الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الحلقة الواحد والثلاثون من كتاب "ذاكرة الترف النرجسي" بقلم:د.حنان عواد

تاريخ النشر : 2018-02-19
الحلقة الواحد والثلاثون من كتاب "ذاكرة الترف النرجسي" بقلم:د.حنان عواد
ألحلقة الواحد والثلاثون.
فضاءات الثورة..
تأسيس فرع فلسطين للرابطة الدولية للقلم.
كانت تجربة الابحار في تجربة احتساب الفقد مؤلمة جدا ومقلقة،تداركناها بالوعي والحرص على الرسالة وأمانة الموقف الذي نسجناه بروح الرئيس ياسر عرفات،ومواقفه النضالية،وتشجيعه الدائم..فكان طيب الله ثراه،لا يتردد في تشجيعي وتسهيل مهامي، والاستجابة لاقتراحاتي ومناقشتي بها.وكما أسلفت سابقا،كنت في جلسة سياسية مع الأخ أبو جهاد والرئيس عرفات،بعد عودتي من المؤتمر الدولي للمرأة الديقراطية،حيث كنت ممثلة فلسطين في هذا المؤتمر النسوي الهام،وكان المؤتمر داعما ومساندا لنضال الشعب الفلسطيني والمرأة الفلسطينية..عرضت تفاصيل المؤتمر على القائدين العظيمين،ثم قلت لهما:"اننا نتعامل حاليا مع المنظمات الدولية الصديقة والداعمة لمواقفنا،فلماذا لا نخترق المنظمات غير الصديقة والتي لا تمثيل لنا بها؟"،صمت كل منهما،وقال الأخ أبو جهاد:"هذا طريق صعب،فهل تستطيعين احتماله؟".ووافقه الرئيس عرفات على ما قال وأضاف:"ان هذه المنظمات يسيطر عليها اللوبي الصهيوني،ولذا ستواجهين مؤامرات وتحديات"،ابتسمت،وصمت قليلا،ثم قلت:دعوني أجرب،لا بد من المحاولة"،فأجاب الرئيس عرفات:"بتقدري"؟،فأجبت:"يا والدي،تطوف في داخلي أمواج التحدي،ولا بد أن أبدأ من أجل فلسطين"،أكبر الرئيس الموقف،وقال لي :"على بركة الله".
حملت المسؤولية،وسرت بها في هذا الطريق المطعم بالأشواك،ببريق ألق اللحظات السامية التي نعيشها،والأمل الذي يرسم طريقنا..عدت الى الأرض المحتلة،وقمت بسلسلة من المشاورات،ثم راسلت الرابطة الدولية ومقرها في لندن،طالبة عضوية لفلسطين..جاءتني رسالة موقعة من الكسندر بلوك،الأمين العام للرابطة الدولية،مرحبا بفكرة تأسيس فرع لفلسطين،مشيرا الى الخطوات اللازم اتخاذها،مضيفا شروطا خاصة يجب أن يتبعها فرع فلسطين حتى تقبل العضوية..
وكان لا بد من الاستئناس برأي الشاعر الكبير محمود درويش رئيس الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين،غادرت الى تونس،والتقيت به،واستقبلني بكل ترحاب..أطلعته على تفاصيل الفكرة والمواقف الأخرى التي ستتبعها،أعجب بشدة بالجرأة  في التحدي،وبالخطوات التي سأتخذها،وأعلمني بأن الاتحاد العام لم ينسج علاقة مسبقة لهذه المنظمة الدولية لاعتبارات عديدة،وقال:ولأن هذه الفكرة انطلقت من الأرض المحتلة، فانني أكبرها وأشجعها".سعدت بذلك،ثم التقيت الأخ أحمد عبد الرحمن،يحيى يخلف،وحكم بلعاوي أعضاء الأمانة العامة للاتحاد،وأطلعتهم على تفاصيل الموضوع،فشجعوني على هذه المبادرة،وآثروا أن لا يتدخلوا في البداية، حتى تنضج الصورة ويتحقق الاعتراف.
أطلعت الرئيس عرفات على خطواتي ولقاءاتي،ثم ودعته،لأعود ثانية الى فلسطين للبدء بالعمل.
اجتمعت مع عدد من كتاب الأرض المحتلة،وتدارسنا الموضوع،ومنحوني الثقة الكاملة للقيام بالخطوات التأسيسية.
جهزت كل ما طلب الأمين العام للرابطة الدولية،وارسلتها،قبلت الأوراق،وأهمها توقيع عشرين كاتب فلسطيني على الطلب،مرفقا بالسيرة الذاتية لكل منهم...ثم وصلتني رسالة أخرى من رئاسة الرابطة مفادها،ان فرع فلسطين يجب أن يوقع على ثلاث نقاط وهي،نبذ الارهاب،الانتصار لحرية التعبير والمساندة لسلمان رشدي...قرأت الرسالة بعمق،وأخذت بالرد،بأن فلسطين ضد الارهاب المنظم وضد ارهاب الدولة الواقع على الشعب الفلسطيني،وهذا موقفنا في منظمة التحرير،وأن ثورتنا الفلسطينية صانعة الحرية،هي الداعم والمساند لحرية التعبير..أما فيما يتعلق بفتوى سلمان رشدي والانتصار له،فقد أغضبنا هذا الطلب كثيرا،ورددت عليه ردا قاسيا وهذا نصه:"الأخ الأمين العام،بعد التحية..اننا ككتاب فلسطينيين نعيش بفكر ملتزم وحرية الرأي مقدسة،اذا لم تمس مقدساتنا..وفي طلبكم هذا،وضعتم الكتاب الفلسطينين في زاوية التعصب،والبعد الديني الواحد..اننا كتاب فلسطينيون، منا المسلم ومنا المسيحي،وتجمعنا التواصلي مبني على قواعد الحرية والديمقراطية،لا على التطرف الديني".وبعد عدة أيام جاء الرد ايجابيا بقبول فلسطين عضوا مراقبا،مرفقة برسالة اعتذار من رئاسة الرابطة لموضوع سلمان رشدي..
هكذا كان بدء المعركة،ونحن مسلحون بأدواتها القتالية..بعد عدة أشهر،سيعقد الكونغرس الدولي للرابطة في  فيينا،وكان علينا أن نشارك بصفة المراقب..أعددت العدة،وتدارست الواقع السياسي الدولي والموقف الوطني،لأعد كلمتي للمؤتمر..ولما حان موعد المؤتمر،غادرت الى فيينا،واستقبلني السفير عويضة،والملحق الاعلامي أحمد دغلاس...
كان المؤتمر في فندق الهيلتون،وفينا مدينة تعيش فيها الألحان التي تكاد تسمعها في كل طريق,,دعاني السفير الى العشاء،ثم عدت ثانية الى غرفتي..جلست،وغاب ذهني في آفاق المؤتمر،وكيف سيكون ؟ومن سأقابل هناك؟..
وفي الصباح،نزلت الى قاعة الطعام، أتلفت يمينا ويسارا علني أرى شخصا أعرفه..وفجأة،اقتربت مني سيدة،وقالت:"لا بد أنك حنان عواد"،أخذتني بالأحضان، وشجعتني كثيرا، وأعطتني بعض النقاط الهامة لاتباعها،ثم أمسكت بيدي لتعرفني على الأمين العام الكسندر بلوك قائلة:"فلسطين"،استغرب وسلم علي بحرارة ودهشة،وقال بمزاح:"انك عدوي الأعز"..ضحكنا،ثم تحركنا لقاعة المؤتمر،أخذت الوفود ترحب بي بحرارة شديدة وتشجعني..وقد اهتم بي كثيرا الوفد الروماني الذي كان يتشكل من الشاعرة الرومانية المعروفة آنا بلانديانا،وشاعرة أخرى تدعى مارتسا،وثلاثة كتاب آخرين بينهم الصحفي دورين، وهو رئيس تحرير مجلة تصدر في أمريكا...جلست الوفود كل الى موقعه،وحسب ترتيب دولته..وافتتح المؤتمر بكلمة الرئيس والذي أعلن عن حضور ممثل لفرع فلسطين،ضجت القاعة بالتصفيق....ثم تبعه الأمين العام،وقال خلال كلمته:"انني سعيد جدا يان أستقبل ممثلة فرع فلسطين،وحينما قابلتها،أصابتني الدهشة،لم أتوقع أن تكون ممثلة فلسطين شابة وبهذه الرقة،كنت أتوقع أن أرى رجلا أو سيدة في سن متقدم"..ثم تابع كلمته،وقدمني الى الحضور لألقي كلمة فلسطين..
أخذت بالقاء الكلمة بكل هدوء،قدمت التحية للوفود المشاركة والتي كانت تضم لفيفا من كتاب العالم المعروفين،بما فيهم كتاب حائزون على جائزة نوبل..واستعرضت الموقف الفلسطيني بكلمات أدبية انسانية ملتزمة،عرجت بها على دور الكاتب الفلسطيني في النضال وفي صنع السلام،مستشهدة بعدد من المقطوعات الشعرية المؤثرة للشاعر محمود درويش،مستعرضة أدب المقاومة كمدرسة فكرية ابداعية نضالية،واختتمت الكلمة بمقطوعة درويش:"وأنت يا أماه
ووالدي واخوتي والأهل والرفاق،
لعلكم أحياء،
لعلكم أموات
لعلكم مثلي بلا عنوان
ما قيمة الانسان؟
بلا وطن،
بلا علم
ودونما عنوان"..
ثم قلت:"ان فلسطين هي العنوان،
والكلمة الفلسطينية الملتزمة هي العنوان
والكاتب الفلسطيني المقاوم هو العنوان..
لذا تستحق فلسطين العضوية،وآمل تصويتكم لها".
قوبلت الكلمة بالتصفيق الحاد،ووقف جميع الحاضرين،وفجأة صعد المنصة مندوب اسرائيل معترضا،مخاطبا المؤتمر:"لا تصدقوا هذه المرأة،صحيح أنها جميلة ورقيقة،ولكنها ارهابية،هي ومن معها من الكتاب يريدون القاء اسرائيل في البحر".
طلبت من الرئيس الرد بسرعة،فأعطاني الكلمة...فقلت:"انني أستغرب من كاتب يتحدث بخرافات،من أنا حتى القي اسرائيل في البحر،هل أنا شمشون الجبار،أو الشاطر حسن،أم الاسكندر المقدوني؟؟،ضجت القاعة بالضحك،ثم تابعت:"انني أستغرب أن يتحدث هذا،وكأنه لا يدري بأن مؤتمر مدريد ينعقد حاليا،ومتزامنا مع الكونجرس...
وتابعت:"ان اتهامه للكتاب الفلسطينيين بالارهاب،يجعلني أتساءل:"هل أنا مع كاتب أم مع بوليس سري"؟؟.صفقت القاعة بقوة،ثم بدأ التصويت لعضوية مراقب،فصوت الجميع ما عدا اسرائيل..كانت قفزة نوعية اعترافية بفلسطين والكلمة الفلسطينية..
وقد التف حولي الاعلاميون من كل صوب،للحديث عن أهمية هذا الحدث،فأخذت أخاطب العالم بقوة،وأبرقت الى السيد الرئيس والشاعر محمود درويش.
كانت فرحة كبرى،حضر على اثرها السفير الفلسطيني الى القاعة وحياني..ثم عقد الكونجرس حفل عشاء وحفل ساهر تقديرا لهذا الحدث الهام..دخلت بكل كبرياء،والتفت حولي الوفود مباركة،ثم جلست مع الوفد الروماني وتحدثنا طويلا،وكان لحن الدانوب الأزرق يعزف،يضفي على الروح والقلب رومانسية حالمة،بعيدا عن السياسة.وقد طلب مني الصحفي دورين اجراء حوار للمجلة،واتفقنا أن نجلس في قهوة بالفندق بعد انتهاء الجلسة الأولى..
وفي اليوم التالي،وبعد الانتهاء من الجلسة،التقينا لاجراء الحوار،أخذ يلقي بالأسئلة،وطفت بروح الكلمة والموقف،وخلال الحوار،حضر الأخوة من السفارة للاطمئنان علي،ثم غادروا،وتابعنا الحوار..نظر الي طويلا باعجاب واضح،ودعاني الى العشاء بعد انتهاء الجلسات،والحقيقة أن هذا الشاب أعجبني بعمق ثقافته والتزامه،يضاف اليها عمق اهتمامه بي،فقبلت الدعوة.
وخلال جلسات المؤتمر،اعتدنا أن نجلس سويا في الاستراحة،في نفس القهوة التي أجرينا فيها الحوار،وأصبحت جلساتنا يومية..
شعرت باقتراب شخصي منه،وتوافق ذهني وحضاري...انتهى المؤتمر،وبدأت الوفود بالمغادرة..رن جرس الهاتف،فاذا هو يعلمني بأنه مسافر،وأنه سيحضر لوداعي...حضر بعد خمس دقائق،ودعني بحزن شديد،قبلني على جبيني ،ثم غادر..أحسست بشيء من عدم التوازن،هنا الحقيقة المرة،استدركت ذاتي،أصابني حزن شديد..نزلت الى قاعة الافطار،وودعت عددا آخر من الأصدقاء،ثم ذهبت الى القهوة التي اعتدنا الجلوس بها،فطار ذهني بعيدا،وشيئا ما يعتصر
في داخلي،أمسكت القلم، وبدأت أكتب....
كتبت مقطوعة مميزة،بها كثافة الوجدان،ورمزية اللغة،أذكر مطلعها:
كان أبقاع الفراق حارقا،
التهبت الروح،وامتطت الروح جروح الروح على أغصان غصين
الشجرة الأولى،
انكسر الغصن ،وعلقت الشجيرة ببقايا مركباتها المنقوصة العدة،وازداد ترنح الشرخ،مابين غصن يتدلى،ابتدى محياه يبوسا،وما بين شجيرة تحاول احتضان ما تبقى..
كانت الذكرى تسترسل من عينيك وتغفو على حضن فؤاد ذاكرتي الدافيء..
حضورك يجمع حرارة الكون على ذلك المقعد الغارق في جنون اللحظة..
أفتقدك،مع اللحن الناعس الذي انكسر ايقاعه حينما خلا المكان من كينونتك..
أراك مقبلا مدبرا كعجلات الأقدار الحادة تحملني الرسالة وتكتب الوصية.فمن يعوضني فقدك من؟؟!
ثم أتابع النص لينتهي بهذه العبارة:
"لم أكن أدري يأنني سأفتقدك الى هذا المدى
لم أكن أدري"..
والحقيقةأنني لم أكن أدري،أنهيت النص،وشعرت بارتياح تام..
هكذا تمر بنا أمواج الأشواق،وتطوف في قلوبنا وأذهاننا،ثم تتحول الى ذكرى معذبة أحيانا..وحينما نطوف بالكلمة التي تحمل الذكرى بفيض الشوق ونبل المشاعر،يصيبنا الاحساس بجمالية الأنسان والكلمة،ونغمض العين في طمأنينة روحية.
وعند الظهر،ارسل لي سعادة السفير السيارة لأزور السفارة،ثم دعاني الى الغداء،وأوصلني الى المطار متجة الى تونس.
وصلت تونس،وكان الأخ محمود العالول بانتظاري...
وفي المساء،حضرت سيارة المراسم لأخذي الى السيد الرئيس...
التقاني بكل الحب والاعتزاز،ونادى عددا من الشخصيات يعلمهم عما أنجزته..وكان الرئيس سعيدا مفتخرا بي..
وفي اليوم التالي،التقتني عدد من الصحف في حوارات هامة،ثم عدت ثانية الى الرئيس، وودعته عائدة الى الأرض المحتلة..
وحينما وصلت،استدعتني المخابرات الاسرائيلية،وكذلك استدعت الأخ فيصل الحسيني،اتصلت بالمحامية أحلام حداد،وذهبنا،واستمر التحقيق لساعات،ثم افرج عنا،ومنعت من السفر لمدة ثلاثة أشهر..
عملت على اثرها المحامية جاهدة لرفع المنع،ولكنها باءت بالفشل،وظلت تعيد المحاولة.
أعددنا مقرا خاصا للرابطة،وبينما أنا جالسة في مكتبي،رن الهاتف،فاذا هو المفكر العربي الفلسطيني ادوارد سعيد...حياني بكل حرارة،وأبدى دهشته واعجابه بالخطوات التي اتخذتها لعضوية فلسطين في الرابطة الدولية،والمستوى الدبلوماسي الذي اتبعته لانجاز هذا الفعل..شجعني ادوارد كثيرا ودعم مواقفي بكل قوة..أكبرت موقفه وظللت على تواصل معه، مستأنسة برأيه..
استمرت المراسلات بيننا وبين رئاسة الرابطة الدولية،أما الجانب الاسرائيلي،فقد جن جنونه،وأخذ يراسل فروع الرابطة بعدم التصويت للكتاب الفلسطينيين لأنهم ارهابيون،ويجب أن لا يعتبر هذا الفرع فرعا لفلسطين،بل يجب أن يدعى رابطة الكتاب الفلسطينيين العرب،وخاصة أن هنالك كتاب فلسطينيون في اسرائيل..استلمت النص،وتدارسته مع الأعضاء،ثم أخذنا نعد العدة لحضور الكونجرس في نهاية العام،والذي سيتم به الاعتراف بفرع فلسطين رسميا...وكان الكونجرس سيعقد في برشلونه.
أخذت أقرأ رسالة فرع الاحتلال،فوجدت فيها مراوغة سياسية،لأن اطلاق لفظ الفلسطينيين العرب،ينأى عن فكرة السيادة لفرع فلسطين...غصت بالتفكير،ومحاولات التدبر والتدبير،واستعرضت الكتاب الفلسطينيين في فلسطين التاريخية،ثم جاءتني فكرة على عجل،سألت عن الكاتب الفلسطيني "أنطون شماس"،وعلمت أنه في الولايات المتحدة،اتصلت به،وكانت الأخبار قد وصلته حول قبول فلسطين عضوا مراقبا،وكان مسرورا جدا..أعلمته ببعض التفاصيل،وقلت له:"سأرسل اليك رسالة أدعوك لعضوية فرع فلسطين،على أن يأتيني منك رد..وقال لي:"لا تكملي،فهمت ما تريدين"..وبعد عدة أيام،ارسل الي رسالة يؤكد فيها دعمه لفرع فلسطين،موضحا بأنه يعتز بهذه العضوية،مضيفا:"ان فرع فلسطين مصدر اعتزاز لي،ولكن أنتم تعرفون أنني أعيش في اسرائيل،والأولى أن أكون عضوا هناك أقاتل من خلاله".أكبرت في قدرته على استشفاف ما طلبناه،وبرسالة أنطون شماس نغلق نافذة الاسم الذي طرحته اسرائيل..
جاء موعد المؤتمر،شكلنا الوفد الفلسطيني،وكان معي الأخ الدكتور أديب الخطيب استاذ في جامعة النجاح وخبير في العلاقات الدوليةوالدكتور عبد اللطيف البرغوتي ،وهو شاعر وأكاديمي قدير..وقد بذلا جهدا مساندا في هذا الخصوص،وكذلك عدد من الصحفيين...وصلنا اسبانيا،وعرجنا على مدريد،واستقبلنا هناك سفارة فلسطين ممثلة بالأخ نجيب موسى،وكذلك الأخ الدكتور محمد عودة،مسؤول تنظيم فتح..زرنا سفارة فلسطين، والتقينا السفير هناك،وفي المساء دعانا نجيب والأخ محمد الى العشاء..كانت جلسة رائعة،أطلعنا الأخوة على البرنامج..اهتم الأخ  نجيب بي اهتماما خاصا،وفرغ نفسه في ذلك المساء الجميل لنا،لنتجول في مدريد.كان الأخ نجيب فتحاويا ملتزما وكان عسكريا أيضا،ثم دخل السلك الدبلوماسي..امتاز حديثه بخفة الروح وعمق الفكر،آمن بالصداقة وانتصر لها..أما الأخ الدكتور محمد عودة فكان فتحاويا،وأخا حميميا،كانت بيته ملتقى للأخوة الفلسطينيين في مدريد...
وفي المساء،ودعناهم للتوجه الى برشلونه لحضور المؤتمر..وصلنا الى الفندق،وسجلنا للمؤتمر،وفوجئنا بأن الوفد الاسرائيلي يتشكل من عدد كبير،يضاف اليه شخصيات استخبارية،ليس لها علاقة بالفكر والأدب،كان دورها التحرك بين الوفود للضغط عليهم لعدم التصويت لفلسطين..كانت معركة شاقة،باصرار غير عادي منا، أن ننتصر في المعركة،ونحق الاعتراف بفلسطين.
افتتح المؤتمر،وبدأت الفعاليات،وجلسنا بكل انتباه واهتمام..ثم حان موعد التصويت،صعدت المنصة بكل كبرياء الفلسطيني،وكنت قد أعددت كلمة أخرى مميزة،وكان الوفد الاسرائيلي ومن يدعمهم على أهبة الاستعداد للتخريب.
ابتدأت الكلمة بتحية رئاسة الرابطة والوفود المشاركة،ثم أسهبت في وصف حال الكاتب الفلسطيني تحت الاحتلال،نظرت الى وجوه الحضور فوجدتها صامتة،تنظر الي باعجاب كبير،قام رئيس الوفد الاسرائلي بمقاطعتي،ووضع الاتهامات اسوة بالمؤتمر السابق..ثم تحدث قائلا:"ان فرع فلسطين استثنى الكتاب العرب الاسرائيليين"،كنت قد جهزت رسالة الأخ أنطون شماس،وقرأتها على الحضور،فضجت القاعة..ثم خاطبت الحضور قائلة:"هل أحد ينكر أننا نعيش تحت احتلال؟فأجاب الجميع:"لا"،وهل أحد ينكر الملاحقة التي يقوم بها الاحتلال ضد الكاتب الفلسطيني؟،فأجاب الجميع "لا"..فقلت لهم:"اذن صوتوا لفرع فلسطين"،حاول الاسرائيلي مقاطعتي ثانية،فأوقفه رئيس المؤتمر...وتم التصويت لعضوية فلسطين كاملة.شعر الاسرائيليون أنهم انهزموا بالمعركة،وقفت على المنصة،سلمت على الرئيس ونائب الرئيس والسكرتير العام،ونزلت عن المنصة بسرعة،حتى لا أتيح للاسرائيليين القيام بأية حركة دعائية،وطلبت من الأخ الدكتور أديب والدكتور عبد اللطيف البقاء بين الحضور.ولم أشهد في حياتي عددا من الاعلاميين كالذين تابعوني للقاء المتلفز..استأذنت،وذهبت الى الحمام وتواريت هناك،  حتى ينصرف الاسرائيليون..احترازا من المحطات الاعلامية التي كانت ترغب وتتمنى أن تحصل على حوار من الجانبين.خرجت،وكان الوفد الاسرائيلي قد انصرف،وأخذت المحطات الاعلامية تلتقي في حوارات هامة تليق بالحدث.،كثفت وسائل الاعلام اللقاءات ،معتبرة أن هذا حدث هام وغير مسبوق ..وفي اليوم التالي،كان خبر عضوية فلسطين على الصفحات الأولى في الصحف اليومية،واعتبروه حدثا معادلا لمؤتمر مدريد.
وفي صباح اليوم التالي عدنا الى مدريد،والتقينا ثانية بسعادة السفير والأصدقاء،عاد الدكتور أديب والدكتور عبد اللطيف الى فلسطين،وبقيت عدة أيام للذهاب الى تونس...
وفي تونس،كانت لحظات بعبق الورد وأنا ألتقي السيد الرئيس وأخبره بتفاصيل ما حدث..كان سعيدا جدا،فقلت له:"ها أنا قدرني الله وأنجزت المهمة.".هنالك تفاصيل تآمرية كثيرة تحصل في مثل هذه المؤتمرات،ويتعين على ممثل فلسطين أن لا تغفل عيناه عنها...كم شعرت بالفرح والامتاع وأنا في رحلة التحدي...
عدت ثانية الى فلسطين،وبعد شهرين،اتصل ممثل الرئيس بي وبعدد من قيادات الداخل يطلب منا التوجه الى تونس.
اجتمعت في القدس أنا والأخ غسان الشكعة،جميل الطريفي،القواسمي وآخرون،ورتبنا أمر السفر الى تونس..وصلنا هناك الى الفندق،وفي المساء جاءت سيارة المراسم لتقلنا الى مقر الرئاسة..استقبلنا السيد الرئيس بكل حفاوة،ثم بدأ الاجتماع..جلسنا على طاولة مستديرة،كان الرئيس على رأس الطاولة،وأنا أجلس قباله،وتناثر الحضور حول الطاولة.
ابتدأ الرئيس بتحيتنا ومناكفتنا،ثم طلب الاستماع الى تقارير الأرض المحتلة..تحدث في البداية الأخ جميل الطريفي،واصفا أوضاع الأرض المحتلة،مطلا على بعض التفاصيل..ثم تحدث الأخ غسان الشكعة وأسهب في الشرح..وتحدث عدد آخر،وقد بالغ الأخوة في شرح الحالة،لأنها خرجت عن الواقعية،وصورت بطولات خارقة حسب رأيهم..وبعد أن استمع الرئيس اليهم باهتمام،قال"اذن فلنبدأ المعركة"..تبسمت في داخلي متسائلة:أية معركة يعني الرئيس؟،ثم فض الاجتماع،وطلب مني البقاء..تململ بعض الحاضرين في الخروج،وقال المهندس القواسمي:"هل أبقى أم أخرج ياسيادة الرئيس؟"،نظر اليه الرئيس بغضب قائلا:"أيه يا خوية ما سمعتش"،فطأطأ رأسه،ثم خرج..جلست قرب الرئيس،وبادرته بالسؤال عن المعركة،نظر الي مبتسما،أدركت مغزى ابتساماته،وعد أخذ التقريربالجدية المتبعة،فقد كان يعرف عن الموقع أكثر وأدق من المعلومات التي قدمت.كان ينظر الى التلفاز،فقال لئ:انظري،"انه رحيل الفنان عبد الوهاب،لقد كان فنانا مبدعا".ثم تابعنا الحديث بقضايا كثيرة،وطلب سيارة المراسم لتوصلني الى الفندق..
الجلوس مع أبو عمار ممتع جدا في كل الحالات، حتى وهو يشتاط غضبا،وحينما يكون مسرورا،يأخذ الحديث جوانب عديدة،وتبرز خلالها روح السيد الرئيس الانسان..ما أروعه!.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف