عيد المتنبي .. فليت دونك بِيدا دونها بِيد 20-8-2018
بقلم : حمدي فراج
منذ كنا على مقاعد الدراسة الاعدادية قبل حوالي نصف قرن ، وما أن يحل علينا عيد الله ، إلا وان يضع لنا مدرس اللغة العربية ، بيت المتنبي المشهور "عيد بأية حال عدت يا عيد – بما مضى أم بأمر فيك تجديد" ، ويطلب منا كتابة موضوع الانشاء عن ذلك العيد ، وكنا نفهم من البيت او صدره فقط ، ان ذاك العيد الذي يحل علينا ، انما يحمل معه من الاحزان ما لا طاقة له برأبها واجتثاثها .
ولا مرة من المرات ، استطاع المدرسون ، حتى نهاية المرحلة الثانوية ، الذهاب بنا الى "عيد" المتنبي وسبر غور احزانه ، وبالمناسبة ، كان عيد الاضحى ، ربما لأنهم لم يكونوا ليعرفوا القصيدة كعلامة في تاريخ الشعر العربي ، وبالتالي لم يكونوا ليحفظوا منها سوى البيت اعلاه وهو مطلعها ، كإشارة على مدى شدة الحزن الذي ألم بقلب الشاعر ، فناح بهذه القصيدة عشية العيد ، وهناك غير هذا البيت اشد وقعا وبلاغة على حزنه وكمده ، بقوله : أما الاحبة فالبيداء دونهم – فليت دونك بيدا دونها بيد .
وبالطبع ، فإن القصيدة التي عاشت أكثر من ألف سنة (915-965) فيها ما هو ابعد من غرض الحزن واعمق ، كالغضب على كافور ألاخشيدي الذي انقلب على الحكم المصري ، هذا الغضب الذي حوله المتنبي الى هجاء مقذع ، طال هذا الحاكم في لون بشرته السوداء ، حين قال : لا تشتري العبد الا والعصا معه – إن العبيد لأنجاس مناكيد ، فخلده في تاريخ مصر والعرب اكثر من اي زعيم اخر من قبله ومن بعده ، قبل ان يودعه دركه الاخير "والعصا معه" .
في آخر مئة سنة ، التي شهدناها نحن طلبة الاعدادية ، ومعنا مدرسونا أنذاك ، والذين رحل معظمهم ، فقد كان وطننا العربي ، مثار حزن عشيات اعياده ، ولم يكن زعماءه بأقل مما كانت عليه عبودية كافور ، بل "قطاريس" يختاروا عبوديتهم بأنفسهم ، ما عبر عنه المتنبي بالعضاريد (جمع عضرود) الذي يعملون مقابل ملء بطونهم ، لقد طواهم النسيان ، الا من ابنائهم الذين تورثوا السدة بعد موتهم والبعض قبل ذلك ، يتذكرونهم ، على انها سدة حكم ، وهي في حقيقتها قنانة مفضوحة . لكن لا يوجد متنبي يفضخهم و"يخلدهم" .
ما كان يمكن لهذا المتنبي ان يغادر حالة حزنه وغضبه دون ان يعرج كعادته على فخره الشخصي بذاته ، لكنه في هذه القصيدة ، يفخر بالعروبة وبمصر ، رغم انتقاده للقائمين عليها سهوا ام عمدا ، بأن خيرها غالب ، ولا يضيرها ما ينهبه النهابون في هذا البيت الذي يصور حال المحروسة الصغيرة (مصر) او الكبيرة المتمثلة بالوطن العربي كله حين يقول : نامت نواطير مصر عن ثعالبها – فقد بشمن (شبعن حد التخمة) وما تفنى العناقيد .
بقلم : حمدي فراج
منذ كنا على مقاعد الدراسة الاعدادية قبل حوالي نصف قرن ، وما أن يحل علينا عيد الله ، إلا وان يضع لنا مدرس اللغة العربية ، بيت المتنبي المشهور "عيد بأية حال عدت يا عيد – بما مضى أم بأمر فيك تجديد" ، ويطلب منا كتابة موضوع الانشاء عن ذلك العيد ، وكنا نفهم من البيت او صدره فقط ، ان ذاك العيد الذي يحل علينا ، انما يحمل معه من الاحزان ما لا طاقة له برأبها واجتثاثها .
ولا مرة من المرات ، استطاع المدرسون ، حتى نهاية المرحلة الثانوية ، الذهاب بنا الى "عيد" المتنبي وسبر غور احزانه ، وبالمناسبة ، كان عيد الاضحى ، ربما لأنهم لم يكونوا ليعرفوا القصيدة كعلامة في تاريخ الشعر العربي ، وبالتالي لم يكونوا ليحفظوا منها سوى البيت اعلاه وهو مطلعها ، كإشارة على مدى شدة الحزن الذي ألم بقلب الشاعر ، فناح بهذه القصيدة عشية العيد ، وهناك غير هذا البيت اشد وقعا وبلاغة على حزنه وكمده ، بقوله : أما الاحبة فالبيداء دونهم – فليت دونك بيدا دونها بيد .
وبالطبع ، فإن القصيدة التي عاشت أكثر من ألف سنة (915-965) فيها ما هو ابعد من غرض الحزن واعمق ، كالغضب على كافور ألاخشيدي الذي انقلب على الحكم المصري ، هذا الغضب الذي حوله المتنبي الى هجاء مقذع ، طال هذا الحاكم في لون بشرته السوداء ، حين قال : لا تشتري العبد الا والعصا معه – إن العبيد لأنجاس مناكيد ، فخلده في تاريخ مصر والعرب اكثر من اي زعيم اخر من قبله ومن بعده ، قبل ان يودعه دركه الاخير "والعصا معه" .
في آخر مئة سنة ، التي شهدناها نحن طلبة الاعدادية ، ومعنا مدرسونا أنذاك ، والذين رحل معظمهم ، فقد كان وطننا العربي ، مثار حزن عشيات اعياده ، ولم يكن زعماءه بأقل مما كانت عليه عبودية كافور ، بل "قطاريس" يختاروا عبوديتهم بأنفسهم ، ما عبر عنه المتنبي بالعضاريد (جمع عضرود) الذي يعملون مقابل ملء بطونهم ، لقد طواهم النسيان ، الا من ابنائهم الذين تورثوا السدة بعد موتهم والبعض قبل ذلك ، يتذكرونهم ، على انها سدة حكم ، وهي في حقيقتها قنانة مفضوحة . لكن لا يوجد متنبي يفضخهم و"يخلدهم" .
ما كان يمكن لهذا المتنبي ان يغادر حالة حزنه وغضبه دون ان يعرج كعادته على فخره الشخصي بذاته ، لكنه في هذه القصيدة ، يفخر بالعروبة وبمصر ، رغم انتقاده للقائمين عليها سهوا ام عمدا ، بأن خيرها غالب ، ولا يضيرها ما ينهبه النهابون في هذا البيت الذي يصور حال المحروسة الصغيرة (مصر) او الكبيرة المتمثلة بالوطن العربي كله حين يقول : نامت نواطير مصر عن ثعالبها – فقد بشمن (شبعن حد التخمة) وما تفنى العناقيد .