الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

نظام الحكم في الدولة؛ بين النموذج العلماني، الديني، والديمقراطي 3 بقلم د. مؤيد كمال حطاب

تاريخ النشر : 2018-02-20
نظام الحكم في الدولة؛ بين النموذج العلماني، الديني، والديمقراطي 3 بقلم د. مؤيد كمال حطاب
نظام الحكم في الدولة؛ بين النموذج العلماني، الديني، والديمقراطي.

بقلم د. مؤيد كمال حطاب*

"الجزء الثالث"

في الجزء الاول لهذ البحث ذكرنا ان العلمانية متعددة المفاهيم من اهمها نموذج العلمانية الحديثة والذي يتمثل في فصل سلطة الدين عن سلطة الحكم ومنع  أي قيود على حرية الدين أو المعتقد، وأُسس على الاعتبار الحقيقي لدولة المواطنه بحيث تكون الدولة هي الوطن الحاضن لجميع مواطنيه.(1) وقلنا في القسم الثاني ان الديمقراطيه بمفهوم إدارة الاغلية للحكم، وليس حكم الاغلبية المطلق، هو النظام الامثل لتطبيق الديمقراطية والحفاظ على هدف العلمانية الحديثة لتحقيق العدالة، وحفظ الحريات ومنع التمييز والاستبداد. وان الدول الحديثة قد جمعت بين العلمانية الحديثة كمفهوم دستوري، وبين الديمقراطية كالية تطبيق،  لكي تضمن الاعتبار الحقيقي لدولة المواطنه بحيث تكون الدولة هي الوطن الحاضن لجميع مواطنيه.(2)
وتسألنا في نهاية القسم الثاني عن موقف الاسلام من نظام الحكم، وهل بالفعل نص على ضرورة وجود دولة اسلاميه! وسنقوم في هذا الجزء الاخير، بالاجابة على هذا التساؤل.
نظام الحكم في الاسلام:
لم يحدد الاسلام في نصوصه واحكامه نمطا او نظاما معيا للحكم السياسي، وانما ورد في قواعده العامه اسس وعناوين جعلت من العدل والمساوة،  والحريات وحقوق الانسان، وسيادة القانون ومنع الفساد والاستبداد، مطلبا شرعيا عاما بغض النظر عن شكل او نمط  نظام الحكم السيسي او مسمى الدولة. فالعدالة هي منتهى مراد الاسلام بغض النظر نمط الحكم او نظامه، او حتى اسم الدولة. وبذلك فان الاسلام يتناغم مع نموذج الثالث للعلمانية الحديثة كما تم عرضه في الجزء الاول.
وعليه فان النماذج التاريخية للدولة الاسلامية او الخلافة، لا تمثل اي تطبيق محدد للحكم من منظور التشريع الاسلامي بل تعبر عن انماط مختلفة للدولة ونماذج متنوعة للحكم اختلفت باختلاف الازمان وادارة الحكم. فمنوذج "الخلافة الراشدة" هو في الأصل، كما ذكر الباحث محمد ابو رمان،  نموذج تاريخي لا يتعدى عن كونه نموذجا لقيم "عليا تحكم الممارسة السياسية دون وجود آليات محددة"(3). ثم تغيرت طبيعة ومنظومة الحكم الى نمط اقرب ما يكون الى الملكية او الحكم الملكي ضمن معايير العصر الحديث.
وقد ذكر ابن خلدون، في الفصل الثامن والعشرون من مقدمته، ان الخلافة الراشده تحولت بيد الأموية والعباسية ومن بعدهم إلى "الملكية المطلقة" بعد تمكن الملوك  العالم، وتركيز المزيد من الصلاحيات في أيديهم وفكرهم، وقهر مخالفيهم. ولم يرى ابن خلدون ان الحقبتين (الخلافه والملك) قد شكلتا حكومات إسلامية، بل كان يقارنهما مع ملوك عصره واسس الحكم في كل حقبه. كما انه فصل بين السياسة الدينية التي تحكمها عالم الغيب والاخرة، وبين السياسة العقلية التي تحكمها "قوانين سياسية مفروضة يسلمها الكافة و ينقادون إلى أحكامها... مفروضة من العقلاء و أكابر الدولة و بصرائها".(4)
وعليه فان مبتغى الاسلام هو اقامة العدل، بغض النظر عن شكل او نمط الحكم، وما ميز الخلافه الراشده عن غيرها انما كان بسبب عدالتها ضمن معطيات تلك المرحلة وامكانيتها. فالخلافهة الراشدة او الخلافة عموما ليس مبتغى الاسلام في نظام الحكم، والا لما خلت الشريعة من اي نص متعلقة بوجوبها، وإنما مبتغى الاسلام هو ما ذكرناه سابقا من تحقيق العدالة، وضمان الحريات، وتكريس حقوق الانسان ومنع الاستبداد. واي نظام يحقق تلك المطلبات يعتبر مطلبا اسلاميا ونموذجا للخلافة الراشدة، بغض النظر عن مسمى الدولة ونمط نظام الحكم.
وفي ذلك يقول الكواكبي: "هؤلاء الخلفاء الرّاشدين فهموا معنى ومغزى القرآن النّازل بلغتهم، وعملوا به واتَّخذوه إماماً، فأنشؤوا حكومة قضَتْ بالتّساوي حتَّى بينهم أنفسهم وبين فقراء الأمّة في نعيم الحياة وشظفها،... ذلك الطّراز الذي اهتدت إليه بعض أمم الغرب؛ تلك الأمم التي، لربّما يصحُّ أنْ نقول، قد استفادت من الإسلام أكثر ممّا استفاده المسلمون."(5)
ولا غريب ان يذكر الكواكبي ان بعض ما توصل اليه الغرب هو في مضمونه اسلاميا اكثر من الدول التي تسمي نفسها اسلاميه. فما توصل اليه البشرية من تاسيس لنظم حديثه، تفصل بين السلطات، بحيث لا تجعل اي منها يحتكر او يستخدم الاخر، هو افضل الوسائل الحديثة لتحقيق حضارة العدل والمساوة. وهذا النظام الذي سبق ان ذكرنا انه يمثل النموذج الثالث للعلمانية، اي فصل السلطة الدينة عن السياسية، لا يتعارض مع روح الاسلام بل يعبر عنه. فالاسلام قد جعل السياسة تروى بماء الإيمان ولا يروى الدين بمسار السياسة. فلا يتاجر السياسي بالدِّين او يطوع آيات الله وتعاليم الدين لتخدم حزبه، ولا تنحرف السياسه عن المقاصد العامه للدين. فالفصل بينهما ضرورة لنكه فصل قبول وليس إنكار، وفصل تعايش لا تصادم.(6) وهذا يتوافق مع ما كانت تسعى اليه حكومة رسول الله وصحابته، والتي جعلت من تحقيق العدالة بكل السبل الممكنة الهدف الاسمى في ادارة الدولة ونظام الحكم. فكلما اقتربت أدوات اليوم من تحقيق العدالة كلما اقتربنا من نور هديهم.
وقد اعتبر الغنوشي ان الاسلام قد "اعترف بنوع من التمايز بين المجال السياسي بما هو شأن دنيوي يدور على جلب المصالح ودرء المفاسد، مما تأهل فيه العقل للإدراك، وبين المجال الديني وبالخصوص التعبدي مما لا سبيل إليه في كلياته وجزئياته غير سبيل الوحي من عقائد وشعائر وأخلاقيات ومقاصد".(7) واضاف ان الفقهاء والأصوليون قد ميزوا بين مجال العبادات، وهي شان ديني خالص، والأصل فيه التقيد بالنصوص الواردة دون تعليل ولا تعطيل، وبين مجال المعاملات، الذي تدخل فيه السياسة، والأصل فيه البحث عن العلل والمقاصد والمآل، إذ الحكم يدور مع العلة.
الدولة في الاسلام

لم يتمكن من ينادي بان للاسلام دولة من تعليل مطلبهم بدليل صريح من القران او السنة. فرغم خطورة ما يطلبون الا اننا لم نجد ذكر للخلافة او دعوة لاقامتها في القران ولا في صحيح السنة. ومما غفله او تغافل عنه المنادون بدولة اسلامية أن الرسول عليه السلام كان في اعماله ما هو متعلق بصفته البشرية كقائد ( وما تشتمل تلك الصفة من مهام الادراة، والحكم، والقض، والقتال..الخ) او كانسان (بما يشتمل ذلك من علاقات الزوجيه، والحب، والعمل..الخ)، وبين مهمته كنبي مكلف بتبليغ الرسالة. فالاخيرة مُلزِمه لأتباع الرسالة، أما الأولى فهي محل إجتهاد ونظر وتطوير.
ومن هنا جاء حديث أنس رضي الله عنه: "أنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ (النخل)، فَقَالَ:  لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ ، قَالَ: فَخَرَجَ شِيصًا (تمراً رديئاً)، فَمَرَّ بِهِمْ، فَقَالَ : مَا لِنَخْلِكُمْ ، قَالُوا : قُلْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ : أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ".(8)
فلو أثمر النخل وزاد ثمره لأتانا اليوم من يقول، تحت باب الزراعة النبوية (على غرار الحجامة النبوية، والسياسة النبوية، والطب النبوي، إلخ)، أنه من السنة عدم تلقيح الزرع. لكن الله أراد ألاَ يثمر النخل ليبين للناس أن هناك فرق بين الدين الخالص غير القابل للتعطيل، وما هو على عموم الارشاد النبوي، وما يمكن اعتباره مجرد رأي يخطئ فيه النبي ويصيب. والحديث يعد من أصح الأحاديث القليلة جدا التي فصل فيها النبي صراحة بين الدين وشؤون الحياة الانسانية، وبين ما هو من أصل الدين، وما هو ضرورة من ضرورات الحياة. بل هو إشارة واضحة أن القول بفصل الدين عن علوم الدنيا هو من اسس الدين وأساساته، وان الفصل بين الدين والسياسة (سوى الإرشادات العامة في إقامة العدل وكرامة الانسان وحرية الاعتقاد) هو ضرورة من ضرورات الحياة والدين معا. والفصل هنا يكون فصل قبول وليس إنكار، وفصل تعايش لا تصادم.(9)
وضمن هذا الفهم يرى الكاتب العالمي أکبر گنجیان أن الإسلام والعلمانية متناغمان تماما، حيث ذكر ان"الإسلام العلماني" يعني أن جمع المعتقدات والقيم الأخلاقية والتعاليم التي تشكل الإسلام لا تمنح المسلمين مهمة تشكيل حكومة أو دولة".(10) وفي رأيه ان "فكرة إنشاء دولة إسلامية تقوم على القرآن والسنة غير صحيحة، حيث لا يقدم اي منهما(القران او السنة) نموذجا لهذه الدولة". ولكن رغم ان الاسلام لم يقدم نموذجا معينا للدولة، الا انه وضع مبادئ عامه جاءت متفقه مع الميثاق العالمي لحقوق الانسان من حفظ الحريات، وتوطيد المواطنه وتعزيز المساواة، ومنع الظلم والاستبداد.
 وخير ملخص لهذا المفهوم ما ذكره العلامة ابي الوفاء ابن عقيل في مناظرته الشهير عن معنى الحكم والعدل حيث قال: "إن الله ارسل رسله وانزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به السموات والارض فإذا ظهرت امارات الحق وقامت ادلة العقل واسفر صبحه بأي طريق كان فثم شرع الله ودينه ورضاه وامره... والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته واماراته في نوع واحد وأبطل غيره... فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها".(11)
ومثال هذا يتضح في مسالة موقف الفقه الاسلامي من السبي والرق. فَلَو اقتصر العدل على الالزام في فعل الرسول او الخلفاء الراشدين، لصح قول جميع الفقهاء السابقين لعصر تحرير العبيد من أن الرّق من مضامين العدل، لكن العدالة أتت بافضل مما قاله فقه السابقين. حيث ألغت المدنية الحديثة الرّق وعززت آليّات حقوق الانسان وحفظ كرامته. فأي طريق أُستخدم لاخراج الحق واتمام العدل لزم الحكم بمقتضاها. وبالتالي كان إلغاء الرّق من صميم مقاصد الاسلام، ليس لان الاسلام جاء بحكم صريح بهذا الالغاء بل لان الناس استخرجوا بأدواتهم المعرفية وتطوراتهم الاخلاقية مقتضى العدالة حين اتفقوا على إلغاء الرّق والسبي، والعدالة هي متلازمة مقاصد الاسلام كما تقدم.
وعليه فان الاسلام يهدف الى تحقيق العدل، وليس له مطلب خاص، صريح او ضمني، في اقامة دولة معينة بنظام محدد. فمبتغى الاسلام في نظام الحكم ليس شكل او نظام محدد بل تحقيق العدالة، وحفظ الحريات، وتعزيز حقوق الانسان، ومنع التمييز والظلم. وهذا لا يتم الا اذا كان نظام الحكم يمكنه ان ينقسم على جميع المواطنين بغض النظر عن دينهم او عرقهم او لونهم، وله ادوات تسمح بتناقل ادراة الحكم بشكل حضاري بين من يختارهم الشعب لتمثيلهم، وهذا كله يمثله النظام العلماني الديمقراطي الحديث.
 
الخلاصة:
لم يهدف هذا البحث الى الدفاع عن العلمانيه او الديمقراطيه بل النظر في اقرب الوسائل التي تحقق العدل والمساواة وحقوق المواطنة بافضل الوسائل التي تمكن الانسان من ابتكارها في هذا العصر. ففي الاسلام الهدف المحاط به النظام السياسي هو اقامة العدل وليس تحديد شكل النظام.
وقد ذكرنا في القسم الاول ان للعلمانية ثلاثة نماذج، الاول يحارب الدين وهو اقرب الى الفكر الالحادي المدعي انه مبني على العقلانية ويعبر عنه الدول الشيوعيه، والثاني يحصر الدين في الحياة الخاصة ويسعى لفصل الدين عن الحياة العامة وهو النموذج الفرنسي، اما الثالث فهو ما بنينا عليه هذا البحث وهو الذي يفصل بين سلطة رجال الدين عن السلطة السياسية، وهو النموذج الامريكي البريطاني.(12)
وقد تبين ان الاسلام لا يصطدم او يتصادم مع النموذج الثالث وهو العلمانيه السياسية، لكنه رُبما يستطدم ويتصادم مع العلمانيه الاجتماعية  في بعض الجوانب. فمراد الاسلام ومقاصده المتعلقة بالحكم هو تحقيق العدالة، بغض النظر عن الانماط او الطرق المستخدمة لتحقيق تلك الغايه، لان "الطرق اسباب ووسائل لا تراد لذواتها وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد".(13)
وبالتالي فان الاسلام لم يجعل للحكم نمط محدد ولا يمنع من تطبيق العلمانية الحديثة بنموذجها الثالث، بل يمنع الاسلام اي تقييد لحرية الاعتقاد وحقوق الانسان لان هذا التقييد سينشئ الدولة الدينية الثيوقراطيه، وسيخرج حتما الظلم، ومحاكم التفتيش والاكراه الديني.
أما ما تطالب به الحركات الفكريه او السياسية الاسلامية من ان الاسلام قد فرض نظام محدد للحكم متمثل في الجمع بين السلطتين الدينية والسياسة، او في خضوع احدهما لتعاليم الاخرى، بحجة ان الاسلام كلا لا يتجزء، وانه امر بوجود دولة الاسلامية تحتكم الى كليهما،  فهذا التعليل ترده نصوص الشريعة، والتاريخ والواقعيه كما تقدم. فبرغم اجماع تلك الحركات السياسية الاسلامية على الزام الجمع بين السلطتين الدينية والسياسة، وتسميتها بالدولة الاسلاميه، الا انهم مختلفون في كيفية تطبيق ذلك، بين من يريد ان يجلب التاريخ للواقع، وبين من يريد ان يحكم الوقع بالتاريخ، كما انهم ايضا تفرقو في نظرتهم للحكم وطرق التعامل مع متطلباتها.
ان هذا التباين والاختلاف هو اكبر دليل على اهمية النظام العلماني الديمقراطي الحديث. فهو الضامن لمنع الاقتتال الداخلي والحروب الاهليه التي تحرق بنيرانها جميع ابناء الوطن. ولعل اغلب الدول الغربية التي اسست لنظام حكمها على اساس العلمانية الديمقراطية الحديثه، لم تقم بذلك فقط لتعسف الكنيسة، او السلطة الدينة، وانما ايضا بسبب الظلم السياسي والحروب التي حصدت ارواح الكثير من الأبرياء باسم الدين او الوطن. او ربما لانها فهمت المراد من قول ابن خلدون من أن الاوطان التي تكثر فيها العصبية والانقسامات العرقية والدينية، لا يمكن ان يستقر لها حكم او ان تستدم فيها دولة،(14) إلا اذا تمكن القوم من صهر تلك الانقسامات تحت مظلة المواطنة، بحيث يكون الانتماء للوطن والدولة هو الجامع لكل المواطنين.(15)  وهذا لا يتم الا اذا كان نظام الحكم يمكنه ان ينقسم على جميع المواطنين بغض النظر عن دينهم او عرقهم او لونهم.
ولكن نظام الحكم ضمن هذا النموذج للعلمانيه الحديثة يحتاج ايضا الى وسائل واليات للحكم لضمان تحقق الهدف المنشود منه. فكانة الديمقراطية الحديثة، والتي تعني ادارة الاغلبية للحكم، افضل الوسائل التي توصلت اليها المدنية الحديثه لتحقيق العداله. فكما تقدم الجمع بين النظامين هو النموذج الامثل لادارة الحكم والاقدر على بناء مجتمع حضاري للمواطنه ضمن مظلة الدولة المدنية الحديثة التي يسودها تحقيق العدالة.
----------------------------------------
* كاتب وباحث فلسطيني- محاضر في كلية القانون- جامعة النجاح
الهوامش:
(1) انظر الجزء الاول من المقال.
(2) انظر الجزء الثاني من المقال.
(3)  محمد ابو رمان: الإسلام والعلمانية.. هل إلى لقاء من سبيل؟" نشر على موقع الجزيزرة بتاريخ 31/10/2016.
(4) مقدمة ابن خلدون، الفصل 25.
(5) الكواكبي. عبد الرحمن: "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، كلمات عربية للترجمة والنشر، مصر، 1902، ص25
(6) انظر القرضاوى. يوسف: "الإسلام والعلمانية وجها لوجه"
(7) الغنوشي راشد: "الاسلام والعلمانيه" مقال منشور على موقع الجزيره بتاريخ 13/11/2008
(8) رواه مسلم في صحيحه
(9) انظر  حطاب مؤيد كمال: "في ظلال الديمقراطية (2): التنافس السياسي بين أيديولوجيا الدين والوطن" المشور بجريدة الايام بتاريخ6/6/2015.
(10) مصدر سابق- Ganji Akbar
(11) ورد نص المناظرة في كتاب محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية أبو عبد الله: "إعلام الموقعين عن رب العالمين" الجزء الرابع ص473. تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان أبو عبيدة، الطبعة الخامسه، دار ابن الجوزي.  
(12) وهذا النموذج الاخير لا يسعى الى الفصل المطلق للدين عن الدوله. فمعظم الدول التي تتبنى هذا النموذج مازالت تستقي او تتقبل تاثير الدين على تشريعاتها القانونية. فمثلا قانون تحريم الإجهاض في كثير من الدول الاوربيه والكثير من قوانين الاسرة مأخوذة من تعاليم  الدين المسيحي.
(13) اعلام الموقعين مصدر سابق
(14) ابن خلدون مصدر سابق الفصل التاسع عشر
(15) ابن خلدون مصدر سابق الفصل التاسع
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف