الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تجربة ذاتية 1

تاريخ النشر : 2018-03-19
تجربة ذاتية 1
التجربة الذاتية للأستاذ الدكتور محمد بكر البوجي 

ولدت في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين لأب من قرية يبنا ، وأم من مدينة يافا، في العاشر من إبريل عام ألف وتسعمائة وثلاثة وخمسين ،  هذا قدري أن أولد لاجئا مع جموع  المشردين من وطنهم فلسطين بفعل الطائرات والدبابات العسكرية الإنجليزية والأمريكية والفرنسية.. والأوربية عموما التي أرسلوها لليهود لإنشاء وطن لهم وطرد الشعب الفلسطيني من أرضه.  البدايات إذا لم تخني الذاكرة  كنت في الثالثة من عمري  عام 1956م أثناء الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة عندما دخل جيب عسكري لقوات الاحتلال مخيم الشاطئ، هربت إلى المنزل ثم تبعني أخي  الكبير عادل وهو يقول إلىهود يطلقون النار علينا، لكنني لا أذكر عندما دخل الجنود بيتنا وأخذوا أبي أسيرا ، وضربوا جدي الذي حاول منعهم، هذا ما علمته فيما بعد. قبل دخولي المدرسة رأيت والدي يلبس وكذلك والدتي راقبت الحالة، فهمت أنهما سيخرجان لكن لا أعلم إلى أين ، تتبعت خطواتهما وأنا أمشي خلف والدي وهو لا يعلم ـ وصلنا دوار ميناء غزة ، صعد والدي الباص – باص الحاج موسى -  صعدت أمي قبله ،   فجاة وجدني أبي بجواره على الكرسي حافي القدمين ، بملابس الشارع ، كان الوقت بعد الغروب ، دخلنا سينما الجلاء وحضرت معهم  فيلم جميلة بوحريد ، شاهدت الفيلم على العتمة ، زرع هذا الفيلم في نفسي شيئا من حب الوطن ومفهوم التضحية مبكرا ، ولا زلت أحفظ بعضا من مشاهده .  دخلت جمعية تحفيظ القرآن الكريم وذلك قبل دخولي المدرسة بعام واحد ، كنت سريع الحفظ ، بعد أسبوع حفظت عددا كبيرا من قصار السور فعينني الشيخ لأمتحن الأولاد قبل أن يختبرهم هو، الأمر الذي سبب سخط الطلاب علي وغيرتهم، فكانوا يضربونني عندما نخرج من الجمعية  التي كنا نتعلم فيها , كنت أشكو للشيخ  فنهرهم وبذلك أصبحت من أقرب  الطلاب إلىه . بعد عام تقريبا سجلت بالمدرسة وأنا أحفظ معظم الجزء الثلاثين (عم) من القرآن،  درست في مدرسة ذكور الشاطئ الابتدائية (أ) وقد دخلتها قبل أواني ، كان عمري خمس سنوات ونصف وذلك لمعرفة أخي الكبير للأستاذ الذي يسجل الطلاب الجدد في المدرسة ، درسني في هذه المراحل أستاذ ياسين قفة وهو من حببني اللغة العربية وكذلك الأستاذ عيد مسلم الجعيدي ، والأستاذ وليد فرح أستاذ الموسيقى الذي اختارني  ضمن فرقة النشيد بالمدرسة يبدو لأنني قصير القامة فكنت أقف في مقدمة الفرقة دائما، وقد حفظت النشيد بسرعة . أحببت اللغة العربية وكنت أحصل  في السنة على ثلاث أو أربع جوائز رمزية ، قلم رصاص أو ممحاة أو علبة ألوان ، كنت  في مادة الإملاء أحصل على علامات عالية وهو الأمر غير المعتاد بالنسبة للأستاذ ياسين قفة الذي اعتمد أسلوبه على اختيار الكلمات التي تحتوي على العديد من الهمزات , فكان من يحصل على علامة ست درجات من عشرة قلة من الطلاب وأكون دائما أنا منهم لذلك هو من حببني اللغة العربية . أتذكر انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965 م بحضور الزعيم أحمد الشقيري وحضرت العديد من الخطابات له, كنت دائما أشاهد الشباب وهم يتقدمون للفحص الطبي  للتدرب على السلاح ، وكذلك كانت اللجان الشعبية تدرب الشباب على السلاح وتدربت وأنا في المرحلة الإعدادية على حمل السلاح ، وكان سلاحا قديما من بقايا الحرب العالمية كل طلقة بحاجة إلى تعبئة من جديد ،لم نكن نتخيل أبدا أن الهزيمة قد تحل بنا كنا ونحن أطفال نذهب  خارج إطار مخيم الشاطئ ونرى الجنود المصريين ودبابتهم الضخمة في منطقة تل الهوى – حي برشلونة -حإلىا ،  كنا نظن أن النصر قادم لا محالة  وكنت لأول مرة أرى تلك المشاهد فأيقنا جميعا أن النصر سيتحقق، وأننا عائدون إلى بلادنا فلسطين . شاهدت كبار السن في الحارة يضعون ملابسهم وما يمتلكون من متاع بسيط في أكياس أو يربطون متاعهم داخل بطانيات ويربطونها ، لأننا غدا عائدون إلى المجدل ويافا وحمامة والجورة ويبنا. بعد انتهاء الحرب رأيتهم يعيدون ترتيب ممتلكاتهم وهم يرددون : انتهى كل شيء ، يبدو أن المخيم سيكون الوطن البديل ! ذهبنا يوما إلى منطقة النصر شمالي مستشفى النصر الان ، شرقي غزة ، كان هناك مدفع للطائرات ألقينا التحية على الجنود والضباط المصريين ، أخذنا معنا طعاما لهم لكنهم رفضوا باعتذار ،  شاهدنا مدافع الطائرات , رأيت أثناء الحرب الطائرة الإسرائيلية وهي تقصف المدفع والضابط  المصري جالس مكانه يقاوم ببسالة وهو يؤدي واجبه باستماتة ,  يطلق الرصاص على الطائرة الإسرائيلية حتى أستشهد متفحما على كرسيه، هذه شهادة للجنود المصرين الذين قاوموا ببسالة على أراضي قطاع غزة . حدثت نكتة  أثناء الحرب ينبغي ذكرها : كنا نتساءل – خاصة العجائز - أين الطائرات العربية ؟ قلت هذه  طائرات عربية - مازحا أو مخففا على نساء الحارة – وأشرت إلى طائرات ميراج إسرائيلية عائدة من سيناء متجهة إلى داخل فلسطين شمالا ، رفعت الحجة يديها – الله ينصركم ، منصورين دايما – ضحكت وقلت هذه طائرات  إلىهود ، فنهرتني بقسوة . ما حدث في حرب 1967م كان خارج نطاق توقعاتنا، فلم أتناول الطعام يومين كاملين بسبب ما حدث في تلك المعركة وانسحاب جنودنا وحضور خإلى الضابط في جيش التحرير الفلسطيني إلى منزلنا وقام بدهن بندقيته بالسمن ولفها بقطعة خيش ثم دفنها تحت التراب فأدركت لحظتها أن الدفن لم يكن فقط للبندقية بل للقضية الفلسطينية بأكملها، أدرت وجهي وأخذت أبكي . كانت حرب قاسية جدا، قررنا أولاد الحارة أن نذهب لبيارات الحمضيات في مشروع عامر شمالي مخيم الشاطئ لنجمع الحطب ونوقد النار لنخبز ، هناك رأيت العديد من الجنود الفلسطينيين في تلك المنطقة تاركين سلاحهم ملقى على الأرض تحت الشجر وفي الشوارع ، تلك المشاهد أثرت في نفسيتي وجعلتني أدرك أن المعركة تحتاج لإعداد آخر وبشكل مختلف. آخر لقاء للسيد أحمد الشقيري  رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وقائد جيش التحرير الفلسطيني ، وهو الذي سافر إلى الصين وأحضر سلاحا لنا ، كان قبل الحرب بأسبوع يلقي كلمته في أرض الكتيبة العسكرية  بغزة ، التي هي الآن جامعة الأزهر ، كنت حافي القدمين كباقي أولاد الحارة ، كنت صبيا تواقا لرؤية ما سيأتي ، أذكر آخر كلمة قالها الشقيري : أنا غدا سأغادر غزة  وأنا واثق أن النصر سيأتي من غزة ، بعدها بأسبوع حدث ما حدث. كان والدي يعمل بالسعودية  مثل الكثير من رجال غزة ، انقطعت السبل وغادر أخي الكبير أيضا إلى الأردن ، عملت في كل مهنة قد تخطر على بال إنسان لأوفر لي ولإخوتي الصغار لقمة العيش فعملت في غسل السمك وفي سماد الزراعة والبيارات وفي بيع أكياس النايلون والخضار والحمضيات ...الخ  تركت المدرسة لمدة سنتين , وجاءت الصدفة عندما قابلتني جارة لنا بالشارع فغضبت مني ونهرتني ونصحتني أن أعود إلى المدرسة , أثرت كلماتها في نفسي وجعلتني أراجع موقفي وعدت إلى الدراسة من جديد . بدأت الدراسة  وكنت طالبا أحاول أن أكون  مجتهدا , ومن ثم تأهلت للمدرسة الثانوية العامة في مدرسة فلسطين الثانوية وكنت بالصيف أعمل, فعملت في الداخل الفلسطيني في مجال البناء المهم أن أجد مصروفا للبيت ثم  حصلت على الثانوية العامة عام 1972م بمجموع يؤهلني للسفر والدراسة في الجامعات المصرية. في تلك الفترة لم تكن موجودة كتب دراسية تصدرها الوزارة أو تجارية ، كنا نعتمد على ما يقوله لنا الأستاذ في الحصة وكنا ندون كل ما يقول وكان لكل مادة دراسية دفتر خاص بها , فكنت أستعير من أبناء الجيران دفاترهم الدراسية وأعيد تدوين ما فيها في دفتر جديد خاص بي في فترة الصيف ، أي قبل بدء العام الدراسي. كانت امتحانات الثانوية العامة تأتي من مصر لهذا كانت قناعاتي الدراسة في مصر ، كنت في تلك الفترة (عامل بناء) في الداخل المحتل, في بئر السبع بالتحديد وأكثر تحديدا بجوار مبنى جامعة بئر السبع الآن حيث كانت في مرحلة الإنشاء وانتهاء المبنى الرئيسي فيها عام 1974م وكانت في طرف البلد ، ولأول مرة أشاهد طالب وطالبة إسرائيليان يجلسان أمامي مباشرة وعلى بعد خطوات بالأحضان والقبلات فتساءلت هل هؤلاء طلاب علم !؟ هل هؤلاء من هزمونا!؟  لم يرق لي هذا الحال فكثيرا ما كنت أنزوي بنفسي وأتألم إلى درجة البكاء ، لأنني لم أكن أرغب أبدا أن يكون هذا مصيري - الآن تسيطر علي رغبة أن ألقي ندوة في هذه الجامعة وأتحدث عن تجربتي في الحياة -  كنت شخصا متدينا, وأنا ابن جامع معسكر الشاطئ الشمالي وإمامه الشيخ أحمد ياسين ، كنت من تلاميذه الناشطين في حفظ القرآن الكريم ونشاطات أخرى  والاعتكاف في المسجد ، وقراءة القرآن بعد صلاة الفجر، في العام 1964م حضر ثلاثة رجال إلى تبة رملية أمام بيتنا الجديد في معسكر الشاطئ الشمالي ، طلب أحدهم مني أن أمسك الخيط وأتجه به نحو القبلة لتحديدها وأبلغوني أنهم بصدد مشروع بناء مسجد هنا ، أذكر منهم الشيخ أبو زكي الشنطي وكان يعمل في الخليج .  بعد حصولي على الثانوية العامة وإصرارا مني للسفر إلى مصر للتعلم  ذهبت للدراسة في معهد فلسطين الديني الأزهري بغزة وكان الشيخ محمد عواد قد اتفق مع جامعة الأزهر بالقاهرة على إرسال طلاب من الحاصلين على الثانوية الأزهرية للدراسة في مصر بكل أنواع التخصصات ، وقد كانت تلك الدراسة تتناسب مع ميولي الدينية المتعصبة ومع رغبتي في الذهاب إلى مصر للدراسة فيها. كانت غزة منقطعة عن العالم، لا بريد ولا هواتف، دفعني هذا أن أكتب خطابا إلى والدي في السعودية ، ووضعته في دفتر الامتحان أعرف أن الورق سيذهب إلى القاهرة ، وكتبت على رأس الخطاب كلمة شكر للأستاذ المصحح الذي سيرسله إلى السعودية بالبريد المصري .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف