرات لك ولأسرتك ، وهو طالب القرب منك ، ! القرب مني ! في مَن ؟ ، قال : في بنتك ( نفوذ ) ... نفوذ !!! نفوذ صغيرة يا مختار ولا زالت طفلة ، ولم تُكمل من العمر سوى ثلاثة عشر سنة ، يعني عروسة يا أبو إسماعيل ، هذه بنتي صغيرة ولا زالت طفلة .
الشرع يسمح لها في هذا العمر بالزواج ، وسُترة الفتاه وتزويجها أفضل لها ، قال ذلك شيخ البلد وأيده إمام الجامع ،
ثم ردد المختار قائلاً : سيدفع لك أبو النعيم ثلاثة آلاف جنيه نقداً وسيتكفل بكل تجهيز العروس وتكاليف الفرح ،
خلينا نقرأ الفاتحة .. قرأ الجميع الفاتحة ، ثم وكز أبو النعيم بعكازه زوجته أم النعيم التي أحضرها معه وتكليفها بخطبة العروسة له آمراً لها بإطلاق زغرودة الفرح ، فأطلقت أم النعيم زغرودة قوية يشوبها بل يملأها القهر والغيرة من العروسة الطفلة .
ضحكت الطفلة نفوذ وهي لا تعلم بما يدور حولها ، وما أن سمعت الزغاريد إلا وانطلقت إلى الشارع فأحضرت دميتها العروسة وأعطتها لأبيها وهي تقول له : ها هي العروسة يا ابي ، كنت قبل ساعة أحدثها وأعدها بتزويجها ، وها تحققت الأمنية يا أبتي ، زوجها يا أبي ، وأنا سأطلب من أمي بأن تصنع لي عروسة أخري من الملابس البالية .
سمع الجميع هذا الحوار وتبسموا بمكرٍ وحزنٍ وخجل ، وأطلق أبو النعيم البالغ من العمر سبعون عاما وقد غزى الشيب كل شعره ولحيته الكثيفة وشاربه الخشن الذي تغير لونه إلى اللون البني من كثرة التدخين ، أطلق ضحكة صفراء وهو يقول مخاطباً الطفلة نفوذ ، ستكونين مبسوطة جداً يا نفوذ ، وسأشتري لك دمية عروسة جميلة وكبيرة .
بدى السرور على الطفلة نفوذ والقت بنفسها إلي حُضن أبو النعيم وهي تقول شكراً ، شكراً ، شكراً جدي ..
خجل الجميع وتسمر كل واحدٍ في مكانة .
د. عز الدين حسين أبو صفية ،،،