الأخبار
حمدان: إذا أقدم الاحتلال على عملية رفح فسنُوقف التفاوض.. والاتصال مع الضيف والسنوار متواصلأكثر من ألف معتقل في احتجاجات الجامعات الأميركية ضدّ الحرب على غزةرئيس كولومبيا يُعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيلبلينكن: نريد الآن هدنة بغزة.. وعلى حماس أن تقبل العرض الجيد جداًتركيا تقرر الانضمام لدعوى الإبادة الجماعية ضد إسرائيلالكشف عن نص العرض المقدم للتوصل لهدوء مستدام في قطاع غزةنتنياهو: قواتنا ستدخل رفح بصفقة أو بدونهاوفد حماس يغادر القاهرة للعودة برد مكتوب على المقترح الجديد لوقف إطلاق الناربلينكن: أمام حماس مقترح سخي جداً وآمل أن تتخذ القرار الصحيح سريعاًتضامناً مع فلسطين.. احتجاجات الجامعات الأميركية تتسع وسط مخاوف إلغاء مراسم التخرجتل أبيب تستعد لإصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين كبارإعلام إسرائيلي: 30 جندياً في الاحتياط يرفضون الاستعداد لاجتياح رفحقناة كان: القيادة الإسرائيلية منقسمة بشأن مستقبل الحرب في غزةارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماً
2024/5/2
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أمانة المحبّين بقلم: نارين عمر

تاريخ النشر : 2018-05-26
أمانة المحبّين

لم تعدْ تأبَهُ إن كان طيفها يمرّ على لوحِ ذاكرتِه المحفوظِ اسماً، المهزوزِ بنْيَةً. تشعرُ بخيبةِ حسٍّ تجاهه وهي التي كانتْ تردعُ بلطفٍ مشاعرَ من غيرِه تتهاطلُ عليها كمطرِ الشّتاءِ الذي ينغمسُ في جوف الأرض، فيروي عطشَ التّراب. كانت تعي بحدْسِها الخالدِ الذي لا يعرفُ النّوم وبالحاسة ما بعد السّادسة أنّ حبّهما تائهٌ في مسارٍ معلومِ الهويّة، معروف النّسَبِ والانتماءِ، تنبتُ بذورَ حدسِها في جفافِ أفقه. بصراخ هستيريّ الجنًسِ يهتفُ:

"أنا أكرهُ القيودَ، أريدُ أنْ أعيشَ لا كما هم يريدون"

يهجرها لأيّامٍ ثمّ كطفلٍ فقد نبْعَيْ أمّه المتدفقَيْن بإكسير البقاءِ والدّيمومة، يقولُ لها:

 "أنا طفلك المدلّل، خطيئةُ الدّلالِ تلحقُ الأمَّ لا طفلَها"!

هو يراها امرأةً لا امرأةَ سواها، امرأة يزهرُ بها رحمُ القرنِ الواحدِ المهضوم لمائة عام لمرّةٍ واحدة فقط. وثقتْ به -وكم هي عزيزة عليها ثقتَها- وجدتْ فيه طيف ابن الجيران الذي لفظتْه حوافرُ مسافاتٍ لا قلبَ لها ولا مشاعر، سلبت منهما لحظات حبّ تظلّ هي الأكثر براءة في ديوان الحبّ والمحبّين. لمحت فيه بوحَ عشقِ حبيبِ شبابِها الذي انتسبَ إلى خانةِ الفداءِ والتّضحيّة في سبيل ضاع في متاهة البحث عن ذاته، فهرسَتْه أناملُها في طريقِ اللاعودة. قال لها

"قبل أن ألتقي بك، كانت أناملُ قلمي تدغدغُ كفيّها، تنادي بالنّيابة عن قلبي. كلُّ قصائدِ العشّاقِ في العشقِ لم تشفِ غليلَ عشقي ولا أغنَتْه من جوع.

حين ترشقه بورود غنجها:

"أتحبّني يا مَنْ أحييت فيّ ملذّات الحبّ"؟

يسارع إلى إزهار شفتيها وعينيّ قلبها بمفردات هي الحبّ في أبهى تجليّاته:

"مَنْ يدلّني على قصائدَ ترويني إلى الهَذَيان؟ طيفُ همسِكِ تماوجَ في ظمأ عشقي، أسْكرَ طربي لعشقٍ لم تعرفْه قواميسُ الحبّ في رحم الأَدَمِ. 

لا تسأليني أحبّكِ أو لا أحبّكِ؟

آه منك! وهل يُسْألُ السّجين عن رأيه بالحرّيّة؟ الذي بيننا أكبر من الحبّ، توحّد إلهيّ، جسدان وروح واحدة. لا، لا روح واحدة، جسد واحد".

مفرداتٌ تناغمَتْ، تشابكتْ، ابتعدتْ، اقتربتْ، تاهتْ ثمّ عادتْ في هيئةِ جواز سفرٍ إلى كيانِها الذي منحَه إقامة مدى الحياة.

التقتْ به في أروقةٍ كانتْ تجدُ فيها نفسَها، تحسّ بكينونتِها في أبهى وأنقى تجلّياتها حيث القلمُ المشبعُ بالشّعر والأدبِ، وحيث أناسٌ تنتمي إليهم كانتماءِ الوطنِ إلى دمِ عاشقِها المفدّى. وجدَتْه منتشياً بها قبل تماهيها بشعرها وشعورها بخطوةٍ. لاحظتْ عليه بوادر حمّى لا دواءَ لها غيّرَ حمّى توازيها في العلّو والارتفاع. كيف؟ ولماذا؟ لا جوابَ لديها.

تعيشُ معه إحساساً مغايراً كانت فقدته منذ تلقيها نعيَ مَنْ نفثَ روحه فيها، وترك الجَسَدَ لقاعٍ لا تبالي بالجسدِ حسَبَاً ونَسَبَاً. القلمُ بروافده، من المنبع إلى المصبّ كان يسرقهما إلى قاربِه الذي يوهَبُ القلبَ والرّوح، يلحّن مشاعرهما على أوتار المياه المتدفّقة.

خيّم على الوطن صراعٌ غريب اللون والطّعم،

صراعٌ تمنّوه بشارة مولودٍ اسمه "الرّبيع" انتظروه، انفلتَ من جوفٍ مكين، مقيّد، دهسَ الأخضرَ واليابس، داسَ على ما تبقّى من المبدأ والكرامة، لفّه كباقي الأرتال البشريّة في الوطن مع إعصاره في بلادِ المسافات الطّويلة، وقذفتْها إلى بلادٍ تشبهها في الشّهيقِ والزّفير. بثّ إليها انكسارَ نفْسِه، انهزامه، ضعفه.

كأمّ ترعى ابنها الدّلال والحنان إلى حدّ الاستهتار ناغَتْه، فصار هوائيّ المزاجِ، متقلّبَ الأحوالِ، يستقيمُ كالزّاهدِ الذي لم تخترقْ مسمعيه لفظةُ الخطيئةِ والإثمِ، يقول لها:

"كفر مَنْ يمسك يدك غيري، كفر مَنْ ينثرُ في وجدانِك همساتِ العشقِ غيري.

أنت عشقي الأزليّ السّرمديّ! كنتِ ذاتي المفقودة بين غيوم الحروف، وجدتُك، وجدتُ ذاتي في قاموس عشقكِ. أصمتُ بقوّةٍ كي لا تتركيني. كلماتك، تحرّرني في أصول العشق، لا يحقّ لأحدٍ أن يحبّكِ أكثر منّي. حافظتُ على كينونتي كأمانةٍ في كياني، وجدتكِ فأعدتُ الأمانة إليكِ.

كنتُ أعلمُ أنّك لي كحمامة أحيتني. لا يليقُ بكِ هذا العالم، ليكن عالمي معبدكِ، لتكن أناملي بلسمَ سكينتك".

كانت تسافر مع هذه الشّتلات اليانعة من ثمار منطقه وشعوره، تطير بلا جناحين، تسكر من دون أن تلمس شفتاها الدّن الفتّان. 

اعتاد أن يختمَ مناجاته الزّاهرة بهذه التّراتيل الوجدانيّة:

" شكراً للقدَر الذي أعادكِ إليّ

شكراً لأنّك خلقْتِ في زمني".

ولجتْ عالمَه المعْبَد، مارسَتْ معه طقوسَ الجنونِ والتّعقّلِ ولكن ضمن حدود الرّوح والخاطر، لأنّه هو في بلادٍ، وهي في بلادٍ تجاورها عبر المسافاتِ التي نابتْ عن حمام الزّاجِلِ في تبادل العواطفِ برافدَيْها المشاعر والأحاسيس.

بين برهةٍ وربيبتها كانت تعاودُه حمّى الانكسار والانهيارِ:

"قدرةٌ قَدَريّة جمعتْنا، فرّقتْنا، ثمّ جمعتْنا في عالَمِنا المعبد الذي لا عوالمَ مثْلَها أنتجتها خرائطُ البرّ والبحرِ والجوّ! لنعش كما لم يعشْ أحدٌ، وما عاشَ، ولن يعيش…. "

ما تزالُ تتماوجُ في فيضِ أناملِ مفرداتِه، وحين تفيقُ تجده عادَ من جديدٍ إلى انكسارِ نفسِه

وشروخِ غربةٍ لم تعدْ تصونُ أمانةَ الحبّ، لم تعدْ تأبه لكفّارةِ المحبّين.
 
نارين عمر
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف