الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

هل الحتمية تناقض المسؤولية الأخلاقية بقلم:عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2018-05-23
هل الحتمية تناقض المسؤولية الأخلاقية بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
هل الحتمية تناقض المسؤولية الأخلاقية

لعادل بن مليح الأنصاري

مدخل :

حاول ( س ) الاعتداء على ( ص ) ولكن ( ص ) قتله أثناء محاولته الدفاع عن نفسه ,
( ص ) هنا أمام وجهتي نظر , إما أن فعله (حتمي) كونه نتيجة دفاع عن النفس , وإما تجاوز المسؤولية الأخلاقية التي تفرض عليه تقدير الأمور بمقاديرها , وقد ندخل في دوامة احتمالات وفرضيات محيرة , فنحن كبشر مرهونون بطريقة أو بأخرى بثقافاتنا الدينية وتربيتنا البيئية المتوارثة والتي (ربما) شكلت جزءً كبيرا من توجيه تصرفاتنا , بمعنى أن الحتمية من وجهة نظر فلاسفة الغرب ربما تختلف عن نظرة المثقف المسلم , وبمعنى أخر ثقافتنا الإسلامية المبنية على الكتاب والسنة ستدخلنا في إشكاليات الحتمية ( أي هل الإنسان مسير أم مخير) , والحتمية كما يراها الفلاسفة في الغرب قديما وحديثا لا علاقة لها بكون الإنسان محكوم بالقدر وما كتبه الله له , بل لها أوجه كثيرة , وأحيانا عميقة وشائكة وقد لا يفصل بينها أحيانا إلا اختلافات قد لا ينتبه لها الإنسان العادي .
فالحتمية الفلسفية في الغرب قديما وحديثا مرتبطة بالسببية , أي أن حتمية قتل (ص) لــ(س) ليست مقررة بطريقة أو بأخرى لأن الله كتبها في عمل (ص) , ولكن هناك علاقة سببية أدت لهذا الفعل , وحتى في هذه العلاقة قد تجد تشعبات كثيرة في الآراء في أدق التفاصيل لتلك السببية , وبمعنى أخر أن تعلل المثقف المسلم بالقدر أو أن هذه مشيئة الله , ليس لها مكان في الفلسفة الغربية وخاصة الفلاسفة العلمانيين , فالسببية وجه أخر لنظام الطبيعة , حتى التنبؤ بتسلسل الأحداث يمكن أن يخضع لنظام الحتمية المستمد من الطبيعة والكون وعلاقة الأسباب بالمسببات , ويمكن عن طريق دراسة سلوك الإنسان أن نضع قوانين تضع الحتمية موضع المرجعية الأولى لتبرير أي حدث إنساني بغض النظر عن نتائجه .

في ثقافتنا الإسلامية لم يستطع مفكريها من الركض خلف الفلسفات المادية والتي تناولت الحتمية منذ أزل التاريخ بمعزل عن إطار الدين , فرموا الدراسات الإنسانية والسبب والمسبب والنتائج الحتمية لقواعد التصرفات البشرية وراء ظهورهم وبحثوا في النصوص والتراث الديني عن تلك الحتمية .
فالجبرية والقدرية كل منهما أمسك الخيط من طرف مختلف , وتدخل الأشاعرة برأي وسط , ثم الماتريديه , ثم السلفية .
الجبرية , سحبوا البساط من تحت (ص) و (س) وقالوا بأن كل ما حدث ويحدث منهم مقدر ومكتوب وليس لهم فيه أي تصرف , فالله أراد والله قدر , وما شاء فعل , وهنا يدخل العقل المجرد في دوامة من التساؤلات , وهذه التساؤلات لن تجد طريقها للفكر الفلسفي الغربي , فهي غير مقبولة وغير منطقية في فكرهم , فلماذا نؤاخذ(ص) فيما فعله في (س) وهو مجبر على ما فعله , وليس له اختيار أو مفر , ولماذا لا يجب على (س9 ) أن يتقبل فعله ولا يؤاخذه عليه لأنه يدرك أنه مجبر وأن ما حدث قدر لا بد منه , وهنا قد ندخل في إشكاليات مجتمعية وقانونية , مثل بأي حق يقام الحد على (ص) وهو لا يملك خيارا في فعله ؟ , وهكذا من إشكاليات لا تنتهي من وجهة نظر الفلسفة الغربية , وحتى الفلاسفة المسلمون لم يسلموا من تلك الإشكاليات , وهنا ليس مقام الخوض فيها .
وناقضهم القدرية , واسندوا فعل (ص) لذاته وإرادته وليس لتقدير الله , وإن كان فعله لا يتعارض مع علم الله بما يريد أن يقدم عليه (ص) .
وذهب المعتزلة لطريق آخر, ومضوا قدما في إثراء الحتمية من عدمها تحليلا وغاصوا في فلسفات عقلية أكثر من غيرهم , فهم يمنحون العقل المكانة الأسمى في تناول أمور الدين , فهم يرون أن إجبار (ص) على فعل شيء ومن ثم عقابه يتنافى مع كون الله عادل , كما أنه يبرر ارتكاب الخطايا كونها قدر ولا يملكون منه فكاكا , فهم يرون أن الله منح (ص) الاختيار بين الخير والشر, وما يفعله الإنسان بعد ذلك يكون من اختياره فإن فعل خيرا فله الحسنى , وإن فعل شرا فله العقاب , ولكن تولدت لديهم إشكالات أخرى , مثلا لو اختار (ص) طريق الشر , فهل هذا يعني أن الله أعانه على فعل الشر ثم يعاقبه على ذلك الفعل ؟ , وهناك سلسلة من التساؤلات التي ولدت لدى المعتزلة هنا ليس مكانها , ولكن ما زلنا في طريق شائك , هل الإنسان يملك فعله أو لا , وهل يعاقب عليه وهو مقدر عليه أو لا , وهل فعل الخير وفعل الشر كلها من تقدير الله وقدرها على العبد أم لا , هل نقبل ( الحتمية القدرية ) أم ( الحتمية الجبرية ) ؟ .

هنا يتدخل الأشاعرة برأي وسط ، فـ(ص) حر فيما فعل , ولكن الله هو خالق كل الأفعال , وبصورة أخرى أن الفعل من الله ولكن المضي فيه وإتيانه يكون من العبد .
وحاول الماتريدية التوفيق بين الجميع والتقريب بين بعض القوال من هنا ومن هناك , ولكن للحقيقة لم تكن ( من وجهة نظري الشخصية ) الفروقات جوهرية في طريقة التقريب تلك , وخلاصتها أن الفعل من خلق الله وإرادة الفعل من عدمه بيد المخلوق .

ولكن الملاحظ أن الفلاسفة المسلمون جميعا كانوا يتناولون الحتمية في حدود الثقافة الدينية الإسلامية وبعيدا عن أساليب العقلانيين والمتكلمين , فالنمط والسلوك الإنساني المتوارث والذي يمكن وضعه ضمن أطر وقواعد مرجعية تطبق عبر أزمان مختلفة حسب ذلك السلوك الحتمي والذي يضع القواعد للتصرفات البشرية وكأنها سلوكيات حتمية قاهرة ويمكن أن تمنحنا التنبؤ حسب المقدمات السلوكية والتي حتما ستقودنا لنتائج عقلية لا شك فيها , هذه الحتمية لا يمكن أن تكون هي ذاتها الحتمية التي تخضع للفلسفة الإسلامية .

فارسطو مثلا وافلاطون وحتى ديكارت وتوما الإكويني , يرون أن الحتمية تنبع من ثقافة الإنسان ورغبته في فعل الخير أو فعل الأفضل , وإن فعل الشر فسيكون مضطرا , كما فعل (ص) مع (س) كونه دفاعا عن النفس , و ( للرواقيين ) وجهة نظر تشبه كثيرا رأي الجبرية ولكن بوجه أخر , فالعلل المنطقية تتبعها حتما نتائج منطقية , وهذه ( الحتمية المنطقية ) , وهي أشياء مفروضة على الإنسان ولا يملك منها مهربا , وهي تخضع لقانون رياضي لا يتغير مع الوقت وبمرور الزمان , فلو طبقنا فعلا ونتائجه ذات زمن , أخضعناه لمعايير رياضية لو انطبقت على فعل مماثل ولو بعد ألف سنة لتكررت نفس النتائج .

ويجب أن نشير هنا أن (الحتمية اللاهوتية ) ظهرت قبل الإسلام وفي عصور قديمة جدا , من أرسطو وأفلاطون وحتى ديكارت , واستمر الفكر الغربي في الخوض فيها حتى ظهور الحتمية العلمية ومن بعدها التاريخية .
فالحتمية العلمية ربما تكون وليدة لتطور علم النفس والطب النفسي وحتى علم الفيزياء الذي قارن بين القوانين الكونية المذهلة وبين ( فيزياء التصرفات البشرية ) إن صح التعبير , فتلك القوانين الصارمة الثابتة التي تسير الكون لا يستبعد أنها تسير حياة البشر كونه جزء من هذا الكون , ولذا فهذه الحتمية العلمية يمكن من خلالها قياس تصرفات البشر ونتائج تلك التصرفات طبقا لعلم رياضي كوني ثابت .

وقبل الختام ما هي الأخلاق :
- يراها البعض كونها معيارا للخير والشر وتهتم بالقيم المثلى وترتقي بسلوكه وتتخذ من ضميره مصدرا لعلاقاته بالآخرين.
ويراها البعض مصدرا لكبح شهواته والتسامي فوق رغبات الجسد والالتفاف إلى النفس والروح , ( أفلاطون ) .
ويرها البعض أنها مرتبطة بسعادة الإنسان التي هي غاية وجوده , ( أرسطو) .-
من عقل الإنسان الواعي لا من رغبته , (كانط) . كما أنها ارتبطت بالإرادة النابعة -
هي الأحاسيس الطبيعية التي تجعلنا نميز بين الخير والشر وتفادي ما يلحق الأذى بنا وبالغير , ( جان جاك روسو ) .
إن الأخلاق يجب أن تكون نابعة من الإنسان نفسه , فعلى كل فرد أن يبني عالمه الأخلاقي الخاص الذي لا يعتمد على العقل وحده إنما يمثل الإنسان كله بنقائضه وانفعالاته قبل حكمته (نيتشه) .

وقد اختصر القرآن الكريم كل ذلك بجملة صغيرة جمعت خلاصة كل تعاريف الفلاسفة , ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ,, هنا ترتقي الأخلاق لمكانة العظمة التي لا تطالها الكلمات أو الوصف .

أخيرا :
هل يصح أن نربط بين المسؤولية الأخلاقية وبين الحتمية بكل صورها السابقة ؟
(كوجهة نظر) خاصة :
بما أن الفلاسفة بكل أطيافهم وعقائدهم وعبر مراحلهم التاريخية لم يتفقوا بعد على طبيعة ( الحتمية ) , وهل هي نتيجة لسلوك حُـرْ , أم لسلوك قهري سواء كان مقدرا من قِبَلْ الخالق , أو مرتبط بقواعد رياضية أو تاريخية أو سلوكية , ومن ثم اختلفوا في كون الفرد يتحمل تبعاتها ونتائجها ( أخلاقيا ) مهما كانت , هنا ينبثق احتمالا أخر وهو :
هل تتحكم الأخلاق في نتيجة الحتمية ابتداءً؟
بمعنى أخر: هل كانت أخلاق (ص) راقية ومتحكمة في تصرفاته ليمتنع عن قتل
(س) تحت أية ظروف؟
إذا استطاعت الأخلاق منع (ص) من قتل (س) تحت أي ظرف كان , فهنا
سنقول أن المسؤولية الأخلاقية تحكمت في الحتمية , أما لو أن (ص) يفتقر
لفضيلة الأخلاق وقتل (س) فهنا وقعت الحتمية بأية فلسفة يريدها البشر بعيدا
عن مسؤولية الأخلاق .

- وهنا نعود كما بدأنا , ومن خلال فلسفتنا الإسلامية , وكون (ص) مسير لا
مخير , وقد كتب الله عليه أن يقتل (س) ولا مفر من قضاء الله , هل يكون
للأخلاق مكان في هذا البحث ؟
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف