الأخبار
غالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيرانيالجيش الإسرائيلي: صفارات الانذار دوت 720 مرة جراء الهجوم الإيرانيالحرس الثوري الإيراني يحذر الولايات المتحدةإسرائيل: سنرد بقوة على الهجوم الإيرانيطهران: العمل العسكري كان ردا على استهداف بعثتنا في دمشقإيران تشن هجوماً جوياً على إسرائيل بمئات المسيرات والصواريخالاحتلال يعثر على المستوطن المفقود مقتولاً.. والمستوطنون يكثفون عدوانهم على قرى فلسطينيةبايدن يحذر طهران من مهاجمة إسرائيل
2024/4/16
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

يوم من حياة كاتب غاضب مثلي بقلم : ابراهيم شواهنة

تاريخ النشر : 2018-07-23
يوم من حياة كاتب غاضب مثلي بقلم : ابراهيم شواهنة
السبت، السابعة صباحًا. أنا الآن في الطابق العلوي أحكّ أنفي وأتفرّج على أطفال يتراشقون بقشور اللوز أمام عمارة الحياة. العالم يبدو من البلكونة أبشع ما يكون بكثير لدرجة يغري بالانتحار. الجيران طيبون ماعدا الجارة السمينة التي تدلك قدميها صباح مساء وتشعل الموسيقى في الثالثة صباحًا. أكرهها وأنتظرها في نفس الوقت لنواصل الحب و الحياة معًا، سأبني لها قصورًا من شوكولاطه وأدخل المقهى المجاور لأتركها تسقط فوق رأسي. لا أدري كيف انغرست فيها طويلاً حتى صرتُ بسبها مهمومًا وشاردًا كأيّ شاعر كوني. الشّاعر الذي يلتهم الكثير من السجائر ويشتم الوزارات والأحزاب قبل أن يشتم نفسه في الدَرج الأخير من سلّم الوظيفة. ولا أعرف كيف أدغدغ خاطري وأبتسم كأيّ طفل متصالح مع الذباب.

أزرّر قميص الصباح وأنتظر هديّة.قبلة من عابرة أو قارورة عطر فصيح أو رواية لم يفكر فيها هيمنجواي أو حليم بركات. يا الله أين تحملني دسائس الأبراج وأنا مولع بالبخت؟ لقد صعدتُ عميقاً وصار بمستطاعي أن أرشق العالم بالبيض الفاسد. لم يعد لدي ما أخسره.بعد أن خسرت ملهمتي .. هذا وجهي المدعوك في قرص الحداثة. وهذه صورة العائلة التي انقرضت مثل ديناصورات قديمة. سأنام بعد ذلك هادئا كمجرم ثخين تاركًا الجثث تطاردني في الطرقات مثل اشاعةٍ ملوّنة.

عنوانك وحده والأشياء  الاخرى وصمتك  الموحش بالرهبة هو ما يخذلني في كل مرّة فأتألم. عنوان المرأة الأولى واللمسة الأولى والرائحة الأولى. عنوان القصيدة الذي أرهقت رأسي وأعصابي، والذي بسببها ما زالت القصيدة متدليّة مثل جثة بهيمة بلا رأسٍ في حانوت قصّاب. قبور الأحبّة والخلّان والتي من كثرة تدفق الموتى صارت مثل أطلال دارسة في قصيدة جاهليّة. وأشياء أخرى دقيقة جدّاً وغير مرئية، مثل رفّة جفن في الظلام والتي يتعذّر فهمها من طرف الصيارفة والأطباء وأساتذة الرياضيات.

أمّا الله فيكفي أن يأتي الليل لأرفع رأسي إلى السماء كي أتأكد أنه يسمعني حين أدعوه ..(اللهم خلصنا من الآحتلال ). إنّ الله يوجد في كلّ مكان، ويسير جنبًا إلى جنب مع النّاس في الأسواق ويجلس معهم حول الطاولات في المقاهي دون أن يأكل أو يشرب شيئاً، لكن لم يحدث اطلاقاً أن سمعت أنّ الله لطم لصّاً على وجهه أو جرّد رئيس دولة من سرواله ونكّل به في ساحة عموميّة، أو سكب سطل زيت ساخن على آخر وسلق وجهه أمام كاميرات العالم. هذا يعني أن الله رحيم جدّاً بعباده أكثر ممّا أعني. أنّا لست كاتبا ملحدا وشكّاك.واقسم أنني مؤمن مرن لكن رتابة الحياة ..جعلتني عصبيا زيادة .

لم أحبّ منذ أعوامٍ أو على الأصح أحببتُ باقتضاب وبمقاس بخيلٍ عندما كنت منافقًا في مشاعري طوال السنوات الأخيرة كجميع الحكومات العربيّة، منافقًا بوجهين، ومثل مجموعات "الواتساب" لبعض المؤسسات التعليميّة التي تقرأ فيها " جمعة مباركة " و " إنا لله إنّا إليه راجعون" وهلم جرا!!.

ومع كلّ هذا كتبت  لها ....قصائد في الحبّ، أو هكذا أخالها حدّ أن توفّر لديّ كتاب شعري في هذا الشأن، وبحجم كتاب "طوق الحمامة" لابن حزم الأندلسي. هذا عمل جيّد، لكن أخاف أن تسوء أحوال البلاد، بلادي وبلادكم، في قادم الأعوام وتندلع حروبٌ كثيرة أو زلزال مدمر....ويفرّ حكّام عرب وأفارقة إلى جزر بعيدة ليتقابلوا على بقيّة سعادة كطيور كاسرة تاركين شوارع الوطن الوسيعة وأزقته الخلفيّة تكتظ بجثث أدمية، فيما تفوح رائحة الموت في الأجواء، ويظهر معطوبون وجرحى في صوّر أكثر من جريدة، وتنكّس الأعلام فوق سطوح الوزارات والبرلمانات الغشّاشة.

أن تحدث القيّامة برفّة رصاصة،أو تندلع حربا بين العرب واليهود .. ويظهر عزرائيل جوّالا بعكّاز ولحية بيضاء. أن تصير قصائدي التي كتبتها في الحب مجرّد أسئلة.. حزينة في امتحان شفوي. مجرّد قشّة تبنٍ في معطف فلاح ماتت زوجته وأولاده اختناقا بالغاز.

أو مجرّد زرّ منزوع من مريول تلميذة الإبتدائي الواقفة بحيرة المسافر بين السابعة صباحًا والثامنة ألمًا. وأن يخرج القارئ، في النهاية، من معطف غوغول وينعتني بالتّافه وبأنّي خارج المرحلة. وربمّا ظهر ناقدٌ بقسوة عبّاس محمود العقاد وجرّب على قصائدي جميع المناهج النقدية القديمة والحديثة قبل أن ينعتني بالعدميّة والإسفاف الشّعري.

الجو حار حار جدا ... ملابسي مبتلة  بالعرق، تختلط فيها رائحة القهوة برائحة الرطوبة شعري مبلل ولاصق بجبهتي كأن بقرة ظريفة مرّرت لسانها عليه وتراجعت إلى الخلف لتضحك فوق قطعة جبن، حذائي الجديد ينفلت من قدمي ويسبب لي عرجًا خفيفًا وأنا أمشي. ظلام مزعج في بلكونة المقهى. وحدي أناضل ضدّ النادل كي يُشعل المصابيح. من يمدّ ظهره لي ويوصلني إلى أرض الحبيبة ؟ أنا متعب وضرير يا حنان !

اثنتا عشرة طاولة، كلّ طاولة بثلاثة كراسٍ. خمس طاولات تطل على مرأب سيارات سكان العمارة من نوافذ صغيرة،على الشقق التي نبتت مكان حديقة الأطفال، المنصوبة في الهواء مثل سرادق بلا أوتادٍ على الأصح. السبع طاولات الأخرى تطل على الفناء الداخلي للمقهى، على التلفاز المستطيل وعلى الزبائن.... الجالسين في الصّف الأمامي بالتحديد .

أصف لك  بلكونة "المقهى "، مقهى إبراهيم .. الذي بدأ حياته معلما في الغربة والبلاد البعيدة بمدينة جنوبية، يرتّب الكراريس على الرفوف في مكتبة النادي ..جمع ثروة كبيرة. خرج بعد فترة وفتح هذا المقهى وسط المدينة، قريبًا من مجمع البنوك ومؤسّسات التعليم الحر .

خارج أوقات الدوام المدرسي وفترة الامتحانات، تظل البلكونة شبه فارغة. يأتي رجال الشرطة في الصباح، يتناولون فطورهم وينصرفون. تأتي أيضًا فتون موظفة البنك التجاري لتشرب قهوة وتغادر نازلة الأدراج مثل بطل همام. أحبّ صباحات فتون، هدوءها المغلف بالأسرار والحكايات، طريقتها في التدخين والخاتم الذهبي الذي يشّع في أصبعها، الخاتم الذي سرقه كارلوس فوينتس من أصبع ميّت في قصّة حسن بلاسم.

أحبّ المقهى في أول ساعات النهار، وفي المساء قبل الإغلاق بساعات كما هو الحال الآن. فالقهوة هنا جيدة، تفتح مسارب التفكير أمامي وأقلبّ الأفكار على وجهها وظهرها فأجدها متماسكة وقويّة. تسعفني،أيضًا، المخيلة فأضحك في داخلي على أشياء كثيرة دون أن أترك لوجهي فرصة الإفصاح عن ما أضحك عليه فيما العالم يصير إسفنجة في يدي. إسفنجة لتنظيف مقعد المرحاض وأخرى لتنظيف الرأس وإبعاد الوسواس الخنّاس عنه.

تدحرج هاتفي من الجاكيت وسقط في ثقب مرحاض المقهى. وقفت محتاراً فتذكّرت خطبة طارق بن زياد "أين المفرُّ؟! البحر من ورائكم والعدوُّ أمامكم" .. دسست يدي داخل تجويف الثقب فأخرجت الهاتف في حالة يرثى لها. غسلت يدي بالصابون، نظرت إلى وجهي في المرآة وابتسمت. عدت إلى الطاولة، ارتشفت من فنجان قهوة فشعرت أنني نظيف أكثر من أي وقت مضى.

سهرتُ البارحة إلى حدود الصباح. نمتُ ساعة واحدة فقط. نعم، أفرغتُ في جوفي مئة فنجان قهوة أحمق ومارست هواية الكتابة مع أوراقي  حتّى تصاعد لهاثي وخرج لساني مثلما أنا عليه الآن. وجلست أتكلّم مع نفسي وأحصي قمصاني بالآلة الحاسبة. قرأت في كتابِ ساعتين وأكثر. شربت نصف لترآخر.... من القهوة. فعلتُ كل هذا قبل أن أدسّ الزوبعة في سترتي الرياضية وأصل إليك في هذه الساعة المبكّرة.

أستاذ الرياضة أنا ....: لماذا تريد أن تحوّلني إلى بغلٍ حقيقي، وأركض بشكل دائري وأحمل أقراص الحديد كما لو أنّ حياتي تنقصها القسوة والألم، أنا أتألم وأنت تبتسم ؟

يتغيّر كثيرون ،خلال الغياب، من حالٍ إلى حال..

أصحاب القلوب القاسية والحنان المفاجئٍ....أما  القتلة وبقية مجرمي الانتخابات والزاوايا المظلمة كيف يتحولون بقدرة قادر.... إلي رياضيين ببذلات نظيفة وملامح مريحة.

والتجار، الذين يبيعون الوهم والكلاب الميتة في الأسواق، إلى مخلوقات أخرى بميزان عادلٍ مترفّعين عن أوساخ الحياة الفانيّة.والمزمّرون في الأعراس والمراقص السفليّة إلى مرتّلين جيدّين لآيات من الذكر الحكيم.

مرضى السكري بأعصابهم المتلفة طوال العام، إلى مواطننين صبورين ومتفهمين.

الجيران ومن على شاكلتهم، من الغموض والغطرسة إلى آخرين مبادرين في القاء التحيّة والتضامن، وكل شيئ تقريباً.

الجدّات الغاضبات لأتفه الأسباب إلى أخريات صامتات بمسبحةٍ في اليد وتمتمات غير مفهومة.

لا أحفظ من زعماء اليسار إلا مقدار ما أحفظه من قصار السور للاحتماء بها وقت الحاجة. ولم أقرأ الكثير عن الديمقراطية الاشتراكية. ولا أي شيء تقريباً عن الليبرالية الاجتماعية.
ولا أعرف عن الثورة الفرنسية إلا ما وصلني من فم أستاذ التاريخ الكذاب. ولكن أشعر، رغم هذه النواقص الفكرية والثقافية، أنني يساري بالفطرة. وبقليل من الصدفة أيضًا عندما وجدت نفسي أخط الحروف وأرسم باليد اليسرى .أركل الكرة باليسرى. أنام على جانبي الأيسر.
ولولا حرجي لقلت إن علاقتي الحقيقية باليسار تعزّزت يوم اكتشفت قلبي كما اكتشف كريستوف كولومبوس أمريكا. وجدته قريباً من عروق روحي ومن ذائقتي الشخصية. صريحًا ومظلومًا مثلي. متأهباً مثل الباطل. متمرداً على الحياة وعلى أحاسيس وكليشيهات البرجوازية الباردة.

وهل اليسار غير هذا الشعور الجارف بالظلم، والتأهب في الأفكار والمواقف. غير هذا التمرد والعصيان المدني والتواجد المستمر وسط الجماهير؟

يأتي الليل لأتخاصم مع زوجتي بسبب أمورٍ صغيرة ..

فتح النافذة وإزاحة الستائر جانبًا أم استجداء الرومانسيّة بالأباجورة والموسيقى ؟

أخذ حمّام ساخن ؟

النوم على الأرضيّة على طريقة الأجداد أم على سرير مرفوع بأربعة أرجل؟

الذهاب إلى الحب مشيًا على الأقدام أم ركوبًا في تاكسي أبيض ؟

إلهي كن بجانبي هذه الليلة، واجعل الشيطان جنب من يكرهني .....
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف