في الأزمنة المريضة ُتساق الناس كالقطيع مع ضجيج المهرجين والمروجين والمطبلين، صحيح أنّ هذه الظواهر لا تدوم مهما طالت ،لكنّّ يكون الضرر أوالكارثة مهما قصرت، والمفاجأة ليست في المروجين والمنتفعين بل في اللاهثين المضللين .
التاريخ البشري مليء بالشر والأشرار، وكان دائما هناك خيار بين التعقل والتهور، بحيث لا يمكن الجمع بين الاثنين معا، إنّ القضية ليست في الغير، فنحن بحاجة لتبصر وتأمل ذواتنا، والتواضع في معرفة وقائع الحياة وحقائق الأوضاع، والإقرار بالخطأ مهما عظم ،وإلا سنبقى أسرى التجاذبات والمزايدات والتنظيرات و ربما الخزعبلات بعيدا عن حقائق الواقع.
مهما جمّلنا الواقع المرير بقصائد التغزل الوطني ، فالحقيقة هنا أعمق وأوسع من مخيلات القوّالين، على الرغم مما يشوبها، من قيم وأدبيات متناثرة ، فنحن مهددون بنوازع الاستبداد .
لقد أخلص شارل موريس تاليران لنابليون الامبراطور الذي أعطى فرنسا المجد، ولكن عندما تحولت انتصارات الامبراطور لهزائم ،وأغرق فرنسا في الجنون ، وأصمّه صوت ذاته عن شعبه ووطنه، واستسلم داهية فرنسا للغرور يتكفله كما يفعل بجميع مصابيه، عندها رأى تاليران أن الحل الوحيد في سبيل فرنسا هو الوقوف ضد الامبراطور قائلاً له :لا أستطيع أن اكون معك ومع فرنسا في وقت واحد )وردّد دائما :(كنت أحافظ دائماً على مصالح فرنسا أكثر من مصالح الأشخاص مهما كانوا)
يقول ادوارد سعيد في كتابه المثقف و السلطة :إنَّ المثقَّف الحق هو ذلك الذي يمثِّل المسكوت عنه وكل أمر مصيره النسيان، لأنَّ المثقَّف الحق لا يمثّل أحدا بل يمثّل مبادئ كونية مشتركة لا تنازل عنها، فهو يمثّل نبض الجماهير وهو الذي لا يقبل أبدا بأنصاف حلول أو أنصاف الحقيقة، هو الشخص الذي يواجه القوة بخطاب الحقّ ويصرُّ على أنَّ وظيفته هي أن يخبر نفسه ومريديه بالحقيقة، إنه المثقَّف الواعي، يعري بفكره ونشاطه هيمنة السلطة السائدة بمختلف أنماطها المادية والاجتماعية والسياسية التي تحتكر البنية الفوقية للمجتمع والسياسة.)
الانحطاط يملأ الفراغ دائما، وفي زمنه ينحط كل شيء جميل، وتنزلق الناس خلف الغرائز والتيارات والأوهام ،وعندما تستفيق من سكرتها ، يكون الأوان قد فات ،ولم يبق سوى الرماد والإصلاح أصبح معجزة.
الانحطاط كالوباء حاد الفتك، والتعصّب والغرور والغباء والخوف والإذلال، يطال كل شيء من أدب وفكر وفن راق وتعليم ووسائل التفاهم والتلاقي، وتصبح التهم جاهزة : إما تخوين وإما تكفير، الأولى سياسية، والثانية فقهية، وتصبح الموهبة إزدراء، والفكر عبث خارج عن الناموس ومطارد وعدو خبيث ولا يبقى إلا الرماد والضحالة.
والسؤال : من الذي يدفع الثمن من قوته و ومستقبله وازدهاره؟! إنهم الصامتون الذين عجزوا عن دفع الظلم والظلام والضحالة والخواء،ليس عن أنفسهم فحسب، بل عن جيل قادم بلا رؤية ، ومرّ الزمن السريع الثمين من غير توقف، فهو لا ينتظر الكسالى ولا يطرق أبواب الموهمين الغارقين في غفوة شعارات نخرتها الوقائع .
الناس كالحديقة لا يصنع جمالها زهرة واحدة بل باقات زهورها مجتمعة، فلنجتهد في صون مظاهر التعدد وجوهر الاحتضان ،لأنّ الفرد مجرد عبث بشري عندما يحاول التفرد بأملاك الله وحريات البشر.
إن الاستبداد شر مطلق يغتال كرامة الإنسان وذكاءه وحريته وكبرياءه ،و يفضي إلى وخائم جمّة على الأفراد والشعوب، فليس من الممكن أسر الناس وتأطيرهم في قالب واحد صلد، فالتطور لا يحدثه المتصلبون ، وأصحاب الفكر المغلق، فلا يُبنى الحاضر ومتغيرات المستقبل على أساليب الماضي وإن كان ناجحا، إنّ غير الاستبداد يحتضن الإنسان والجماعة والطبقات واللغات والأديان والفروق للارتقاء عاليا .
يقول المثل الفرنسي:( إن غلق الأبواب يزيد عدد النوافذ)
بقلم: محمود حسونة ( أبو فيصل )
التاريخ البشري مليء بالشر والأشرار، وكان دائما هناك خيار بين التعقل والتهور، بحيث لا يمكن الجمع بين الاثنين معا، إنّ القضية ليست في الغير، فنحن بحاجة لتبصر وتأمل ذواتنا، والتواضع في معرفة وقائع الحياة وحقائق الأوضاع، والإقرار بالخطأ مهما عظم ،وإلا سنبقى أسرى التجاذبات والمزايدات والتنظيرات و ربما الخزعبلات بعيدا عن حقائق الواقع.
مهما جمّلنا الواقع المرير بقصائد التغزل الوطني ، فالحقيقة هنا أعمق وأوسع من مخيلات القوّالين، على الرغم مما يشوبها، من قيم وأدبيات متناثرة ، فنحن مهددون بنوازع الاستبداد .
لقد أخلص شارل موريس تاليران لنابليون الامبراطور الذي أعطى فرنسا المجد، ولكن عندما تحولت انتصارات الامبراطور لهزائم ،وأغرق فرنسا في الجنون ، وأصمّه صوت ذاته عن شعبه ووطنه، واستسلم داهية فرنسا للغرور يتكفله كما يفعل بجميع مصابيه، عندها رأى تاليران أن الحل الوحيد في سبيل فرنسا هو الوقوف ضد الامبراطور قائلاً له :لا أستطيع أن اكون معك ومع فرنسا في وقت واحد )وردّد دائما :(كنت أحافظ دائماً على مصالح فرنسا أكثر من مصالح الأشخاص مهما كانوا)
يقول ادوارد سعيد في كتابه المثقف و السلطة :إنَّ المثقَّف الحق هو ذلك الذي يمثِّل المسكوت عنه وكل أمر مصيره النسيان، لأنَّ المثقَّف الحق لا يمثّل أحدا بل يمثّل مبادئ كونية مشتركة لا تنازل عنها، فهو يمثّل نبض الجماهير وهو الذي لا يقبل أبدا بأنصاف حلول أو أنصاف الحقيقة، هو الشخص الذي يواجه القوة بخطاب الحقّ ويصرُّ على أنَّ وظيفته هي أن يخبر نفسه ومريديه بالحقيقة، إنه المثقَّف الواعي، يعري بفكره ونشاطه هيمنة السلطة السائدة بمختلف أنماطها المادية والاجتماعية والسياسية التي تحتكر البنية الفوقية للمجتمع والسياسة.)
الانحطاط يملأ الفراغ دائما، وفي زمنه ينحط كل شيء جميل، وتنزلق الناس خلف الغرائز والتيارات والأوهام ،وعندما تستفيق من سكرتها ، يكون الأوان قد فات ،ولم يبق سوى الرماد والإصلاح أصبح معجزة.
الانحطاط كالوباء حاد الفتك، والتعصّب والغرور والغباء والخوف والإذلال، يطال كل شيء من أدب وفكر وفن راق وتعليم ووسائل التفاهم والتلاقي، وتصبح التهم جاهزة : إما تخوين وإما تكفير، الأولى سياسية، والثانية فقهية، وتصبح الموهبة إزدراء، والفكر عبث خارج عن الناموس ومطارد وعدو خبيث ولا يبقى إلا الرماد والضحالة.
والسؤال : من الذي يدفع الثمن من قوته و ومستقبله وازدهاره؟! إنهم الصامتون الذين عجزوا عن دفع الظلم والظلام والضحالة والخواء،ليس عن أنفسهم فحسب، بل عن جيل قادم بلا رؤية ، ومرّ الزمن السريع الثمين من غير توقف، فهو لا ينتظر الكسالى ولا يطرق أبواب الموهمين الغارقين في غفوة شعارات نخرتها الوقائع .
الناس كالحديقة لا يصنع جمالها زهرة واحدة بل باقات زهورها مجتمعة، فلنجتهد في صون مظاهر التعدد وجوهر الاحتضان ،لأنّ الفرد مجرد عبث بشري عندما يحاول التفرد بأملاك الله وحريات البشر.
إن الاستبداد شر مطلق يغتال كرامة الإنسان وذكاءه وحريته وكبرياءه ،و يفضي إلى وخائم جمّة على الأفراد والشعوب، فليس من الممكن أسر الناس وتأطيرهم في قالب واحد صلد، فالتطور لا يحدثه المتصلبون ، وأصحاب الفكر المغلق، فلا يُبنى الحاضر ومتغيرات المستقبل على أساليب الماضي وإن كان ناجحا، إنّ غير الاستبداد يحتضن الإنسان والجماعة والطبقات واللغات والأديان والفروق للارتقاء عاليا .
يقول المثل الفرنسي:( إن غلق الأبواب يزيد عدد النوافذ)
بقلم: محمود حسونة ( أبو فيصل )