الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

موت كاتب حكومي ترجمة : حماد صبح

تاريخ النشر : 2018-08-15
موت كاتب حكومي ترجمة : حماد صبح
في عشية بهية ، كان كاتب حكومي يدعى إبفان دمتريتش تشيرفياكوف _ لا يقل بهاء عن تلك العشية _ يجلس في الصف الثاني من المقاعد ، ويحدق خلال النظارة الخاصة بالأوبرا إلى المغني كلوش دو كورنفيل ، وأحس قمة اللذة بما يسمعه . وفجأة ، وكثيرا ما يلتقي الإنسان في القصص بهذه " الفجأة " ، والكتاب محقون فيها ، فالحياة حافلة بالمفاجآت ؛ نقول فجأة تغضن وجه الكاتب ، واختفت عيناه ، وانحبس نفسه ، وأزال النظارة عن عينيه ، ومال إلى الأمام ، وعطس مثلما تقدرون ، وما من مكان يلام فيه الإنسان على العطس . الفلاحون يعطسون ، ومثلهم يعطس كبار مراقبي الشرطة ، وأحيانا يعطس حتى المستشارون الخاصون . كل الناس يعطسون . ولم ينزعج تشيرفياكوف لعطسته البتة ، وما فعل سوى مسح وجهه بمنديله ، لكنه مثل أي شخص مهذب تلفت حوله ليرى إن كانت عطسته أزعجت أي شخص ، وعندها ركبه الاضطراب ! رأى سيدا مسنا جالسا أمامه في الصف الأول يمسح في عناية رأسه الأصلع وعنقه بقفاز ، ويتمتم لنفسه بكلام . عرف تشيرفياكوف السيد المسن . إنه بريزالوف المدير العام الذي يعمل في قسم النقل . فكر تشيرفياكوف : رششت عليه . هو ليس رئيس القسم الذي أعمل فيه إلا أن ما حدث محرج ، ويجب أن أعتذر منه .
وسعل ، ومال بكل كيانه إلى الأمام ، وهمس في أذن المدير : المعذرة يا صاحب الفخامة ! رششت عليك دون نية .
فقال المدير : لا بأس ! لا بأس!
_ أعذرني كرمى لله ! لم أقصد أن ...
_ أف ! رجائي اجلس ، واتركني أسمع !
أحس تشيرفياكوف بالحرج ، وابتسم ابتسامة بلهاء ، وعاد يحدق في ما على منصة الأوبرا . حدق إنما دون لذة هذه المرة . وأخذ القلق ينهشه ، وفي مدة الاستراحة قصد بريزالوف ، وسار بجانبه ، وغالب حياءه ، وتمتم : رششت على فخامتك ، سامحني ! تعرف ... لم أقصد ...
فقال المدير محركا شفته السفلى في ضجر ونفاد صبر : أف ! كفى ! نسيت ما حدث ، وأنت ما فتئت تلح عليه !
وفكر تشيرفياكوف ناظرا إلى المدير في ارتياب : نسي ، إنما هناك ضوء شيطاني في عينيه ، وهو لا يريد أن يحدثني ، يجب أن أوضح له ... أنني لم أقصد ... وأن ما حدث كان طبيعيا وإلا فسيحسب أنني قصدت أن أرشش عليه ، وربما لا يحسبه الآن ، لكنه قد يحسبه لاحقا .
وعندما رجع إلى بيته أعلم زوجته بانتهاكه صالح الأخلاق ، فهاله أنها قللت كثيرا جدا من خطورة ما حدث ، وأن انزعاجها كان قليلا ، بل أنها اطمأنت حين علمت أن بريزالوف يعمل في قسم غير القسم الذي يعمل فيه زوجها ، لكنها قالت : ومع ذلك يحسن أن تذهب إليه وتعتذر منه وإلا فسيظن أنك تجهل كيف تتصرف حسب الآداب العامة .
فقال : بالضبط . اعتذرت منه إلا أنه نظر إلى اعتذاري نظرة غريبة نوعا ... لم يقل كلمة ذات معنى ، ولم يكن هناك وقت لصحيح الكلام .
وتالي يوم ، لبس تشيرفياكوف ملابس جديدة ، وقص شعره ، وذهب إلى بريزالوف ليوضح له ما حدث . ولما دخل غرفة الاستقبال في بيته ألفى فيها بعض مقدمي العرائض ، وبينهم المدير العام نفسه الذي كان شرع لتوه في مقابلتهم . وعقب استنطاق عدد منهم رفع عينيه ، ونظر إلى تشيرفياكوف الذي بادره بالكلام قائلا : أمس ، في أوبرا أركاديا ، إن كانت فخامتك تتذكر ، عطست و ... عرضا رششت ... أعذ ...
قال المدير مخاطبا صاحب العريضة التالي : يا للهراء ! هذا غريب جدا ! ماذا في طوقي أن أصنع لك ؟!
ففكر تشيرفياكوف شاحب الوجه : لن يكلمني ، معنى هذا أنه غضبان مني ، لا يمكن ترك الأمر هكذا ... سأوضح له .
وبعد أن ختم المدير حديثه مع آخر مقدمي العرائض ، واستدار إلى غرف بيته الداخلية ، خطا تشيرفياكوف صوبه ، وتمتم : يا صاحب الفخامة ! إذا كان لي أن أتجرأ على إزعاج فخامتك فما هذا إلا بحافز شعوري بالندم . ما كنت قاصدا عامدا إن تفضلت بتصديقي .
فلاح على وجه المدير ما يشبه البكاء ، ولوح بيده ، وقال موصدا الباب خلفه : ما هذا ؟! إنك تلهو بي يا سيدي !
ففكر تشيرفياكوف : أين اللهو في ما أفعل ؟! ليس في ما أفعل لهو . هو مدير عام ، لكنه عاجز عن الفهم . إن كان الأمر هكذا فلن أعتذر لهذا المتبجح المغتر بعد اليوم . ليأخذه الشيطان ! سأكتب إليه رسالة ، لكنني لن أذهب إليه ، وايم الله لن أهب إليه عقب اليوم !
هكذا فكر تشيرفياكوف خلال عودته إلى بيته ، ولم يكتب رسالة إلى المدير ، لقد فكر فيها وفكر إلا أنه لم يتوصل إلى صياغة لها ، فتحتم عليه أن يذهب ثاني يوم شخصيا إلى المدير ، وتمتم حين رفع هذا إليه عينيه مستفهما : تجرأت أمس على إزعاج فخامتك ، لكن ليس للهو بك مثلما سرك أن تقول . كنت أعتذر لك من ترشيشي عليك عندما عطست ... لم أحلم بأن ألهو بك ، وهل كان لي أن ألهو بك لو شئت فعلا لهوا ؟! عندها لن يكون احترامٌ للناس ، لن يكون ...
فصرخ المدير محمر الوجه ، منتفض البدن : انصرف !
فسأل تشيرفياكوف هامسا ، متخدرا رعبا : ماذا ؟!
فأعاد المدير مؤكدا : انصرف !
ولاح أن شيئا انهار في نفس تشيرفياكوف ، فاتجه إلى الباب لا يرى شيئا ولا يسمع شيئا ، وخرج إلى الشارع ، وسار فيه مترنحا ، ووصل آليا إلى بيته ، فاستلقى على الأريكة دون أن يخلع ملابسه ، ومات .
*للأديب الروسي أنطون تشيكوف ( 1860 _ 1904 ) .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف