الأخبار
غالانت يتلقى عبارات قاسية في واشنطن تجاه إسرائيلإعلام الاحتلال: خلافات حادة بين الجيش والموساد حول صفقة الأسرىالإمارات تواصل دعمها الإنساني للشعب الفلسطيني وتستقبل الدفعة الـ14 من الأطفال الجرحى ومرضى السرطانسرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليمي
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

التمرد بقلم:آرام كربيت

تاريخ النشر : 2018-02-18
ـــــــــ 1 ــــــــــ
سمعت عزفًا شجيًا على الكمان في ذلك الليل الشجي، وقتها كنت أمشي برفقة أبي تحت زخات المطر الناعم. قلت له:
ـ توقف.
ـ ما بك واقف؟ ولماذا تريدنا أن نتوقف في منتصف الشارع، والليل يهبط علينا من قمم السماء 
ـ لم العجلة، من يطاردنا؟ 
ـ علينا السير بسرعة قبل أن يحاصرنا المطر. لماذا تريدنا أن نتوقف؟
ـ الا تسمع؟
ـ ماذا؟ 
ـ صوت الله.
ألتفت والدي حوله، كأن مس أصابه في هذه اللحظة الموجعة: 
ـ الله؟ أين هو الله، أين رأيته؟
ـ الا تسمعه؟ 
ـ لا.. لا أسمع أي صوت إلا صوت الرعد والبرق. 
ـ إنه الكمان.
ـ أي كمان. عن ماذا تتحدث؟
ـ الموسيقى المنبعثة من الكمان. الا تسمعه؟ 
وقف للحظات في مكانه يتأملني بغرابة.
ـ لا أسمع إلا صوت الريح والصمت الكامن في الوجود، ويتبعه مطر وخوف.
ـ إنها الموسيقى! ما أعذبها يا والدي. إن للكمان صوت جميل يعانق السماء ورقرقة الماء وحفيف الأشجار. منه ينبعث صوت الله والحرية. 
ـ وهل للحرية صوت؟
ـ إنه رقيق وشفاف. هل لك أن تشتري واحد لي؟ أحب العزف والرقص على أوتاره.
ـ كيف تعرفت عليه؟ هل حاولت أن تعزف؟
ـ السنة الماضية أقامت البلدية لنا حفلة موسيقية بمناسبة عيد الجلاء. بنوا مسرح خشبي في الهواء الطلق في الباحة الكبيرة لمدرسة السريان الكاثوليك على عجل. وطبعوا بطاقات كثيرة للطلاب والأهل. كل بطاقة بنصف ليرة. وزعت علينا. كل مدرسة كانت مطالبة أن تشارك في الغناء والرقص والعزف على آلة موسيقية.
ـ لماذا لم تجلب لي بطاقة؟ 
ـ سعر البطاقة للرجال والنساء ليرة ونصف، وللأطفال نصف ليرة. وأنت لا تملك ثلاثة ليرات لشراء شيء ترفي لا علاقة لك فيه.
وقفنا تحت شرفة أحد البيوت، ننظر إلى الناس والشارع، ركضهم، هروبهم من المطر ونزوعهم نحو الخلاص من قلق الطبيعة وتقلبات عقلها وروحها. 
ـ وأنت ماذا قدمت لهم؟ 
ـ هذه أول مرة تسأل عن نشاط لي، ماذا يهمك هذا الموضوع؟
ـ مجرد سؤال عابر.
ـ أعلم أن اهتماماتك ليست في الفن وغيره. في الحقيقة، طلبت المعلمة أزنيف أن نذهب إلى المدرسة في الساعة الخامسة بعد الظهر قبل أسبوع من الحفل، وسألت كل واحد منّا عن قدراته. جلبت مسجلة كاسيت وشغلته. كان هناك موسيقى أرمنية راقصة. كنا ثمانية أطفال ذكور في مثل عمري. وقفت على مسافة منّا، ويدها على خصرها، وقالت بلغة حازمة وقوية:
ـ أريد منكم أن تنظروا إلي، وتقلدوني، لتتعلموا الرقص كما سأرقص الأن. 
وبدأت ترقص على إيقاع الموسيقى. تتمايل وتحرك جسدها برشاقة، وقدماها لم تتوقفا ويداها أيضًا. في الحقيقة وقعت في عشق الرقص منذ اللحظات الأولى التي بدأت المعلمة فيه. كانت كالطيور القلقة في فترة الربيع، تدور وتدور أحيانًا تضع أصبع يدها فوق رأسها وتميل جسدها وخصرها وتنتقل بخطوات قصيرة وسريعة. خال لي في هذه اللحظة أنها طير من السماء حط في المدرسة وسط الخطوات تناغم مع الموسيقى. 
ـ وماذا بعد ذلك؟
ـ ثم طلبت منّا أن نشاركها الحركات الفنية.
وضعت يداها على خصرها ونادت كل واحد باسمه:
ـ آفو، كيفورك، كربيس، سهاك... اقتربوا، قفوا أمامي. لنبدأ، حركوا أقدامكم، أيديكم وأجسادكم كما أفعل. سنجرب، ربما المرة الأولى أو الثانية والعاشرة لن تنجحوا ولكن بالمران والعمل الجاد سنتعلم ونصبح رواد ونأخذ كأس المدينة، ونهديها لمدرستنا. 
بدأنا بالحركات الفنية الراقصة التي أشارت إليها المعلمة أزنيف. الأجساد ثقيلة، الحركة ضعيفة الحركة. كل واحد يتحرك لوحده، ولا تناسق بيننا. الموسيقى في واد وأجسادنا الغضة الطرية في واد آخر. كنا كتلة صلبة جامدة أثناء محاولة الرقص. وكأننا من كون آخر. وكأننا لم نر رقصة ولم نسمع غناء أو موسيقى ابدًا. القدمان واليدان يتحركان لوحدهما. وكأن كل قطعة من جسدي مفصول عن غيره وغير مربوط بالآخر، وكأن بين كل فصلين وصل، وتجميع، وكأنهما فتق ورتق وتركيب. وكأن نظام الجسد لا نظام فيه، غريب عن بعضه. ضحكت المعلمة علينا حتى كادت تقع على الأرض مغشيًا عليها. قالت:
ـ توقفوا. توقفوا. هل هذا رقص؟ من أي كوكب أنتم؟ ما هذه الحركات؟ ألم تروا سابقًا حفلة فيها رقص، أو غناء؟ ألم تشاهدوا عرسًا في السابق؟ أي نوع من الأطفال أنتم؟ تبدو أجسادكم الصغيرة عاجزة عن الحركة، لا نشاط فيها، لماذا؟ لا أرى أن التدريب سيغير أي شئ فيكم. كأنكم خيول متعبة تجر وراءها عربات محطمة. آفو، تعال إلى هنا:
ـ ألست لأعب كرة قدم رائع، وجسدك رشيق؟ لماذا لا تستطيع تأدية رقصة سهلة وبسيطة؟
ـ لا أعرف لماذا؟ يبدو أن جسدي لم يخلق للرقص. كما ترين حاولت أن أقدم شيئًا جميلًا يكون موضع تقدير. كرة القدم شيء والرقص شيء آخر مختلف. إن لذهن الإنسان حساباته، يبدع هنا ويفشل في مكان آخر . ثم، لم يخطر في بالي أن أرقص أو أمثل دورًا في رقصة عامة أو خاصة. أستطيع أن أمثل مدرستنا في كرة القدم. أليس لديكم نشاطًا في هذا المجال؟
أغلب المعلمات كن إلى جوار بعضهن البعض يتغامزن، يتكلمن بصوت خافت ويشرن إلى كل واحد منّا. أشارت المعلمة أنطوانيت إلى حركة كيفورك ويدها على فمها تغطيه حتى لا يتطاير الرذاذا على المعلمة إليزابيث، وعلى ثغرها ابتسامة ساخرة وقذرة. ومررت أصبعها إلى كربيس ثم إلي. كنت أراقب ضحكاتهن الفاجرة وغمزاتهن القبيحة، مما شكل عبئًا إضافيًا علينا.
المدرسة كما تعلم واسعة جدًا، بيد أن المكان الذي كنًا فيه صلبًا من البيون الأملس بالقرب من باب الإدارة. بعد نصف ساعة من الرقص اللامجدي دخل المدير شدهان عطفة، في هذه اللحظة التي سلم فيها على المعلمات تابعت أزنيف حديثها قائلة: 
ـ لقد طلبت منّا الحكومة أن نقدم بعض الرقصات والأغاني باسم مدرستنا، فردية وجماعية. من منكم لديه القدرة على الغناء باللغة العربية؟
ـ لماذا باللغة العربية تحديدًا؟
ـ لإن الغناء باللغة الأرمنية أو السريانية أو الكردية ممنوع.
ـ ولماذا الغناء باللغة الأرمنية ممنوع؟ والرقص والموسيقى بأي لغة ستكون؟ سأل سهاك.
ـ الرقص والموسيقى لا لغة لهما. إنهما لغة عالمية كالحب والفن والجمال. 
ـ أليست اللغات تنتمي إلى عالم الفن والجمال، كما قلت؟
وقفت المعلمة صامتة، تفكر. صفنت مدة من الزمن لا تقوى على الرد. وكأن نوبة وباء زارها وحط في حضن عقلها. قالت لي:
ـ انتظر قليلًا سأدخل الإدارة وأعود. ودخل وراءها المدير بطوله وحدبته، بوجهه الأبيض الذي لا يمكن أن تقرأ أي شيء فيه.
وقفت مع زملائي الطلاب ننظر إلى بعضنا ونضحك. نتغامز، ونسخر من هذه الظاهرة الغريبة التي وضعنا فيها، قال مهير:
ـ كان الأجدى على المدرسة أن ترسخ هذا الفن في أذهاننا في المراحل الأولى لدخولنا المدرسة. في الروضة والحضانة. إن الموسيقى شبه غائبة عن الحصص، كما أن المدرسة تفتقد للآلات الموسيقية. كيف يمكننا تعلم الرقص دون موسيقى وغناء. أغلب النشاطات الفنية تذهب باتجاه الأناشيد الوطنية الجماعية أو نشيد العلم. بعد أن شاب أخذوه للكتاب. نحن في أعمار تجاوزها الزمن. انا عمري أثنتا عشرة سنة، ولا اعتقد أنني أصلح للرقص، وتعلم العزف على آلة موسيقية.
كان المدرس فوزات بالقرب منّا إلى جوار الآذن العم نازار يصغي إلى حديثنا. في الحقيقة لم ننتبه إليه، أخذًا زاوية ميتة لا يمكن للمرء أن يرى مكان تواجده. وقف منتصبًا على قدميه واقترب من كربيس ووجه نظره نحونا جميعًا:
يتبع ــ
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف