الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الحلقة الثانية والأربعون من كتاب "ذاكرة الترف النرجسي" بقلم:د.حنان عواد

تاريخ النشر : 2018-06-20
الحلقة الثانية والأربعون من كتاب "ذاكرة الترف النرجسي" بقلم:د.حنان عواد
الكلم في الكلمة دم الغزال المتوج.

الحلقة الثانية والأربعون.

القلم ينبعث على أصوات الراحلين،تتناثر الحروف،تتفجر النقاط ، حائرة، لم تدر على أي حرف تقف،وكيف تصف المشهد...

أمسك القلم،لأراه يسقط من يدي،ويمضي بلا خط على ورق مقوى بالأمل..ينحاز الحنين الى وهج الشمس، وحميمية لقاء العائدين،وتطوف أمواجه في أركان هجرت،وجدر رفعت،ومبان اهتزت،ومركبات أصبحت نسيا،تتشابك الكتل الحديدية في الطرقات وفي ساحات المقاطعة،تقطع أوصال النص المفتدى،وتنذر بكارثة.

أجلس في البيت في مدينتي الحبيبة بعد عودتي من تظاهرة ضخمة نظمناها في القدس احتجاجا على ما يجري،وذهني مشغول بما يجب متابعته .البيت مكتظ بالأحبة،شقيقتي وعائلتها غادرت رام الله لشدة القصف،عبرت طرقا شائكة بساعات طويلة لتصل..تدق ساعة الصفر،ويأتي الخبر المعذب،اعادة احتلال الضفة الغربية،السيارات العسكرية تنتشر في المدن والقرى،الكتل الاسمنتية ترفع والاعتقالات تتزايد.الركام يمتد في الشوارع وعلى الأرصفة،ترفع الجدران العالية،وتكثر الحواجز وتصوب البنادق ،فعل يتكرر يوميا،وحركة الانسان تطفأ،ويستمر هذا الفعل،الى أن جاء القرار بقصف المقاطعةالدبابات تتوجه الى المقاطعة،تغلق الشوارع التي كانت آهلة بالسكان، لتصير في درب الصمت..الشياطين تنتشر في رحلة التدمير المبرج،كتائب الجولاني تتوجه الى مقر الرئاسة..الطرقات تئن،أثقلتها حمولات المدرعات ووقع خطى الجنود.مشاهد لا تصدق!انطلق مصاصو الدماء في الشوارع،وأطلقوا النداءات والصفارات...هم يتوجهون الى هناك.

أبو عمار يقف بقوة وحوله رجالاته،يتفقدهم ويهديء من روعهم،وهم ينتفضون خوفا عليه، وفداء له..

في بداية الحصار كنت معه في المقاطعة،وطلب مني العودة بحذر لأقوم بمهام أخرى..انتظرت ساعة هدوء نسبي،تسللت بهدوء من الباب الخلفي،وتوجهت الى بيت الدكتور روحي زوج شقيقتي ناريمان،و الذي كان ملاصقا للمقاطعة،أسير خطوة والتفت حولي،يرتفع نبض القلب وتتسارع دقاته،الخطوات تئن،المشهد مثير للقلق احتسابا لما قد يجري في المقاطعة،

غادرت المكان وأنا أود البقاء قرب الرئيس،ولكن الظرف صعب للغاية،وأمواج أصوات البنادق والمدافع ترتفع الى الأعلى،لم ترهبني تلك الأصوات،الا خوفا على الرئيس.

قوات ال 17 تلتف حوله،وجنود آخرون يقفون صقورا متحدية.."لقد جاوز الظالمون المدى"...بطولات نوعية تتفجر..الشباب

يقاومون ببسالة،ويحيطون به في تلك الغرفة المظلمة،المتضامنون تجمهروا حوله ..تغيب الكهرباء،وتنطلق الشموع،رقابة المحتل تعبر المكان بأجهزة التصنت،ويعبر الجنود المقاطعة لاستباحة دمنا،واعتقال المطلوبين وسلب أوراق هامة في محاولة رياء لادانة الرئيس. عشرات السيارات،بل الأدق.مئات السيارات تنقض الدبابات عليها تدميرا وحرقا،وتراها أصبحت معادن متناثرة..وفي محيط المقاطعة،تتحرك الدبابات لتدمير كل شيء،وكأنها جهنم خاصة أشتعلت لحرق المركبات، السيارات تحولت الى هياكل،لقد تحطمت سيارات كل منا وأصابها الدمار الشامل، وسيارة شقيقتي الصغرى أيضا تحطمت.. .لسوء حظها أنها في ذلك اليوم قررت زيارة شقيقتي للاطمئنان عليها،وخرجت لترى سيارتها قد أصبحت رمادا.

المقاطعة مغطاة بالمركبات المحطمة،تمتد على الأرض وتفرشها بالسواد والرماد والمعادن المتناثرة....كم فجر من المركبات؟وكم استلقى على أرضها في زوايا الرعب قطع منزوعة البقاء.

تمطر السماء،ويشتد الصقيع، فيغيب الضوء الغائب أصلا،ويعم الظلام...يشتد أزيز الرصاص،ووقع الدبابات، لتشعر أنك أمام زلزال قوي،أو بركان يلقي بحممه الحارقة.

وفي تلك اللحظات،تتفجر الثورة في جنين،ويستبسل الشباب،ويأتينا صوت أبوجندل،والذي لا يزال يرن في أذني،ويعلو النداء.صمود جنين الأسطوري أمام القوات المدججة بالسلاح،تتفجر المقاومة في كل مكان،ويحضر المبعوث الأمريكي زيني للقاء بالسيد الرئيس في محاولة لوقف اطلاق النار..يعبر زيني المقاطعة،ويجلس مع الرئيس في الغرفة المظلمة الا من رفرفات الشموع ،يملي شروطه،ويناقش موضوع اطلاق النار،يوافق الرئيس على ذلك،ويمضي زيني،ويستمر شارون بالقتال والتدمير في المقاطعة،في جنين وفي كل معاقل الثورة.ولا يوقف النار،بل يزيدها اشتعالا بما يتناسب مع اشتعال قلبه حقدا على أبو عمار،كانت أهم أمنياته،أن يقضي على الرئيس،وجهز لذلك قواته المعدة،ولكن قوة روح أبو عمار ورجالاته كانت دائما بالمرصاد..

.يشتد الدمار،ويسيل الدم الفلسطيني أنهارا،ويعبث الاحتلال بمقدراتنا،وتتحرك الأباتشي في سماء غزة،تدمر بيت حانون،ومواقعنا العسكرية،وتعرج على المطار، وتبدأ بتدميره ليكتمل الحصار..ويجتمع شارون مع رجاله لوضع خطى التنكيل والتدمير..فكان لا بد من الرد،استنفرت كتائبنا المقاتلة والأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة،وكان الرد مشروعا..فكيف يعم الصمت في دائرة القتل المتعمد والارهاب المبرمج الذي يقوده شارون.؟.

أخذت أمريكا تصيغ خطة لوقف اطلاق النار،عاد زيني الى المنطقة واجتمع بالاسرائيليين، ثم الفلسطينيين،مطالبا اسرائيل بتخفيف الحصار،واضعا شروطا تعجيزية أخرى على السيد الرئيس،لم يتوقف الحصار،غادر زيني وعاد زيني ليحمل رسالة  شارون وادعاءاته، لرفع الحصار الجزئي،وفي تلك الفترة تم اعتقال أحمد سعدات وفؤاد الشوبكي،وعقد زيني مؤتمرا صحفيا مع الأخ أبو مازن،والنتيجة كما صورها الرئيس عرفات،لم تسفر شيئا هاما،والأعجب تعليق الرئيس الأمريكي جورج بوش بأن الوقت مناسب لمفاوضات سلام أخرى..فأي سلام يراه بوش من عيون البنادق،ورماد الدمار..ويأتي السؤال المر:"ماذا يمكن أن يفعل رئيس محاصر أمام برنامج تدميري اقتلاعي لانجازات السلطة،وأمام دور غائب للقوى المناضلة في العالم،وأمام انكسار في الموقف العربي الذي لم يقف معترضا،وحتى لم يرفع أحدهم الهاتف لشد أزر الرئيس،ولم يحاول الحضور التضامني الى فلسطين.؟؟!..تتكرر زيارات البعثات الدولية،فيزور موراتينوس السيد الرئيس، ويعلن أن المستوطنات غير شرعية،ويحضر كولن باول الى مقر الرئاسة...يعبر المقر الى الغرفة المعتمة،ويشاهد الشموع الخافتة،فلا يلتفت الى ذلك،بل يملي شروطا، ويرسم خطوطا متعرجة لا تقود الا لتكثيف هجمات الاحتلال،وغياب الأمان،ويمضي بمضاء السيف على رقابنا.

يحذر الرئيس عرفات،ويضع خططا لقيادة بديلة،وترتفع لهجة التهديد المباشر وغير مباشر بأنه لا بد من مرحلة جديدة وقيادة بديلة..يعبر الغرباء بيتنا ويقررون مصيرنا،وينقضون على قادتنا ويطالبوننا بوقف "الارهاب"بنظرهم الأحادي النظرة الذي يمحو عن الاحتلال صفة الأجرام الذي لا يمكن أن يكون بعده اجرام مشابه أو موازي..تطرح وجهات النظر،ويقترح مؤتمر سلام على غرار مدريد يوافق عليه السيد الرئيس،ورغم الحصار والصعوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على رئيسنا وعلى شعبنا،الا أن الرئيس جورج بوش كان يؤمن بأن ياسر عرفات هو القادر على ايقاف العمليات الاستشهادية..الدرب محاط بالمخاطر،يسافر شارون الى الولايات المتحدة ليعلن نيته في اغتيال عرفات...حياتنا وموتنا كأنها بيدهم رهينة..فلتتوقف سفينة الرعب،وتدك جدران الحصار،ليطل الرئيس

سيدا أسدا لاتقوض ارادته المؤامرات..أحداث كثيرة تمضي على الصعيد الدولي، مخطوطة في تاريخنا النضالي..

الاحتلال يعتقل عددا كبيرا من المناضلين،ويحتجزهم في عوفر لعدة أيام،ثم يخرجهم الى قلنديا..اتصل بي الأخ عيسى عبد الحفيظ يعلمني انه والشباب موجودون في الكلية الصناعية في قلنديا..أعددت العدة وكل ما يلزم،وذهبت في طريق صعب،الى أن وصلت...

ولما وصلت الى هناك،خاطبني الرئيس من الهاتف الوحيد الذي كان بيده،يصمت حينا ثم تعود اليه الحرارة ليخاطب المناضلين ويشد أزرهم،تحدث اليهم بلغة الأب الحريص على أبنائه..وارتفعت معنويات الشباب وهتفوا باسمه..

الغياب المتعمد لزعماء الأمة العربية كان صادما ومقلقا..كان الرئيس عرفات يتوجه اليهم ويشاورهم عند كل حدث وعند كل قضية مهمة،وكان دائما يفتخر بذلك،ايمانا بأن ثورتنا عربية العمق.أما الآن وفي غياب القوم،يتحرك شارون وكأنه سيد موقف في غياب ألأهل والداعمين.

ولا أستطيع تصوير سعادة الرئيس حين زاره وزير الخارجية المصري السيد أحمد ماهر،وكأنه شعر بلغة الضاد،ولغة الأخوة والمساندة،حتى لو كان فيها املاءات.أذكر أنني قلت له بعد فك الحصار:"يا والدي لقد قسى عليك زعماء الأمة"،فأجابني بكل ثقة:"انني أراهن على شعبي شعب الجبارين".شعرت بمدى الحزن الداخلي الذي يعتريه.

دقات المدرعات تعزف الحان المؤامرة السوداء،ويعلن الخبر،بأن القوات الاحتلالية قصفت المقاطعة..توقف النبض عندي وأخذت في البكاء خوفا على زعيمنا الأجل،ارتبكت،وحرت ماذا أفعل،وقمت بالاتصال بالاعلامي مكرم محمد أحمد في القاهرة،طالبة النجدة.وقد كنت سابقا، قد رتبت له لقاء مع السيد الرئيس في المقاطعة،لاجراء حوار هام حول الأوضاع السياسية الراهنة،لنشره في  في مجلة المصور،وكان لقاء تاريخيا..

حملت الهاتف، وخاطبته وأنا أجهش بالبكاء قائلة"المقاطعة تتدمر،ونحن نخشى على الرئيس،هدأ من روعي وقال لي:"الكاتب الملتزم لا يبكي،اكتبي ما تحسين به وتشاهدينه،وهذا أكبر دعم تقدميه للرئيس"،ثم أضاف:"سأتصل بك كل يوم مساء لتشرحي لنا الموقف".

قليلا..قليلا..أخذت بالهدوء،وطار ذهني، أفكر بما قاله لي،دخلت غرفة المكتب،أحاول انتزاع الروح الي،كانت تهرب مني بعيدا غارقة في الركن المظلم...وفجأة شعرت أن علي أن أكتب،مهما ارتد القلم بعيدا..لا بد أن أتجاوز"ما أنا بكاتب"،لأثبت مقولة"بل أنا كاتب"..لتكون الكلمة بديلا عن الانتحار.

.امتد خيط من الصفاء معانقا ذهني الشارد،وغصت في الكتابة،ولم أرفع رأسي الا وقد أكملت الحلقة الأولى،وبعد ساعة من الزمن،اتصل بي مدير تحرير المصور،وطلب الحلقة..اطلع عليها الأخ مكرم وكان سعيدا جدا،هاتفني قائلا:"كيف تشعرين الآن"؟؟،فأجبت والطمأنينة تلازم روحي:"انني الآن في حالة مغايرة"!شكرته على كل التشجيع،وأخذت أصيغ حلقات يوميات الحصار التي انتشرت تباعا في" المصور".

ثم اتصلت بتليفزيون فلسطين لأسجل حلقات يوميات الحصار،فاستجاب..جهزت نفسي للذهاب الى هناك،وأنا أعي أن المنطقة محاصرة والتيليفزيون محاصر،وقد دمر جزء من مبناه،وبصعوبة كبيرة وصلت..

التقيت المخرج عزام عبده،وجاء الاخ حسن أبو الرب ليقرأ المقدمة:

قراءة في الروح من اضاءات قناديل الذاكرة المتفردة للحظات ظل ايقاعها يتداخل من ماض الى حاضر الى مستقبل لم يكتمل...

ينتشر وهج الكلمات من الوحي الألهي في روح ابداع الانتماء لفكرة لا تموت...فلسطين....الوطن والانسان.

واشتياق من شوق التحرق في وخز أشواك الحصار لوجه لا تغيب صورته ولا يغيب..

يولد فينا في كل لحظة صدق،ويعيش مع الفكرة التي عشنا ندافع عنها طويلا..

سلام اليك أيها البطل المعجزة،

أيها القلب الذي لا يخبو فيه الأمل،

ولا يتوقف عنده الا يقين الانتماء.

مبنى التليفزيون ارتدى حلة سوداء،بقايا الدمار تشهد بالمؤامرة،قصفت احدى المباني،وتعطلت الأجهزة،واحترقت بعض الاستديوهات،ولكن ظل اصرار الشباب على متابعة العمل.

تربطني بتليفزيزن فلسطين علاقة الحلم وتجليات الواقع..دائما كنت أحلم أن يكون لنا تلفاز مميزيحمل رمز فلسطين،وينشر قضيتنا الى العالم،ولما بدأت ملامح الحلم تتجلى بعودة الرئيس الى فلسطين،سعدت كثيرا وتابعت خطوات انشائه وبدايات البث البسيطة التي انطلقت من أريحا،وقد بدأ الاعداد لذلك بفترة قصيرة قبل عبور السلطة،تحمل مسئولية العمل الأخ رضوان أبو عياش،شاركت معه في وضع استراتيجية العمل شقيقتي ناريمان، وتابعت حتى هذه اللحظات..وهو صديق وزميل مهني، عملنا معا في قيادة الساحة في مدينة القدس،حينما كان يعمل في المكتب الفلسطيني،وهو من مخيم عسكر،كان خفيف الظل ومثقفا،وكان يتابع نشاطي باهتمام..رئس قبل انشاء التلفاز رابطة الصحفيين،وقام بنشاط ملحوظ،وابتدا خطوات انشاء الاذاعة والتيليفزيون بحضور عدد من المذيعين الفلسطينيين الذين قاموا ببث أنباء الثورة في العراق وأماكن أخرى.

أذكر حضور الرئيس الى أريحا،ساعة عبور وفتح في أبواب السماء،وتجمع الشباب رغم الحر الشديد،الا أنه كانت هنالك روح دافعة الى الأمام،تكسوها ملامح الفرح والأمل،ينتظرون ويقدمون ما يستطيعون،رغم عدم اكتمال الأجهزة.

الأستوديو كان باهتا،والامكانيات ضعيفة،ولا بد من تسجيل الحلقات..

وكان علي أن أحضر باقة ورد لكي تعطي شيئا من الحياة للمقابلة،ومن أين يأتي الورد في ظل الاغلاق والحصار؟؟.كان لدي في البيت باقة ورود بلاستكية حملتها معي،حققت الغرض نسبيا.سجلت المقابلة،وأضاف المخرج صورا للسيد الرئيس،ثم نشرت عدة مرات في تليفزيون فلسطين..شعرت حينها أنني أقدم شيئا،كانت الكلمات ترتقي بمستوى يليق بالرئيس وبفلسطين،وتحت عنوان"في البدء أنت فلسطين"استمرت الحلقات.

والحقيقة أنني،وأنا أستعرض ما يجري،أصبت بحالة سوداوية رسمت على ملامحي آفاقها،وقلت لنفسي كيف أستطيع احتمال ما يجري،كيف نعيش تجربة أخرى مريرة ولا أحد حولنا ينطق أو يعترض؟؟.لقد مرر سهم المؤامرة علينا..دارت في مخيلتي تجربة السابع والستين،وما تلاها من تداعيات وكوارث علينا لم نشف منها بعد..وهذه هي معطيات الصمت العربي الواضحة المعالم..فيا وحدنا ونحن نجابه كل هذا الارهاب،وقد طافت في روحي أمواج الفناء من أجل أن تبقى الكرامة...بايماني،أن الكاتب الحر الملتزم لا يمكن أن يتحمل سيناريوهات ما يجري.

الطرق مغلقة،ولا يمكن أن أصل المقاطعة،القوات الغادرة تحيط المكان من كل صوب،وفجأة أخذ التلفاز ينقل لحظات الدمار باقتحام المقاطعة،واستشهاد عدد من كوادرنا،ليقف سيد الموقف متحديا،جاهزا للشهادة والفداء،قائلا:"يريدونني اما طريدا أو شريدا،وأنا أقول لهم:"شهيدا شهيدا شهيدا"!!

وحينما ألقى الرئيس هذا النص بروحه التي تفيض ارادة،لم أتمالك نفسي،غطاني الحزن الشديد،واكتوى قلبي بنار الألم.

كان الألم يسري في عروقي،الكلمات تسير معي،واللحن الذي أطلق به الرئيس كلماته،وأسلوبه الذي خاطب العالم به،كان معذبا، يسري في حروف كلماته فيض من المشاعر النبيلة الراقية التي نجح سيادته في صياغتها بعفوية التزامية تدخل قلب كل مناضل.

وبعد أيام اتصل بي رئيس اذاعة صوت العرب،وقدم لي دعوة من صوت العرب للذهاب الى هناك،لترتيب حوار مع السيد الرئيس في الحصار..سافرت الى هناك بعد اعلام الرئيس ورحب كثيرا بالفكرة.

جلسنا بالاذاعة،نعد الأسئلة..الى أن حان موعد البرنامج...اتصلت بالرئيس،وكان على جانب كبير من السعادة أن يطلق صوته رغم جدران الحصار.ابتدأ الحوار مباشرة بعد نشرة الأخبار.

ونظرا لأهمية هذا الحوار الاعلامي،فانني أنقله لما يحمل من روح الرئيس الشهيد من ألق رغم الحصار.

وجاء نص الاذاعة كما يلي:"الآن اليكم الحديث الذي أجرته اذاعة صوت العرب واذاعة فلسطين من القاهرة مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات."

وابتدأ التقديم كما يلي:"أيها الأخوة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.رغم الحصار والنار الا أن الرئيس ياسر عرفات القائد الرمز،قائد مسيرة النضال الفلسطيني ،يستقبل كل يوم وفودا، تضامنا مع فلسطين قيادة وشعبا،واحتجاجا على هذا الحصار الجائر..ولقد استطاعت اذاعة صوت العرب اختراق هذا الحصار،واجراء حوار تضامن مع الرئيس ياسر عرفات،شاركت فيه من القاهرة الأديبة والشاعرة الفلسطينية،ابنة القدس الدكتورة حنان عواد،وكذا الزميلان عاطف عبد العزيز نائب رئيس شبكة صوت العرب وأشرف عبد العزيز من أسرة الشؤون السياسية في شبكة صوت العرب.وفي حلقة برنامج نافذة على فلسطين نستمع سويا هذا الحوار مع الرئيس ياسر عرفات.

وقد بادر الرئيس بالترحيب قائلا:"أهلا وسهلا".

أخذ الأخ عاطف عبد العزيز-وهو كبير المذيعين وعلى مستوى راق من الثقافة،يحترم الرئيس كثيرا، وينتصر للشعب الفلسطيني،وهو صديق عزيز،التقيته في مواقع متعددة وأدار معي حوارات هامة-يجري الحوار بحماس شديد،وأخذ الرئيس يجيب بطريقة تشعرك بأنه لا يوجد حصار،بل انه ينعم برخاء الحرية..

وقد ابتدأ الأخ عاطف عبد العزيز بهذا التقديم:" أيها الأخوة لا شك ان هذه المرحلة الصعبة والدقيقة التي يمر بها الشعب الفلسطيني،

تعكس معدن هذا الشعب البطولي المناضل من أجل نيل حقوقه الوطنية المشروعة واقامة دولته المستقلةعلى ترابه الوطني، وعاصمتها القدس الشريف".

وأضاف الأخ أشرف عبد العزيز:

"ان حصارقوات الاحتلال الاسرائلي لمقر القيادة الفلسطينية في رام الله،لهو تأكيد على مدى غطرسة الحكومة الاسرائيلية، وتأكيد على ارهاب الدولة الذي تمارسه اسرائيل ضد شعبنا في فلسطين".

ومشاركة من صوت العرب للشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الدقيقة، وفي محاولة  لكسر هذا الحصار،يسعدنا أن يكون معنا على الهاتف من رام الله سيادة الرئيس ياسر عرفات.

وقد رحب الأخ عاطف عبد العزيز بالسيد الرئيس قائلا:"

في البداية نرحب بسيادتك ونقول لك يعني العرب جميعا معك بقلوبهم وكل الشعوب العربية تقف وراء شعب فلسطين ووراء الرئيس ياسر عرفات."

وأجاب السيد الرئيس:"اول حاجة أتوجه بالشكر الجزيل لكم جميعا وبالذات للرئيس المبارك محمد حسني مبارك ولشعب الكنانة الذي ضحى تضحيات كبيرة على مر العصور والأيام، دفاعا عن هذه الأرض المقدسة،أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مسرى النبي محمد صلوات الله عليه وسلم ومهد سيدنا المسيح عليه السلام..وأنا بقول لكم من الأعماق شكرا وشكرا وشكرا على ما تقدموه على كافة المستويات،وسنصلي معا وسويا ان شاء الله في القدس الشريف عاصمة دولة فلسطين ،شاء من شاء وأبى من أبى.

وأجاب الأخ عاطف:"سيادة الرئيس لا شكر على واجب..دعم فلسطين ودعم الشعب الفلسطيني ودعم هذه الرحلة البطولية النضالية،هي واجب على كل عربي."

وأجاب الرئيس:"الله يعزك يا حبيبنا،

هذا يعطي شعبنا مزيدا من الصلابة والصمود في وجه هذا الحصار وهذا التصعيد العسكري على اخوانكم وأحبائكم الفلسطينيين،ولكن،ان شاء الله صامدين وصابرين حتى النصر... حتى النصر.... حتى النصر ان شاء الله".

 سيادة الرئيس،معنا في استوديو صوت العرب الأديبة والشاعرة الفلسطينية الأخت حنان عواد،وتريد أن تتحدث اليكم من صوت العرب،فخاطبته كما يلي:

"السيد الرئيس،باسم كل المناضلين الأحرار ،وباسم كل الشرفاء..أنت رمزنا وقائدنا،أنت الذي تتغلب دائما على كل الصعب،وسينصرك الله باذن الله،وكل الأحرار معك في هذا العالم من صوت العرب".

وأجابني الرئيس:"ان شاء معا وسويا حتى القدس يا حنان..ان شاءالله".وأخذ الأخ الدكتور عاطف،وبحماسه الشديد،يلقي الأسئلة على الرئيس بروح الملتزم،قائلا:"

الرئيس،لقد مررت طوال رحلتك النضالية بمواقف صعبة قدلا تقل صعوبة عن الموقف الحالي،وكنت لها دائما وانتصرت، وصمدت، وأرجو انه في هذه الرحلة وفي هذا الموقف الحالي وهذه الغطرسةالتي تحصل بحصار سيادتك، أن تكون بشائر النصر قريبة.

السيد الرئيس:بلا شك،وهذا ان دل على شيء فانما يدل على غطرسة اسرائيلية،انها تحاول أن تركع الشعب الفلسطيني، شعب الجبارين،وهم في رباط الى يوم الدين كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم،وهم في رباط الى يوم الدين..فأخوانكم الفلسطينيون في الرباط دفاعا عن مقدساتهم المسيحية والاسلامية،وفي رباط الى يوم الدين،وان شاء الله سيرفع شبل من أشبال هذه الأمة العربية أو زهرة من زهرات هذه الأمة العربيةعلم فلسطين،علم الأمة العربية فوق أسوار القدس ومآذن القدس وكنائس القدس،يرونها بعيدة ونراها قريبة"،وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة،ولتبروا ما علو تتبيرا.".صدق الله العظيم.

وشارك في السؤال الأخ أشرف عبد العزيز قائلا:"السيد الرئيس زميلي الاستاذ عاطف عبد العزيز أوضح بما لا يدع مجالا للشك مراحل النضال التي مررتم به، ومررتم بحالات أكثر صعوبة من الظرف الحالي،الدرس الذي تعلمتموه من هذه المرحلة،وماذا تقولون لأبناء الشعب الفلسطيني المناضل أيضا في هذه المرحلة؟؟.

السيد الرئيس:بقول لهم النصر صبر ساعة..النصر صبر ساعة.."واصبر وما صبرك الا بالله،ولا تحزن عليهم ".ان شاء الله سنصلي معا في القدس الشريف عاصمة الدولة الفلسطينية..نحن نعرف أن هذه الخطة العسكرية الاسرائيلية اللي سموها مرة حقل الأشواك ومرة سموها بالعبرية "أورانيم"،ويعني جهنم،وحاليا يسموها الخطة المتدحرجة،ولكن شعبكم، أخوانكم، أحباءكم ،الشعب الفلسطيني صامد مرابط في أرض الرباط في فلسطين ،وان شاء الله ننتصر معا وسويا، وسنصلي معا في القدس الشريف ان شاء الله.

ثم طرح المذيعان أسئلة أخرى هامة تتناول مجريات الأحداث والخطوات المتبعة في سير الاتفاقات،وعلى رأسها السؤال التالي:"السيد الرئيس ونحن ننتهزفرصة وجود سيادتكم على أثير صوت العرب،نريد أن نثير بعض النقاط التي نريد أن نوضحها للمستمع العربي؟؟.ماذا أثرت الاتصالات الأخيرة بينكم وبين الجانب الاسرائيلي،هناك اتصالات جرت بين المسؤولين الاسرائيليين وبين السيد أحمد قريع؟؟.

السيد الرئيس:الحقيقة هذه لقاءات احتضنتها فرنسا وأصدقاؤنا بفرنسا،وأول اجتماع تم بين أبو علاء باعتباره رئيس المجلس التشريعي وأبراهام بورغ،باعتباره رئيس الكنيست.أول جلسة تحت اشراف رئيس وزراء باكستان،وثاني جلسة تحت اشراف فخامة الرئيس شيراك.بمبادرة من طرفة للعودة الى المفاوضات في المجلس التشريعي.وواضح أن هنالك موقفين،موقف يريد أن يستمر في سلام الشجعان الذي وقعته مع شريكي الراحل اسحق رابين الذي فنى حياته ثمنا لهذا السلام-سلام الشجعان من هذه العناصر المتطرفة، وقوى لا تزال تقول بأنها ستقتحم المسجد الأقصى وتقيم الجدار حول كل القدس وما يحيط بها من من قرى ومخيمات،وفي نفس الوقت كان هنالك لقاء مع صائب عريقات وأبو علاء مع السيد مع شمعون بيرس،ولقاء آخر تم مع شمعون بيريس في نيويوك ما يسمى مؤتمر دافوس..

ثم تدخل الأخ عاطف قائلا:"كنت ستشارك لكن الظروف"..

أنت تعرف أنه لا يهمني الحصار،يمكن أن أمشي على رجلي..نحن اخوان، ونعرف بعضنا بعضا..هنالك لقاء بين أبو علاء مع وزير الخارجية كولن باول، ونحن مستمرون مع الموقف الأوروبي القوي  من وزراء الخارجية الأوروبيون، وكذلك مع الموقف الروسي والموقف الصيني بعد زيارة فخامة الرئيس حسني مبارك وجلالة الملك عبد الله،وكذلك  بعد البيان الهام الذي  صدر عن لجنة القدس برئاسة جلالة الملك محمد السادس.وهكذا،وكما ترى، أن التحرك في الأمة العربيةيسير باستمرار،ونحن على اتصال مع كل القادة العرب،نضعهم في صورة ما يحدث عندنا من تصعيد عسكري وحصار اقتصادي وصحي ومالي.وأنت تعرف انهم الآن حاجزين أموالنا..ان شعبنا صامد ومرابط ومرابط.

وحول الدور الأمريكي أجاب سيادته:"

هنالك مبادرات عقدت في القاهرة،وطابا وآخرها في شرم الشيخ،وانت تعرف أننا اتفقنا في شرم الشيخ على تقرير ميتشيل،ولا بد أن ينفذ،حيث تنسحب القوات الاسرائلية من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها ونعود الى طاولة المفاوضات مرة أخرى، ونحن على استعداد للمفاوضات التي ابتدأناها في طابا وشرم الشيخ.

ثم تطرق الأخ عاطف عبد العزيز الى موضوع القمة العربية ومشاركة السيد الرئيس،فأجاب السيد الرئيس:

ان شاء الله تنعقد القمة في لبنان،وهذا مهم جدا أن تنعقد القمة عند اخواننا اللبنانيين.. الذين عانوا معاناة شديدة من البطش الاسرائيلي والقمع الاسرائيلي،والغارات الجوية الاسرائيلية،وأحداث كثيرة واجهوها بما فيها حصار بيروت.. وكنا سويا معهم من هذا الحصار الذي يعتبر من أطول الحروب العربية،ونقول لاخواننا اللبنانيين معا وسويا حتى النصر..حتى النصر..حتى النصر.

سيادة الرئيس،معنا الآن الشاعرة الفلسطينية حنان عواد وهي رئيس نادي القلم في فلسطين،ولا شك انها نموذج مشرف للمرأة الفلسطينية..فماذا يمكن أن تقدم المرأة الفلسطينية؟؟

وحقيقة، وأنه حسب وثيقة الاستقلال عام ثمانية وثمانين في الجزائر،أن المرأة الفلسطينية حامية تراثنا وحارسة نارنا الدائمة..هذه هي المرأة الفلسطينية التي تشارك في كل مراحل النضال،وعلى اختلاف ألوانها وأشكالها بعزيمةوصلابة وايمان،ونحن نعتز بهذا الموقف الذي تقفه المرأة الفلسطينية على كافة الجبهات وفي كافة المستويات..وشكرا...وشكرا..وشكرا.

ثم خاطبته:"السيد الرئيس، ان دورنا دائما يتعلق بوجودك معنا وفي اعلان الاستقلال، وحينما تشرفنا بوجودك في فلسطين..يا فارس فلسطين،قمنا بدورنا وأعطيتنا المجال الكبير في جميع الأبعاد السياسية والثقافية والانسانية،ونحن نؤكد هذا الدور،وننقل الى صوت العرب والى العالم الموقف الايجابي جدا من المرأة الفلسطينية،وعهدنا معك يا سيادة الرئيس أن نناضل ونتابع النضال حتى النصر، وحتى نحتضنك بورود النصر وتيجان الغار في مدينة القدس وفي أسوارها وفي اطلالاتها المشرقة.

السيد الرئيس: الله يبارك فيك ويحفظك يا حنان.

وفي الختام هذه الكلمات من صوت العرب:"

لا شك أن قلوب كل الأمة العربية، قلوب كل المواطنين الأحرار في العالم تقف مع فلسطين وشعب فلسطين في هذا النضال المشرف والعظيم، وهي مع أن يصبح لفلسطين دولة حرة تنضم الى المنظومة العربية..اننا نتمنى ان تكون القمة العربية القادمة خطوة للامام من أجل فلسطين المحررة.

الرئيس:ان شاء الله

سيادة الرئيس،اننا نشكر سيادتك مرة أخرى،ونعلن من صوت العرب أننا سنكون معكم، كما كنا، لحظة بلحظة، وأولا بأول، وفي خندق واحد حتى النصر واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

الرئيس:انا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد..صدق الله العظيم.

 

 

وفي خطابه ومساندته في كل ما يقول..كانت الروح التي يجيب بها لافتة للنظر،محفزة للصبر والصمود،مبشرة بالنصر ومؤكدة له في كل كلمة ينطقها،حتى قال له الأخ عاطف عبد العزيز:"سيد الرئيس،نحن المحاصرون وليس سيادتكم..انكم بهذه الروح المشتعلة، وهذا الايمان الوضيء كسرتم كل جدران الحصار..حماكم الله؟"

ولا بد من وقفة جادة عند هذه المقابلة وهذا الحوار المبدع في الأسئلة والاداء الاعلامي الباهر،وفي تفاعل السيد الرئيس واطلالته بدرا في الحصار، وهو يحاصر المحتل بروحه الأرقى وبفكره السياسي والانساني وفي اليقظة غير العادية،والتي تشعرك بأنه يخاطب الجماهيرمن ساحة ورود،وفضاءات حرة..

ان هذا الحوار يشكل قفزة نوعية،وصورة الهية لقائد لم يسقط من يده غصن البطولة والكبرياء،ولم تغادر روحه الصفاء،بل كان مضيء الفكرة والذاكرة في اشتعال الروح والتغلب على الحصار والجراح..

أتوقف دائما عند تلك اللحظات التي جمعتنا عبر الأثير في صوت العرب وصوت فلسطين،لأؤكد ايماني ثانية بأننا أمام قائد معجزة.

نقلت وكالة الانباء الفلسطينية هذه المقابلة،وأذاعتها اذاعة فلسطين،ونشرت في الصحف الفلسطينية والعربية،وكان لها صدى واسع.

سافرت الى البرتغال بدعوة من الحزب الشيوعي لمراقبة انتخابات الحزب..وتم على هامش المؤتمر ترتيب لقاء تضامني مع السيد الرئيس بقيادة الكاتب الحاصل على جائزة نوبل خوسيه ساراماغو.

دعي الى هذا الاجتماع لفيف من المفكرين وأصحاب الرأي والسياسيين،وافتتح المؤتمر سفير دولة فلسطين الأخ عصام بسيسو،حيث قدمني وقدم الأديب ساراماجو...

افتتحت الجلسة بكلمة فلسطين،استعرضت فيها الأوضاع الراهنة ومدى صعوبة المرحلة،وخيوط المؤامرة المعدة لشعبنا ورئيسنا...

،وتحيات السيد الرئيس.وكنت قد رتبت مع السيد الرئيس أن ننقل له المهرجان عبر الهاتف،حيث سيخاطبه سراماجو،ويهتف الحضور لأجلة.

استعد المؤتمرون لهذه اللحظة التاريخية،اتصلت بالرئيس،تعذر الاتصال لدقائق بسبب الكهرباء،ثم أعدنا الاتصال بنجاح.كان الرئيس حينها يجلس مع عدد من رجالاته والمتضامنين،وفتح الرئيس الهاتف ليسمع الجميع.خاطب سرامجو الرئيس باسم الحضور قائلا:"انه لشرف عظيم لي في هذه اللحظات أن أقف لمخاطبة الرئيس ياسر عرفات رمز الكرامة والنضال والشجاعة،هذا القائد الأممي الذي فجر الثورة ورسم معالم الدولة"،واستنكر ارهاب الدولة التي تقوم به حكومة الاحتلال في حصار الرئيس والشعب الفلسطيني،ثم خاطب الرئيس ثانية قائلا:"يا أبا عمار،نحن معك وكلماتنا الملتزمة لأجلك،وبدأ يهتف وجميع الحضور يهتفون له ولفلسطين...وكان الرئيس سعيدا جدا،قدم شكره الجزيل لهم.

وكان الكاتب ساراماجو قد حضر الى فلسطين مع عدد من كتاب نوبل تضامنا مع شاعر فلسطين محمود درويش والسيد الرئيس والشعب الفلسطيني..وقمنا بتنظيم برنامج لهم في اطار الممكن في ظل الحصار،منعت قوات الاحتلال عددا منهم ولكن-ورغم أنف الاحتلال-عقدنا البرنامج،وأصدر الكتاب بيانا سياسيا هاما داعما لنضال الشعب الفلسطيني.

أتوقف عند الحضور النوعي للسيد الرئيس،في قلوب المفكرين الملتزمين،لتعاودني الطمأنينة، ويحلق معي الأمل بأن الغد لا بد أن يكون أفضل.ان الكلمة الملتزمة والمنبثقة من قلوب وعقول رجالات آمنت بالحق والانسان لا بد أن تأتي بثمارها...اشتاظ الاحتلال غضبا،ووجه اتهامات للكتاب البرتغاليين بالعنصرية ومعاداة السامية،وهذا نهج اعتادته القيادة السياسية الاسرائيلية،بتوجيه العداء والاتهامات لكل من يقف مع فلسطين،ولكن ساراماغو لم يلتفت اليهم،بل نشر في اليوم التالي في الصحف البرتغالية مقالا هاما،أكد فيه ارهاب الدولة التي تقوم به حكومة الاحتلال، وأعلن بوضوح وقوفه الى جانب الشعب الفلسطيني خاتما بكلماته:"كيف يحاصر قائد مناضل ونصمت عنه؟؟ان حصاره هو حصار لنا جميعا."

عدت الى فلسطين ثانية،تسللت بصعوبة اليه،ولما رآني،التفت الى الجميع قائلا:"هذه المرأة تعادل الآف الرجال"...

وعلى عتبات المجهول سرت بخطوات التوثب في مبادرات لدعم الرئيس والشعب الفلسطيني،كانت في داخلي أمواج من الغضب بركانا في دقائقه الأخيرة قبل الانفجار.

ما هو الممكن الذي أستطيع انتزاعه من أنياب الظلم،ومن اشتعال الليل مصائب وكوارث،واشتعال روحي بالايمان بفارس الفكرة،وطيب عبير الحب الخالد ،حب الأنبياء الذي لا تشوبه الشوائب،ولا يرتكز على جدران المصالح الآنية...الحب في ارتقاء الروح وتواصلها مع المطلق الايماني المعطر، برحلة العبور بسلالم الوعي،في مدرجات رحلة الروح السالك الى الأعلى،في تجليات رحلة الكشف المتجلي بانتصارات الروح والوطن.طريق عذب معذب اخترته،ظللني بالحماية التي كنت أشعرها دائما في البعد والقرب من فارس فلسطين.

صرخت من روحي بهذه الأبيات:

الى متى؟!

الى متى؟!

الى متى ستبقى أيها الوطن محاصرا

وتبقى الدماء حصاد من يسكنك؟؟!

الى متى تنهشني أنياب الليل،

وتحرقني ساعات الوحشة للنور؟؟!

الى متى أسمع أصواتا تتردد،

تدفعني أن أحفر

ثم تطعن عند المعبر؟؟!

الى متى أقرأ مانشيتات الصحف

تعزف ألحان الموت على تلاشي أصواتي،

وتمر التعازي بتاريخي،

ثم أمضي،

أطرح برصيف النسيان

خلف الصمت،

ويصبح ذكري كابوسا،

يبعد عني حتى أهلي..

يا بحري لا تعجب من صمتي!

اني أحيا خلف الموت

خلف النافذة المرئية

خلف الأجراس المقروعة

خلف الكلمات المحروقة

رغم الصلب!

اني محفور في العالم على ناحية مجهولة

يخفيها الصدق مع الحب..

اني سأبحر من قلبي

رغم الشطئان المهتزة

رغم النيران المكتظة

وستقفز روحي من ذاتي،

تخترق جدار الأحزان

وتبث حقيقة أزمان

كانت مسطورة في أرضي.

وقفة الرجل الرجال بين جدران الحصار،محمولا على الصبر والارادة،هي مشهد يصعب تصويره،حتى الجدران وهي محاطة بالعدو الاحتلالي، نطقت باسمه اعجابا وحبا،وقد اعتادت أن تفيض روحه حولها بالحب لأبنائه وضيوفه،وكأنها تحني رأسها اجلالا،وتحاسب ذاتها،كيف لا وعطر روح الانسان تنتشر مخترقة كل السواد،وكل رصاص البنادق وكل القلوب الحاقدة...انه مشهد الهي في طواف "الرضا والنور"حوله.

بينما نحن نعد برامج التضامن،كان هنالك لقاءات فلسطينية اسرائيلية في محاولة للتوصل الى اتفاق،شاركت في الاعداد لهذه اللقاءات عدة دول..واستمرت حركات التحرر العالمي بالتضامن مع السيد الرئيس.

وفي أحد الأيام،بينما كنت غارقة في التفكير،رن جرس الهاتف،واذا بصديق اعلامي قديم يهاتفني،هذا الصديق أجرى معي عدة حوارات حول الثورة والنضال الفلسطيني..فبعد السلام،أخبرني بأنه يريدني لأمر هام،وطلب أن نلتقي في رام الله..أجبته بأنني سأحاول اختراق الحصار...قدت سيارتي، ووضعتها قبل الحاجز،ثم حاولت البحث عن تكسي ليقلني الى رام الله.الموضوع لم يكن سهلا،دخلت حاجز قلنديا والجنود مشرعة بنادقها،انتظرت طويلا،وبعد انتظار ساعتين،وصلت مركبة فورد،صعدت بها،أخذ السائق ينتظر عل ركابا آخرين يحضرون،طلبت اليه التحرك على أن أدفع له كل تكاليف الرحلة..سرت في هذه الرحلة المعذبة،سار السائق في طرق وعرة متعرجة،وشوارع التفافية غير مزفتة،والعربة تهتز يمينا ويسارا،الضباب يحيط بالأمكنه وكأنه يساند الضباب السياسي المنتشر،وبعد أكثر من ساعة وصلت رام الله،وسرت على الأقدام لأصل الى "قهوة كت كات".

كان اللقاء حميميا،فبعد السؤال عن الأحول،والعبور الى دائرة الذكرى، وضحكات هادئة تغلف المكان،التفت الي قائلا:"هل أنت راضية على ما سببه لنا أبو عمار؟؟،نظرت اليه باستغراب شديد قائلة:"ماذا سبب أبو عمار؟؟"،وأخذ يشرح باسهاب انتقاداته للمرحلة،شعرت بغرابة وخطورة الأمر وقلت له:"هل هذا رد على عذابات الحصار،واجرام دولة الاحتلال،فأنت والايام علي،كما قالت السيدة أم كلثوم،وتابعت:"بدلا من أن نبحث عن طرق ووسائل لرفع الحصار عن الرئيس،نضع اللوم عليه".أخذ الرجل يشرح لي أكثر،طالبا مني أن أتعاون معهم في حملة التغيير..

وسألته أي تغيير تعني؟؟أجاب:"نحاول ايجاد قيادة بديلة ورئيس آخر ينقذنا"...فأجبته:"اذن أنت وشارون في مسار واحد"...لم يعجبه الجواب بالطبع..التفت اليه بكل قوة قائلة:أنت جئت للعنوان الغلط،فأبو عمار في أرواحنا..ختمت الجلسة وانسحبت...عدت الى البيت،وسرحت بما قاله،فاردة أجنحة الحماية والوفاء..

رمال متحركة ومياه تسري من تحت أقدامنا،ونحن نعيش رحلتنا النضالية في اشتباك مع قوى الظلم....

لم أعلم الرئيس،لأنني لم أتعود أن أنقل اليه أخبارا مقلقلة....

علما بأن تقارير وصلت الى الرئيس في الحصار،تشير الى خطوات عملية كادت أن تقوم بها هذه الفئة....تابعت الأجهزة الموضوع،واتخذ اجراء بحق أحد المنظمين..مرت الأيام،ورفع الحصار،وعادت الأمور لطبيعتها..تم تغيير المجلس الوزاري لأفاجأ بأحدهم يستلم وزارة!!.

الموقف النضالي لا يزال يسري في عروقي،واحساسي برائحة غبار تملأ المكان،دفعتني أكثر لمساندة الرئيس...

ظهرت وجوه متلونة كثيرة،أتقنت اللعب على حبال المصلحة،تجامل الرئيس أبو عمار،ثم تذهب الى الأخ أبو مازن في رحلة أخرى،وتمضي بعدها الى تنفيذ أوامر لا ندري مصدرها.

نظمت،وبالتعاون مع سفارة فلسطين في رومانيا مهرجانا حاشدا تضامنا مع الرئيس والشعب الفلسطيني.حضره لفيف من المفكرين الرومانيين،ورؤساء البعثات الدبلوماسية،وعدد من الكتاب المميزين

كان المهرجان خطوة متقدمة من خطى النضال والمواجهة..وقبل بدء المهرجان بدقائق،اتصل بي الأخ أبو فراس من مكتب الرئيس قائلا:"انني ارسل اليك كلمة الرئيس،وهو يطلب منك أن تقدميها بنفسك"،وأعاد علي الطلب عدة مرات،فقلت له:"اليس ألأفضل أن يقدمها الأخ فؤاد البيطار سفير دولة فلسطين هناك"؟،أجابني :"هذا ما يريده الرئيس"..لقد شعرت بالاحراج،رغم اعتزازي بتقديمها،أعلمت سعادة السفير ووافق على ذلك..ابتدأ الحفل بالسلام الفلسطيني،ثم قرأت كلمة الرئيس أمام هتافات الحاضرين..كان مهرجانا رائعا.اتصلنا بالرئيس عبر الهاتف،وكان سعيدا جدا في هذا

المهرجان.حيا المتضامنين بلغة الارتقاء والقوة التي تتجاوز جدران وفضاءات الحصار.

ولقد زرت رومانيا أكثر من مرة سابقة،مرة للقاء رؤساء البلديات والمحافظين،ومرة لعمل توأمة بين بلدية ياش وبلدية أريحا،وعدة مرات أخرى بدعوة من الكونجرس الدولي للشعراء،وكذلك من اتحاد كتاب رومانيا ورابطة القلم الروماني.غطت الصحف الرومانية هذه الفعاليات ولاقت صدى واسعا.ارسلت التقارير من سفارتنا هناك،وكان الرئيس على جانب كبير من السعادة.

 العلاقات الثقافية والانسانية تلقي بضوئها في الفعل السياسي،وتساهم الى حد كبير في بناء الثقة والمعرفة والتضامن...

هي أيام لا تنسى،مليئة بالعمل الجاد والهادف..فمنذ أن وطئت قدماي رومانيا لأول مرة،استقبلني الأخ محمد شريح نائب السفير فؤاد البيطار،بكل حرارة ومودة،ثم أطلعني على المواقف السياسية،وعرفني على المؤسسات الداعمة لموقفنا،والأخ محمد شخصية ديناميكية تفاعلية بجاهزية للعمل الجاد والهادف..كان مقربا من بعض أعضاء مكتب الرئيس الذين سهلوا له العلاقة المباشرة مع الرئيس،وهذا بدوره،بالطبع،أثر على العلاقة الداخلية مع الأخ السفير فؤاد البيطار..والسفير فؤاد كان مقربا جدا من السيد الرئيس،وله تاريخ نضالي حافل،فقد أعد مشروع سفينة العودة وأداه بنجاح.

في اليوم التالي زرت السفارة والتقيت الأخ السفير،وكان لقاء وديا ،وأعلمته بأنني وعلى هامش المؤتمرات،سأقوم بجهود سياسية فاعلة لأجل فلسطين،فشجعني على ذلك.

دعاني في المساء على العشاء،وجلسنا جلسة حميمية نستذكر فيها الماضي المشرق من تاريخ ثورتنا.ولكنني كنت أحس بضيق خاص لم أدرك سببه حينها،ولم أسأله عن ذلك..

وفي اليوم التالي سافرت الى مدينة ياش بالطائرة لزيارة البلدية  والمحافظة ورئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا..كانت زيارات مثمرة وقدمت لهم دعوة لزيارة فلسطين..وكرمني رئيس الجامعة بتقليدي شهادة تقدير وتميز،وكذلك دكتوراه فخرية.

أنهيت البرنامج الثقافي وعدت ثانية الى بخارست،التقيت سعادة السفير،وحملت منه أورقا للسيد الرئيس للمصادقة عليها وتوقيعها.

عدت الى أرض الوطن محملة بالنشاط والفرح،ثم توجهت الى السيد الرئيس، وأطلعته على ما تم انجازه،ثم قدمت له الأوراق،فوقعها بمحبة،قال لي :"سأوقعها كلها لأنني أثق بحاملها".شكرته وسعدت لثقته..ثم غادرت،ولما وصلت البيت،أبلغت السفير بأن جميع الأوراق قد وقعت،فلا أستطيع وصف سعادته.

وبعد شهرين،انجزت التوأمة بين بلدية ياش وبلدية أريحا بحضور سعادة السفير ورئيس بلدية أريحا وعدد من الشحصيات السياسية..القى سعادة السفير كلمة هامة،ثم ألقيت كلمة الرئيس وقدمت باسمه هدايا ثميتة للبلدية،ثم تم التوقيع على التوأمة.

كل هذا كان قبل حصار السيد الرئيس.وخلال الحصار،قدمت برنامج التضامن المذكور أعلاه.   

وفي نهاية برنامج التضامن،دعاني السفير الى العشاء في بيته،وتعرفت على زوجته،وأخذنا بالحديث الصريح،وأعلمني عن كل المضايقات والتجاوزات التي يواجهها،أدركت الموقف ومدى حسايته وتأثيره على الرجل الأول في السفارة،فقلت له:"يا أخ فؤاد وأنت أستاذنا الكبير،أود أن أقترح عليك اقتراحا يحل جميع الاشكاليات،وأرجو أن تسمعني جيدا..طالما أن هنالك تشويش أدائي فانني أرى أن الحل هو أن تذهب الى رام الله وتقابل السيد الرئيس،الرئيس يحترمك وسيستقبلك بالترحاب".تردد كثيرا،وقلت له"فكر بالموضوع،وسأخبر الرئيس عند عودتي،سأمر عليك في الصباح قبل المغادرة".

وفي الصباح،وأنا في طريقي الى المطار،زرت السفارة وودعت الأصدقاء،واجتمعت معه،وأخبرني بأنه اقتنع برأيي."

عدت الى أرض الوطن،وفي المساء التقيت الرئيس،ونقلت اليه تحية السفير،وبينما كنت أحدثه،دخل أحد طواقم المكتب،وظل واقفا ولم يخرج،قرأت ما بين السطور،وطلبت من الرئيس أن أراه على انفراد..خرج الرجل،فقلت للرئيس ان السفير فؤاد البيطار يرغب في اللقاء بك..وعلى الفور،أجاب الرئيس:"على الرحب والسعة"،فقلت له:"سأعلمه هذا المساء بذلك".أعلمت السفير،وردت اليه روحه،وبعد أيام قليلة،حضر الى رام الله،واستقبله الرئيس بكل ترحاب،وأطلعه على مجريات الأمور..وسار كل شيء على ما يرام..بالطبع زعل مني بعض الأخوة،ولكنني لم ألتفت لذلك،لان القرار هو لسيد القرار..الرئيس.

وهذه هي شخصية أبو عمار،فانه،وحتى لو زعل من أبنائه،يعيدهم اليه في النهاية.

كل هذا النشاط الكثيف أقدمه بكل سعادة وحماس....

وكلفني السيد الرئيس خلال الحصار المر بتمثيله في جمهورية مالي،حيث سيقوم رئيس الجمهورية عمر كوناري بافتتاح نصب القدس..وكلف أيضا الأخ جميل ناصر محافظ القدس ليكون معي...

جهزت التذاكر ومستلزمات السفر لكلينا،وكان موعد المغادرة في اليوم التالي،وفي المساء اشتد حصار الرئيس،وازداد الهجوم على المقاطعة،وهدمت جدران أخرى،اتصل بي الأخ جميل ناصرقائلا:"الوضع صعب للغاية على الرئيس،لذا أرى أن أبقى معه".سافرت الى جمهورية مالي،والقلق المعذب ينهش أركاني..استقبلني سفير دولة فلسطين،وأطلعني على البرنامج المعد..زرت بيته وزوجته،ثم عدت ثانية الى الفندق...الجو حار جدا،وفي الفندق مكيف،لكن صوته عال كأنه طائرة محلقة...

غرقت في النوم لشدة التعب،واستيقظت في الصباح،تناولت طعام الافطار،ثم حضر السفير أحمد عبد الرحيم ليعلمني أن أولى البرامج،هي زيارة الرئيس كوناري...

تحركت سيارات المراسم،ووصلنا مقر الرئاسة،وحضر الرئيس واستقبلني بكل ترحاب،وتجمعت وسائل الاعلام بكثافة لتنقل الخبر..ودار حديث مطول مع الرئيس،حيث أطلعته على ألاوضاع،وحصار السيد الرئيس،فخاطبني بكل الحب،وقال لي:"بلغي أبو عمار أننا معه،وهو رمز لكل أحرار العالم،وأضاف:"أن انتصار الشعب الفلسطيني قريب بل وقريب جدا،وأن أبو عمار سيظل دائما رمز الوجود والكبرياء الوطني"..ولما انتهت الجلسة،ودعني بحرارة وقدم لي ماعزا أبيض للسيد الرئيس،وحبات كولا..صعقت من المشهد،كان الماعز بحجم كبير،ناصع البياض كثيف الشعر،لم أر بحياتي مثله،أمسكت بالحبل وسرت به،ثم ذهبنا مع الرئيس لافتتاح نصب القدس..قرئت آيات من القرآن الكريم،ثم افتتحت النصب بكل سعادة.غادرت والسفير الى الفندق،وطول الطريق أتحدث عن هذه الهدية وقيمتها المعنوية وغرابتها،وتمنيت لو أستطيع حملها الى الرئيس.

وفي اليوم التالي،رتب لي السفير لقاء مع زوجة الرئيس،وكان لقاء رائعا محملا بالاحترام والأشواق،تحدثنا عن دور المرأة الفلسطينية،وكذلك عن المرأة في مالي،وكان قد نظم لي حفل خاص لمخاطبة المرأة هناك برعاية حرم الرئيس.ارتديت الزي الشعبي،وجلست معهن وقرأت بعضا من قصائدي..وكان آخر البرامج،اللقاء مع أعضاء البرلمان والبلديات..أنهيت البرنامج بكل نجاح،وجلست مع السفير نقيم الموقف.

كانت زيارة رائعة محملة بطيب روح الرئيس ودعمه لزعيمنا وقضيتنا، والرعاية التي اختصني بها وزوجته،وكذلك السفير الذي قدم جهدا غير عادي في ترتيب برنامج يليق بفلسطين.

كان سعيدا من الكيفية التي تحدثت بها الى الرئيس كوناري،وحينما ودعني قال لي:"حينما قدم لي الرئيس الدعوة،جال فكري في المرأة التي ستستطيع حمل روح السيد الرئيس في هذا الظرف القاسي،وحينما حضرت،وقدمت فلسطين بكلماتك الرائعة،ازداد ايماني في المرأة الفلسطينية،فقد حزت على اعجاب الرئيس والجميع،وكنت حتى أكبر مما تصورت،انني اسجل اعتزازي بك،بفكرك المتوقد وروحك الرائعة التي تضفي الحب والجمال والالتزام على  كل موقف".

أثرت بي هذه الزيارة الخاصة كثيرا..في دولة بسيطة البنيان عظيمة الفكر والأداء،وعظمة الانسان.

عدت الى فلسطين بعبق روح الرئيس وتجليات المواقف،وسارعت الى المقاطعة،الشوارع محصنة بالجنود،أعلمت الرئيس بأنني سأحاول،كان الرئيس على شوق للقائي،لأن سعادة السفير أرسل تقريرا تفصيليا لرئيسنا،أفرج عنه قليلا في ظلام الحصار،لأنه يقدر الرئيس كوناري كثيرا.

في الشارع الخلفي للمقاطعة،سرت بخطى هادئة،تنبه الجنود،استوقفوني بصوت عال، ووضعوا حاجزا حديديا أمامي،عدت ثانية باحثة عن منفذ آخر..طريق ترابية تخلو من الحياة،سرت بها،أمشي خطوات وأتوقف ثانية،لفت نظري معبر ضيق لا يكاد يتسع أن أمر منه،حاولت ببطء دون أي صوت،واذا المعبر يطل على الباب الخلفي..

وطافت في روحي تلك الكلمات:

عبرتك لحظة في الصمت

عند حدود معجزة الطريق اليك

حتى كنت لي

زيتونة

وطنا..

عبرتك لحظة في آخر المشوار

لما كانت الدنيا تلوح بنا

ويغرق قارب في الحب منسيا

فكنت له نشيدا رائعا

زمنا

فمعذرة اذا صليت باسمك

أو لأجلك

وانتظرت هنا

وحطم ساعدي وثنا

ومعذرة متى يغفو على صدر العذاب دمي

أسابق نحوك الخطوات

لا أرضى سواك أنا

.عبرت الباب،وهاتفت الرئيس،وصعدت الدرج والتقيته مع زملائي من كوادر الرئاسة..كان يجلس في غرفة متواضعة جدا،وكان يتناول طعام العشاء،والطعام كان قطع مرتديلا..

عانقته بشدة ودعاني للعشاء ثم جلسنا سويا وأعلمته بكل الامور...لحظات من عبور الروح الى أيقونة الوجود،واكتمال معجزة الصبر والصمود،وأمانة الرسالة،واستشراف الحنين الممزوج بعبق

الوفاء للحظات عشناها في الزمن الأصعب،احتوتنا واحتويناها مع الرقم الأصعب"أبو عمار".
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف