ركوة حرف 17
رواية ( سارة حمدان ) للكاتب أبوغوش ماجد
قراءة : طلعت قديح
( سارة حمدان ) اسم الرواية التي ارتآى أن يعنون الكاتب روايته الأخيرة بها ، المنشورة ضمن إصدارات مكتبة كل شيء حيفا .
تقع الرواية في 154 صفحةمن القطع المتوسطة ، يعبر الغلاف الرمادي المائل للبياض عن رؤية فنية ، تتوسطه رسمٌ لامرأة مرهقة الملامح ، تميل عيناها لشيئٍ من الذكرى المؤلمة ، مع إعطاء لمحات من الصفو والأمل والذي نراه في اللون الأبيض للمرأة ، والتي من المؤكد أنها تمثل شخصية الرواية سارة حمدان ، وهي تمثل الملطف لأجواء اللون الرمادي المحيط بها .
يختار الكاتب منذ البداية الانفلات من الواقع والهروب من تعقيدات الزمن والأمكنة ، ليخلق هامشًا كبيرًا - لبطله أسعد - من حرية التحرك ، والذي لا يكون متاحًا له في يومياته ، وهذا ما نراه في حالة الاسترسال والتنقل دون قيد ، وهذا يمنحه بث خلجاته وفكره بحرية .
منذ البداية أراد الكاتب أن يعلن للقارئ أن بطله يساري في توجهه الفكري ، وهذا ما نلحظه في صفة التخاطب بينه وبين أصدقائه ومقربيه ، بقوله ( رفيق ) ، فهو النداء المحبب لمنتسبي الاتجاه اليساري الفكري .
لكنه وبرغم ذلك ، يبدأ بكسر معتقد يساري ، بدخوله في قضية مهمة ضمن التراث الديني ، وهي تزاور أرواح الموتى فيما بينهم .
فالتزاور يكون للأرواح - حسب الديانتين الإسلامية والمسيحية - التي تتخطى سؤال القبر بنجاح ( النظرة الإسلامية ) ، ومن يؤمن بالمسيح ويتبع تعاليمه ( النظرة المسيحية ) ، أما الآخرون فمنغمسون بما ينتظرهم من شقاء .
ومن هذا المفصل تتفرع قضية مثارة ، وهي هل الله يحاسب الناس بأعمالهم أم برحمته ؟ فالمعروف أن اليساريين لهم توجههم اللاديني ، برغم ممارساتهم - التي تقع ضمن التوجه الديني الفعلي - من خلال رؤيتهم الفكرية في ضرورة التعامل بصدق مع الغير ، والاصطفاف مع الطبقة الكادحة ، والدفاع عن المشروع الوطني .
* يبث الكاتب على لسان بطله ، بعض هموم الذاكرة والواقع ، حيث نرى عدة مشاهد والتقاطات فلاشية لها .
- ( اسماعيل ) الذي يعيش الغربة عن وطنه يافا ، خوفًا من الإمساك به ، من قبل دوريات الاحتلال الصهيوني ، ودور ( أسعد ) في تحقيقه لأمنيته ، فكان له ما تمنى .
- لقاء التعارف بين أسعد وسارة حمدان ، واللذان سابقا الزمن في فترة وجيزة ( أسبوعان ) ، ليشكلا قصة حب حامية الوطيس ، وما نتج عنه من تحول دراماتيكي ، في لقاء حميمي ، يعبر عن حجم العلاقة .
- وجبات الاعتقال التعسفي التي تمارسه قوات الاحتلال ، وطرق التعذيب ، والمدة المتعارف عليها للتحقيق (18يوم ) ، وهي مدة عرفية في دستور الممارسات القمعية .
- عرض الذاكرة الفلسطينية ، من خلال استحضار رفاق الدرب ، باستخدام وخز الذكريات ، وتطعيمها بالهم الفلسطيني .
- لفت النظر لعدة تفرعات يعانيها المواطن الفلسطيني ومنها :
- الحاجة للتنقل بين القبور بتصريح ، وهذا يعتبر إسقاط نفسي للمعاناة بين المدن الفلسطينية .
- جلب ذكريات الزمن الجميل ، وإيضاحها من خلال شخصيات وطنية معروفة كالشهيد القائد ياسر عرفات ، والشاعر الفلسطيني حسين والبرغوثي وغيرهما من الشخصيات .
- يدخل الكاتب عالمًا من الاشتباك الفكري من خلال فكرة زواج المسيحي من المسلمة ، وهو أمر مرفوض إسلاميًا .
- يعرج الكاتب على بعض المكدرات الحياتية للناس ، ومنها ( تفشي مرض السرطان - تجربة الاعتقال والتحقيق وطرق التعذيب - مظاهر الفساد بمختلف طبقاتها ) .
- برع الكاتب في إخفاء نمط النهاية الدراماتيكية غير المتوقع ، وفيها يتداخل العقل الباطن في عملية الوصل بين حال الغيبوبة وحال الصحو .
يختار الكاتب نهاية لبطل روايته ، تتمثل في الخلوة القسرية ، معبرًا عن الاحتجاج على واقعه ، بالحنين لحالة الغيبوبة التي مثلت له الحركة الدؤوبة التي يتمنى العيش فيها .
وتُركت الخاتمة مفتوحة الاحتمالات ، حيث تُختم بالتمني قائلاً ( مضت سنوات عديدة على هذه الأحداث ، فإن صادفتم عجوزًاوحيدًا ، يرمي صنارته في الماء ويغني للسمك والموج ، ويبكي بصمت ، أخبروني عنه ، فربما كان هو ) .
طلعت قديح
رواية ( سارة حمدان ) للكاتب أبوغوش ماجد
قراءة : طلعت قديح
( سارة حمدان ) اسم الرواية التي ارتآى أن يعنون الكاتب روايته الأخيرة بها ، المنشورة ضمن إصدارات مكتبة كل شيء حيفا .
تقع الرواية في 154 صفحةمن القطع المتوسطة ، يعبر الغلاف الرمادي المائل للبياض عن رؤية فنية ، تتوسطه رسمٌ لامرأة مرهقة الملامح ، تميل عيناها لشيئٍ من الذكرى المؤلمة ، مع إعطاء لمحات من الصفو والأمل والذي نراه في اللون الأبيض للمرأة ، والتي من المؤكد أنها تمثل شخصية الرواية سارة حمدان ، وهي تمثل الملطف لأجواء اللون الرمادي المحيط بها .
يختار الكاتب منذ البداية الانفلات من الواقع والهروب من تعقيدات الزمن والأمكنة ، ليخلق هامشًا كبيرًا - لبطله أسعد - من حرية التحرك ، والذي لا يكون متاحًا له في يومياته ، وهذا ما نراه في حالة الاسترسال والتنقل دون قيد ، وهذا يمنحه بث خلجاته وفكره بحرية .
منذ البداية أراد الكاتب أن يعلن للقارئ أن بطله يساري في توجهه الفكري ، وهذا ما نلحظه في صفة التخاطب بينه وبين أصدقائه ومقربيه ، بقوله ( رفيق ) ، فهو النداء المحبب لمنتسبي الاتجاه اليساري الفكري .
لكنه وبرغم ذلك ، يبدأ بكسر معتقد يساري ، بدخوله في قضية مهمة ضمن التراث الديني ، وهي تزاور أرواح الموتى فيما بينهم .
فالتزاور يكون للأرواح - حسب الديانتين الإسلامية والمسيحية - التي تتخطى سؤال القبر بنجاح ( النظرة الإسلامية ) ، ومن يؤمن بالمسيح ويتبع تعاليمه ( النظرة المسيحية ) ، أما الآخرون فمنغمسون بما ينتظرهم من شقاء .
ومن هذا المفصل تتفرع قضية مثارة ، وهي هل الله يحاسب الناس بأعمالهم أم برحمته ؟ فالمعروف أن اليساريين لهم توجههم اللاديني ، برغم ممارساتهم - التي تقع ضمن التوجه الديني الفعلي - من خلال رؤيتهم الفكرية في ضرورة التعامل بصدق مع الغير ، والاصطفاف مع الطبقة الكادحة ، والدفاع عن المشروع الوطني .
* يبث الكاتب على لسان بطله ، بعض هموم الذاكرة والواقع ، حيث نرى عدة مشاهد والتقاطات فلاشية لها .
- ( اسماعيل ) الذي يعيش الغربة عن وطنه يافا ، خوفًا من الإمساك به ، من قبل دوريات الاحتلال الصهيوني ، ودور ( أسعد ) في تحقيقه لأمنيته ، فكان له ما تمنى .
- لقاء التعارف بين أسعد وسارة حمدان ، واللذان سابقا الزمن في فترة وجيزة ( أسبوعان ) ، ليشكلا قصة حب حامية الوطيس ، وما نتج عنه من تحول دراماتيكي ، في لقاء حميمي ، يعبر عن حجم العلاقة .
- وجبات الاعتقال التعسفي التي تمارسه قوات الاحتلال ، وطرق التعذيب ، والمدة المتعارف عليها للتحقيق (18يوم ) ، وهي مدة عرفية في دستور الممارسات القمعية .
- عرض الذاكرة الفلسطينية ، من خلال استحضار رفاق الدرب ، باستخدام وخز الذكريات ، وتطعيمها بالهم الفلسطيني .
- لفت النظر لعدة تفرعات يعانيها المواطن الفلسطيني ومنها :
- الحاجة للتنقل بين القبور بتصريح ، وهذا يعتبر إسقاط نفسي للمعاناة بين المدن الفلسطينية .
- جلب ذكريات الزمن الجميل ، وإيضاحها من خلال شخصيات وطنية معروفة كالشهيد القائد ياسر عرفات ، والشاعر الفلسطيني حسين والبرغوثي وغيرهما من الشخصيات .
- يدخل الكاتب عالمًا من الاشتباك الفكري من خلال فكرة زواج المسيحي من المسلمة ، وهو أمر مرفوض إسلاميًا .
- يعرج الكاتب على بعض المكدرات الحياتية للناس ، ومنها ( تفشي مرض السرطان - تجربة الاعتقال والتحقيق وطرق التعذيب - مظاهر الفساد بمختلف طبقاتها ) .
- برع الكاتب في إخفاء نمط النهاية الدراماتيكية غير المتوقع ، وفيها يتداخل العقل الباطن في عملية الوصل بين حال الغيبوبة وحال الصحو .
يختار الكاتب نهاية لبطل روايته ، تتمثل في الخلوة القسرية ، معبرًا عن الاحتجاج على واقعه ، بالحنين لحالة الغيبوبة التي مثلت له الحركة الدؤوبة التي يتمنى العيش فيها .
وتُركت الخاتمة مفتوحة الاحتمالات ، حيث تُختم بالتمني قائلاً ( مضت سنوات عديدة على هذه الأحداث ، فإن صادفتم عجوزًاوحيدًا ، يرمي صنارته في الماء ويغني للسمك والموج ، ويبكي بصمت ، أخبروني عنه ، فربما كان هو ) .
طلعت قديح