الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ايربن هاوس والإبحار في الجرح النازف بقلم:سعيد رمضان علي

تاريخ النشر : 2018-08-19
ايربن هاوس والإبحار في الجرح النازف بقلم:سعيد رمضان علي
ايربن هاوس والإبحار في الجرح النازف .
سعيد رمضان علي 

توطئة

قبل فترة، وصلتني رواية "إيربن هاوس"1" اسم وضحه الأديب طلال أبو شاويش في الإهداء

( مخيم لاجئين في بريطانيا ) القراءة لم تكن خفيفة، والسبب يعود إلى موضوعها بالغ الجدية: قطاع غزة والحصار والتشظي، وقضايا اللجوء التي تشمل  جنسيات عديدة.

 رواية كتبها لاجئ فلسطيني، يسجل فيها تاريخاً عاشه وتجربته وذاكرته ورأيه وحتى أمله. رواية دالة ومعبرة، تشمل وصفاً لمعانٍ عميقة، طالت تجربة اللجوء والخيام، والذاكرة والتاريخ والعودة.  وقد تأملت لوحة الغلاف:

  ممشى بحصى صفراء يبدو كفوهة أو نفق بلا نهاية، وعلى جانبيه أسوار سلك وعنابر متوازية بشكل طولي، وشبابيك بقضبان حديدية، يظلل الكل سماء رمادية، المكان الذى يخلو من البشر، يظهر كأحد معسكرات  الاعتقال بلون أصفر كرمز للخديعة أو الابتسامة الخادعة التي تخفى تحتها الحقد والكراهية، يحيط باللوحة أطار ابيض، وهو لون  مجموع كافّة الألوان في الطيف المرئي، كرمز إلى الجنسيات العديدة المقموعة داخل مخيم اللجوء بينما روحها تحلق خارجه.

-------

القراءة 

------

"إيربن هاوس" تتحدث بالمباشرة، وبالرمز الشفَّاف، عن القضية الفلسطينية، ومشاكل اللاجئين،  رواية تحمل رؤية تتمثل برسالة، بثّها الكاتبُ إلى القارئ، وتتحدث عن فلسطيني خرج من غزة باتجاه بريطانيا، "عاصم" الذي يجسد بطل الرواية، هو الشخصية التي تتقدم وتفسح المجال أمام رؤى لونية تتعمق في البنية السردية، و تضع السارد في موقع مفارق، لتصبح العلاقة بالفعل علاقة إنتاج، حركة الشخصية هنا ارتدادية، حقا، هي مثل السهم الذى يتحرك في اتجاه، لكنه تحرك لا يعبر عن إبحار في الزمنية، بل إبحار في الجرح النازف، فهو يتوقف في مناطق يوفر لنا فيها إمكانيات البحث، والتفتيش في أحداث سابقة، وهذه هي مهارة المؤلف ففي أثناء حركته إلى الأمام يعيد الزمن إلى الخلف، ليعيد تركيب الأحداث التي مرت بها الشخصية بشيء من الدفء والحميمية.

نفهم من مجريات الأحداث، إن مخيم لاجئين في بريطانيا "ايربن هاوس" هو مخيم القانون والنظام، ومنذ البداية يرهص المؤلف بأنَّ المخيم، الموجود بدولة حرة ليس كما نظن بل مكان للظلم والقهر، وهذا الإرهاص بالآتي يجعلنا ننتظر مصيراً كئيبا في النهاية: 

(..سور صخري يرتفع لأكثر من ستة أمتار تعلوه الأسلاك الشائكة، ويتوسطها عدد من أبراج المراقبة.

شعر «عاصم » بانقباض مفاجئ وهو يتأمل السور على يساره.

لابد بأنه سجن. هذا السور لا يمكن إلا أن يكون لسجن كبير)

بعدها يمضى الكاتب بتقديم سجان هذا السجن الموظف الصومالي « برهاني »:

( قسماته قاسية، من ذلك النوع الذي لا يمكن تصوره ضاحكاً أو حتى مبتسماً.)

.ومن خلال إبحارنا في الرواية، نتعرف على هذا الرجل الذي يملك سلطة ظالمة، وقدرة على العمل بلا كلل أو ملل  لتدمير النفوس، وعلى لسان أشكيرنتعرف أكثر على شخصية برهانى،  وتقديمها  على لسان شخص أخر غير عصام يمنح السرد قدراً من الموضوعية والصدق:

(سيكون هنا مساء يوم الأحد. هو يفعل ذلك رغم أن دوامه يبدأ صباح الاثنين. ودائماً ما يعثر على صيد له. يشن الغارات على الغرف ليلاً ليتأكد من عدم تسرب أي من النزلاء. وقد تسبب في طرد الكثيرين إلى الشارع. وأنت تعلم أنه لا يحبك. لن يرحمك. ولن يرحمني أيضاً.)

وهكذا يتوضح معنى الاسم ( برهاني) فالكاتب يقدم لنا الشخصية ومعها تصرفاتها التي تبرهن عليها، فالمقدمة التي قدمه بها انتهت إلى نتائج يقينية، كعملية برهان.

وتمضى الرواية في القاء مزيد من الضوء على الوضع داخل ايربن هاوس:

(نظر «عاصم » إليه وقال بغضب واضح:

- ممنوع أن أمنح الطفل رغيفاً من الخبز؟.

- اسمع. يمكنك أن تبلغ من تريد. من «تيريزا ماي » وحتى

أقل خادم هنا. أبلغهم أنني هممت أن أمنح رغيفاً من الخبز لطفل

جائع. لا يجب لمثلك أن يعمل في مكان كهذا. عملك يحتاج إلى

إنسان أولاً. أما أنت، فتصلح للعمل في السجن المقابل. إلى الجحيم

أنت ومن وضعك في هذا المكان.)

وفى مكان أخر:

(حالنا هذا يتطابق مع حالنا الذي كنا عليه في السجن.

أتذكر حين كانت إدارة السجن تعاقب أسيراً هو معاقب

بالسجن أصلاً؟. تلقيه في إحدى الزنازين المعتمة. تعزله عن بقية

الأسرى ثم تبدأ بشن غزوات الغاز والضرب المبرح بالهراوات)

وهكذا يكتب الكاتب تاريخه في هذه الرواية؛ فثّمة قصة إنسانية، وقصة سياسية في الوقت ذاته، كلٌّ منهما تكتب الأخرى، وهما تَبْدُوَان قصتين متوازيتين، فعلى الصعيد الكتابي نحن أمام عصام، وهو اسم يعني الالتجاء والامتناع والعهد، وهو كل ما يستخدم في الربط أو الدعامة، فهو دعامة وسند لمن حوله، ويحمل معنى العصامية، وهو أيضا اسم قديم كفلسطين نفسها، فلسطين اللاجئة- المحاصرة- فلسطين بالمعتقلات  وبالشتات، وهى تهب من خلال عصام للتنديد بكل سلطة  غاشمة، ونقد من اتخذ من القهر ديناً ومسلكاً، فها هنا فكرة تعانق فكرة، وعلى صعيد الواقع والتاريخ نحن أمام رجل أحب وطنه بإخلاص، وجاهد، وضحّى بمتع الحياة، ثم خرج كلاجئ من بلده، ليجد نفسه نزيل سجن آخر في بريطانيا، ثم ليجد ذاته مطروداً منها إلى بلد آخر، بسبب مواقفه الداعمة للحرية ورفض القهر،  فقد أكتشف أن المخيم البريطاني واجهة تغطى الاستبداد، وأن بريطانيا التي منحت وعد بلفور وكانت السبب في ما حدث لفلسطين، بريطانيا تلك لم تتغير فلا زالت بأعماقها تدعم كل أشكال الاستبداد وقمع الحريات، ويذكر كلمة رئيسة الوزراء " تريزا ماري:

«إن بريطانيا ستحتفل بكل فخر بالذكرى المئوية لصدور

«وعد بلفور » الذي مثل القاعدة لتأسيس دولة إسرائيل. إننا

نشعر بالاعتزاز للدور الذي لعبته «بريطانيا » في إقامة هذه الدولة

الديمقراطية. »

ولهذا يصدرّ الكاتب روايته بهذا الإهداء:

(إلى الهاربين من الظلم والاستبداد في نزل اللاجئين المسمى «إيربن

هاوس » في مدينة «ويكفيلد » – بريطانيا.

إلي نزلاء مخيمات اللجوء في كل مكان.

ستفيق أوطاننا يوماً، وستشرع أحضانها لنا جميعاً)

 الكاتب  بهذا الإهداء، يعيش على حافة الحقيقة، لكنه يحترف الحلم، ويعانق الأمل،  وبسبب ذلك فإن الوطن بدا ظاهراً ومحورياً في (ايرين هاوس) نلمحه في مقاطع عديدة مثل:

(لذا قررا معاً تكرار التجربة على أن تكون «غزة « هي البطلة. كانا مقتنعين تماماً بأن « غزة « الحقيقية أكثر اتساعاً مما يعرفها البشر وأكثر حياةً مما يحسها الكثيرون. « غزة « الجغرافيا التي داسها أغراب كثر عبر التاريخ، لكنها ظلت تستعصي على المحو أو الذوبان)

وهكذا نرى غزة التي تستعصي على المحو والذوبان، في عصام الذى يرفض هو أيضا المحو والذوبان من خلال الخضوع .

ويَسْتَوْقفنا في هذا العمل الروائي " تيمبا" الصومالي ، يقدم لنا نفسه بقوله:

(لا يهمني أن كنت ابنا لأكثرية فاشية أو أقلية مضطهدة منقرضة. أنا إنسان. ما رأيك لو حضرت هذا الحفل أيضا؟ يجب ملء فراغنا الكبير بأشياء جميلة.)

إنه فنان وعاشق للموسيقى  تحول من إنسان مبدع يملأ فراغة بالجمال إلى مخلوق يملأ فراغة بالتعاسة، ويفقد إنسانيته  حاملاً سكين القتل  يتقرب به إلى الله، هذا الدور الذى تقوم به بريطانيا في تحويل الشخصيات المسالمة إلى شخصيات عنيفة، يمكن أن نرى مقابله دور إسرائيل في تحويل الفلسطينيين  العاشقين للزراعة والحرف والفنون، إلى مناضلين يحملون السلاح من أجل حرية الوطن.

وقد اعتنى الكاتب بوصف تيمبا بعناية، فهو فنان، يرمز إلى أجمل ما في الإنسان ، ويحرص علي هذا الجمال كما يحرص على روحه، وكصديق لا يفارقه في أي مكان، فتيمبا  بالرواية يعبر عن الجمال النقي في كل مكان بالعالم، ينتهى بتلطيخه وقتل نقائه وطهره، وعصام  المفجوع من التحول الفظيع، يصاب بالمرض من الصدمة وينام مشتتاً مضطرباً، و في أقواله ما يرسم الإطار الأوسع لما كان يحدث لمجموعة من اللاجئين من مختلف الأجناس والأوطان في بريطانيا، لقد وسع الكاتب الاطار ليشمل العالم من خلال الجنسيات المختلفة التي تناولها في الرواية، هذا الحيّز الروائي الكبير- العالم - يتشاكل مع الحيّز الروائي الأصغر- فلسطين، والسطور الأخيرة من الرواية: («تعلن شركة مصر للطيران عن

قيام رحلتها رقم 112 ، المتجهة إلى القاهرة، وعلى جميع المسافرين

على هذه الطائرة التوجه نحو البوابة رقم ! B – 69) 

ونلاحظ أن الرقم هو نفس رقم حجرته بايرين هاوس B_69

وهى إشارة لكونه لازال معتقلا في لجوئه، ومهما ذهب لأى مكان بالعالم، فسيظل لاجئا مقهوراً يحمل الأمل المعذب، وهذا يقفز بنا لبداية الرواية :

(تحسس «إبراهيم » حقيبة السفر الملقاة بجانبه على المقعد الخلفي وعلق ساخراً ولكن بلهجة بانت فيها المرارة والحزن: - وطني حقيبة مهترئة وأنا المسافر الأبدي)

كما يحيلنا إلى الأمل الذى بثه في الإهداء:

( ستفيق أوطاننا يوماً، وستشرع أحضانها لنا جميعا)

رواية اعتمد فيها الكاتب على أكثر من طريقة في البناء الروائي. فقد لجأ إلى السرد، وإلى الوصف، وإلى الحوار، وإلى التذكر، والشرود، والحلم، وقد أستكمل الكاتب الصورة فنياً، 

عندما تحدث عن فلسطين من خلال الدعم الذى قدمته بريطانيا لإسرائيل، وهو دعم نعانى من أثاره حتى الآن.

--------

الإيقاع الروائي

---------------

الإيقاع الروائي" هو إيقاع للمحاورات بأكملها وللحوادث وللمشاهد الروائية. فبعض الروايات يأسرنا انسجامها الداخلي بقوة الروابط التي توحي بها وتعقدها، وبإيقاع الحركات الروائية التي تتصالب فيها"2 ، ورواية طلال أبو شاويش تستجيب للقراءة وفق مفاهيم الإيقاع الروائي في السرد والحوار والوصف، وفي عالمي الداخل والخارج.

وقد قدّمنا من خلال شخصية تيمبا، أن تحول الشخصية، خيطاً من خيوط النسيج الروائي، فهو يشكل إيقاعاً متوازياً ما بين الرواية والواقع، أو الفن بوصفه حاملاً، والواقع بوصفه محمولاً. ففي زمن البؤس الفظيع ، واللجوء الذى يحط بكرامة الإنسان، يموت الجمال في الإنسان، ويخبو هتاف الروح فيه، لصالح علو هتاف العنف. فالناس عندما يعانون من الظلم والقهر، وضياع الحقوق، يفتقدوا معاني الحياة ويخسرون جمالها معاً.

ومن أشكال الإيقاع في الرواية شخصية برهانى  الذى بلا قلب، فهو هنا رمزٌ مُكافئ للواقع القاسي والظرف الظالم، ولهذا فإنّ برهانى  المهووس بالقسوة، هو صُنْوٌ للزمن المتّصف بالظلم والقسوة، لذا عندما ينهض عصام بوجهه باحثاً عن العدل والأمن والاستقرار، لا يجد منه سوى العدوانية المبنية على الاحتقار الحامل لكل عوامل نفى الأخر وعدم القبول به، توجد مشابهة بين هذا البرهاني، وبين الصهيوني بفلسطين.

 إيقاع أخر في الرواية، وهو الصلةُ ما بين بدايتها ونهايتها، فقد افتتح الكاتب نصّه بتحيّة (القاهرة) واختتم نصّه بإعلان عن رحلة ترحيله للقاهرة، صلة أخرى تتعلق بالبدايات والنهايات وهى رقم حجرته بايرين هاوس، المتوافق مع رقم البوابة بالمطار. 

لكن مظهر الإيقاع اللافت في الرواية يتجسّد في (حالة التناظر والتقابل ما بين مهمة الراوي الفنية، من جهة، وواقعه البشع، من جهة ثانية)3  فالكاتب أسير سابق بسجون الاحتلال  ولاجئ فلسطيني، فهو إذْ يحاول تثبيت فضاءات الأمكنة المتقلبة بكتابة رواية، ذات عناصر فنية، فهو يبتعد عن رسم الواقع كما هو، بمعنى إنه لا ينفصل عن تجربته، لكنه أخضعها للصدق الفني الذى يميز الأدب عن الواقع.

---------------------------

هوامش وإحالات:

1- إيربن هاوس- طلال أبو شاويش- مكتبة سمير منصور- غزة- 2018

2- تاريخ الرواية الحديثة- - لألبيريس- ترجمة  جورج سالم دار عويدات - بيروت- 1982

3- مرايا الرواية- د. عادل فريجات- منشورات اتحاد الكتاب العرب- 2000
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف