الأخبار
مع بدء ترحيل السكان.. تصاعد التحذيرات الدولية من اجتياح رفحمجلس الحرب الإسرائيلي يُقرر المضي في عملية رفحطالع: تفاصيل مقترح وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه حماسحماس تُبلغ قطر ومصر موافقتها على مقترحهم لوقف إطلاق النارممثل عشائر المحافظات الجنوبية يحذر من خطورة اجتياح الاحتلال الإسرائيلي لمدينة رفححماس: انتهاء جولة المفاوضات الحالية ووفدنا يغادر القاهرة للتشاور مع قيادة الحركةهنية يكشف أهم شروط حركة حماس للتواصل لاتفاق مع إسرائيلمقتل أربعة جنود إسرائيليين بقصف المقاومة الفلسطينية لمعبر (كرم أبو سالم) العسكريالحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجزيرة تحت ذريعة أنها "قناة تحريضية"الخزانة الأمريكية : بيانات الاقتصاد تؤكد وجود تباطؤ بالتضخممسؤولون أمريكيون: التوصل إلى اتفاق نهائي بغزة قد يستغرق عدة أيام من المفاوضاتالمستشفى الأوروبي بغزة يجري عملية إنقاذ حياة لطبيب أردنيتحذيرات أممية من "حمام دم" في رفحالمقاومة الفلسطينية تكثف من قصفها لمحور (نتساريم)غارات إسرائيلية مكثفة على عدة مناطق في قطاع غزة
2024/5/11
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تحليل سياسات: نحو سياسات لتطوير التعليم التكنولوجي والريادي 

تاريخ النشر : 2018-09-03
نحو سياسات لتطوير التعليم التكنولوجي والريادي

هذه الورقة من إعداد: روز المصري، شيرين حميدات، عبد الجبار الحروب، عبد الله زماري، ضمن إنتاج المشاريكن/ات في البرنامج التدريبي "التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات" 2018 الذي ينفذه مركز مسارات.


مقدمة

في ظل بيئة عالمية سريعة التطوّر، بتسارع ربما يصعب مواكبته أحياناً، يعتبر التطوّر التكنولوجي والإمكانيات المستجدة في مجال المعلوماتية، من أبرز مظاهر تقدم وقوة الدول في عصرنا الذي يعرف بأنه عصر ثورة المعلومات، ولم تعد قوة الدول تقاس بالقوّة العسكريّة والاقتصادية فحسب، بل أصبحت التكنولوجيا والمعلوماتية قوة إستراتيجية لدولة ما، قد تحدد انتصارها أو هزيمتها في أي مواجهة باردة كانت، أو ساخنة (حرب) مع دولة أخرى.

ومع ازدياد نسب البطالة بين الشباب، وبخاصة في البلدان التي تعاني من عدم استقرار، وضعف في قدراتها الاقتصادية مثل فلسطين، وبخاصة بين خريجي مؤسسات التعليم العالي التي تضخّ إلى سوق العمل في كل عام أعداداً متزايدةً من الخريجين، ويترافق ازدياد نسب العاطلين عن العمل، مع انحسار قدرة المؤسسات العامة والخاصة على استيعاب أعداد كافية من الوظائف، ما يعني تضاؤل الفرص الوظيفية أمام هؤلاء الخريجين - فلا بد هنا من إحداث تحوّل في بيئة العمل، وهو ما يبرز أهمية المبادرات الفردية والأعمال الريادية والتكنولوجية، بحيث تصبح مصدراً من مصادر نمو الاقتصاد في ظل عالمٍ يتجه باطّراد نحو اقتصاد المعلوماتية والمعرفة.

مشكلة الورقة

إن الاختلال الكبير الحاصل بين ما تنتجه فلسطين من التكنولوجيا، وأدواتها، وبين ما تستهلكه في المجال نفسه، يعتبر في حد ذاته مشكلة كبيرة، إذ إن حجم ما ندفعه ثمناً لهذه التكنولوجيا المستوردة يفوق أضعافاً كثيرة ما ننتجه منها، ونصدّره إلى السوق العالمي، وإذا علمنا أن ما صدرته فلسطين من منتجات التكنولوجيا في العام 2017، لم يصل أربعة ملايين دولار طوال العام، مقابل أن شركة واحدة من الشركات الكبيرة، قد تكون استوردت بالقيمة نفسها إن لم يكن أكثر، ومن جانب آخر فإن النسب العالية من الطلاب الجامعيين والخريجين، هي من أصحاب التخصصات الأدبية، وحتى أصحاب التخصصات العلمية، فانهم يتجهون إلى دراسة تخصصات باتت مكررة وتقليدية، فانضمّ كثير منهم إلى صفوف العاطلين عن العمل.

بالرجوع إلى نسبة البطالة في فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة) نجدها أعلى النسب في الدول العربية.  فقد أظهرت إحصائية الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن نسبة البطالة في فلسطين قفزت إلى 30% خلال الربع الأول من العام 2018، وأن هناك تفاوتاً كبيراً في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد بلغ في قطاع غزة 49.1%، مقابل 18.3% في الضفة الغربية.[1]

فضلاً عن أن الشباب في فلسطين لا يميلون، غالباً، إلى فكرة إنشاء أعمال خاصة بهم، ويفضلون البحث عن عمل لدى آخرين، وهو ما يقودنا إلى حقيقة أن نسبة الرياديين من الشباب منخفضة، ويعود السبب في ذلك إلى وجود قصور في جوانب عدة، منها التعليم، والتدريب، والتمويل، إضافة إلى نقص الخبرة والمعرفة، وحواجز السوق والمنافسة.

تتبوأ فلسطين مرتبة متقدمة من حيث أعداد الخريجين الجامعيين ومستويات التعليم، وهنا ربما نحتاج إلى فهم أسباب ونتائج هذا الاختلال ما بين التعليم والتشغيل في سوق العمل الفلسطيني، وكيف من الممكن ابتكار حلول تؤدي إلى خفض هذه النسب مستقبلاً، ليس من خلال إيجاد فرص عمل آنيّة لهؤلاء الخريجين، ولكن، على الأقل، أن نوجه الخريجين المستقبليين لدراسة تخصصات معلوماتية، فضلاً عن تبني المشاريع الريادية، والتوصية لصناع السياسات التعليمية بإيجاد أو تطوير أساليب تساهم في تحقيق هذا الهدف.

إذن، نحن بحاجة، هنا، إلى معالجة أمرين مختلفين، حيث تبحث هذه الورقة في إمكانية المساهمة في تخفيف نسب العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات والمعاهد، والمساهمة كذلك في تقليل الفارق بين ما ننتجه من التكنولوجيا وما نستورده منها، والتركيز على الأعمال الريادية التكنولوجية، ما يعزز الاقتصاد الوطني، ويرفع الناتج القومي بنسب جيدة -إذا ما تم دعمها وتشجيعها ومواكبتها للتطور الحاصل عالمياً في هذا المجال- وبخاصة أن عوائد التكنولوجيا والمعلوماتية، تعد من العوائد العالية مقارنة بكثير من السلع.  ويُعدُّ ارتفاع عوائد التكنولوجيا والمعلوماتية -ونتحدث هنا عن البرمجيات- مقابل انخفاض التكلفة التأسيسية والتكلفة التشغيلية كذلك، أمراً مبشرّاً، حيث بالإمكان أن يشكّلَ هذا المجال رافعة جيدة للاقتصاد الوطني.

هدف الورقة

تهدف هذه الورقة إلى المساهمة في التنمية المجتمعية والاقتصادية للمجتمع الفلسطيني من خلال تقديم سياسات وبدائل وعرضها على صناع القرار لتبنيها، بحيث تعالج أهم المشاكل المحيطة بتطوير التعليم التكنولوجي، وريادة الشباب في الأراضي الفلسطينية، ما يساهم، أولاً، في تقليل نسب بطالة الشباب الخريجين، وثانياً رفع حصة ومساهمة فلسطين في سوق المعلوماتية والتكنولوجيا العالمي، ورفع الناتج القومي الفلسطيني، وما لذلك من انعكاس على جودة حياة المواطنين الفلسطينيين.


تجارب الدول في دعم التعليم التكنولوجي وريادة الأعمال

لقد أثبتت تجارب العديد من الدول، أن اهتمامها بالتكنولوجيا والمعلوماتية وما يرتبط بهما من عمليات ومجالات، ساهم، بشكل ملحوظ، في تحسن وضعها الاقتصادي، ورفع الناتج القومي، وساهم في تحسين شامل لجودة حياة مواطنيها، والتغلب على جزء كبير من مشاكلهم، من خلال تطوير نوعية التعليم، والخدمات الصحية، والقدرات التشغيلية، والرفاه ... إلخ.

نستطيع، هنا، أن نورد أمثلة كثيرة، ربما أبرزها دول جنوب شرق آسيا، ابتداءً باليابان وكوريا الجنوبية، وليس انتهاءً بماليزيا وسنغافورة، وكذلك دولة الاحتلال، فهي من التجارب الأكثر نجاحاً وإنجازاً في هذا المجال، وتحوز على حصة جيدة من "سوق المعلوماتية" في العالم، وهو ربما ما دفع كثيراً من الدول إلى تطوير علاقات تعاون تكنولوجي واقتصادي معها، وبخاصة الدول الآسيوية والأفريقية.

وفقاً لإحصائيات البنك الدولي للعام 2016 حول إحصائيات التكنولوجيا المتقدمة، فإن صادرات فلسطين من التكنولوجيا المتقدمة تقدر بنحو 3,6 مليون دولار سنوياً، بينما نجد صادرات الأردن تقدر بنحو 84.9 مليون دولار، ولبنان 32,7 مليون دولار، أما سنغافورة، فتقدر بنحو 126 مليار دولار، في حين تبلغ قيمة صادرات الصين 496 مليار دولار.[2]

تحتل الصين قائمة الدول المصدرة للتكنولوجيا المتقدمة، تليها ألمانيا، والولايات المتحدة الأميركية، وسنغافورة وكوريا الجنوبية، فيما جاء المغرب الأول عربياً في هذا المجال، وفق البيانات الصادرة عن البنك الدولي للعام 2016.  وتشمل صادرات التكنولوجيا المتقدمة المنتجات ذات الكفاءة العالية من حيث التطوير والبحوث، مثل مجال الفضاء، وأجهزة الحاسوب، والمنتجات الصيدلانية، والأدوات العلمية، والأجهزة الكهربائية.


التجربة الفلسطينية في دعم التعليم التكنولوجي وريادة الأعمال

يعتبر التطور في مجال المعلوماتية والتكنولوجيا وريادة الأعمال، وصفة لرفع إمكانيات وقدرات الدول التي تفتقر إلى الموارد الطبيعية والاقتصادية، التي قد يكون نقصها معيقاً للتنمية والتطور الاقتصادي.  وفي واقعنا الفلسطيني، لا تعتبر التكنولوجيا أولوية وطنية من حيث التعليم، وتطوير أساليبه، والتدريب العملي المواكب للتقدم الهائل والمطّرد في هذا المجال عالميّاً، بل في ظل ما يحدث من تقدم عالمي قد نعتبر بدائيين في هذا المجال، على الأقل في مجال البحث والتطوير "وصناعة التكنولوجيا".  فالأمر هنا لا يقاس بانتشار الأجهزة الذكية وتطبيقاتها، والتكنولوجيا المستخدمة في حياتنا اليومية، لأن هذا يعتبر استهلاكاً للتكنولوجيا، وهو من نوع الاستهلاك المكلف جداً، ولكن الأمر يُقاسُ من حيث مساهمة فلسطين في "تصنيع" وإنتاج التكنولوجيا والمعلومات.  وإذا ما قارنّا الجانبين ببعضهما البعض، سنجد اختلالاً كبيراً تميل الكفة فيه لصالح الاستهلاك بنسب كبيرة.

تشير بيانات التعداد العام لسنة 2017 إلى أن عدد المؤسسات العاملة في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات قد بلغ 1008 منشآت من إجمالي المنشآت الاقتصادية العاملة (158573 منشأة) في فلسطين، وشغل هذا القطاع 9200 عامل من إجمالي العاملين (444034 عاملاً) في العام 2017.

وشكل الإنتاج لهذا القطاع ما نسبته 6.8% من إجمالي الإنتاج الكلي للقطاعات الاقتصادية في العام 2016، مقارنة مع 7.3% في العام 2015.  وتجاوزت القيمة المضافة لهذا القطاع نصف مليار دولار، ما شكل ما نسبته 4.09% من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة في العام 2016، مقارنة مع ما نسبته 4.07% في العام 2015.[3]

تولي وزارة الاتصالات أهمية كبيرة لهذا القطاع، من خلال العمل على توفير كل الوسائل لإنجاح مشروع الحكومة الإلكترونية، وتعزيز التحول الإلكتروني للمؤسسات والدوائر الحكومية، وتعزيز المعرفة الرقمية في المجتمع الفلسطيني.[4]  كما ساهم قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الفلسطيني، بشكل ملحوظ وفعال، ولا يزال، في تطوير البنية التحتية في فلسطين، وتحسين نوعية الحياة، والنهوض بالتعليم، وإبراز التاريخ الثقافي الغني، وظهور اقتصاد الشركات الناشئة.[5]

وتغطي شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الفلسطينية قطاعاً عريضاً من السوق، بما يشمل موزعي أجهزة الحاسوب، وشركات تطوير البرمجيات، ومزودي خدمة أتمتة المكاتب، ومزودي خدمة الإنترنت، وشركات الاتصالات، وشركات التدريب والخدمات الاستشارية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.[6]


دور حاضنات الأعمال والتكنولوجيا في التنمية الاقتصادية

تعتبر ريادة الأعمال من الحقول المهمة في اقتصادات الدول الصناعية المتقدمة، ومن الحقول الواعدة في الدول النامية، حيث تساهم المشروعات الريادية، مساهمة فاعلة، في تطور التنمية الاقتصادية الشاملة، كما تعد نواة بناء المنظمات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، حيث يؤمن المشروع الريادي الدخل الكافي للريادي وعائلته، إضافة إلى دوره في استحداث وظائف جديدة، والحد من نسبة البطالة في المجتمع، فضلاً عن ظهور أنماط جديدة من السلع والخدمات التي تسهم في فتح ونمو أسواق جديدة تساعد في تقليل الفجوة بين اقتصادات الدول.[7]

ما زالت التجربة الفلسطينية في حاضنات الأعمال حديثة مقارنة مع بعض مشاريع حاضنات الأعمال والتكنولوجيا في دول عربية كمصر، وتونس، والبحرين، والسعودية، ولقد أنشئت معظم حاضنات الوطن العربي بما فيها الحاضنات الفلسطينية على الأغلب لتحقيق أهداف محددة ومشابهة تتمثل في المساهمة في إنعاش وتنمية الاقتصاد المحلي، والترويج لنقل التكنولوجيا، وتشجيع إنشاء أعمال صغيرة وجديدة للشباب المبادر، والمساهمة في خفض معدلات البطالة، من خلال خلق فرص عمل جديدة للعاطلين من الشباب وخريجي الجامعات.

لقد انطلقت تجربة الحاضنات الفلسطينية العام 2004، وخلال هذه الفترة ساهمت في تأسيس 28 شركة صغيرة، وقدمت دعماً مالياً وخدمات فنية وإدارية إلى ما يزيد على 87 مشروعاً محتضناً.  إن جميع حاضنات الأعمال الفلسطينية، قد أنشئت بتمويل من البنك الدولي، أو الاتحاد الأوروبي؛ سواء من خلال برنامج (Info Dev)، أو عبر برنامج صندوق وتطوير الجودة (QIF) في التعليم العالي، وقد اقتصر تمويل غالبية أنشطة الحاضنات على المؤسسات المحلية والدولية مثل (Microsoft)، (Intel Google)، (USAID PALTRADE)، (SPARK) وغيرها.[8]

تتميز هذه الحاضنات بوجود وحدات الدعم العلمي التكنولوجي، التي تقام بالتعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث، وتهدف إلى الاستفادة من الأبحاث العلمية وابتكارات التكنولوجيا وتحويلها إلى مشروعات ناجحة، من خلال الاعتماد على البيئة الأساسية لهذه الجامعات؛ من معامل، وورش، وأجهزة بحوث، إضافة إلى أعضاء هيئة تدريس، والباحثين والعاملين كخبراء في تخصصاتهم.  ومن أبرز جهات التمويل التي تقدم الدعم للمشاريع الريادية، حاضنات الأعمال، والمؤسسات الأهلية، ومؤسسات التمويل والإقراض.[9]

العديد من المؤسسات تلعب دوراً مهماً في توفير نظام بيئي للريادة والاحتضان، منهم القطاع الخاص، والحكومة ممثلة بوزارة الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، ووزارة الاقتصاد، ووزارة التربية والتعليم العالي، مجلس البحث العلمي، بعض المؤسسات التعليمية والدولية الداعمة، والحاضنات مثل: (BTI 2006، Gaza Sky Geeks 2011، مبادرون 2010، بيكتي PICTI، يوكاس UCAS، مهارات) وبعض المستثمرين.

وتعد مصادر وحجم التمويل للحاضنات الفلسطينية محدودة مقارنة مع القطاعات الأخرى كبرامج الإغاثة والتشغيل الممولة من المؤسسات الدولية، ومساهمة الحكومة في تمويل برامج الاحتضان تكاد تكون معدومةً.

هناك تفاوت في العلاقة بين الحاضنات والقطاع الخاص، وذلك يعزى إلى طبيعة حوكمة الحاضنة، فالحاضنات التابعة لممثلي القطاع الخاص تحظى بتمويل المسؤولية الاجتماعية. أما الحاضنات التابعة للقطاع الأكاديمي فتحظى بتمويل برامجي، من خلال مؤسسات دولية، ولكن غير منتظم، مع اهتمام أقل من قبل القطاع الخاص والحكومة.

أسباب ضعف التعليم التكنولوجي والريادي

لا يقتصر ضعف التعليم التكنولوجي والريادي، في الحالة الفلسطينية، على فقر في الموارد الطبيعية والاقتصادية، بل يتوسع أكثر إلى وجود معيقات كثيرة يضعها الاحتلال، أو الاتفاقات التي تم توقيعها معه أمام تطوير الاقتصاد، وترسيخ تنمية ترتفع بالاقتصاد والازدهار، ومعيقات حكومية، وفي القطاع الخاص.

أولاً. قصور القطاع الحكومي

هناك قصور من القطاع الحكومي لتطوير التعليم التكنولوجي في فلسطين، ويتمثل ذلك في:

    ضعف البنية التحتية للتعليم التكنولوجي، وضعف الإمكانات التقنية، إذ لا زال محتوى التعليم التكنولوجي متأخراً عمَّا وصلت إليه الكثير من الدول في هذا المجال، وفي المنهاج المدرسي، مثلاً، لمادة التكنولوجيا، لا يزال الأمر مقتصراً على الجوانب النظرية التلقينية؛ فالمطلوب من الطالب الحفظ أكثر من أن يقوم بالتطبيق ضمن مشاريع عملية.  إن عدم ربط نظام التعليم الجامعي مع احتياجات سوق العمل، وبخاصة القطاع الخاص، يقلل من سيولة الأفكار الريادية والإبداعية، ما يقلل من فرص الاحتضان.
    ضعف نشاط المجلس الأعلى للإبداع والتميز، الذي لا يوجد له حضور في غزة.
    القيود القانونية التي تؤثر على عمل الحاضنات، وبخاصة في مجال تسجيل الشركات والضرائب.
    غياب ملكية القطاع العام لحاضنات الأعمال والتكنولوجيا، ومحدودية الموازنة الحكومية الموجهة نحو الاحتضان، حيث ما زال هذا القطاع ممولاً من قبل المانحين.
    معاناة أغلب الشركات بعد الاحتضان من القيود القانونية الحكومية، والقيود البنكية، ومشاكل التحويلات البنكية.
    محدودية إشراك القطاع الحكومي أو ممثليه في المجالس الإدارية أو الاستشارية لحاضنات الأعمال التكنولوجيا.

ثانياً. تدني مساهمة القطاع الخاص

يعاني القطاع الخاص من ضعف في التحول من النمط الاستهلاكي للتكنولوجيا إلى منتج لها، وعلى الرغم من وجود مبادرات وجهود في هذا الجانب، وبخاصة لجهة حاضنات الأعمال والريادة، فإنها محدودة، حيث يبلغ ما تصدره فلسطين من التكنولوجيا أقل من أربعة ملايين دولار سنوياً حسب إحصائية البنك الدولي للعام 2016، ويعود ذلك إلى محدودية إشراك القطاع الخاص أو ممثليه في المجالس الإدارية أو الاستشارية للحاضنات، وإلى ضعف التمويل والتشبيك.

ثالثاً. معوقات الاحتلال الإسرائيلي

يشكّل الاحتلال الإسرائيلي أحد أهم المعوقات التي تواجه قطاع الريادة والتكنولوجيا والتسويق، من حيث العوائق الجغرافية والسياسية، فالهيمنة الاقتصادية المرتبطة بظروف الاحتلال والاتفاقيات الاقتصادية الموقعة معه، وسيطرته على المعابر والحدود، الأمر الذي يتسبب بضعف السوق المحلي، حيث يعيق هذا الواقع عمليات تصنيع الأجهزة (hardware) نظراً لمعيقات الاستيراد والتصدير وضيق السوق المحلي، كما يبعد ذلك مستثمري القطاع الخاص بسبب البيئة الاستثمارية غير الآمنة، ولكن هذه المخاوف تصبح غير مبررة حين التطرق إلى قطاع البرمجة (software)، حيث لا يحتاج هذا القطاع إلى منشآت كبيرة ولا مكلفة اقتصادياً، بل بالإمكان العمل (كبداية) من المنزل، أو مكاتب صغيرة.

ونتيجة لهذه المعيقات، فإن التعليم التكنولوجي في تراجع، ولا يساهم المساهمة المطلوبة في دعم الاقتصاد الفلسطيني، الذي هو، أصلاً، اقتصاد صغير وضعيف في بنيته، تابع للمؤثرات الخارجية، فهو قائم باعتباره سوقاً استهلاكية للمنتجات الإسرائيلية، ومصدراً للأيدي العاملة الرخيصة بشكل عام، عدا عن الإشكاليات الاقتصادية اللاحقة التي حصلت نتيجة سياسات الاحتلال ووقوع الانقسام.

المعايير

تتناول الورقة البدائل التي يمكن من خلالها تحقيق الأهداف المنشودة، ويتطلب ذلك تحديد معايير محددة تحكمها، يمكن من خلالها قياس قدرة البدائل المطروحة على الوصول إلى الهدف العام، وهي كالآتي:

المقبولية: يمكن قياس مقبولية البدائل من خلال تطوير عمل المجلس الأعلى للتعليم المهني والتقني، والمجلس الأعلى للإبداع والتميز، وتزويدهما ببرامج تخدم التعليم التكنولوجي وريادة الأعمال والحاضنات، فضلاً عن إمكانية تشكيل لجنة عليا تهتم بالتعليم التكنولوجي وريادة الأعمال.

المشروعية: شرعت القوانين المحلية الحق في العمل والتعليم التقني وأهمية الريادة والإبداع.  ويوجد ثلاثة أطر قانونية للريادة والاحتضان، وهي: قرار رقم (13) لسنة 2013 بشأن نظام المجلس الأعلى للإبداع والتميز، ومرسوم رقم (1) 2016 بشأن صندوق دعم الإبداع والتميز، والإستراتيجية الوطنية للحاضنات الفلسطينية 2017 – 2020.

المعقولية: يمكن قياس مدى إمكانية تفعيل البديل من خلال المقارنة ما بين الفرص والتحديات التي تواجه طرح البدائل، ومدى وجود معارضين ومؤيدين لها، ومدى القدرة على تذليل العقبات التي تواجه طرح البديل.

الوعي العام: بقياس حالة الوعي العام لقضايا الريادة، وعمل الشباب في التعليم التقني والمهني التكنولوجي، وأهمية مشاركته واعتباره جزءاً أساسياً وفاعلاً في التنمية الاقتصادية، نجد أن هناك تطوراً، نوعاً ما، في هذا الجانب.  كما أن لدى الجميع وعياً بضرورة تمكين الشباب وقدرته على الإنتاج، إلا أن الواقع السياسي وما أنتجه الانقسام، جعل قضية الاهتمام بالأعمال الريادية شيئاً ثانوياً أمام ما تشهده القضية الفلسطينية من تطورات داخلياً وخارجياً.

معيار المنفعة والتكلفة: تتمثل المنفعة في مدى مساهمة البديل في القضاء على البطالة بين صفوف الشباب، إضافةً إلى مدى تهيئته للعجلة الاقتصادية لإعادة الدوران، بما يقود إلى تعافي بقية القطاعات لارتباطها معاً، وتوقف حالة التدهور الإنساني والاقتصادي، ويعزز من قدرة المواطنين الشرائية المتآكلة.

الكفاءة والفاعلية: مدى مساهمة البديل وامتيازه بالمرونة والكفاءة التي يساهم من خلالها في الدفع بزيادة فرص عمل الشباب في الإطار التكنولوجي والريادي، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة إنتاجية الشباب واستفادة القطاع الخاص.

الخسائر: مدى احتياج البديل إلى كلفة مالية مرتفعة، أو الاصطدام بالمؤثرين الذين لهم مصلحة في بقاء الوضع على ما هو عليه، بدون تطور في المجال التعليمي التكنولوجي.

البدائل

البديل الأول: تطوير السياسات التعليمية والتوعية المجتمعية الخاصة بالقطاع الريادي التكنولوجي

يقوم هذا البديل على العديد من الأنشطة المتداخلة كما يأتي:

    التوعية بأهمية ربط التخصصات بسوق العمل، وزيادة التخصصات التكنولوجية الريادية، الأمر الذي يوسّع فرص الشباب في المشاركة بشكل أوسع.
    تطوير المناهج التعليمية فيما يخص التدريب العملي بالتخصصات التكنولوجية والبرمجيات.
    تطوير سياسات البحث العلمي، والتجريب البرمجي، من خلال مختبرات حاسوب متطورة، لتساهم في تلقي الباحثين وطلاب تكنولوجيا المعلومات تدريبات عملية متطورة، إضافة إلى توفير بيئة بحثية مواكبة للتطور في هذا المجال.
    العمل على تطوير البنية التحتية لاقتصاد المعلومات، التي تتمثل في شبكات الاتصالات المتطورة والآمنة التي تقوم عليها الأنشطة الاقتصادية، كوسيلة لتحقيق توسيع مساهمة التكنولوجيا في مختلف القطاعات الخدمية والصناعية.
    العمل على نشر الوعي لدى المجتمع والمقبلين على الدراسة الجامعية، بشكل خاص، بأهمية وجدوى دراسة تخصصات معلوماتية، وأهمية التدريب التكنولوجي والأعمال الريادية وعوائدها الاقتصادية المجدية، وفرص العمل التي تخلقها.
    تنظيم ومراجعة البيئة التشريعية والقانونية التي تخدم بيئة القطاع التكنولوجي.
    نشر ثقافة ريادة الأعمال عبر وسائل الإعلام ضمن حملات إعلامية مكثفة، والتركيز على أسبوع ريادة الأعمال التكنولوجية.

يعد هذا البديل منسجماً مع التوجهات الحديثة التي تسعى دول العالم المتقدمة إلى تحقيقها عبر مؤسساتها التعليمية، من خلال تعزيز اتّخاذ تدابير وسياسات تراعي الحداثة والمواكبة التقنية، واستخدام أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومدى أهمية توظيف أدوات التكنولوجيا، وتأثيرها على القطاعات الاقتصادية.

يتماشى هذا البديل مع سعي وزارة التربية والتعليم، ووزارة العمل الفلسطينيتين إلى دعم القطاع التكنولوجي، واستحداث أساليب جديدة، وتطوير المناهج.  ويعد مقبولاً بدرجة عالية لدى القطاع الخاص، وهو بديل ذو مرونة عالية من ناحية التطبيق واستفادة الشباب منه.  كما يحمل هذا البديل كفاءة وفاعلية عالية لجهة ربط التخصصات بسوق العمل، وبخاصة التكنولوجيا، الأمر الذي يساعد على فتح المجال أمام آلاف الخريجين للحصول على فرص للعمل بالوظائف، أو التشغيل الذاتي بمشاريع خاصة.

أيضاً هناك وعي عالٍ بأهمية ربط التخصصات بسوق العمل، وإجراء تدريب مهني عالي المستوى، لكنه بحاجة إلى توعية بأهمية الريادة والأعمال التكنولوجية ورفع قيمتها المجتمعية، وبأهمية زيادة حاضنات الأعمال للمشاركة في سوق العمل بعيداً عن التخصصات المعتادة والمقبولة مجتمعياً، التي سببت فائضاً في أعداد الخريجين.

إلا أن هذا البديل يحتاج إلى مدى زمنيٍّ متوسط (ثماني سنوات بشكل تقديريّ) حيث تحتاج عملية التوعية أولاً، وتطوير المناهج والبنية التحتيّة ثانياً، إلى سنوات عدة كي تعطي نتائجها المنشودة، لكنه لن يساهم إلا بقدر يسير جداً في التقليل من نسب العاطلين عن العمل حالياً.

البديل الثاني: المساهمة في تحفيز القطاع الخاص وحاضنات الأعمال على دعم القطاع التكنولوجي

يقوم هذا البديل على دعم القطاع الخاص للإنتاج التكنولوجي من برمجيات وتطبيقات وخدمات، من خلال:

    زيادة مستويات الخبرة للقطاع التكنولوجي وحاضنات الأعمال في مجال التصدير، وتسويق المنتجات للخارج، والقدرة على جلب مستثمرين، إضافة إلى الاهتمام بقطاع الأعمال، والعمل على استخدام التكنولوجيا في المعاملات التجارية.
    ضرورة التوسع في تقديم الخدمات من قبل حاضنات الأعمال للمشاريع المحتضنة.
     التنسيق بين عمل الحاضنة وبين القطاع الخاص لتكون الحاضنة شريكاً في عملية التنمية وليس منافساً.
    العمل على تخصيص دعم حكومي لحاضنات الأعمال، وتسهيل برامج الإقراض والتمويل للمشاريع الجديدة.

يمتاز بالمرونة والكفاءة العالية؛ كونه يساهم في زيادة فرص الشباب في خلق فرص عمل، وتوفير الحوافز للقطاع الخاص على توظيف الشباب، واحتضان مشاريعهم الريادية، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة إنتاجية الشباب واستفادة القطاع الخاص.

أما الوعي العام، فهو يتدرج من متوسط إلى عالٍ، فهناك من يجهل أهمية دور حاضنات الأعمال وأهميتها، ومن القطاع الخاص من لديه توجس وخوف من إدماج الطلبة والخريجين لديهم، وتطوير أدائهم؛ خوفاً من منافسة محتملة مستقبلية لأعمالهم.

هذا البديل مهم على المديين القصير والمتوسط، لكن بحاجة إلى فرض محفزات على القطاع الخاص، لترويج النهج القائم على العرض بدلاً من النهج القائم على السوق لتنمية ريادة الأعمال، نتيجة لوجود عدد كبير من المانحين، والمبادرات الممولة من القطاع العام.  ولهذا الإجراء التدخلي أثر على أولويات المنظمات المتلقية للتمويل، وقدرتها على تحمل صعوبة تنظيم المشاريع القائمة على اعتبارات السوق.

الخيار المفضل

إن البديل/السيناريو المفضل، مع أنه الأصعب من حيث التطبيق، هو الدمج بين البديلين المطروحين؛ إذ لا بد من اقتراح سياسات تدخّل لتطوير العلاقة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص وحاضنات الأعمال الريادية والتكنولوجية، لتشارك في رسم السياسات للتدريب التكنولوجي والريادي، بما يتناسب مع البيئة الوطنية، وأسواق العمل المحلية والخارجية، والتطور المهني والتقني والتكنولوجي، وتطوير برنامج عمل يتواءم وإمكانيات مختلف التجمعات وظروفها، ضمن دراسات معمقة للبيئة التشغيلية، وفهم احتياجات وطبيعة المجالات ومستوى التطور والتحديث في الأدوات والآلات والتكنولوجيا.

الهوامش

[1] الإحصاء الفلسطيني يعلن النتائج الأساسية لمسح القوى العاملة للربع الأول 2018، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 8/5/2018.

[2] صادرات التكنولوجيا المتقدمة، موقع البنك الدولي،

[3] بيان صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمناسبة اليوم العالمي للاتصالات ومجتمع المعلومات، الجهاز المركزي للإحصاء، 17/5/2018.

[4] للمزيد انظر موقع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطينية.

[5] قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الفلسطيني، اتحاد شركات أنظمة المعلومات الفلسطينية (بيتا).
[6] المصدر السابق.

[7] فايز النجار وعبد الستار العلي، الريادة وإدارة الأعمال الصغيرة، ط2، دار الحامد للنشر والتوزيع، عمان، 2010.

[8] بسمة برهوم، دور حاضنات الأعمال والتكنولوجيا في حل مشكلة البطالة لرياديي الأعمال في قطاع غزة، (رسالة ماجستير)، الجامعة الإسلامية، غزة، 2014، 101.

[9] تقرير بعنوان "المشروعات الصغيرة والمتوسطة في فلسطين"، منتدى الأعمال الفلسطيني 2014 ، رام الله، 3.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف