الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

كلام حول الروح والجسد بقلم:عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2018-07-05
كلام حول الروح والجسد بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
كلام حول الروح والجسد

عادل بن مليح الأنصاري

في البدء كلنا يدرك أن مسألة الروح وطبيعتها وحقيقتها هي أمور وضع الله سبحانه وتعالى حدا لها ولمحاولات الغوص فيها , قال تعالى ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) ﴾ (سورة الإسراء) , ولكن هذا لا يمنع أن نترك العقل يحوم حول أسرارها سواء بأفكار وفلسفات سابقة أو حديثة , وربما أحيانا خواطر شخصية قد تجد طريقها نحو حلبة الفكر الإنساني ولو بخطوة صغيرة , فبعض الأفكار العظيمة بدأت في عقول أصحابها كضوء الفجر الخافت والذي تسلل لعالم الظلام تدريجيا حتى أضاءت له سموات العقول , فاكتشاف النظريات العلمية والطبية وتطور العلوم الإنسانية لن يتوقف ما استمرت حياة البشر .

فنظرية الأفكار الصغيرة هي سلعة في متناول الجميع , قد تموت في مهدها وقد تجد طريقها لمدرجات الفكر والتاريخ , وقد تكون لبنة صغيرة يلتقطها بناءٌ ماهر ويقيم عليها صرحا علميا ذات زمن , ولا يخفى علينا أن التاريخ حافلٌ بأمثلة ذلك , فكل النظريات والأفكار العظيمة التي كانت منعطفات تاريخية في حياة البشر لم تولد كاملة ( إلا ما ندر ) , ولكن الكثير منها كان عبارة عن لبنات صنعتها عقول مفكرين وعلماء على مر الوقت , بل وحتى النظريات الفلسفية والدراسات الأدبية لا تكاد تخرج عن هذه القاعدة , والحضارة الإنسانية بكاملها منذ نشوء المجتمع البدائي الأول ليست إلا لبنات تراكم بعضها فوق بعض وصاغتها أمة إثر أمة , حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم , وما سنصل إليه حتى قيام الساعة .

( الروح ) كأي مفردة في ثقافتنا البشرية , خضعت لأفكار وتحليلات العلماء والفلاسفة عبر القرون , ومن المؤكد أنها تختلف عن الجسد اختلافا كليا في محاولة البحث عن اسرارها , سواء أكانت الدراسات لعلماء اجتماع أم نفس أم فيزيائيين أم طب أم فلاسفة , وهنا سنورد بعضا مما ذُكر عن الروح عبر ثقافات وأزمان مختلفة بشكل مختصر ومبسط يفهمه القارئ العادي :
كمقدمة , هناك شبه إجماع عند الفلاسفة على أن الروح شيء قائم بذاته ولها طبيعة معنوية غير ملموسة , وحسب بعض الديانات : هي مخلوقةً من جنسٍ لا نظير له في عالم الموجودات , وهي أساس الإدراك والشعور والوعي .
( فأفلاطون ) يرى أن الروح هي أساس كينونة الإنسان والمحرك الأساسي له , وتتكون من العقل , والنفس , والرغبة .
وعند ( أرسطو ) هي المحور الرئيسي للوجود , ولكن أرسطو يرى أنها غير خالدة وتتلاشى بموت الجسد .
وعند ( ديكارت ) هي جزء يقع في الدماغ .
أما ( كانت ) فيرى الروح مجرد نتيجة لتساؤلات العقل نحو شيء غير ملموس .

وللقدماء تفسيراتهم التي تتناسب مع طبيعة مرحلتهم , وهي تختلف جوهريا عن العلماء المتأخرين , فقدماء المصريين يرون أن الروح مقسمة إلى 7 أقسام , ولا يهمنا الخوض فيها فربما كانت أبعد ما تكون بثقافة اليوم عن الطرح العلمي .
والروح عند ( البوذية ) هي نتيجة اندماج خمسة مفاهيم تعني الروح , ويعتقدون أن الروح تتلاشى مع موت الجسد إلا في حالة وجود صفات سيئة في بعض أجزاء الروح ففي هذه الحالة تبحث عن جسد أخر لتحل به وتتطهر من تلك الصفات ويطلقون عليها ( النيرفانا ) .
والروح عند ( الهندوس ) هي الكينونة الخالدة للكائنات الحية " الجيفا " , ويؤمنون بانتقالها لجسد أخر بعد الموت كالبوذيين .

والروح عند ( الغزالي ) هي جسم لطيف منبعه تجوف القلب الجسماني فينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى سائر أجزاء البدن ....... إلخ , ولا يخفى على القارئ أن الغزالي لا يختلف كثيرا عن المصريين القدماء في نظرته للروح من منظار فلسفي بعيد كل البعد عن قواعد علمية مقبولة .
وكذلك ( الرازي ) قال أن الروح ليس لها كيفية خاصة تتصف بها , بل هي من المحسوسات وليست من الملموسات .

ولم يترك العلم الحديث الروح بعيدا عن أبحاثه , فحسب الواقعية المنهجية للعلم الحديث تنظر للروح ككائن ذي معتقد إنساني , وليس كائنا بحد ذاته .
وتكاد تجمع ( الدراسات الحديثة ) على أن الروح موجودة في مكان ما من المخ , فتطور العلم الحديث وانفجار الثورة العلمية ومخترعاتها استطاع العلماء قياس الذبذبات الكهربائية في كثير من مناطق المخ , وخلاصة التجارب والدراسات أوصلتهم أن الروح في منطقة معينة من المخ .

ولا نعلم ماذا يخبئ لنا المستقبل القريب أو البعيد من ثورات معرفية نحو أبحاث الروح وغيرها , ولربما سيعرف العلماء الكثير من العلاقات التي تربط الروح بالجسد وآليات عمل الروح فيه , ولكن ستبقى الحقيقة الكاملة والخالصة مجهولة حتما , ليس قصورا في العلم والاختراعات ومثابرة العلماء في البحث , ولكن هو وعد الخالق وقدره الذي أخبرنا به في كتابة العظيم :
قال تعالى ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) ﴾ (سورة الإسراء) .

بقي لدي ملاحظات خاصة كانت وليدة لقراءة عدة مواضيع عن الروح , مثلا :
- إذا كانت الروح تربطها علاقة ربانية خاصة مع جسد إنسان معين , كيف نفسر علاقة الروح مع أرواح أخرى بعيدة كل البعد عن جسد محتويها , مثل أن تشعر بارتياب وعدم رضا أو خوف نحو شخص ما ربما تقابله لأول مرة , وبالنقيض قد تشعر بالراحة والطمأنينة وربما العشق والشغف نحو أخر دون أن تعرف عنه أي شيء ؟
- الإحساس الغريب الذي ينتاب بعض الناس نحو أخرين وربما يبعدون عنهم الآف الأميال سواء بخوفهم أو سعادتهم ؟ وخاصة في حالة الأمهات أو التوائم ؟
- ظهور شخص بشكل مفاجئ في دائرة تفكيرك دون سبب , وربما إحساسك به ؟
- الإحساس الداخلي بخطر قريب أو بعيد نحوه شخصيا أو نحو من يحب , وربما الإحساس بالموت أو قربه ؟
- علاقات الصداقة التي تربط بعض الأشخاص لسنوات وعقود دون سبب محدد , وربما مع اختلاف تفكيرهم واتجاهاتهم ؟
- النفور الشديد أحيانا نحو شخص تراه لأول مرة ؟

لهذه الأفكار علاقة قوية بخصائص الروح , فهي أحاسيس وانفعالات وردود أفعال تلقائية ومحسوسة وليست مادية ملموسة , كالروح تماما , فلا يمكن للجسد وأدواته الحسية أي تأثير على هكذا مشاعر , فالإحساس بالبعيدين ليس له أي علاقة بأدوات الجسد التي قد تولد شعورا ما كالعين أو الأذن .
فالروح غير محسوسة ومبهمة بأمر خالقها , وليس قيامها ببعض تلك الخوارق التي مرت بنا ذات يوم بطريقة أو بأخرى إلا دلالة على ما تملكه تلك الروح من إمكانيات هائلة قد تقلب حياتنا رأسا على عقب لو عرف الإنسان كيفية السيطرة على تلك القدرات الغير طبيعية التي لم نجد لها تفسيرا حتى اليوم .
لا شك أن الروح ستظل مبهمة كما أراد الله لها ذلك , ولكن ذلك لا يمنع من ظهور دراسات مستقبلية تمكن الإنسان من التعرف على بعض إمكاناتها الخارقة , وهذا ليس ببعيد , فالذي عنده علم من الكتاب تغلب على قدرة شيطان سليمان وجاء بعرش بلقيس في طرفة عين , وهنا رابط واضح بين فعله الخارق وبين ( العلم ) , ( الذي عند علم من الكتاب ) , فمن يمنحه الله تعالى أسباب العلم واسراره يأتي بما لا تقدر عليه الشياطين والجن , لذلك قال الله تعالى ( إنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ) .

في فترة زمنية ماضية كان الفلاسفة يعتقدون أن ( الأفكار ) محسوسة وليست ملموسة , لأنهم عجزوا عن قياسها أو رؤيتها أو لمسها , وقتها لم تكن الاختراعات وطرق البحث قد تطورت مثلما حدث أخيرا , وبعد قدرة العلماء على قياس ذبذبات المخ ورصد الإشارات الكهربائية في المخ أثناء التفكير توصلوا إلى أن الأفكار عبارة عن نبضات كهربائية تصدر من المخ لتترجم أوامر حركة للأطراف وبقية مكونات الجسم , فخرج فريق من الفلاسفة بالقول أن الأفكار هي مادية وملموسة وليست غير مادية , فهل سيأتي يوم ويستطيع العلم قياس نبضات الروح ويحدد قوتها وعمرها وعددها وتوجيهها داخل المخ وخارجه لتنفيذ أوامر معينة ؟؟؟
هي مجرد خاطرة نبعت من التقدم المهول في الاختراعات ومراكز الأبحاث , وبالنظر عما كنا عليه قبل 100 عام واليوم , وهل نجزم في ظل هذا التسارع التقني والبحثي بعد 1000 سنة من حدوث هذا أو عدمه ؟
( وجهة نظر )
ربما كانت ( الروح ) كشحنة كهربائية تتكون من سالب وموجب , ( مثلا ) فلو أخذنا الجزء السالب لوحده أو الموجب لوحده لن نجد أي طاقة كهربائية , يعني الموت , ولكن لو التقى طرفا السلك لحدثت الشرارة تلقاء هذا التلامس , جسم الإنسان وحتى الكثير من الحيوانات يتكون ( غالبا ) من شقين ( أيمن ) و ( أيسر ) , في الأطراف وفي الرأس وفي الجوف وفي المخ , وكأن أحدهما سالب والأخر موجب , وفي مكان ما في وسط المخ تكمن طاقة الروح التي تشعل الجسد بالحياة لالتقاء السالب بالموجب , وعند ضعف الناقل السالب أو الموجب يظهر خلل أو مرض كالشلل النصفي مثلا , وحسب ضعف الناقل وتدرجه في الضعف يظهر مرض ما , أما في حالة توقف الناقل السالب أو الموجب تماما عنده تحدث الوفاة للجسم بعد انقطاع الطاقة عنه , وعلى فرضية صحة هذه الأفكار أو غيرها مما يمكن أن يظهر , فهذا لا يمنع حتما من كون الروح في حقيقتها وكينونتها مجهولة تماما , ولكننا نتحدث عن آثارها وتأثيرها على ما حولها من أجزاء الجسد ( وربما خارجه ) .

أخيرا / الحقيقة التي لا تقبل شكا أن الله تعالى وصف حالنا مع سبر أغوار الروح بكلمات قليلة ودامغة وثابتة ولا تقبل التأويل ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف