في يوم الكتاب العالمي
وراء كل حضارة مكتبة...
أثر الكتب والمكتبات في بناء الأمم
إعداد: م.حنين العمصي
مؤسسة عيون على التراث للدراسات والأبحاث والنشر
غزة – فلسطين
يقول الفرد هايسل مؤرخ المكتبات لو دمرت الحضارة وبقيت المكتبات لاستطعنا أن نعيد الحضارة بما كانت عليه، ولكن لو دمرت المكتبات وبقيت هذه الحضارة لأصبحت من آثار الماضي!
لقد بنينا حضارة تفخر بها الإنسانية جمعاء يوم استجبنا للأمر الإلهي الذي بدأ بكلمة (اقرأ)، وكلما أراد الله تعالى لأمة أن تنهض من حمأة الجهل والفساد أرسل لها كتابا يخلّصها من أدرانها وأمراضها، ويرتقي بها في سلم التحضر والعلم.
إذا كانت هذه الأمة تفتقر إلى هويتها الثقافية أن تدخل رحاب الحضارة من جديد، أم كانت حضارة تحرص على صونها من أن تعتريها أعراض الشيخوخة، أم كانت حثالة حضارة فقدتها بسبب طول الأمد، وتحجر الفكر، ترنو إلى استعادتها، فإن القراءة هي المفتاح الذي تلج به باب الحضارة، وهي الوقود الذي يحافظ على تأجج شعلتها وتألقها، وهي المرجل القادر على تبخيرها كي تتخلص من رواسبها، ثم تقطيرها كي تعود إلى جادة الحضارة من جديد.
وبما أن القراءة تقوم على الكتاب لابد من إحداث نهضة مكتبية كما فعل الخليفة المأمون العباسي الذي أنشأ دار الحكمة وجلب لها المترجمين ترجموا العديد من كتب التراث إلى اللغة العربية، ومن هنا بدأت الحضارة الإسلامية بالنهوض، وكذلك فَعل الحكم المستنصر الخليفة الأندلسي الذي أنشأ مكتبة ضخمة في عاصمته قرطبة حوت 400 ألف كتاب، وكان يقتني الكتب ويجلبها من الشرق الإسلامي كما فعل مع أبي الفرج الأصفهاني مؤلف كتاب الأغاني حينما كافأه بوزنه ذهبًا على أن يصله لقرطبة قبل أن بعرف ويذاع صيته في بغداد، وهكذا بدأت النهضة الحضارية في الأندلس.
ثم ليتذكر من زار الدول المتقدمة منكم، هل كان يرى في وسائل النقل التي تخترق جوف الأرض، أو تجوب آفاق السماء، أو تمخر عباب البحر، أو تعبر الشوارع والبراري .. هل كان يرى أحدا لم يتأبط كتابا تزود به ليكون رفيقا له يصحبه في رحلته? لا يترك لأي طفيلي ثرثار أن يعكر عليه صفو خلوته معه?
لقد اهتزت أمريكا يوم أن سبقها الروس في إطلاق قمرهم الصناعي وتداعي خبراء التربية فيها للبحث عن أسباب هذا الخلل، فأجمعوا أمرهم على أن الخلل إنما جاء من هبوط في القراءة لدى الشعب الأميركي، حشدوا لرفعه كل إمكاناتهم التربوية.
وأيضًا في عام 1993، لاحظ الفرنسيون خللا أدى إلى ضمور يسير في نسبة القراءة عند الشعب الفرنسي، فنظموا مهرجانا أطلقوا عليه اسم مهرجان (جنون المطالعة)، نزل فيه وزير الثقافة، وكبار المؤلفين الفرنسيين، وكل المعنيين بشؤون الثقافة، إلى الشوارع والساحات العامة والحدائق، وفتحوا أبواب المكتبات على مصراعيها أمام الجماهير، وأخذوا يقرؤون لها، ويحثونها على القراءة، وفي محاولة لرأب الصدع وسد الخلل.
فكل ما حولنا يشير إلى أننا أمة لا تقرأ ...أزماتنا المستحكمة...تفرق كلمتنا...عوزنا المعرفي...فقرنا الاقتصادي...كل ذلك يشير إلى مصدر الخلل عندنا، ألا وهو أزمة القراءة... فالقراءة أولا، والقراءة تحتل مرتبة الصدارة في سلم الأولويات، فما لم نقرأ، لن نستطيع أن نعتنق عقيدة، ولا نتذوق حرية، ولا نمارس ديمقراطية، ولا نكوّن وحدة، ولا نبني اقتصادًا ولا وطنًا ...
راجع للاستزادة:
كتاب اقرأ وربك الأكرم، جودت سعيد.
الكتاب العربي وتحديات الثقافة، محمد عدنان سالم.
وراء كل حضارة مكتبة...
أثر الكتب والمكتبات في بناء الأمم
إعداد: م.حنين العمصي
مؤسسة عيون على التراث للدراسات والأبحاث والنشر
غزة – فلسطين
يقول الفرد هايسل مؤرخ المكتبات لو دمرت الحضارة وبقيت المكتبات لاستطعنا أن نعيد الحضارة بما كانت عليه، ولكن لو دمرت المكتبات وبقيت هذه الحضارة لأصبحت من آثار الماضي!
لقد بنينا حضارة تفخر بها الإنسانية جمعاء يوم استجبنا للأمر الإلهي الذي بدأ بكلمة (اقرأ)، وكلما أراد الله تعالى لأمة أن تنهض من حمأة الجهل والفساد أرسل لها كتابا يخلّصها من أدرانها وأمراضها، ويرتقي بها في سلم التحضر والعلم.
إذا كانت هذه الأمة تفتقر إلى هويتها الثقافية أن تدخل رحاب الحضارة من جديد، أم كانت حضارة تحرص على صونها من أن تعتريها أعراض الشيخوخة، أم كانت حثالة حضارة فقدتها بسبب طول الأمد، وتحجر الفكر، ترنو إلى استعادتها، فإن القراءة هي المفتاح الذي تلج به باب الحضارة، وهي الوقود الذي يحافظ على تأجج شعلتها وتألقها، وهي المرجل القادر على تبخيرها كي تتخلص من رواسبها، ثم تقطيرها كي تعود إلى جادة الحضارة من جديد.
وبما أن القراءة تقوم على الكتاب لابد من إحداث نهضة مكتبية كما فعل الخليفة المأمون العباسي الذي أنشأ دار الحكمة وجلب لها المترجمين ترجموا العديد من كتب التراث إلى اللغة العربية، ومن هنا بدأت الحضارة الإسلامية بالنهوض، وكذلك فَعل الحكم المستنصر الخليفة الأندلسي الذي أنشأ مكتبة ضخمة في عاصمته قرطبة حوت 400 ألف كتاب، وكان يقتني الكتب ويجلبها من الشرق الإسلامي كما فعل مع أبي الفرج الأصفهاني مؤلف كتاب الأغاني حينما كافأه بوزنه ذهبًا على أن يصله لقرطبة قبل أن بعرف ويذاع صيته في بغداد، وهكذا بدأت النهضة الحضارية في الأندلس.
ثم ليتذكر من زار الدول المتقدمة منكم، هل كان يرى في وسائل النقل التي تخترق جوف الأرض، أو تجوب آفاق السماء، أو تمخر عباب البحر، أو تعبر الشوارع والبراري .. هل كان يرى أحدا لم يتأبط كتابا تزود به ليكون رفيقا له يصحبه في رحلته? لا يترك لأي طفيلي ثرثار أن يعكر عليه صفو خلوته معه?
لقد اهتزت أمريكا يوم أن سبقها الروس في إطلاق قمرهم الصناعي وتداعي خبراء التربية فيها للبحث عن أسباب هذا الخلل، فأجمعوا أمرهم على أن الخلل إنما جاء من هبوط في القراءة لدى الشعب الأميركي، حشدوا لرفعه كل إمكاناتهم التربوية.
وأيضًا في عام 1993، لاحظ الفرنسيون خللا أدى إلى ضمور يسير في نسبة القراءة عند الشعب الفرنسي، فنظموا مهرجانا أطلقوا عليه اسم مهرجان (جنون المطالعة)، نزل فيه وزير الثقافة، وكبار المؤلفين الفرنسيين، وكل المعنيين بشؤون الثقافة، إلى الشوارع والساحات العامة والحدائق، وفتحوا أبواب المكتبات على مصراعيها أمام الجماهير، وأخذوا يقرؤون لها، ويحثونها على القراءة، وفي محاولة لرأب الصدع وسد الخلل.
فكل ما حولنا يشير إلى أننا أمة لا تقرأ ...أزماتنا المستحكمة...تفرق كلمتنا...عوزنا المعرفي...فقرنا الاقتصادي...كل ذلك يشير إلى مصدر الخلل عندنا، ألا وهو أزمة القراءة... فالقراءة أولا، والقراءة تحتل مرتبة الصدارة في سلم الأولويات، فما لم نقرأ، لن نستطيع أن نعتنق عقيدة، ولا نتذوق حرية، ولا نمارس ديمقراطية، ولا نكوّن وحدة، ولا نبني اقتصادًا ولا وطنًا ...
راجع للاستزادة:
كتاب اقرأ وربك الأكرم، جودت سعيد.
الكتاب العربي وتحديات الثقافة، محمد عدنان سالم.