الأخبار
علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيلإسرائيل ترفض طلباً لتركيا وقطر لتنفيذ إنزالات جوية للمساعدات بغزةشاهد: المقاومة اللبنانية تقصف مستوطنتي (شتولا) و(كريات شمونة)الصحة: حصيلة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 32 ألفا و490 شهيداًبن غافير يهاجم بايدن ويتهمه بـ"الاصطفاف مع أعداء إسرائيل"الصحة: خمسة شهداء بمدن الضفة الغربيةخالد مشعل: ندير معركة شرسة في الميدان وفي المفاوضاتمفوض عام (أونروا): أموالنا تكفي لشهرين فقطأبو ردينة: الدعم العسكري والسياسي الأمريكي لإسرائيل لا يقودان لوقف الحرب على غزة
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الحلقة التاسعة والثلاثون من كتاب "ذاكرة الترف النرجسي"

تاريخ النشر : 2018-05-25
الحلقة التاسعة والثلاثون من كتاب "ذاكرة الترف النرجسي"
الحلقة التاسعة والثلاثون                                                             في رحلة العشق بأجنحة التواتر,                                        بقلم:د.حنان عواد

 كان السؤال الى أين؟؟؟! وظل السؤال في ذهني في رحلة تحير كونية،تتوقف عندها الاجابات،وينحني السؤال في أطياف الغيب،باحثا  عن رد يشفي الروح من عذاباتها...                                            
اشتد الألم،واستيقظت في الوجدان كل الصور الجميلة تشد على روح القلب والوجدان،لتصير ابرا معذبة تجرح الروح،وتتساقط قطيرات الدم في شرايين الندم المعذب،والأرق الذي يصارع الفكر في الفراق المر..ويبقى الجواب غائبا،يرسم حروفه من مفاهيم سادت،وآيات تخفف حدة ثورة الروح

 وأحاديث منثورة الايقاع على جرح لا يهدأ.أمسك القرآن الكريم وأختفي في حروف آياته،لألتقي صورة الموت وجدليتها، وتعابيرها  المدرجة ودستورها المحكم،والذي يصعب فك حروفه..أصمت،وأداري نظراتي وأواريها عني،فتأخذني الى مسافات بعيدة ورؤى يستيقظ فيها كل نبضات الألم، وتغفو على صورة وذاكرة منحوتة في الفؤاد..الموعد حان للمغادرة،ألتف يمينا ويسارا،أسير ثانية للوداع الأخير..

وصلت الى فلسطين،وفي بيتنا اشتد السواد، يتجمع القوم بكثافة،ولما دخلت،عشت في لحيظات رعب،ولم أدر كيف عدت وحدي؟؟!.

وهكذا سارت لوعة الفراق المر ثانية،حينما فارقتها أول مرة،كان ذلك حين تزوجت وسافرت خارج فلسطين،لم تتوقف دموعي لسنوات،وكيف أنا الآن ؟وقد أضحى الفراق حقيقة الحقائق بلا أمل في العودة.مرت الأيام بمرارة..وكان لا بد من تجاوز الألم،والالتفات الى وقائع الحياة...

أخذت رويدا رويدا أنتزع روحي في طيفها في محاولة لعبور الصعب،والانتصار للحياة،ولم يكن الأمر سهلا،بل سار في درب المشقات..صعوبة الفقد تتبعها تفاصيل أكثر ايلاما..

تنبه الرئيس عرفات لغيابي الطويل،وبلغته التفاصيل،فأرسل في طلبي..سرت الى غزة،كما اعتدت أن أقود سيارتي الى هناك،في وشائج فرح لا توصف،ولكنني هذه المرة،أرتدي السواد،وتغطي روحي ستائر الظلمة..سرت بهدوء الى أن وصلت حاجز ايريز، وضعت السيارة،وكان اخوة من أمن الرئاسة بانتظاري،وصلنا فندق فلسطين،ثم تحركنا الى المنتدى،ولما وصلنا ،كان الرئيس عرفات خارج قاعة الاجتماعات،يلتف حوله رؤساء الأجهزة الأمنية،ولما رآني،تحرك باتجاهي بسرعة، وضمني اليه معزيا

بطريقة حميمية تعجز الكلمات عن وصفها،وطلب من الحاضرين تقديم واجب العزاء،وأمر ممثل الرئاسة بحجز غرفة لمدة اسبوع أقضيها في غزة حوله،ليخفف عني ألم الفقد.استرحت قليلا في غزة،وقضيت معه ساعات بتجليات الأبوة العامرة بفيض الحنان الأخاذ،الذي يتسع ليغطي مساحات و مسافات، ويعبر الى فؤاد الآلاف،كيف لا! وهو الرمز والأب وكل تعابيرالصفاء.

 عدت ثانية الى القدس..وفي اليوم التالي،كان علينا استقباله في رام الله..ذهبت الى رام الله،ووقفنا في مقر المقاطعة،انتظارا لوصول المروحية..أخذ صوت الطائرة يقترب،وأمواج الهواء تشتد،ليثور شعري الى الأعلى في رحلة غجرية في كثافات الغبار..هبطت الطائرة،وكنت أضع على عنقي الكوفية الصغيرة التي كان الرئيس يضعها عند فتحة البذلة،فلما وصل الي،رأى الكوفية،فألقى علي  سلاما عسكريا،استغرب الحاضرون،ولم يفهم أحد ما تعنيه هذه الحركة سواي،تابع مصافحة الحضور،والتفت الي شخص كان واقفا بقربي،وقال لي :هل انتبهت كيف حياني الرئيس؟ أنا؟ضحكت،وتابعت الاستقبال.

في كل لقاء،كان الرئيس فاردا أجنحته لمصافحة أبنائه،وكانت ابتسامته لا تفارقه،وتعليقاته وتندراته على بعض الأشخاص، تضفي روحا أخرى لقائد تجلت به عظمة الانسان.هذه الصفة الراسخة به،كانت محط اعجاب الجميع.

في أحد الأيام،كنت ضيف الشرف في مؤتمر المرأة في كوستاريكا ..وخلال الاجتماع، جاءتني السيدة أولجا بينشي رئيسة فرع كوستاريكا،وأعلمتني أن مجموعة من البرلمانيين يودون اللقاء بي،رحبت بالأمر،وعقدت اجتماعا في المساء معهم،وتبادلنا أطراف الحديث والوضع السياسي،وقال لي رئيس الوفد:"لقد حظيت فلسطين بزعيم قل أن نرى مثله في الدول الأخرى"،بالطبع أسعدني جدا هذا الكلام،ثم تابع قائلا باسم الجميع:"أرجو أن تحملي رسالتنا اليه،بأن زعيما انسانا مثله لا بد أن ينتصر"..ثم تابع كلامه قائلا:"ان تجربتنا في زيارة فلسطين تعتبر من التجارب النادرة التي تركت في الروح أثرا كبيرا،استوقفتني العبارات،وطلبت منه أن يفصل ذلك،أخذ يتحدث بأسلوب تتلمس خلاله مدى الأثر الذي تركته الزيارة...ثم قال:لقد نظم البرلمان الكوستاريكي زيارة الى فلسطين للقاء بالرئيس عرفات والتضامن مع الشعب الفلسطيني..ولما وصلنا الى رام الله،وحضرت سيارات المراسم الرئاسية لتقلنا الى المقاطعة، كنا على جانب كبير من السعادة،وكنا أيضا على جانب من الخوف،ولا أغالي اذا قلت أنني كنت أرتعد في داخلي،اعتبارا للصور التي يكون عليها قادة العالم..وصلنا ساحة المقاطعة،توقفت السيارات،واذا بالرئيس عرفات بنفسه يفتح باب السيارة ويأخذنا في عناق ودي وحميمي الى أبعد الحدود..ذهلنا من ذلك،ثم سار معنا الى المقر وأجلسنا،وبدأنا بتعريف الوفد،وتناولنا الموضوعات  الهامة لفلسطين.أمر سيادته بتجهيز الغداء..جهزت الطاولة،وابتدأنا بالأكل،فاذا الرئيس عرفات يقف ليقدم لكل منا شيئا من أطباقه المعدة له،وأحيانا يضعه في فمنا..أنهينا الغداء،وودعنا الرئيس ثم غادرنا..ما أعظم تلك الرحلة التي جمعتنا بالرئيس ياسر عرفات،ثم أعاد خطابه الي،لا تنسي ان تقبليه عنا وتقدمي له كل تقديرنا.هذا شيء من فيض من صور انسانية راقية يقوم يها عرفات ليكون قائدا وأبا وصديقا.

عدت الى فلسطين،ونفذت الوصية،وسر الرئيس مما أبدى به البرلمانيون عنه.

وقد حصل معي أكثر من مرة أمورا مشابة لما ذكر..كنا حينما نلتقي معه على المائدة،يأخذ من أطباقه أشياء ويقدمها للحاضرين ،وترى نفسك ملزما بتذوقها احتراما له.

وفي احدى اللقاءات على العشاء،كان هنالك عدد من الشخصيات السياسية منها عبد الرحيم ملوح،كان يجلس قبالتي،ويحاول ممازحة الرئيس،حتى أنه قال له":خذ بالك من حنان."..ابتسم الرئيس ،وأجابه بنكتة مضادة صمت بعدها عبد الرحيم..

وفي موعد آخر على العشاء بحضور القيادة السياسية وضيوف دوليين،ناكف الرئيس صائب عريقات،وابتدأنا بالطعام،وكان أمام الرئيس عدد من اليضات المسلوقة وبعض الخضار،أخذ كعادته يوزع الأطعمة على الحضور،ثم قدم لي بيضة ووضعها في فمي،وبهدوء تام حاولت أن أستجيب، وأن آكل البيضة،وبصعوبة أكلتها،ابتسم الحاضرون دون تعليق.. 

عقد الرئيس اجتماعات متعددة مع النقابات والمرأة،وكان الأخ حكم بلعاوي يقوم بتنظيم اللقاءات وتوجيه الأخوة والأخوات في كيفية ادارة الحوار المثمر.

كان الرئيس مشجعا وداعما للمرأة الفلسطينية،ولم يتأخر عن اعطائها الفرص الانتخابية والوظيفية.دعاني الى مقر الرئاسة في اجتماع هام لمناقشة بعض الاتفاقات الدولية المتعلقة بالمرأة..ونظم اللقاء الأخ حكم بلعاوي،والذي كان مقربا جدا من الرئيس. اجتمعنا معه،وكان منشرحا،وقفت لمخاطبته بلغة السياسة والابداع بعبارات أدهشت الجميع،ولما أنهيت كلمتي وانتهى اللقاء،التف حولي عدد من القادة يسألونني:"من أين جئت بهذه الكلمات"؟؟!.

والحقيقة،أنني حينما كنت أخاطبه بوداعة الروح،كانت تنطلق الكلمات مني قفزا ودون تردد أو توقف،لانها عبير الروح الملتزم الذي لا يحتاج الى بسالة التحضير،فالحضور النوعي لذاكرة الموقف،تجعل وحي الكلمات واقفا على أبواب القرار،عابرا دون استئذان،وهنا تأتي عظمة العشق الالهي في تجاذبات الرحلة بعمق الايمان بفلسطين،وفارس الفكرة والموقف..وحينما أراجع كلماتي أتوقف عندها طويلا،ويحضرني نفس السؤال.

عراقة التفكير،وتوثب الفكرة المقاومة،وتراتيل الوعي المعمق في رسالة التحرير،وصورة الفارس ،كانت تتقدم حروفي،وتحرك النقاط الى نص محكم لا تتوارى فيه الحقائق.ولا يخفي الوجدان تفاعلاته الخاصة في العلاقة مع كل ما يجري في ساحاتنا السياسية، ليضفي للكلمات فيضا معجزا،يحرك ما بين سطورها ،رسالة العشق الأبدي للثورة،وللدولةوالانسان، وللعطاء بمرتكزات المراحل المتعددة،والتي بدورها،تعدو بقفزات نوعية في سباقات التفرد الأسطوري.

أخذت الاستعدادات على أشدها للمشاركة في المؤتمر الدولي للأمم المتحدة في مناهضة العنصرية،والذي سيعقد في جنوب افريقيا،وكان المؤتمر سيعقد على مستوى الدول وعلى مستوى المنظمات غير الحكومية.وسيشارك به الرئيس عرفات .التحديات كبرى،والقضايا المطروحة لصالح فلسطين هامة وملزمة.

سافرت مع الرئيس في طيارته الى جنوب افريقيا،وعادت الى ذاكرتي أول مرة سافرت معه الى رومانيا والمانيا ثم الى تونس بعد انتهاء المؤتمر الدولي الذي عقد في الأمم المتحدة- في جنيف،جلست قبالته مبتسمة،ثم غادر ذهني ثانية،ثم قال لي:"سرحانه بايه يا حنان"؟،تيقظت قليلا،وطأطأت رأسي،ثم أجبته:"أعيش لحظات السفر الأول"،وفجاءني قائلا:"أذكر القصيدة التي كتبتها آنذاك"،وذكر البيت الأول منها،أذهلني باحترامه للكلمة،وبذاكرته الحافظة،رغم مرور السنين.

وصلنا الى جنوب أفريقيا،واستقبلنا سفير فلسطين الأخ سلمان الهرفي،وفي اليوم التالي ابتدأ العمل المكثف لاستحضار قرار سياسي هام لصالح فلسطين..كانت الحركة في المدينة غير عادية بحضور الآف المشاركين،نظمت المظاهرات والاحتجاجات، والقيت الكلمات الهامة من مختلف البلدان المشاركة،وكنت خلال المؤتمر أزور الرئيس في مقر اقامته وأطلعه على التطورات ..وفي جنوب افريقيا التقيت بالعديد من المشاركين الأفارقة من حقوقيين وسياسيين،وسعدت بلقاء الأخ عبد الرازق بارة،وهو سياسي ورئيس المرصد الوطني في الجزائر،وقامة عالية أجلها،وكان قد دعاني الى الجزائر كضيف شرف في زيارة رسمية..تحدثنا طويلا،واستعدنا شيئا من الذكريات الجميلة في بلد المليون شهيد.

انتهت أعمال المؤتمر،ورتب لي سفير فلسطين عددا من اللقاءات الثقافية،ومنها زيارة الأديبة نادين جوردنر الحائزة على جائزة نوبل.

وقد نظم لي لقاء مغلقا مع عدد من المناضلين الأفارقة بناء على طلبهم...

وفي موعد اللقاء،حضر السفير لأخذي الى هناك،وصلنا،ولما دخلت القاعة،فوجئت بحوالي ثلاثين شخص أو أكثر،قاماتهم عالية،وأجسادهم تبدو بقوة المصارعين،قدمني السفير اليهم وخرج..أخذت أتعرف على كل منهم،وهم جميعا من قادة الثورة..أخبرتهم بتفاصيل نضالنا الوطني، وتحدثوا لي عن تجاربهم النضالية وعشقهم لفلسطين..ثم خاطبني رئيس الوفد قائلا:"اننا طلبنا هذا الاجتماع العاجل من أجل أن نحملك رسالة هامة منا الى الزعيم ياسر عرفات...ثم تابع:"أخبريه بأننا على جاهزية للقتال لأجله ولأجل فلسطين، نحن ومن معنا من أحرار العالم."

وماذا يكون بعد هذا الكلام وتلك المواقف،أي انتماء للحق؟،وأي اشارة في فلسفة الثورة وقائد الثورة الذي يحوز على كل هذه الثقة وكل الحضور..ان هذه الشخصية الكريزماتية للرئيس عرفات،وما اشتملت عليه من صفات قيادية سياسية وانسانية،جعلت لفلسطين حضورا دائما في أعماق المناضلين والثائرين،وحتى في في أعماق الأطفال وروحهم التي جعلها عرفات بشرى للمستقبل.

غادرت جنوب افريقيا بمعنوبات عالية جدا،وتوجهت الى رام الله حاملة معي رسالة الوفاء من قادة الحرية..

الوقت أزف على الغروب،تحركت باتجاه المقاطعة،،نصحني الاخوة بعدم التوجه اليه هذا اليوم لانه كان غاضبا جدا من انتهاكات حكومة الاحتلال لنصوص السلام،وممارساتها التي قفزت فيها على كل اتفاق..ولكنني صمت على اللقاء به..

دخلت،كان وجهه يحمل أعاصير الغضب،وكان يجلس قربه جميل الطريفي،رحب بي ،ثم طلبت منه أن نكون لوحدنا..خرج جميل الطريفي،وأخذت أشرح له كل ما حملني الأخوة الأفارقة من أمانة اليه....وبلحظة،انفرجت أساريره،وكانما كل ذاك الغضب والاكفهرار تلاشى الى الأبد..اتصل بالسفير سلمان الهرفي وأشار اليه بما يجب أن يفعله.ثم اتصل بالقيادة،وحضروا على التو،وأخبرهم بمواقف الرجال. 

امتد زمن الحضور الفلسطيني في أصقاع العالم،وقام الرئيس بجولات هامة وفي زيارات لقادة العالم لتجنيد القوى لصالح فلسطين،وفي كل رحلة،يتشكل الحضور الفلسطيني العالمي ،وتأخذ خيوط الثقة تنسج ذاتها في ذلك القائد الحامل رسالة الحق ورسالة السلام..لم تنم الأيام بحضوره،بل ظلت على يقظة تلف ساعاتها بدقائق التوثب النوعي الذي شقته دولة فلسطين تحت رعايته..وهذا زاد حقد سلطات الاحتلال عليه،وأخذوا يعبثون بالزمن الفلسطيني وبالاتفاقات الموقعة،باحثين عن عوامل أخرى للتسويف المتعمد...شارون كان يرى في عرفات أسطورة لا بد من تحطيمها،حتى وهو يرسل ابنه عمري للقائه. 

وكان دائما يلقي اللوم على عرفات،وينتشر ادعاءاته بأنه لا يوجد شريك للسلام،وكأنما نحن الذين حطمنا الاتفاقات وخرجنا عن نصها،وكان الرئيس يردد في داخله"ًصبرا آل ياسر". 

قمنا بترتيبات دولية هامة للتضامن مع الرئيس لعقد المؤتمر الدولي الخامس برعايته،وتضامن معه بوجود الكتاب الأحرار في العالم..

كان المهرجان بعنوان"الأدب والمنفى".

أفتتح المهرجان في القدس،بحضور لفيف من شعراء العالم المعروفين بما فيهم كتاب نوبل..وقد مثل الرئيس الأخ جميل ناصر محافظ القدس ..عزفت موسيقى الثورة والسلام الوطني،وأخذ الضيوف يحلقون بقصائدهم وكلماتهم الداعمة للرئيس والشعب الفلسطيني.قمنا بتوزيع كلمة الرئيس بثوبها القشيب،وقرأتها على الحضور،وهذا بعض ما جاء فيها:

"السيدات والسادة الأدباء والكتاب،

الشاعرات والشعراء،

أيها الضيوف الكرام وفودا مشاركة وحضور.

انه لمما يبهج نفسي أن أرحب بكم باسم الشعب الفلسطيني وقيادته ،وباسمي شخصيا،وأنتم تلتقون هنا على أرض فلسطين المباركة ،وفي القلب منها،في رحاب مدينة القدس،مهد المحبة والسلام والقداسة،وعاصمة دولة فلسطين الأبدية الخالدة، منذ الأزل والى الأبد.

ان انعقاد مهرجان الشعر الخامس هذا في رابطة القلم الفلسطينية لهو مما نعتز به،ويكتسب أهمية خاصة لدينا،ويحظى بكل الرعاية والاهتمام من لدنا،ومن خلال متابعاتكم لمؤتمراتكم السابقة،فقد عودتموناعلى أن تتناول مهرجاناتكم قضايا في غاية الأهمية ،وذات أبعاد انسانية سامية،فبعد أن تناولتم في السنوات الماضية موضوعات مثل الأدب والهوية،الأدب والأصالة،الأدب والثورة ،الأدب من أجل الحرية والسلام،ها أنتم في هذا العام تكرسون ملتقاكم لقضية في غاية الأهمية والحساسية،الا وهي قضية الأدب والمنفى لا سيما وأنها تصادف عام الذكرى الخمسين للنكبة.

ثم أسهب السيد الرئيس في كلمته في تفسير الأدب والمنفى وما يستحضره في الذاكرة،من رؤى وأبعاد ومشاعر،وأكد أن المنفى هو ما يعرفه الفلسطيني معرفة يقينية،وأن الفلسطيني تعرض لأكبر عملية نفي وطرد قسري في التاريخ الحديث،وشرح ظاهرة المنفى المعذبة في تاريخ الشعب الفلسطيني،وانعكاس هذه الظاهرة على ابداعات الكتاب الفلسطينيين،واستشهد بالأعمال الروائية ل جبرا ابراهيم جبرا،وكذلك احسان عباس..

ثم تطرق سيادته الى عملية السلام،وارادة الشعب الراسخة في تحقيق الحرية والاستقلال واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.وعرج على أوسلو وتسويف قوة الاحتلال في الالتزام باستحقاق الدولة،وجاهزية واصرار الشعب الفلسطيني بمتابعة النضال بجميع أبعاده.ثم وجه النداء ثانية للمبدعين قائلا:

"وانطلاقا من ايماننا،أيها المبدعون،بدور الكلمة الصادقة والمبدعة،التي أنتم أهلها في التخفيف من الألم لأنها بلسم النفوس،فانني أهيب بكم،وأنتم تدافعون بحس انساني وأخلاقي رفيع عن الانسان حيثما وجد،وبغض النظر عن هويته أو جنسه أو لونه أو دينه أو موطنه،تحمل مسؤولياتكم الانسانية والأخلاقية السامية في الدفاع عن حقوق شعبناالفلسطيني وكل الشعوب المضطهدة في العالم.واختتم كلمته قائلا:

"وفي الختام أحييكم وأرحب بكم ثانية في وطننا فلسطين،وأتمنى لكم طيب الاقامة في ربوعها،راجيا لملتقاكم الابداعي هذاكل التوفيق والنجاح،والخروج بالنتائج المرجوة والتوصيات المبتغاه.آملين أن يكون لنا في العام القادم شرف استقبالكم لمشاركتنا احتفالاتنا باقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس.

غزة في -3-10-1998 

ياسر عرفات

رئيس دولة فلسطين.

رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية

رئيس السلطة الوطنية.

كانت كلمة الرئيس جامعة وشاملة،استطاع من خلالها أن يعكس معاناة الشعب الفلسطيني وتجربته في المنفى،وقد شكلت الكلمة قوة القدرة الابداعية في اللغة والصورة،والمعرفة المعمقة بتاريخ الحركة الأدبية وأعلامها،فكنت تستمع خلال هذا الخطاب التاريخي صوت أديب ومفكر ملتزم..

لاقى خطاب الرئيس اعجابا كبيرا واعتبر وثيقة سياسية وأدبية.
تلقينا برقيات تهنئة من الوفود التي شاركت في المهرجان،وكذلك أرسل الينا المشاركون عددا من القصائد التي كتبوها لفلسطين، وتقارير اعلامية غطت العديد من صحف العالم كانت بها فلسطين وشعبها وكتابهاعلى الصفحات الأولى بلغات متعددة.

مسيرة معتقة بالفكر والبناء والانتماء،وبناء المشروع الوطني الفكري،التراثي والسياسي،وحمل أمانة الفكرة الفلسطينية،وعبقرية الكلمة الفلسطينية الملتزمة،وامتداداتها العالمية بمستوى الفن الراقي والأعلى،والذي يجسد طريق الفداء من أجل الحرية والكرامة الوطنية..هي روح استراتيجية رابطة القلم ودورها في بناء الجسور الحضارية ما بين فلسطين والعالم.

الطريق لم يكن معبدا بالورود،بل كان صعبا،مرصودا من الاحتلال وأنصاره،لتغييب الصوت الفلسطيني عن المحافل الدولية،واستنهاض سياسة الخنوع،وتفويت الفرصة على المبدع الفلسطيني من الحضور النوعي الذي يليق بفلسطن وبثورة شعبها المقاوم.لكن الارادة والكلمة المقاتلة والالتزام السياسي كان طريقنا المشرق،الى أن كان الاعتراف بفرع فلسطين عضوا كامل العضوية ..كانت معركة لا يستهان بها،أخذت اضاءاتها تبرز عند كل موقف سياسي وكل موقف ثقافي انتزعناه من أنياب التغييب المتعمد.

اشتدت كثافة العمل الابداعي والسياسي محليا ودوليا،واستطعنا بمدة قصيرة وبرعاية الرئيس عرفات أن نتحدى المستحيل،ونحقق انجازات هامة سجلها التاريخ.وعلى رأس هذه الانجازات، التواصل  مع جامعة مورثيا في اسبانيا،وهي من أعرق الجامعات الاسبانية،لمنح الرئيس ياسر عرفات الدكتوراه الفخرية وله وحده دون أن يشاركه أحد بها..تتويجا لعظمة القائد الرمز، وتقديرا للكلمة الفلسطينية وما تقوم به رابطة القلم الفلسطيني.

نظمنا مع رئاسة الجامعة وبالتعاون مع سفارة فلسطين خطوات الاعداد لهذا الحدث التاريخي الهام.

اجتمعت مع رئاسة الجامعة ومجلس الامناء،وعقدنا مؤتمرا صحفيا للاعلان عن منح الرئيس الدكتوراه،تبع ذلك خطوات موافقة الرئيس على تسلم الدكتوراه.وقد أعلمنا الرئيس وكتب رسالة شكر للجامعة وأعلن عن القبول.وساد الجامعة جو خاص من الفرح والتفاؤل.

استوقفني المستوى الراقي وغير العادي الذي رسمت به الجامعة استقبال حضور السيد الرئيس بالحب الصادق والاعتزاز والاكبار له قائدا مناضلا من أجل شعبه.

وقد خططنا أن يستقبل الرئيس رئيس وزراء اسبانيا في مدريد، وان يحضر معه في مروحية من مدريد،وأن يخرج أهالي مورثيا،الجماهير الشعبية والأكاديمية لاستقباله في كل طريق يمر منها قبل وصوله الى الجامعة..تحدد الموعد الأول للسفر،وكان الحصار،ولم يتمكن الرئيس من مغادرة المقاطعة،وبعد فترة حددنا موعدا آخر ليكون الخامس عشر من نوفمبر-في عيد الدولة،ولم ندر أن القدر بالمرصاد.

وقد كان الدكتور خالد عرب،استاذ علم النفس في الجامعة،حلقة التواصل ما بين رابطة القلم،سفارة فلسطين والجامعة،وقد بذل جهدا كبيرا لانجاح هذا الموضوع.

كما ساهم الأخ نجيب موسى نائب سفير دولة فلسطين، في الترتيبات الرسمية

والدبلوماسية اللازمة،وحضر اللقاءات معي والمؤتمر الصحفي أيضا.

وكان المشرف على حفل منح الدكتوراه،البروفيسور ديمتريو بارثيا سالوريو،وهو طبيب معروف،ورئيس قسم الطب..وقد أعد كلمة تاريخية هامة تليق باالسيد الرئيس..  

أرسل لي البروفيسور بارثيا الكلمة وهذا نصها:

"هذا يوم مشهود لم أتشرف بمثله طوال مدة أستاذيتي الجامعية عبر ما يزيد عن خمسة وثلاثين عاما،ففيه حظيت بشرف عظيم، وحملت مسؤولية جليلة،عندما كلفت أن أقدم لأعضاء جامعتي،أحد ألمع الشخصيات في التاريخ المعاصر،وأشهرهم في اتخاذ القرارات الحاسمة،الرئيس ياسر عرفات.

هذا الرجل ليس سياسيا مركزيا في تاريخ بلاده فقط،وانما هو زعيم لا يمكن تجاوزه في سبيل الوصول الى قرارات وتفاهمات في السياسة المعاصرة في الشرق الأوسط.وهنا أود التوضيح بأن وصفي له بأنه سياسي أساس،ينبع من الفلسفة الراسخة في أفكاره ومسيرته،.ذلك ان النهج الذي اتخذه في فهم السياسات،يعتبر نموذجا ومدرسة يحتذى بها لفهم ما يجب أن تكون عليه العلاقات ما بين الشعوب".

واستعرض الأسباب المشرفة لاختيار الرئيس قائلا:"لهذه الأسباب، ولأنه رجل تؤدي أعماله نتائج عالمية نجم عنها هذا الشرق العظيم،الذي أضفى عمقا للتاريخ واستمرارا  لدوره الحالي،والذي نجمت عنه مسؤوليتي الجليلة.

لذلك كله،لست واثقا من أنني قادر على التأكيد بصورة كافية،على أهمية ما يمكن قوله حول أعماله العظيمة الهائلة..لكنني على بينة من أن كلماتي لن تكفي لاعطاء هذه الأعمال حقها،وما يسعفني في هذا الصدد،علمي أن عرفات سيعذر تقصيري هذا،لأنه يعلم أن ما أقوله نابع من احترامي له احتراما بالغا،واعجابي به اعجابا فائقا،ومحبتي للكثيرين من أبنائه وشعبه.

ثم حلل وطرح الأسباب التي جعلته يتناول هذا المشروع المشرف،بصفته مواطنا وطبيبا وأستاذا جامعيا قائلا:

" ان من يدرس حياة ياسر عرفات،تنتابه سلسلة من الأحاسيس هي مزيج من التعجب والاعجاب،ويدهشه من صفات عرفات :استقامته وثباته وايمانه،وهي صفات وجهت مسيرته وأسلوبه في فهم الواجب الذي وضعه القدر بين يديه،والاعجاب الذي أشير اليه،ينبع بصفة خاصة،من معرفة عرفات كيف يبلغ رسالة الوفاق والانسحام الى عالم معاد،وهي رسالة جعلت من عرفات"قوة سلام".

ويتابع باسلوب مميز استعراض تاريخ الرئيس عرفات النضالي منذ رئس مجلس الطلبة،وتأسيس منظمة التحرير،وانطلاقة الانتفاضة المباركة،واعلان الدولة في اجتماعات المجلس الوطني مستشهدا بمقولاته التي تعكس مستوى العمق والالتزام.كما يستشهد بكلماته التي أطلقها في مهرجانات رابطة القلم الفلسطيني ..

وأضاف :"ان ما يشغل عرفات هو تحقيق الحرية للشعب الفلسطيني،مستندا على فلسفة الحرية دون اللجوء الى العنف، واعتبر ذلك استثناء نادرا في تاريخ تحرير الشعوب."مستعرضا طروحات لوك في الحريات وتطورها في حياة الشعوب،وربط مسيرة عرفات بالتراث الفكري والفلسفي لابن عربي والمفكرين الآخرين.

كانت كلمة البروفيسور بارثيا شهادة اعتزاز خاص،مستندة على روح القيم العليا التي حملها ياسر عرفات،والصفات النضالية والانسانية والتي توجته زعيما ليس للأمة فقط،بل للعالم. وهذه الكلمة،هي مستند تاريخي هام،ومرجعية للتاريخ الكفاحي للشعب الفلسطيني.

وقد دعي السيد الرئيس الى المغرب لرئاسة مؤتمر القدس،ونظمنا وفدا من القدس لحضور المؤتمر،كنت أنا والأخ جميل ناصر نرأس الوفد..ذهبنا الى هناك وعقد المؤتمر،وألقى الرئيس كلمة هامة.وفي هذا المؤتمر تعرفت على العديد من الشخصيات السياسية والاقتصادية،منها رئيس المؤتمر الاسلامي والمدير الأقليمي لبنك الأردن..كان اجتماعنا في الدار البيضاء،استغرق المؤتمر ثلاثة أيام،ثم نتوجه بعدها الى ايطاليا مع الرئيس.

غادرنا الى ايطاليا،وكان في استقبالي هناك ألأخ يوسف ممثل الهلال والأخ هاني جابر القنصل في سفارتنا هناك..شخصيتان تحملان وداعة وأصالة فلسطين،جلسنا طويلا وتحدثنا وطفنا في المجال الفلسطيني،كان الدكتور يوسف يمتاز بخفة الروح،أضفى من خلالها جوا خاصا..وفي المساء حضرا لأخذي لمقر الرئاسة ،ذهبت الى هناك،ودخلت عند الرئيس وجلسنا مجموعة من الأخوة الذين جمع قلوبهم حضور الرئيس بكل الحب،ثم غادر الأخ هاني والأخوة..وظللت أنا مع الرئيس.جاء بعد دقائق السفير نمر حماد،والذي كنت لا أعرفه عن قرب،ولا هو كذلك،كنت أسمع اسمه يتردد حين يحضر الى تونس،فسأل:" من عند الرئيس"،فقالوا له:"ابنته حنان عواد"،جاء وتعرف علي وربطتنا علاقة أخوة وصداقة..وبعد دقائق حضر الأخ فتحي عرفات شقيق الرئيس،جلس مع الرئيس وسلم علي،وهذه المرة الأولى التي عرفته عن قرب وتشرفت بمعرفته،كنت أعرفه من خلال الهلال في القاهرة..خرجنا من عند الرئيس فقال له أبو عمار"خذ بالك من حنان"،ابتسم فتحي عرفات،والتفت الى الرئيس قائلا:"بعيوني".

خرجنا وطلبنا من الدكتور يوسف أن يأخذنا الى مطعم هاديء وراق لتناول طعام العشاء..استعد يوسف وقال :"سآخذكم الى أحسن مطعم"،استبشرنا خيرا،وسارت السيارة دون توقف،وقطعت مسافات بعيدة،ونحن ننظر بدهشه،ونتخيل المطعم الذي سيأخذنا اليه،ضحكنا من أعماق القلب،وتجاذبت الحديث المشوق مع الدكتور فتحي..والدكتور فتحي شخصية مميزة ،يقترب من الشكل من السيد الرئيس،سريع الحركة،مرح،متواضع وانسان حيوي،يضفي على الجلسات روحا جميلة..وبعد أن ضاقت بنا الأرض،فاذا الدكتور يوسف يشير بأننا وصلنا،نظرنا أمامنا،فلم نجد مطعما مميزا،بل كافتيريا بسيطة..أخذنا بالضحك والتعليق،وجلسنا،ثم تناولنا عشاء سريعا،وذهبنا الى قهوة هادئة..تابعت الحوار مع الدكتور فتحي وكان هنالك تقارب في وجهات النظر..والتفت الي قائلا:"الآن عرفت سر اهتمام الرئيس عرفات بك"..وظلت علاقتي بالأخ فتحي حميمية،وكنت ألتقيه في الهلال في رام الله..الى أن مرت الأيام وأصيب بمرض عضال وفارق الحياة،وخسرنا قامة شامخة،حملت الأمانة وسارت بها بكل وفاء...تضيق الأيام حين نفقد رجلا كالدكتور فتحي عرفات، مؤسس الكيان الصحي الفلسطيني على قواعد صلبه،ولا زال الهلال صورة حضارية لمؤسسه ولفلسطين.

عدت الى أرض الوطن،ثم غادرت الى البرتغال لتمثيل فلسطين في مهرجان آفانتي ،وكان معي الأخ تيسير جرادات..وهنالك التقيت مع نقابات العمال ودعوتهم الى زيارة الرئيس،أسعدتهم الفكرة،ولما عدت الى فلسطين،تلقيت رسالة منهم تؤكد حضورهم ..رتبت الأمور،وأعلمت الرئيس بذلك..

حضر وفد رفيع المستوى،رؤساء بلديات،وممثلي النقابات ..استقبلتهم في مدينة القدس،وأطلعتهم على انتهاكات الاحتلال،ثم تحركنا الى رام الله للقاء السيد الرئيس..التفت الي رئيس الوفد قائلا:"ماذا علينا أن نأخذ للرئيس"؟.توقفت قليلا،ثم ذهبنا الى محل زهور،وطلبت اليه أن يجهز لنا باقات ورود مميزة لنضعها حول عنقه عند اللقاء..راقت الفكرة للوفد،وسرنا باتجاه المقاطعة وعبق الورد يسير معنا.

صعدنا الى المقر،الرئيس يجلس حاملا قلمه الأحمر،يخترق الأوراق ومطالب الدولة وطموحات الشعب،يوقع بأريحية،يعيد النظر الى بعض الأوراق ويطلب من صاحبها بمواجهته.لا أراه يقول لا لأي متطلب فردي أو شعبي وخاصة اذا كان معنونا بالقدس،أوطلبا من امرأة.

وضع القلم ليستريح جانبا،وقف مستقبلا الوفد بترحيب عالي النبرة..عرفت كلا منهم باسمه،عانق الجميع،ثم جلس وجلسنا، وأخذ بالحديث الشيق،شارحا تطورات الأوضاع السياسية..ولما أنهى حديثه،وقف رئيس الوفد،باسم الجميع،وقلد الرئيس الورود، وفاض العبق..ثم قدمت للوفد،باسم الرئيس،مدالية بصورة أبو عمار لتكون ذكرى رمزية.

التقط الوفد الصور المعبرة مع الرئيس،في عناق أبوي ،تسترسل منه أطياف العلاقة التلاحمية التي تربط الرئيس وشعبنا بمناضلي العالم.

خرج الوفد بسعادة غير عادية،يتحسسون الميداليا والكوفية،ويسيرون بخيلاء.

هذه الزيارات التضامنية المتعابقة،كان لها وقع ايجابي،قربت المسافات،وأطلقت المواقف والبيانات المساندة.

.وتمضي الأيام وترسم في الذاكرة ملامح الحضور المتوج بروح الانتماء والوفاء للحظات ومواقف لا تنسى....

كانت تعبر الأيام مفاجئات مقلقة،كان الرئيس يتجاوزها بفطنته، وكثرت التصريحات الاسرائيلية المضادة،وتابعت سياسة التسويف ، وكثفت الجدران والحواجز العسكرية،والرئيس صامد أمام كل محاولات تغريب الهلالي.

 أخذنا قانية بالتحضير لمهرجان الشعرالدولي السادس بعنوان"الأدب والدولة"،ارسلنا الدعوات،واستشرفنا من خلال المؤتمر دولتنا الفلسطينية،وهي تقترب منا بخيلاء..لكن الزمن المتفق عليه،صار فكرة قديمة،،ومواعيد غير مقدسة،فلم تعلن الدولة بموعدها،ولذا رأينا أن نجهز شعلة المهرجان لنعلن قيام الدولة،خاصة وأننا نفتتح المهرجان في مدينة القدس..شارك في المهرجان شعراء وأدباء من مناطق عديدة في العالم،وبعد حفل الافتتاح في مدينة القدس بكلمة السيد الرئيس،تنقلنا بين المدن الفلسطينية،وفي كل مكان نصل اليه،كنا ننظم أمسية شعرية.

حضر الافتتاح الأخ صخر حبش الشاعر وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح،كما شارك الأخوة كتاب غزة الذين أضفوا حيوية على الحفل..قرأ الضيوف قصائدهم،وتوجهنا في اليوم التالي للقاء بالرئيس،وكان لقاء خالدا في حضرة الضيوف،وقد دعى الرئيس الأخ فيصل الحسيني وياسر عبد ربه،وقدمت الرابطة الميداليا التي خصصت للضيوف المشاركين والتي اعتمدها الرئيس ...والتف الضيوف حول الرئيس لتقديم الميداليا له بهتاف وتصفيق. 

وقد جاء في كلمة السيد الرئيس عند افتتاح المهرجان في مدينة القدس:

"ان انعقاد مهرجان الشعر الدولي السادس هذا بمبادرة من رابطة القلم الفلسطيني تحت شعار "الأدب والدولة"،ومشاركتكم الكريمة مدعاة للفخر والاعتزاز لدى الشعب الفلسطيني وقيادته ولدى المبدعين والمثقفين الفلسطينيين،الذين يرون حضوركم الى قلب وكنهم القدس الشريف تعبيرا عن تقديركم للثقافة الوطنية العربية والفلسطينية كرافد قوي من روافد الثقافة الانسانية.

أيها الأصدقاء الكرام،اننا نقدر الدور الهام الذي تقوم به رابطة القلم الفلسطيني،ونعتز بمهرجانها السنوي الرائد الذي يربط فلسطين برجال الفكر والثقافة في العالم،مما يسهم في تعميق القيم والمباديء الانسانية المشتركة عبر التفاعل الخلاق بين الثقافات على أرض الحضارات ومهد الديانات أرض فلسطين وأرض القدس الشريف.

ويؤكد الرئيس على أهمية عقد هذا المهرجان في مدينة القدس قائلا:"ان عقد هذا المهرجان في مدينة القدس،يجسد واقع التلاحم والتواصل الفكري والثقافي بين الشعراء والمفكرين في فلسطين والعالم،الذين يحملون الشعلة،ويضيئون الطريق أمام الانسان واليشرية.

ويطرح الرئيس من خلال كلمته رؤيته في بناء فلسطين حرة مستقلة ذات سيادة،وذلك بمواصلة الجهود الحثيثة لتحقيق السلام العادل والشامل،على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام،وحسب قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي،بما يضمن انسحاب اسرائيل من الأراضي التي احتلتها.

ثم يخاطب الضيوف قائلا:

"أيها الضيوف الكرام،ينغقد مؤتمركم الموقر هذا،ونحن نستقبل انتهاء الألفية الثانية لميلاد السيد المسيح عليه السلام،وما تحمله من دلالات حضارية للقاء الثقافات وتلاقي الأيدي من أجل السلام في اختفالات بيت لحم التي ستضم مبدعين ومفكرين وحجاجاجا من جميع أنحاء العالم،ونعتبر هذا المهرجان الشعري الدولي شعلة مضيئة على مشارف الاحتفالات الفلسطينية والعالمية بالألفية الثانية لميلاد السيد المسيح.

ويختتم كلمته بتحية الحضور،وشكر لكل من ساهم في تنظيم هذا الملتقى،على أن يكون لقاؤنا في العام القادم في القدس الشريف عاصمة دولة فلسطين المستقلة،عاصمة قيم المحبة والعدالة والسلام،والتي ستظل مركز اللقاء بين ثقافات الشعوب،تجمع المفكرين من كل مكان على مبدأ الحرية والكرامة.

ياسر عرفات

رئيس دولة فلسطين.

غزة-الأول من اكتوبر عام الف وتسعمائة وتسعين.

تعبر السنون،وتنطلق الكلمات قناديل معرفة،ويجتمع الشعراء والمفكرون على أرض الثورة،وترتسم من خلال الحضور الفلسفي رؤى ومواقف انسانية وسياسية تغني التجربة،و تضيف الى أنهار الفكر أمواجا جمالية وابداعية،وعلاقات انسانية تضيء الروح،وتوقع على أرض فلسطين كينونة الوجود لعراقة هذا الشعب الذي لم تهتز ارادته،ولم يضعف ايمانه بحتمية النصر....

أوراق النهار تحلق في السماء،حاملة شعاع النفس بفيض الأمل،ليظل الانسان هو المادة الأولى في يوتوبيا الدولة،والكلمة أيقونة العبور الى مطلق الوعي، والفكرة عبير الخلود الدائم... 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف