إحذروا تموز شهر الإنقلابات
بما ان المنطقة العربية تعيش شهراً ساخناً, فلابد لمشاعرنا المتموجة ان تتحرك تبعاً للطقس, فقبل ستين عاماً ونيف حدثت في مثل هذا الشهر ثورة 23 يوليو في مصر. وهذه الثورة التي هي بالاصح انقلاباً مغلف بلون ثوري اثرت بتأريخ مصر الحديث والمعاصر, ولا يقتصر تأثير "انقلاب" الضباط الاحرار في تأريخ مصر فحسب, بل امتد شرقاً ليصل العراق, حيث قام بعض الضباط في الجيش العراقي بإنقلاب عسكري راح ضحيته الملك القاصر وذويه. بينما نجد ان الانقلاب الذي قام به اخواننا المصريون وهو مثالنا اليوم انه كان انقلاباً خالياً من الدماء بأستثناء بعض المراشقات الاستثنائية التي ادت بدورها الى مقتل خمسة جنود من الحرس الملكي ومن الجيش المصري المُقاد بزعامة اللواء محمد نجيب انذاك والذي خُفيَّ من التأريخ!
بالطبع ان التحرك العسكري ترادفه الدماء دائماً. هذا معروف, لكن نجد ان حجم الدماء التي سُكبت في العراق في الرابع عشر من تموز لعام 1958 تفوق حجم الدماء لو قورنت بإنقلاب الفراعنة, ومن الضروري هنا التوثيق بأن العراقيون قلدوا المصريين بأنقلابهم بأدق التفاصيل بأستثناء افول الدماء عند المصريين والذين نفوا الملك فارق الاول الى ايطاليا وحافظوا على ارواح ذويه وعاملوهم بكل احترام, بينما العراقيون سفكوا دماء العائلة المالكة بأطفالها, لستُ هنا بصدد الدفاع عن العائلة المالكة التي حكمت العراق قرابة الاربع عقود.
وايضاً قام عبد الكريم قاسم و "رفاقه" بأستنساخ المشروع الذي قام به اخوانهم المصريون بأعلان الجمهورية, بيد ان المصريون اعلنوا الجمهورية بعد سنة من انقلابهم بعكس العراقيون الذين اعلنوها صبيحة الانقلاب. وهذا يدل على عجلة العراقيين.
ثورة اخرى قلدها العراقيون.. فعندما قام الشباب المصري في الخامس والعشرين من يناير 2011 بثورتهم ضد النظام الجمهوري الذي يرأسه حسني مبارك واطاحوا بالاخير وحاكموه وانتهوا بنفيه في داخل بلاده في فيلا على ساحل البحر الاحمر وبالتحديد في شرم الشيخ. وفي نفس العام قام الشباب العراقي بثورة مماثلة ضد النظام الديمقراطي الفاسد لكنها فشلت. فالشباب كانوا يطالبون الحكومة بتوفير الخدمات من خلال مظاهراتهم التي تحولت الى ثورة مُقلدة.
ولستُ هنا ايضا لامجد الحركات المصرية كإنقلاب اللواء محمد نجيب وزملائه من الضباط الاحرار, ولا ابخس غيرة العراقيين, وانما لو درسنا ثورة يوليو في مصر لوجدنا انها محاطة بالمكر والغدر بشكل لا يشعره احد حتى المصريين انفسهم. فقائد الانقلاب هو اللواء نجيب ومعاونه الثعلب الشاب جمال عبد الناصر الذي مكر الصداقة والزمالة امام كرسي السلطة, حيث قام الاخير بوضع الاول تحت الاقامة الجبرية وشُطب اسمه من الملفات التأريخية والبطولية والتي ظفر بها عبد الناصر حتى يومنا هذا. اما محمد نجيب فإلى سراديب النسيان...
هكذا كانتا الثورتان العربيتان متطابقتان من حيث المبدأ مختلفتان من حيث التفاصيل. وما لحقتها من ثورات شبابية ايضاً, ففي مصر وصل السيسي المنبطح الى كرسي السلطة وبقي الشباب يهاجر مصر لعدم وجود الحياة الهانئة التي ظنوها بعد ثورة يناير التي اكلتها الثعالب.
العراقيون يحاولون هذه الايام العودة الى التأريخ, وبعجلة شديدة, لأنهم بأمس الحاجة للتغيير. فهم يعانون من فساد لم يشهده التأريخ قط. هم ابناء وادي الرافدين ويموتون عطشاً.. فقبل ايام توفي شخص في محافظة ذي قار واطلقوا عليه اسم شهيد الماء, ذلك انه كان يملأ خزان الماء لافراد عائلته العطاشى واذا به يوفر لهم الماء والدموع بان واحد. الظروف التي يعيشها العراقيون لا توصف بمقال او كتاب ولا بموسوعة حتى. فساستهم مستهترون. والشعب لا يمتلك سوى مشاعر تثور وقت الحر وتنطفئ بعودة التيار الكهربائي. والحكومة ومن عليها يستهزئون بعواطف العراقيين, فظهر احد رجالاتها قبل يومين وهو يعتذر للعراقيين دون ان يذكر خطاياه وحكومته اللارشيدة. واخر يحاول ان يركب على اكتاف البسطاء ويحظى برضاهم, وقلدهُ الكثيرون ظناً منهم ان يصنعوا من شخصياتهم الركيكة ناصراً او قاسماً..
ولكي لا يقع العراقيون بفخ مكر هؤلاء الثعالب عليهم بالتأني والابتعاد عن العجلة التي ترافقهم دوماً والا يتخذوا لموقفهم المشرف قائداً رمزياً والذي سيكون كالسيسي لمصر او هو ابلى.
21-7-2018
محمد حسب
[email protected]
بما ان المنطقة العربية تعيش شهراً ساخناً, فلابد لمشاعرنا المتموجة ان تتحرك تبعاً للطقس, فقبل ستين عاماً ونيف حدثت في مثل هذا الشهر ثورة 23 يوليو في مصر. وهذه الثورة التي هي بالاصح انقلاباً مغلف بلون ثوري اثرت بتأريخ مصر الحديث والمعاصر, ولا يقتصر تأثير "انقلاب" الضباط الاحرار في تأريخ مصر فحسب, بل امتد شرقاً ليصل العراق, حيث قام بعض الضباط في الجيش العراقي بإنقلاب عسكري راح ضحيته الملك القاصر وذويه. بينما نجد ان الانقلاب الذي قام به اخواننا المصريون وهو مثالنا اليوم انه كان انقلاباً خالياً من الدماء بأستثناء بعض المراشقات الاستثنائية التي ادت بدورها الى مقتل خمسة جنود من الحرس الملكي ومن الجيش المصري المُقاد بزعامة اللواء محمد نجيب انذاك والذي خُفيَّ من التأريخ!
بالطبع ان التحرك العسكري ترادفه الدماء دائماً. هذا معروف, لكن نجد ان حجم الدماء التي سُكبت في العراق في الرابع عشر من تموز لعام 1958 تفوق حجم الدماء لو قورنت بإنقلاب الفراعنة, ومن الضروري هنا التوثيق بأن العراقيون قلدوا المصريين بأنقلابهم بأدق التفاصيل بأستثناء افول الدماء عند المصريين والذين نفوا الملك فارق الاول الى ايطاليا وحافظوا على ارواح ذويه وعاملوهم بكل احترام, بينما العراقيون سفكوا دماء العائلة المالكة بأطفالها, لستُ هنا بصدد الدفاع عن العائلة المالكة التي حكمت العراق قرابة الاربع عقود.
وايضاً قام عبد الكريم قاسم و "رفاقه" بأستنساخ المشروع الذي قام به اخوانهم المصريون بأعلان الجمهورية, بيد ان المصريون اعلنوا الجمهورية بعد سنة من انقلابهم بعكس العراقيون الذين اعلنوها صبيحة الانقلاب. وهذا يدل على عجلة العراقيين.
ثورة اخرى قلدها العراقيون.. فعندما قام الشباب المصري في الخامس والعشرين من يناير 2011 بثورتهم ضد النظام الجمهوري الذي يرأسه حسني مبارك واطاحوا بالاخير وحاكموه وانتهوا بنفيه في داخل بلاده في فيلا على ساحل البحر الاحمر وبالتحديد في شرم الشيخ. وفي نفس العام قام الشباب العراقي بثورة مماثلة ضد النظام الديمقراطي الفاسد لكنها فشلت. فالشباب كانوا يطالبون الحكومة بتوفير الخدمات من خلال مظاهراتهم التي تحولت الى ثورة مُقلدة.
ولستُ هنا ايضا لامجد الحركات المصرية كإنقلاب اللواء محمد نجيب وزملائه من الضباط الاحرار, ولا ابخس غيرة العراقيين, وانما لو درسنا ثورة يوليو في مصر لوجدنا انها محاطة بالمكر والغدر بشكل لا يشعره احد حتى المصريين انفسهم. فقائد الانقلاب هو اللواء نجيب ومعاونه الثعلب الشاب جمال عبد الناصر الذي مكر الصداقة والزمالة امام كرسي السلطة, حيث قام الاخير بوضع الاول تحت الاقامة الجبرية وشُطب اسمه من الملفات التأريخية والبطولية والتي ظفر بها عبد الناصر حتى يومنا هذا. اما محمد نجيب فإلى سراديب النسيان...
هكذا كانتا الثورتان العربيتان متطابقتان من حيث المبدأ مختلفتان من حيث التفاصيل. وما لحقتها من ثورات شبابية ايضاً, ففي مصر وصل السيسي المنبطح الى كرسي السلطة وبقي الشباب يهاجر مصر لعدم وجود الحياة الهانئة التي ظنوها بعد ثورة يناير التي اكلتها الثعالب.
العراقيون يحاولون هذه الايام العودة الى التأريخ, وبعجلة شديدة, لأنهم بأمس الحاجة للتغيير. فهم يعانون من فساد لم يشهده التأريخ قط. هم ابناء وادي الرافدين ويموتون عطشاً.. فقبل ايام توفي شخص في محافظة ذي قار واطلقوا عليه اسم شهيد الماء, ذلك انه كان يملأ خزان الماء لافراد عائلته العطاشى واذا به يوفر لهم الماء والدموع بان واحد. الظروف التي يعيشها العراقيون لا توصف بمقال او كتاب ولا بموسوعة حتى. فساستهم مستهترون. والشعب لا يمتلك سوى مشاعر تثور وقت الحر وتنطفئ بعودة التيار الكهربائي. والحكومة ومن عليها يستهزئون بعواطف العراقيين, فظهر احد رجالاتها قبل يومين وهو يعتذر للعراقيين دون ان يذكر خطاياه وحكومته اللارشيدة. واخر يحاول ان يركب على اكتاف البسطاء ويحظى برضاهم, وقلدهُ الكثيرون ظناً منهم ان يصنعوا من شخصياتهم الركيكة ناصراً او قاسماً..
ولكي لا يقع العراقيون بفخ مكر هؤلاء الثعالب عليهم بالتأني والابتعاد عن العجلة التي ترافقهم دوماً والا يتخذوا لموقفهم المشرف قائداً رمزياً والذي سيكون كالسيسي لمصر او هو ابلى.
21-7-2018
محمد حسب
[email protected]