الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

عربة أفلاطون بقلم:عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2018-06-28
عربة أفلاطون بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
عربة أفلاطون / عادل بن مليح الأنصاري

لا أعرف هل خطرت هذه الفكرة في عقل أفلاطون حين صور العشق بتلك العربة التي يقودها العقل والذي يمثل العشق المثالي بعيدا عن عشق الحس ( الجسد ) , والتي يجرها حصانان مجنحان ( يمثلان العشق الحسي والرغبات الأخرى المرتبطة بشهوات الذكر والأنثى , فهنا يفترض أفلاطون أن العقل يقود الحس (برغباته الدنيا) , لتكتمل صورة (نموذج الخير) وحب الجمال الفكري الذي يساعد على تفوق الرقي والسمو الأخلاقي , مما يتيح للإنسان أن يمتلك نقاء فكري يراقب رغباته الدنيا .
هل تخيل أفلاطون أن الأخلاق البشرية ربما لم تعد تهتم بكل تلك المعايير الأخلاقية التي ناضل لأجلها قبل 2500 سنة ؟
وأن البشرية ستضع القائد العاقل والعاشق للروح والمتجاهل لرغبات الجسد وشهواته مكان الحصان ليجرعربة ( العشق البذيء ) وأن الحصان رمز الشهوات الحسية سيكون هو قائد عربة أفلاطون المثالية ؟
ملايين البشر ومنذ ظهور المجتمعات العاقلة هل ظهر فيهم من عشق الروح قبل الجسد ؟
وهل قصص العشاق عبر التاريخ هي عشق أفلاطوني يقوده العقل , أم عشق شهواني يقوده حصانه المجنح ؟؟
وهل العشق (الحسي) يعتبر عارا وذنبا لا ينبغي للبشر الوقوع فيه . أم أنها فطرة بشرية تضمن البقاء ومصارعة الحياة للاستمرار برغبة ولذة وجمال ؟

أي علاقة عاطفية تلك التي وصفها أرسطو بقوله " أن الحب هو الرغبة لامتلاك الخير " ؟
ولكن أي حب يقصده المعلم الأول ؟ فالمرأة لم تكن في نظره إلا أداة إنجاب وحافظة لبقاء البشر , فهي مجرد ألة يشغلها الرجل متى شاء , ولكن لهدف واحد فقط وهو الإنجاب فقط , هل يمكن أن يعجز فيلسوف فرض وجوده على تاريخ البشر أن يزودنا بثقافة الحب كما نحتاجها كبشر ؟
بل جردها حتى من القدرة على ممارسة الفضائل الأخلاقية كالرجال , وكأنه يقول أنها عاجزة عن ممارسة الحب بصورته الأخلاقية ( الأفلاطونية ) فلا يبقى من صورة ذلك الحب إلا ممارسات شهوانية ضرورية لاستمرار ضرورة الإنجاب .
ولم يكن (شوبنهاور) الفيلسوف الألماني المتشائم بأقل من المعلم الأول في نظرته للمرأة , فهي كائن ناقص ولا تصلح إلا للإنجاب وأن الزواج مدمر لعبقرية الرجل , وأنها ليست إلا فخا نصبته الطبيعة للرجل .
أما (نيتشه) فيقول في كتابه، هكذا تكلم زرادشت : " لم تبلغ المرأة بعد ما يؤهلها للوفاء كصديقة ، فما هي إلا هرة ، وقد تكون عصفورا ، وإذا هي ارتقت أصبحت بقرة " , وهي أيضا في نظره ملكية يجب معاملتها كقطعة تباع .
حين يبحث الشاعر عن أوصاف للحب يطفئ بها ظمأ رغبته للمزيد من التمتع بهذا الشعور الغارق في نشوةٍ غامضة , قد يتساءل هل لتلك النشوة علاقة مع الروح أو مع البدن ؟
هل نحن مجبرون على تشريح ذلك الشعور الشيطاني أو الملائكي الغامض بتهذيب أدواتنا الوصفية أو البعد عن مستنقع الشهوات ؟ وهل يجب أن نصف تلك المشاعر بمستنقع فقط لإنها تداعب حقيقة ما نريد , هل نخجل من تلك الوخزات التي تجتاحنا عند البلوغ رغم كونها جزء من فطرتنا البشرية ؟
هل من السمو أن نتجاهل تلك اللذة لنسوق الكلمات الفلسفية ونتباهى بعشق الروح والجمال واحتقار حاجات الجسد فقط لأن بعض الفلاسفة كانوا فاشلين في تعاملهم مع النساء , أو ربما عاجزين عن قراءة خرائط الجسد الأنثوي بعبقرية ذكورية تعرف مكامن الدهشة ؟
الطبيعة البشرية عند أفلاطون ضحية للجسد من جهة , وللروح من جهة أخرى , فالجسد يدفعها نحو الشهوانية , والروح تدفعها نحو الفضيلة , وليست الرغبات الجنسية نحو الحبيب في حقيقتها إلا نمو الأجنحة للروح , فإذا امتلكت الروح تلك الأجنحة فهنا يولد الحب الأفلاطوني .

من المؤكد أن فلسفة كره النساء ولدت منذ القدم , وقد كانت تقليدا في الأدب اليوناني ,
ولو تأملنا مقولة ( هيرومينوس ) عن (يوريبيديس) بأنه كاره للنساء قال: هو ربما كذلك، في التراجيديا الخاصة به ، لكن في الفراش هو محب للنساء " .
أليس هذا تصريح صريح بانقيادهم خلف الشهوة الجسدية ؟
فالفلسفة الذكورية تتحكم في حياتنا منذ القدم , فالذكوريين يتبادلون فلسفات الرقي الأخلاقي ويحقرون رغبات الجسد ويكتبون المجلدات في سمو الروح , وليلا يبحثون عن لحظة شهوة يشبعون فطرتهم التي لا انفكاك منها .
ربما شاءت الأقدار أن تخضع تلك العلاقة الفطرية عبر أطوار الحياة البشرية تحت أفكار مجموعة من الرجال الذين تعاملوا مع الحب ومع الشهوة الجسدية وهم رهائن لظروف خاصة , فمنهم من يعاني من حياة زوجية فاشلة أو ربما أساء الاختيار فوقع تحت وطأة زوجة غبية أو جاهلة , وأخر عاش في بيئة تعج بالخيانات وممارسة الشهوات العابرة , وربما كما ظهر في أحفادهم اليوم من أنواع متباينة من العجز الجسدي لممارسة أو الانتشاء من ذلك الشعور الذي يعجزون عن بلوغ ذروة سكرته , فاطلقوا العنان لفلسفاتهم في البحث عن حب الروح والسمو نحو المشاعر الأخلاقية وتحقير حاجات الجسد الدنيا بكل ما فيها من شعور باللذة أو حتى الحاجات الفطرية التي خلقها الله في بني البشر .

الفلسفة القديمة عن المرأة كانت على ما يبدو منشغلة نحو أمرين , أولهما هل المرأة مخلوق كامل وله حق الحياة كإنسان كامل الإنسانية ؟
وثانيهما , هل يقتصر دورها كوعاء للإنجاب وتفريغ الشهوات ؟
ربما طغت قصص المجون واللهو في تلك الحقب القديمة كما يقال عن مدينة ( بومبي ) الإيطالية , من جهة , وفلسفات المفكرين نحو المرأة وحقيقة خلقها ودورها ومساهماتها في الحياة اليومية من جهة أخرى في طمس جزء كبير من حقيقة العلاقة بين الرجل والمرأة في تلك الفترات , ربما كانت الحياة أبسط من تلك الصور الماجنة والحيوانية في التعامل أو وصف المرأة ومحاولة فهم دورها وحقيقة خلقها وهل هي جديرة بمقاسمة الرجل لحياته , ربما هناك ملايين الصور التي عاشت عبر أجيال امتهنت المرأة كمخلوق أو حتى كفكرة فلسفية بقيت كثقافة في تاريخ بعض الأمم , كانت المرأة فيها الحبيبة والزوجة والأم , ولكن بساطة تلك الصور جعلتها تمر باهتة من تحت أعين التاريخ وكتابات الفلاسفة والثقافات الذكورية بكل درجاتها .

لماذا كان الشعراء على عكس الفلاسفة في نظرتهم للحب ؟
تقع أعينهم على الجسد , فيتحرك القلب , وينطلق اللسان بجميل القول , لم يترك الشعراء موضعا في المرأة لم تناله كلماتهم وربما رغباتهم , يلتمسون الجمال الخارجي ثم تأتي فلسفات العشق الروحي ربما لتبرر رغبات الجسد , وتضفي عليها ستارا من المثالية وإشباع الرغبات ليكون الحبيب متكاملا كما يريدون .
الشعراء لا يعنيهم أن تأخذهم أحصنة أفلاطون نحو السمو والمثالية , وأن يكتفوا بقيادة مركبة العشق بعيدا عن رغبات الجسد , بل تسابقوا لقيادة العربة بأنفسهم وانطلقوا نحو فلسفتهم الخاصة , بأن الرجل والمرأة ,,,
روح
و جسد
و رغبة
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف