الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أنا موجود إذا أنا أفكر بقلم:عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2018-03-17
أنا موجود إذا أنا أفكر بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
أنا موجود إذا أنا أفكر ( عادل بن مليح الأنصاري )


ربما انبثقت فكرة ( دماغ في وعاء) المرعبة , وهي ببساطة تدور حول نظرية خيال علمي أن العالم من حولنا ليس إلا واقع افتراضي داخل ذاكرة كمبيوتر ضخم حديث , وأن كل ما نراه ونعيشه ليس إلا عبارة عن صور كمبيوترية ينتجها ويوجهها كمبيوتر (ما) وبإدارة عقول (معينة) , ولو نظرنا للموضوع من وجهة نظر الفلاسفة ألا دينيين ربما ندرك لماذا أوغلوا في الغوص في تلك الأفكار والفلسفات المادية الغريبة حيث لم تتقيد أفكارهم بالمسلمات الدينية التي تنهي الكثير من تلك المشكلات العالقة في أذهان الفلاسفة .
هل هناك علاقة بين (كهف أفلاطون) وبين نظرية الشك التي بدأها ديكارت واستفحلت حتى نتج عنها أفكار مثل ( دماغ في وعاء ) ؟
لقد اتخذ معظم الفلاسفة من أفكارهم نقطة انطلاق لفهم الكون وتجاهل كل المسلمات الواقعية وتبريراتها الدينية أو العاطفية , تماما كما صور أفلاطون الناس بسجناء في كهف وخرج أحدهم للعالم الخارجي الوسيع ثم عاد ليصف لهم ما شاهده وحفزهم على الخروج لمشاهدة العالم كما شاهده هو , فالصورة هذه كما صورها أفلاطون ربما تكون صورة صحيحة وواقعية في إطار سردها كما هي , ولكن ربط الوجود البشري وحقيقة الحياة بها غير منطقي إطلاقا , فما هو الأساس لهذا الربط الفلسفي لتلك الصورة الشاملة للكون ؟
وحتى فكرة الحكم على الأشياء الملموسة عن طريق إطلاق أحكامنا عليها من خلال (صندوق مقفل) إلا من فتحات صغيرة نراقب فيها الكون ونستنتج مسلماتنا أو نحكم على الموجودات من خلال هذا الصندوق المقفل والكمية المعرفية الضئيلة التي تتسرب من ثقوبه نحو عقولنا وإدراكنا تحتاج لإثبات معاكس للرؤية تلك , فاللون الأحمر ليس بالضرورة أن يكون أحمرا كما نتخيله وربما كان لها لون أو إحساس باللون غير الموجود في ( الصندوق ) , فكيف يثبت لنا (جون لوك) صاحب نظرية الصندوق أو حتى سلفة أفلاطون صاحب فكرة ( الكهف) أو غيرهم أن اللون الأحمر في حقيقته غير أحمر ؟
هنا أتساءل بكل بساطة، كيف اتخذت تلك الأشياء داخل ( الصندوق ) من العدم حقيقتها وشكلها ولونها وملمسها إلا من خلال الواقع حارج (الصندوق) حتى لو نفذت من خلال ثقب صغير يحجب الكثير من (الحقيقة) ؟
وبطريقة أخرى أن ما بداخل (الصندوق) لا يمكن أن يكون خلاف ما هو خارجه , لأنه امتداد وانعكاس وأثر لما هو خارجه , وهنا نستحضر مقولة الإعرابي القديم ( البعرة تدل على البعير , والأثر يدل على المسير ) .
(( تقول الفلسفة أن (لوك) قدم تفسيرا من أكمل التفسيرات حول ما يعرف بنظرية التمثيلات الإدراكية , "بمعنى أن إدراكنا للأشياء هو إدراك مباشر لتمثيلات هذه الأشياء في عقولنا وليس للأشياء نفسها )) , ولكنهم لم يفسروا لنا كيف ومن أين شكل العقل وأدرك جوهر الأشياء من دون تعرفه على حقيقتها ؟
فلو أن العقل أدركها بمعزل عن جوهرها وحقيقتها كيف ربطها بمفهومها كما وضع لها تلك الصورة ؟
وكيف نتأكد (نحن) أن العلاقة بين الصورة داخل الصندوق والصورة خارج الصندوق هي نفسها ؟
أي أن مبدأ الشك الديكارتي يصنع عالمين منفصلين , عالم داخل الصندوق وعالم خارجه , لقد نسف ديكارت حتى حقيقة وجوده (خارج الصندوق) وحاول إثبات الاعتراف بحقيقته ووجوده داخل الصندوق فقط فهو ( يفكر فهو موجود) أي أنه نسف نظرية الحس بنظرية ألا حس .
وجود الإنسان ككيان محسوس ومادي لم يعد رهنا بتلك الحقائق الكيميائية والفيزيائية والإنسانية والشعورية والممارسة الحياتية اليومية (خارج الصندوق) بل بمجرد فكرة (داخل الصندوق) وممارسة لدفق غير حسي من الأفكار يثبت وجوده !
هل لعبادة العقل وسيطرة هذا العقل على عقول بعض الفلاسفة علاقة بنسف كل الماديات والاكتفاء بدفق الأفكار كدليل وحيد على وجود الإنسان ؟
هل هي مجرد إيحاءات لتمجيد العقل والفكر على حساب المحسوسات العابرة و الشكلية ؟
هل أولئك الفلاسفة جادون في فصل الوجود المنظور والمحسوس إلى وجود وهمي لا تربطه علاقة بحقيقة الوجود الذي نعرفه ونعيشه ونحسه كبشر ؟
لماذا أنا أفكر لأكون ولأثبت أني موجودا ولا أكون موجودا فلذا يجب أن أفكر ؟
ماهي طبيعة الأفكار وخصائصها التي يقصدها ديكارت ؟ هل هي أفكار تتعلق بحياتنا بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة , العظيمة والحقيرة ؟
هل يقصد ديكارت وغيره من الفلاسفة أن الإنسان الغير مفكر ( بطريقتهم ) لا يستحق أن يكون موجودا ؟
الإنسان مهما كانت عقليته وثقافته وبيئته وعمره ومكانته يستطيع التفكير , فهو يستحق الوجود , إلا لو حددنا التفكير بما يقصده ديكارت وبقية الفلاسفة , بل وحتى الحيوانات والحشرات والجراثيم لها تفكير بحدود طبيعتها والأدلة على ذلك لا تعد ولا تحصى بدءا من الفيل وحتى الجرثومة .
ربما نستطيع أن نضع مفهوما مبسطا لما يقصده فلاسفة ( الصندوق ) و ( الكهف ) , ولا ندري بحقيقة (أنا أفكر إذا أنا موجود) , هل تعني الاستدلال على (حس الوجود) بالقدرة على التفكير , أو لا معنى للوجود الحسي إلا بارتباطه بعقل مفكر ؟ وما هي درجة ومستوى تلك الأفكار ؟ ومن يضع المعيار والمقياس لدرجة الفكر التي تؤهل صاحبها وتمنحه شرف الوجود من عدمه ؟
وهنا أتذكر آيات عظيمة في سورة المدثر فيها رابط عبقري بين التفكير والحس , وكيف أنهما مترابطين وكل واحد منهما يدل على وجود الآخر , يقول تعالى :
{إنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر* ثم قتل كيف قدر*ثم نظر*ثم عبس وبسر* ثم أدبر واستكبر }
فهنا قرن التفكير بالحس , ولولا التصرف الحسي لما بانت نتيجة التفكير , فالوجود والتصرف الحسي هو دلالة على وجود التفكير وليس العكس , فلو افترضنا أن شخصا ما فكر في فعل أمر ما وبعد التفكير مليا في تنفيذه تراجع عن ذلك , فكيف لمن يراقبه أن يعرف أنه أوجد تفكيرا وقضى وقتا في صياغته وتشكيله دون أن يبادر بتحويله لتصرف حسي ؟
فالتصرف الحسي هو دليل على أن تفكيرا سبقه وأن هذا التصرف الحسي هو نتيجة لذلك التفكير وليس العكس , فكيف استدل على المحسوس بغير المحسوس ؟
وهنا أتذكر مقال قديم قرأته منذ سنوات طويلة هو عبارة عن رسالة تتناول فكر (سبيونوزا) في كتابه (مبادئ الفلسفة الديكارتية) , أي الشك في كل شيء والتخلص من كل أحكام مسبقة , حتى بلوغ الحقيقة , وقد خطر على بالي وقتها (كنت في ألـ 18 من العمر) كيف يتمكن الإنسان بفكره الخالص وبدون أحكام مسبقة من بلوغ الحقيقة دون الانطلاق من محيطه المادي , هل يحتاج لنوع من الارتقاء الروحي أو الاستعانة بعامل خارجي له القدرة على تسليط الضوء على حقيقة الأشياء , وهنا يجب أن تكون قوة فوق مستوى البشر لتقدم الحقيقة الخالصة دون شك وتضليل , هل هي استعانة بمصدر ينكره أصلا سبيونوزا ؟
وحاولت البحث عن مقولة لسيبيونوزا قرأتها أنذاك ولكن للأسف لم أجدها , ولكني ما زلت أذكر خلاصتها جيدا وهو محاولته إثبات أن كل عمل حسي لا بد أن يُسبق بمرحلة تفكير , وأذكر أيضا أنني فكرت وقتها اين الغريب في تلك المعلومة , فمن الطبيعي ان يسبق كل فعل تفكير , وربما حتى الحيوانات التي لا تعقل ينطبق عليها هذا القول , ومن هذه المقولة لسيبيونوزا تذكرت تلك الآية الكريمة في سورة المدثر حيث تتحدث الآية عن عملية فكر ثم إعادة ومراجعة لذلك الفكر ثم تبعها تصرف حسي عملي .
وبصورة أخرى، هل يتوقف دليل ومعرفة الوجود ( الحسي ) لو كان هو المقصود , بالتفكير .
هنا يجب أن نجد إجابة محددة من تيار الفلاسفة , هل المقصود هو الوجود (الحسي المادي) أم مجرد الجوهر والقيمة الإنسانية في معنى الوجود وأحقية معنى الوجود فقط لمن يمتلك القدرة على التفكير والإضافة الحضارية والثقافية لمسيرة الإنسان , فمن خلال تلك الإجابة سنجد طبقا لمستويات التفكير لدى البشر من حيث عدة اعتبارات مهمة وهي ( السن - الثقافة - البيئة – المكانة ) فهذه الاعتبارات تحدد مستوى (الفكر) بين إنسان وآخر , فلو كان الوجود المقصود وجودا ( حسيا ماديا ) فكيف يكون وجودهم حسب اختلاف تلك المعايير ؟
وإن كان وجودا (معنويا) ويقصد به القيمة الحقيقية لوجود الإنسان ومدى تأثره وتأثيره في محيطه البشري بحيث لا يستحق هذا الوجود وقدسية الانتماء لمجتمع بشري مفكر صانع للحضارة ومساهم في رقي الإنسان إلا من كان (مفكرا) نحتاج لقانون ومقياس يُدخل ويُخرج تلك المستويات من القدرة على التفكير ووضع معايير دقيقة تتحكم في إصدار الصلاحية لذلك (الوجود) كلا حسب مستوى فكره الذي يُنتجه .
ربما يجد الإنسان العادي لو قُدّر له الدخول في (كهف) أو (صندوق) الفلاسفة لوجد كما هائلا من المعروضات التي تستعصي على فهمه , وقد تكون نتيجة لنوع من الغرور البشري عند البعض في رفض المسلمات ومحاولة خلق حقائق وحتى أفكار وماديات ترضي غرورهم في كونهم خالقين للمعرفة وحتى لحقيقة الوجود كما يرونه بفكرهم وليس كما وجدوه , إنه خروج العقل والفكر عن سيطرة الفطرة .

إن الطفل بعد ولادته ولمّا تشكله قواعد الفلسفة أو تحاول إعادة خلق الأشياء من حوله كما يراها , هو ذاته ذلك المخلوق الذي سيصبح يوما فيلسوفا مفرطا في ألا معقول أو إنسان بسيط محدود (التفكير) , هو ذاته الذي يستمد مبادئ الوجود من محيطه الصغير الذي وجد نفسه فيه داخل ( الصندوق ) أو خارجه , فلو وضعت أمامه شمعة مشتعلة أو تفاحة حمراء لن يدرك الفرق بين لمس كل منهما إلا بعد التجربة , ولن يحتاج ( ليفكر ) هل وجوده مرتبط بملمس التفاحة أو بلسعة نار الشمعة .
من وجهة نظري المتواضعة أن مبدأ الشك والكثير من أطروحات الفلاسفة تكاد تتمحور حول الغوص في أعماقهم البشرية دون النظر لما حولهم , وكانت فلسفاتهم نتيجة طاقة متدفقة في عقولهم تحاول إثبات وجودها من خلال رفض كل ما هو موجود , ورفض الأحكام المسبقة المبنية على أشياء ليس لهم يد في وجودها وتشكيلها , وربما هو نوع من التمرد على الفطرة وعلى الخالق الأعظم الذي ومن وجهة نظرهم ( يحاول إذلالهم بتقبل وجودهم وفكرهم وكل ما يحيط بهم ويسير حياتهم كما وضعها هو لهم وليس كما يريدون ) , وسيظل ما بداخل ( الصندوق ) هو ذاته ما بخارجه , ولكن قد نحاول عن طريق المعرفة والعلم أن نوسع من ثقوب ذلك الصندوق ونسمح لكمية أكبر من ضوء المعرفة ومن ضوء المسلمات الإلهية من الدخول لداخله والاستفادة من أكبر قدر من تلك المعرفة خارج ( الصندوق ) لبناء حياة أفضل للبشرية .
إن كل ما يحيط بنا من اختراعات ورفاهية تطورت منذ عصر أفلاطون وحتى نهاية الزمن هي عبارة عن أشياء أنتجها إنسان , فحولها من فكرة لحقيقة موجودة أمام عينيه , فلولا هذا ألـ ( أنا ) لما عرفنا أن ثمة فكرة يجب أن ترى النور بوجوده الحسي , فيجب أن نؤمن أنه موجود ثم فكر ثم حول فكره من صورة ذهنية غير حسية لشيء حسي يراه ويلمسه ويتمتع به .
إذا ( أنا موجود إذا أنا أفكر ) .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف