يَوْمُكِ يَا أُمِّي يَوْمُ عِيدٍ
عادل جوده
كاتب فلسطيني ـ الرياض
[email protected]
عَلَى غَيْرِ عَادَتِهِ، عَادَ الطِّفْلُ أَحْمَدُ مِنْ مَدْرَسَتِهِ بِوَجْنَتَيْنِ حَزِينَتَيْنِ، وَعَيْنَيْنِ ذَابِلَتَيْنِ، وَشَفَتَيْنِ مُرْتَجِفَتَيْنِ، يَكْتُمُ أَنْفَاسَهُ دَاخِلَ أَحْزَانِهِ، وَيَحْبِسُ دَمْعَهُ دَاخِلَ مُقْلَتَيْهِ، وَمَا أَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ حَتَّى انْطَلَقَ مُسْرِعـاً نَحْوَ أُمِّهِ، وَأَلْقَى بِنَفْسِهِ فِي حُضْنِهَا، وَأَجْهَشَ بِالْبُكَاءِ.
انْشَغَلَ بَالُ أُمِّهِ، فَسَأَلَتْهُ: مَا بِكَ يَا بُنَيَّ؟ هَلْ هُنَالِكِ مَا يُؤْلِمُكَ؟
قَالَ ـ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ ـ: نَعَمْ يَا أُمِّي، لَقَدْ أَوْجَعَنِي صَدِيقِي خَالِدٌ حِينَمَا أَخْبَرَنِي أَنَّهُ لَا يُحِبُّ أُمَّهُ، وَأَنَّهُ لَا يُطِيعُهَا، وَيَصْرَخُ فِي وَجْهِهَا، وَيَشْتُمُهَا !! وَالسَّبَبُ يَا أُمِّي أَنَّهَا تُوقِظُهُ فِي الصَّبَاحِ مُبَكِّراً كَيْ لَا يَتَأَخَّرَ عَنْ مَدْرَسَتِهِ.
قَالَتْ ـ وَالْحُزْنُ يَكْسُو جَبِينَهَا ـ: لِمَ لَمْ تُرْشِدُهُ يَا أَحْمَدُ؟
قَالَ: بَلْ فَعَلْتُ يَا أُمِّي، وَأَرْجُو أَنْ يَفْعَلَ مَا طَلَبْتُهُ مِنْهُ؛
قُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا الْقَوْلُ يَا خَالِدُ؟ هِيَ أُمُّكَ !
هِيَ الَّتِي حَمَلَتْكَ جَنِيناً، وَهِيَ الَّتِي تَحَمَّلَتْ آلَامَ وِلَادَتِكَ، وَبِحَجْمِ تِلْكَ الْآلَامِ فَرِحَتْ بِصَرْخَتِكَ،
هِيَ الَّتِي أَرْضَعَتْكَ يَا خَالِدُ، وَسَهِرَتْ عَلَى طُفُولَتِكَ؛ لَا يَغْمِضُ لَهَا جِفْنٌ إِلَّا إِذَا نِمْتَ، وَلَا يَهْنَأُ لَهَا نَوْمٌ إِذَا مَا صَحَوْتَ، يُصِيبُهَا الْوَجَعُ إِذَا شَكَوْتَ أَوْ مَرِضْتَ، وَتَنْتَفِضُ هَنَاءً إِذَا تَحَسَّنْتَ وَتَعَافَيْتَ، يَمْلَأُ قَلْبَهَا السَّعْدُ وَهِيَ تَهْتَمُّ بِكَ؛ تُحَمِّمُكَ، وَتُلْبِسُكَ، وَتَمْلَأُ الدُّنْيَا ابْتِسَامَتُهَا وِهِيَ تَتَوَلَّى مَأْكَلَكَ وَمَشْرَبَكَ.
وَهَا هِيَ يَا خَالِدُ تَصْحُو بَاكِراً لِأَجْلِكَ؛ تُعِدُّ لَكَ لُقْمَتَكَ، وَتَعْتَنِي بِطَلَّتِكَ، وَقَبْلَ ذِهَابِكَ لِمَدْرَسَتِكَ بِقُبُلَاتِهَا تُوَدِّعُكَ، وَتَبْقَى بِقَلَقٍ تَتَرَقَّبُ عَوْدَتَكَ.
هِيَ أُمُّكَ يَا خَالِدُ، فَإِذَا دَخَلْتَ الْبَيْتَ، فَارْمِ نَفْسَكَ فِي حُضْنِهَا، وَاعْتَذِرْ مِنْهَا، وَاطْلُبْ رِضَاهَا.
قُلْ لَهَا:
سَامِحِينِي يَا أُمِّي، سَامِحِينِي يَا أَقْرَبَ صَوْتٍ، وَيَا أَصْدَقَ قَلْبٍ، وَيَا أَعْذَبَ نَبْضٍ؛
قُلْ لَهَا:
كُنْتُ ضَالاً وَاهْتَدَيْتُ، كُنْتُ تَائِهاً وَعُدْتُ، أَخْطَأْتُ فِي حَقِّكِ يَا أُمِّي وَتُبْتُ، وَهَأَنَذَا بَيْنَ يَدَيْكِ؛ وَبِّخِينِي، عَاقِبِينِي، رُدِّي إِلَيَّ رُوحِي وَسَامِحِينِي.
قُلْ لَهَا ذَلِكَ يَا خَالِدُ وَاحْتَضِنْهَا، تَوَسَّلْ إِلَيْهَا، قَبِّلْ رَأْسَهَا، وَامْسَحْ بِدَمْعَتِكَ خَدَّيْهَا وَيَدَيْهَا، وَقَدَمَيْهَا،
إِيَّاكَ أَنْ تَتْرُكَهَا يَا خَالِدُ حَتَّى تَرْضَى،
فَإِنْ رَضِيَتْ؛ فَقَدْ كَسِبْتَ،
وَإِلَّا؛ فَلَهْفَ قَلْبِي عَلَيْكَ.
عادل جوده
كاتب فلسطيني ـ الرياض
[email protected]
عَلَى غَيْرِ عَادَتِهِ، عَادَ الطِّفْلُ أَحْمَدُ مِنْ مَدْرَسَتِهِ بِوَجْنَتَيْنِ حَزِينَتَيْنِ، وَعَيْنَيْنِ ذَابِلَتَيْنِ، وَشَفَتَيْنِ مُرْتَجِفَتَيْنِ، يَكْتُمُ أَنْفَاسَهُ دَاخِلَ أَحْزَانِهِ، وَيَحْبِسُ دَمْعَهُ دَاخِلَ مُقْلَتَيْهِ، وَمَا أَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ حَتَّى انْطَلَقَ مُسْرِعـاً نَحْوَ أُمِّهِ، وَأَلْقَى بِنَفْسِهِ فِي حُضْنِهَا، وَأَجْهَشَ بِالْبُكَاءِ.
انْشَغَلَ بَالُ أُمِّهِ، فَسَأَلَتْهُ: مَا بِكَ يَا بُنَيَّ؟ هَلْ هُنَالِكِ مَا يُؤْلِمُكَ؟
قَالَ ـ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ ـ: نَعَمْ يَا أُمِّي، لَقَدْ أَوْجَعَنِي صَدِيقِي خَالِدٌ حِينَمَا أَخْبَرَنِي أَنَّهُ لَا يُحِبُّ أُمَّهُ، وَأَنَّهُ لَا يُطِيعُهَا، وَيَصْرَخُ فِي وَجْهِهَا، وَيَشْتُمُهَا !! وَالسَّبَبُ يَا أُمِّي أَنَّهَا تُوقِظُهُ فِي الصَّبَاحِ مُبَكِّراً كَيْ لَا يَتَأَخَّرَ عَنْ مَدْرَسَتِهِ.
قَالَتْ ـ وَالْحُزْنُ يَكْسُو جَبِينَهَا ـ: لِمَ لَمْ تُرْشِدُهُ يَا أَحْمَدُ؟
قَالَ: بَلْ فَعَلْتُ يَا أُمِّي، وَأَرْجُو أَنْ يَفْعَلَ مَا طَلَبْتُهُ مِنْهُ؛
قُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا الْقَوْلُ يَا خَالِدُ؟ هِيَ أُمُّكَ !
هِيَ الَّتِي حَمَلَتْكَ جَنِيناً، وَهِيَ الَّتِي تَحَمَّلَتْ آلَامَ وِلَادَتِكَ، وَبِحَجْمِ تِلْكَ الْآلَامِ فَرِحَتْ بِصَرْخَتِكَ،
هِيَ الَّتِي أَرْضَعَتْكَ يَا خَالِدُ، وَسَهِرَتْ عَلَى طُفُولَتِكَ؛ لَا يَغْمِضُ لَهَا جِفْنٌ إِلَّا إِذَا نِمْتَ، وَلَا يَهْنَأُ لَهَا نَوْمٌ إِذَا مَا صَحَوْتَ، يُصِيبُهَا الْوَجَعُ إِذَا شَكَوْتَ أَوْ مَرِضْتَ، وَتَنْتَفِضُ هَنَاءً إِذَا تَحَسَّنْتَ وَتَعَافَيْتَ، يَمْلَأُ قَلْبَهَا السَّعْدُ وَهِيَ تَهْتَمُّ بِكَ؛ تُحَمِّمُكَ، وَتُلْبِسُكَ، وَتَمْلَأُ الدُّنْيَا ابْتِسَامَتُهَا وِهِيَ تَتَوَلَّى مَأْكَلَكَ وَمَشْرَبَكَ.
وَهَا هِيَ يَا خَالِدُ تَصْحُو بَاكِراً لِأَجْلِكَ؛ تُعِدُّ لَكَ لُقْمَتَكَ، وَتَعْتَنِي بِطَلَّتِكَ، وَقَبْلَ ذِهَابِكَ لِمَدْرَسَتِكَ بِقُبُلَاتِهَا تُوَدِّعُكَ، وَتَبْقَى بِقَلَقٍ تَتَرَقَّبُ عَوْدَتَكَ.
هِيَ أُمُّكَ يَا خَالِدُ، فَإِذَا دَخَلْتَ الْبَيْتَ، فَارْمِ نَفْسَكَ فِي حُضْنِهَا، وَاعْتَذِرْ مِنْهَا، وَاطْلُبْ رِضَاهَا.
قُلْ لَهَا:
سَامِحِينِي يَا أُمِّي، سَامِحِينِي يَا أَقْرَبَ صَوْتٍ، وَيَا أَصْدَقَ قَلْبٍ، وَيَا أَعْذَبَ نَبْضٍ؛
قُلْ لَهَا:
كُنْتُ ضَالاً وَاهْتَدَيْتُ، كُنْتُ تَائِهاً وَعُدْتُ، أَخْطَأْتُ فِي حَقِّكِ يَا أُمِّي وَتُبْتُ، وَهَأَنَذَا بَيْنَ يَدَيْكِ؛ وَبِّخِينِي، عَاقِبِينِي، رُدِّي إِلَيَّ رُوحِي وَسَامِحِينِي.
قُلْ لَهَا ذَلِكَ يَا خَالِدُ وَاحْتَضِنْهَا، تَوَسَّلْ إِلَيْهَا، قَبِّلْ رَأْسَهَا، وَامْسَحْ بِدَمْعَتِكَ خَدَّيْهَا وَيَدَيْهَا، وَقَدَمَيْهَا،
إِيَّاكَ أَنْ تَتْرُكَهَا يَا خَالِدُ حَتَّى تَرْضَى،
فَإِنْ رَضِيَتْ؛ فَقَدْ كَسِبْتَ،
وَإِلَّا؛ فَلَهْفَ قَلْبِي عَلَيْكَ.