الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قراءة في مجموعة عبدالله تايه القصصية "ماقالته الرواة عن الحواري" بقلم: ناصر عطاالله

تاريخ النشر : 2018-08-19
قراءة في مجموعة عبدالله تايه القصصية "ماقالته الرواة عن الحواري" بقلم: ناصر عطاالله
البساطة والفصاحة في "ماقالته الرواة عن الحواري" للأديب الفلسطيني عبدالله
تايه
ناصر عطاالله

الانشغال المركز في صنعة الكتّابة عن الحدث، مهارة الأديب التي تميزه عن سواه، وعين الوقع على أرنبة الواقع مشدودة بمهارة المطّوي الغارق هوساً عنده أيضاً، لا انجراف للهاوية مرده العاطفة والانتماء لمسرح الحدث، ولا انفصام شعوري مقصود عن ألم الحدث في مجرى المحيط الذي يعيشه الأديب، فالتوازن لتمرير حقيقة مولودة في انفعال ضروري عن الأمين على الكتّابة، كالصورة التي أنتجتها كاميرة مصنوعة في بلدٍ تشارك في صناعة حدث مؤلم في بقعة الكاتب الناقل لهذا الحدث، ولو علم الصنّاع أنّ كاميرتهم ستكشف للعالم انتهاكاتهم المباشرة وغير المباشرة، لتراجعوا عن تصديرها إلى هذا المكان المنتهك.

ومن توازن الكاتب والأديب الروائي الفلسطيني عبدالله تايه، في مجموعته القصصية( ما قالته الرواة عن الحواري) الصادرة عن مكتبة (كل شيء) في حيفا، نعرج على أدواته في استخدام اللغة، وتوظيفها لكتابة ما جمعه ونشره، فنقول أن الكاتب هنا ذهب إلى بساطة واضحة، ومهنية إبداعية ملموسة، فلم يستخدم المصطلحات المبهمة، لإبراز قدرته على مفاعلة اللغة، ولم يشغل نفسه، في ثياب الحرف وقيافته قبل انسيابه في حبر الكتابة، بل انشغاله واضح في نقل الحدث الذي جرى وكان واقعاً وتحويله إلى شهادة وقصة، فأبدع إذ أخرج التكليف اللغوي من لعبة الحديث عن موت شادن، وهي تستريح من فنّ التطريز بتركيز نظرها في خيطّ انفلت من حبكته، لتصاب برصاصة طائشة، وتغرق خيوط تطريزها بدمائها، لم يكن مشهداً مؤلماً فحسب، ولكنه مقتدراً لجذب الانتباه وشحن كيمياء القارئ، لمفاعيل وجدانية، تخرج التعاطف الفطري مع الضحية، وتستنكر فعل القاتل المجهول شخصاً، والمعلوم احتلالاً.

وما (قالته الرواة عن الحواري) قالوه عن فاطمة النابلسية، الشابة المجتهدة التي تنتظر قرص الشمس ليطّل على الوجود، لتجر ثوبها إلى المستشفى الذي تعمل فيه، من أجل لقمة عيش أسرتها الفقيرة، لا ذنب لها في كل ما يجري، قدرها أنها أنثى، وتكليفها الاضطراري هو إنقاذ العائلة من التسول، وطلب المعونة، والعون من غير الله، فكان شغلها نضال من أجل بيت العيلة، ولم ترسم خططاً ولم تضع مفكرة ولا أجندة لمواجهة خطر المحتل، ولا جنوده المنتشرين كالجراد الجائع في الطرقات المؤدية إلى منزلها ساعة عودتها، فموتها برصاصة منهم سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة، تعتبر جريمة تحاكم عليها الإنسانية بأقل مستويات أنظمتها، وأكثر مجتمعاتها فوضى، فاطمة ماتت، والكاتب أرادها خالدة لإنصافٍ وجداني واضح فيه، وعدالة في الإعلام عنها، لربما يحاكم القاتل المجهول اسماً، بفعل كيانٍ احتل أرضاً لشعب أخر.

الكاتب وهو هنا قاص محترف من مواليد عام 1953م، يجري بخفٍ وخفةٍ كفراش مهوس بالترحال، بين الأودية والسهول، والقاص غير مغالٍ فيما ينقل وما يكتب عنه، بل حقيقي متصالح مع ذاته، غير راضٍ عن الموجع فيه، ولو ترجمت مجموعته إلى لغات غريبة، سيقرأ الغريب بحيادية معقولة، ما كتبه فيدين مسبب القتل، ومنتصراً للضحايا، فعلٌ إنساني فطري مجبولٌ عليه الإنسان، ومن هنا ذكاء القاص بات مكشوفاً بفعل الكتابة الإبداعية عن أحداث مؤلمة، قد تمسه شخصياً بحكم أن المقتولة قريبة منه، وهي من أفراد عائلته، كالطفلة ختام، التي خرجت بهدوء الواثقة إلى دكانٍ قريبٍ مع شقيقتها الصغرى، وأقدمهن للهواء والجري، خلف مرح لطيف، وزهوٍ بريء في الحياة، إلا أن القاتل قائد المدفعية، لم ينصرف عن فوضاه اللاشعوري، حابساً كل مشاعر الإنسانية في قفصه الصدري الإسمنتي كالقبر، ليقتل ابتسامة طليقة، ويغرق ثوب أبيض مزهرٍ بأحلام طفولية، القاتل إنسان لا مشاعر له، والمقتولة طفولة كلها مرح وبراءة، ولكن ما تصنيف العالم الذي ينصب موازينه؟ ومن سيحاكم هذا العالم، القاتل أم المقتولة التي وجدت في مرمى ناره؟ اسئلة متفجرة في ذهن القاص، ولكنها متفاعلة جداً في طرق الحياة، عندما يكون الاحتلال أمراً واقعاً.

ومن سلة المجموعة المتنوعة تجد أن الموت يجمع الإناث وتشيعهن يوجع الأفئدة الحاملة للنعوش، إخراجٌ ذكي من القاص الذي ولد في مدينة غزة، وعاش حياته في مخيم سقوفه من صفيح بائس لحياة كانت من الواجب أن تكون مؤقتة، من بعد هجرة قسرية لوالديه من قريتهم الفلسطينية بيت دراس، هذه المعاناة الأولى في حياته، أن يصحو لتتفتح فيه أوجاعٌ موروثة، بفعل المشي على رمال الهجرة الساخنة، فكان له أن يكتب عن حصار غزة، بعد أن عاش النكسة الحزيرانية عام 1967م، وتدّرب على مقاومة الروح لصدّ تعلقها في حبال الإحباط وشباك اليأس، ونجح في الكتابة وبالكتابة، ولم يترك للمحاصرين همّاً إلا جاء به، لأنه ببساطة في مقامهم الحياتية، يعيش ظروف الجميع، فغزة المطوقة من جهاتها الست، مقبرته المفتوحة على كل الأزمات، من ماء غير صالح للشرب، إلى كهرباء عجوز ومشلولة في زوايا الحضور الباهت، إلى مستشفيات متعبة ومتهالكة رغم قسوة الاحتياج إليها، إلى معابر موصدة في وجه الكل، دون مبرر أو تبرير، فغزة التي تعيش حصارها رغم الاعتداءات المتكررة عليها، أصبحت كعلبة الظّلام الكبيرة، وكل من فيها اصيبوا بالحرمان المأزوم، وكأن الحياة الكونية، محرمة عليهم، ليعيشوا حياةً لا تشبه الحياة.

( ما قالته الرواة عن الحواري) عمل أدبي جُمع في مئة و ثلاثة عشر صفحة من القطع المتوسط، قلما تجد بينها فراغات مشبعة لضرورة التسمين، بل اكتظاظ الحروف فيها نابع من حذاقة الكاتب، وبراعة الرويَّة فكانت مجموعة عبدالله تايه، التي أهداها لنفسه لأنه يستحق الإهداء لها، كتابٌ جامع لأكثر من فنٍ سردي، فالبدايات نصوص تصلح أن تكون شعراً منثوراً،

كقوله" من قال أنّ من رفع يده كاملة بالسلام، وجلس على كرسيه المعتاد في المقهى المجاور، في الشارع المزدحم، جاءه من حطم شاربه وقصّ أرجل الكرسي، وجعل الجالسون يتعثرون في يده؟!".

 وفي البطن قصصٌ تشهد وتشخّص أحداثاً وقعت، كقصة شادن، عاشقة التطريز، وفاطمة الممرضة الشابة، وختام الطفلة المرحة، وميساء المنشغلة بتفجير الأسئلة الوجودية، ورامي المشتهي للأرنب المباع أثناء موتٍ مفاجيء، وفي النهايات حوارات عصرية ممتعة في زمن الفيس بوك، وطرق التواصل مع الأخر، هذا الجمع في ( ماقالته الرواة عن الحواري)، متّعته لوحة الغلاف للفنان شربل إلياس، وعمدتّه سيرة ذاتية عن الكاتب تشهر عنه، ليشتهر بها بعد عمر مديد  قضاه في الإبداع والكتابة والعمل الجاد المتقن.

عبدالله تايه أديب فلسطيني متميز استطاع بكتاباته إقناع القارئ، وسحب اعتراف واضح منه أنه واحدٌ من أهم كتّاب فلسطين في العصر الحديث، لتعمّده البساطة غير المفرطة في تناول اللغة، وفصاحته الملموسة في السرد.

والكاتب الأديب عبدالله تايه تم انتخابه مؤخراً أميناً عاماً مساعداً للاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف