الأخبار
"التربية" توضح طبيعة أسئلة امتحان الثانوية العامة لطلبة غزةسلطة النقد تصدر تعليمات للمصارف برفع نسبة الإيداعات الإلكترونية لمحطات الوقود إلى 50%يوم دامٍ في غزة: أكثر من 100 شهيد وعشرات الجرحى والمفقودينإعلام إسرائيلي: نتنياهو يبحث "صيغاً مخففة" لإنهاء الحرب على غزةجيش الاحتلال يعلن اعتراض صاروخ أُطلق من اليمنأول اتصال هاتفي بين بوتين وماكرون منذ ثلاث سنواتبالأسماء.. الاحتلال يفرج عن 14 أسيرًا من قطاع غزةتوجيه تهم القتل والشروع به لـ 25 متهماً في قضية الكحول بالأردنالسعودية تسجل أعلى درجة حرارة في العالم خلال الـ24 ساعة الماضيةمصر: أمطار غزيرة تفاجئ القاهرة والجيزة رغم ارتفاع درجات الحرارةمسؤولون إسرائيليون: تقدم في محادثات صفقة المحتجزين.. والفجوات لا تزال قائمة(كان): قطر تسلّم إسرائيل مقترحًا جديدًا لوقف لإطلاق النار في غزةترامب: سأكون حازمًا مع نتنياهو بشأن إنهاء حرب غزة وأتوقع هدنة خلال أسبوعوزير الخارجية المصري: خلافات تعرقل الهدنة في غزة والفرصة لا تزال قائمة للتوصل لاتفاقجامعة النجاح الوطنية: الجامعة الفلسطينية الوحيدة في تصنيف U.S. News لأفضل الجامعات العالمية 2025/2026
2025/7/2
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

عائد من الظل 16 بقلم: شقيف الشقفاوي

تاريخ النشر : 2018-01-27
أنا الآن مضطرب البال مشوش الأفكار ، وكأن فكري تروض على طنين دحرجة البراميل ، أعلنت أمس عن سقوط موغابي زعيم مقبرة الخراب ، و اليوم سأتراجع عما قلته و أعتذر ، فأنا صادق و قد ألفت الصدق في كلامي ، أخطأت حين صدقت القبر المنسي من مقبرة سيدي ابراهم ، و نقلت لكم الخبر و أنا في كامل قوتي العقلية و البدنية ، و لم أكن أنوي التصريح الكاذب الذي يعاقب عليه القانون ، رغم أنني نقلت الخبر بصدق و بكل أمانة من قبر المعني و لم أزايد عليه أو أزيد من خيالي ، و لأن وكالة القبور المنسية كذبت الخبر و اتهمتني بتصديق مسيلمة الكذاب و من سار في ركبه من سلاطين و حكام و رؤساء أحزاب و حكموا المقبرة بالزور و الظلم و البهتان
لست واثقا من الهدف في إطلاق هذه الفقاعة و السرعة في إطفائها بالتكذيب و الوعيد لمن تجرأ و تجاوز قبرا حتى و إن كان بالمزاح ،
ماذا كان يحدث لو انتفضت كل القبور على طنين دحرجة البراميل الذي أحدث هذه الفوضى السياسية و الاجتماعية و نحن في غنى عنها بعد ما أورثنا اياها جدهم بوعزيز بن قانة و العربي بن جمام و الميهوب بوقصعة الذي كان يصلي صلاة الجنائز على الأموات بلا وضوء نكاية فيهم ، و كي لا يقبل الله توبتهم و رحمتهم
كان بوشليح يسكن المغارة في جبل لعراكب ، و في الليل يتسلل إلى أكواخ الأهالي يعبث بنسائهم و بناتهم فيسميه جهادا ضد الكفار ، لهذا السبب تراني أدحرج البرميل على قبورهم حتى أسمعهم طنين الاستقلال الذي يتغنون به عند كل مناسبة ، ماذا لو عاد بوشليح من قبره الموحش في أعماق الغابة و اعترف بتلك التفاصيل التي أغرته بجهاد الطمع في النيل من شرف أهل القرية ، و كيف اندس بين صفوف الفلاقة لاختراقهم بطلب من الحركي ليمان بن لمقدم ، و قد وعده بأشياء كثيرة ، غير أنه ليلة الاستفتاء على تقرير المصير تم جلاء السكان إلى المحتشد ، تسللوا في غفلة و أصلبوا عقارب الزمن على ساعة بين يومين ، و أطلقوا آخر رصاصة كانت كافية لطمس تاريخ كامل من الرعب و السلوك المشين لمن تعاون على الشر وإذلال الشرفاء ،
خرج بوشليح و هرب في المجهول و قد اخترقت جسده قطعة المعدن الثقيل و لما أحس بالوهن انبطح و جحظت عيناه كأنها تتبع عزرائيل لحظة قبض روحه ، في الصباح انتشر الخبر في القرية و القرى المجاورة ، أحس الأهالي بنكهة التشفي تسري في أوصالهم ، فأجمعوا على دفنه في أعماق الغابة بعيدا عن الأماكن الطاهرة ، خوفا أن يلوثها قبره و تتمرد روحه المدنسة بالشر ، و منذ ذلك الزمن و أنا أحس برغبة في دوس قبره و قد ماتت حرمة القبور في نفسي

عندما مالت الشمس صوب المغيب ، تدفق الظلام على القرية، فانزوى أهلها في أركانها الموحشة بأكواخها الطينية ، و مزاربها الصغيرة الضيقة ، و قد زادت في انتشار الخوف و الرعب و مرارة العيش مع بشر هجرتهم الرحمة و الإنسانية بلا رجعة ،،،
في هذه الأثناء يخرج بوشليح من مخبئه ، و انزاح صوب الأكواخ في خطة محكمة ،سيعرج على محتشد مزوارة ، سيلتقي لجودان اسماعيل و عبد الحميد بن جمام ، و وسيملأ قحفه بالفوضى نتيجة احتسائه للعديد من قنينات الخمر
وقف بو خن و قد اعتلاه الغضب بعدما رأى الدوبل سيس ضمن رتل الأحجار ، واكتشف خيانة النمس له
قل له: بصوت متدحرج و قد بحت حنجرته
اللعبة خنزت يا بوسرطوق !!!
ثم دلف نحو الباب و هو يحك مؤخرته ، و يتوعده بلعبة نظيفة
رمى أحجار الدومينو في وجه النمس ، وخرج وهو يتمتم بكلام خافت ثم اتساب صوب كوخه ، لكنه تفاجأ حين لج المفتاح في خرم الباب و تبين له أن القفل قد استبدل و ليس له من وسيلة أخرى لفتحه ، فسيطرت عليه أفكار شيطانية مريبة
تساءل : هل غيرت زوجته القفل ، و حققت تهديداتها ، ألم تقسم له بتغيير القفل و تركه للمبيت في الصقيع إن هو تأخر مرة أخرى ؟
ماذا لو يعود إلى المقهى و يبيت فيها ؟
طرق طرقا خفيفا على الباب علها تتراجع و تفتح له الباب ، لكنها صممت على تنفيذ وعيدها ، تراجع بوخن نحو الخلف ثم اندفع بقوة ، فانبلج الباب و استسلم القفل لشدة الارتطام ، وجدها عارية على غير عادتها وتحسس الدفء في نصف فراشه الآخر ، في تلك اللحظة خطرت بباله حادثة الدليمي يوم تأمر عليه لجودان اسماعيل و كلفه بالمبيت في جبل لعراكب ليخلو له الجو في العبث بحرمته ،،،
أقسم لها بالثلاث و أقسمت هي أيضا ، إذا من ،،، ؟ النمس كان معه في المقهى ، لن يكون إلا ابن بوشليح فهو الوحيد الذي أطل واختفى ، و هل يمكن للجينات الوراثية أن تنقل الخبث من الاباء إلى الأبناء ،،؟
في مساء اليوم الموالي فتحت المقهى أبوابها ، و حام اللعيبة حول طاولات الدومينو , إلا بوخن فقد تأخر عن الموعد ، و تأخر السؤال
قال النمس بنبرته التهكمية ،
بوخن ترشح للانتخابات ، هو الآن منشغل بجمع التوقيعات ، و إعداد برنامج يغري به الناخبين بعد أيام يصبح نائبا في البرلمان ، سنراه على شاشة التلفزيون ، يناقش ويحلل ، ينتقد و يصوب ، سيطبق خطط اللعبة في مناقشة برنامج الرئيس ، ثم أكمل و هو يقلب أحجار الدومينو ، لن يلعب معكم بعد اليوم ، سيلعب مع الكبار بعد أن تمنح له الدولة الامتيازات المغرية كي يرفع كفه للمصادقة ، و ترفع زوجته ساقيها للاستسلام
تبادلوا النظرات فيما بينهم وكأنهم فهموا ما يقصده النمس من تلك الفضائح التي تتقرر في القرية ،
لم يكن عبد الله الهز ينوي الشر أو العبث بشرف الناس ، و قد استقام في وقفته طالبا الصفح و البراءة ، و قال للقاضي اختلطوا معي في الظل ، أصبحوا قطيعا من الذئاب وراء نعجة منفردة عزلها الفقر و زاد في عزلتها الترمل ، و الحاجة لمن يقف جنبها و يحميها
استدار إليها القاضي سائلا ،،، و أنت ؟؟؟
لم تتردد في الإجابة و البوح
قالت : حين تغرق القرية في الظلام يتسلل بوشليح إلى الكوخ مدججا بالوعيد و التهديد باسم الجبهة و التمرد على الاستعمار و الجهاد على الكفار ، و لما مات ذلك الموت الرخيص خلفه عبد الله الهز في تبني ما تأخر من ظلام ، لم التقي به صدفة بل هو من أرغمني بعد مطاردة طويلة و مغامرات لا تنتهي عند بال
صمت القاضي و صمتت القبور المتناثرة أمامه ، لم يبقى إلا طنين البرميل الفارغ ينبعث في طرف مقبرة سيدي ابراهم ، و قد أختلط بكل الأصوات الآتية من تلك المرتفعات القريبة من جبل لعراكب التي تمتد لتشكل سلسلة قمم حادة يحتضنها الأفق الفسيح الممتد بلا حدود ، كانت القرى المجاورة مثل لمليمل و أحمال و لجرابة محميات صغيرة ، لبوشليح و عبود باسم الثورة و باسم تطبيق شرع الله على القرويين العزل ، بل كانت مرتعا لنزواتهم التي تتحدى كل الأعراف وكل المواثيق ،،،
بدأ النمس يخلط أحجار الدومينو ، بطريقة تعكس حالته النفسية المتوترة ، و قد أحاط به بوخن و عبد الله الهز و الضبيش ،
قال له بوخن بنبرة استهزاء : اليوم يومك يا النمس !!!
رد عليه النمس بتوتر و استخفاف و هو ينقر قطع الدومينو بعضها ببعص ،،، أ أنت يا بوخن ؟؟؟ ، أمثالك ألعب معهم بنصف عين ، ثم لقد سمعت أنك ترشحت لخوض غمار الانتخابات ، ستصبح نائبا في البرلمان ، قد نشتاق للعب معك ، بعدما تمنحك الدولة سيارة فارهة و مسكن لائق ، و قد تتوسط لنا لاسترجاع مكانتنا و العيش بكرامة في القرية ، دون التعرض للمضايقات و المساءلة عن انتماءاتنا السياسية
ابتسم عبد الله الهز ابتسامة خادعة لاستمالة النمس ، و تشجيعه على الخوض في أسرار القرية ، ثم طرح القطعة الرخامية ، وقد تعمد في زحلقتها على سطح الطاولة و قال : سيس ،،، أقتل ،سكت النمس و استمر في نقر أحجار الدومينو بعضها ببعض ، و قد تاه في متاهة تلك الأيام الصعبة و المرعبة ، حين كانت تخرج الذئاب من الغابة لتتلقفها كلاب القرية بنباحها المتميز ، فتعلن القرية حدادها و قد أنطفأت الأنوار الخافتة التي كانت تنبعث من نوافذ الأكواخ الطينية الساكنة ، لو لا تلك الطلقات المتقطعة و التي تحدث بين الحين و الحين ، فيهرع بوشليح إلى طرف القرية حيث يسهل عليه الهرب و الاحتماء في شعابها ، بعدما يكون قد نال من شرف أهل القرية باسم الجهاد على الاستعمار و مقاومة المحتل ،،، في الأيام الأولى للاستقلال زحف الأهالي على مزرعة الكولون و حولوها إلي قيطوهات متداخلة من الأكواخ ، و زحف رفقاء بوشليح على الشقفة و على بنايات المعمرين و استولوا عليها ،،،، لا أحد تذكر مريم الشاطودانية حين أوقفها جنود الاحتلال ، مزقوا لباسها الرث ، ثم تركوها عارية بين قهقهاتهم المرعبة ، هربت في المجهول صوب المرج ، قطفت الحشائش و غطت حقولها المثيرة
نكزه الضبيش بكوعه : ألعب يا النمس ، ،
استفاق النمس من تيهه ، رمى قطعة الدومينو و نطق بصوت خافت
_ تموت ،،،؟؟؟
تنهد بوخن و استمر في نقر أحجار الدومينو السبع ، بعدما تجاوزته اللعبة للمرة الثانية ،و قد أحس بتلاعب النمس بالأحجار أثناء خلطها ،فنقر الطاولة إذانا لهم بالتجاوز ، إلا أن عبد الله الهز اتبع خطة مخالفة لرغبة النمس ، و فتح اللعبة على شطرها المقفل ،
تاه بوخن في الظل ، سار في معبر ضيق ، ثم انحرف صوب باب الكوخ ، سمع همسا خافتا فحاول التطلع إلى مصدره ،
إنه عبد الله الهز يحتضن بندقية من خيش و يتموه في الظل ،،،
قال له القاضي و قد أعماه الطمع ، و تعمد التقليل و التهوين ،،
_ كم ستدفع إذا تنازلت ؟؟؟
رد الهز بجديته المعهودة : سأكون مدينا لك بالخبز و الملح الذي بيننا
و لما ازداد الهرج و المرج داخل الحجرة ، عمد القاضي إلى نقر سطح الخشب الصقيل المستورد بمال الشعب و رفع الجلسة ، فتسللت عبر ممرات القاعة و قد كتمت شهقتها ، و سترت بطنها الفاضح ،و تبعها الحاضرون إلى الانصراف ،
و لنا خلت المقبرة من المشيعين ، وقف القاضي على قبره ، وهمس ببحة خافتة ،
_ باسم الشعب حكمت المحكمة ببراءة عبد الله الهز من كل التهم المنسوبة إليه ،،، ثم اختفى في الظل،،!!!
تمادت القبور في صمتها و لم تستطع انتقاد الحكم الظالم في حق القرية و أهلها ،حتى القبور الحديثة التزمت الصمت بالتواطؤ مع الأحياء لتركها رقعة ضالة في الظل ، رهينة الخرافة و الشعوذة و الدروشة و لعبة الدومينو ، و التي أخرت الاستقلال ثم رهنته للزوايا المنفرجة تعبث فيه كما تشاء ، حتى اشتراكات الأهالي كانت تعبر الحدود عبر وادى سنيس ثم مغنية دون أن ينقص منها فلس واحد ، لكن بعد وصولها مدينة وجدة المغربية تسندها الراقصة تحت فخديها ، و تصرف باسم الثورة و شراء السلاح ، بعد الاستقلال ازدهرت لعبة الأمس ، و استدعيت أرامل الشهداء إلى المكاتب و الإدارات لصرف معاشاتهن في الظل و بالشروط المخجلة،،،
_ قال له النمس بنبرة استهزاء ،،،!!!!
ألعب يا بوخن لسنا تحت قبة البرلمان ...!!!!
تنهد بوخن تنهيدة الانكسار و مد يده المرتجفة صوب رتل الأحجارتأهب بوخن للمغادرة غير أن كلام النمس الموجع ألزمه البقاء و الصمود ، خاصة و قد استفزه حين أشار إلى حذائه البلاستيكي ثم إلى أنفه إشارة مهينة ، دفعته إلى ثني قدميه نحو الخلف ، و الاستعداد و التأهب للمواجهة و رد الفعل و التصدي له ، حتى و إن تطلب المبيت في المقهى ، و لكن ماذا سيقول لزوجته وقد أقسم لها بعدم تكرار ذلك التأخر الذي كاد يعصف برابطة الزوجية قبل أسبوع فقط ، ثم أيترك هذا الوغد ينتصر عليه انتصارا مؤلما و ممزوجا بالخيبة و المهانة و الكلام الموجع ، و قد تعمد النمس في إثارة مشاعره و استفزاز أحاسيسه حين ذكر له قبة البرلمان ،
نقر بوخن القطع الرخامية بعضها البعض ثم طرح القطعة البيضاء الناصعة و كأنه أصيب بالبكم !!!
قال له النمس : ألعب يا بوخنشور !!!
أحس بوخن بوخز الصيحة ، و تاه في الظل ، سار في اتجاه جبل لعراكب ، داس على قبر بو شليح و تحدى روحه الشريرة ، وقطف حزمة من فروع الغابة ليقدمها علفا لعنزته ، أثناء العودة تخمرت في رأسه فكرة الترشح لخوض غمار الانتخابات البرلمانية ، لما لا يوظف تلك الخطط الكثيرة الناجحة التي يتقنها في لعبة الدومينو ، السياسة أيضا لعبة لا تختلف عن بقية الألعاب ، ثم كيف بقي هؤلاء المقامرين يعبثون بمستقبل البلاد من غير خطة ، و من غير نتيجة ، هل ورثوا حكمنا عن ابائهم ،
_قال له النادل :
وهو يحرك رأسه ،،، انهض يا بو خن لقد انتهى الليل
ركن بوخن إلى الهدوء و السكينة ، و قد خفتت تلك الانفعالات و رسبت الهستيريا العاصفة التي هزت كيانه ، و استفاقته على حالة مهينة و موجعة ، تلفت إلى جنبيه كمن يبحث عن شيء ضاع منه اللحظة ، و قبضته لازالت تقبض على أحجار الدومينو بأحكام ،
_ تساءل و هو في حيرة من أمره ،،،؟؟؟
_ أين النمس ،،، أين اختفى ،،،؟؟
تسربت إلى كيانه شكوك قاتلة و استسلم لتساؤلاته ،، هل النمس من دس له المخدر في القهوة و تركه نائما في المقهى ، فتح قبضته و رمى أحجار الدومينو على الأرض ، و لما أحدثت نقرا على البلاط تاه بوخن في الظل
كان بوشليح عميلا مزدوجا ، كلفه عبد الحميد بن جمام باختراق سم الخياط ، حاول في البداية لكن قادة الثورة حكموا عليه بالإعدام ، و لما استشهد القادة الكبار انتهى حال الثورة إلى اليتم ، فأصبح السم الذي يقتل كل السموم ، و الخياط الذي يخيط التهم للأهالي بكل المقاسات التي ترضيه و تشبع نزواته

تقلص الشك في صدر بوخن مفسحا المنافذ لليقين و هو يهم بالخروج من المقهى ، خاصة وقد تم تنويمه بطريقة لا تخطر على بال ، تيقن من الرشفة الأخيرة في عمق الفنجان لما لها من نكهة خاصة ومميزة ، لكن السؤال الذي بقي يؤرقه هو لماذا تآمرا عليه النمس مع ابن المهزازة و هما مختلفان على الدوام ، ثم كيف توسط له ابن بوشليح مع مدير الميناء كي يعينه حارسا ليليا ، لكن لم يلبث و انكشف أمره ، و قد عثروا على صورها الفاضحة في هاتفه الخاص ، كان يستعمله للضغط عليها حين تأبى و تنكسر ، و لما انكشفت الحقيقة ، أحس بالتعب و الدوار ، وهي أحست بجهنم تغشاها
_ قال لها القاضي باستحياء : منذ متى ؟؟؟
ترددت في البوح ، تلفتت إلى الجهات المحيطة بها ، تبحث عن كوة للخلاص و حشرجت بصوتها الخافت
_ ليس اليوم يا سيدي ؟؟؟ !!! استسلمت القرية للظل وقد غمرها السكون و الصمت ، لولا بعض النباح المتقطع المنبعث من جهة الشوف ، حيث كان بوشليح يتحايل على زعبر بالحراسة هناك طول الليل ، للمبيت في فراشه و الاستمتاع بدفئه باسم الثورة و المساهمة في الجهاد و محاربة الاستعمار ،
و خلال نصف قرن من الاستقلال استفاقت الجينات الوراثية في ذات ابنه الملوثة بالشر ، أوهم زوجته برحلة صيد ، أكدها الجمعي في المنعطف و سار معه كشاهد على تخوم جبل لعراكب ، بعيدا عن الميناء القابع في حلق الماء ، ورتل الشاحنات الكبيرة ،
قال للجمعي بنبرة افتخار و اعتزاز
_ أنا من حتمت على مدير الميناء توظيفه عساسا ، هي أحسن له من البقاء في بيته ، ثم له عدة امتيازات كالعلاج و التقاعد ، و ينام في النهار إذا أراد ،،،،
و حين امتطى عقرب الساعة ظهر أخيه على ساعة بين يومين ، تحسر ابن بوشليح على جولة الصيد الخائبة ، ودع رفيقه ثم أقفل عائدا في الظل صوب إحداثيات الفء الموعودة
استمر النمس في العبث بأحجار الدومينو ، فكان ينقر بعضها البعض ، ويمهل ابن المهزازة على الرد عليه ، فرتل القطع قد انحرف مساره صوب لحظة لم يتوقعها أحد ، و في اللحظة نفسها كان صوت الرئيس زروال ينبعث من جهاز التلفزيون المعلق في الركن المظلم من المقهى ، و هو يحرك رأسه في حركة دائرية ،و يتوعد المواطنين باقتلاع الإرهاب من جذورهم ، و قتل الدوبل سيس قتلا مهينا و مخزيا ،
نقر ابن المهزازة سطح الطاولة في إشارة منه إلى توافق الخطة مع خطاب الرئيس ، فالمواجهة تأزمت و تعقدت وأصبحت مستحيلة و لم يبقى أمامه سوى هامش ضئيل للمناورة ،
_ قال للنمس باستهزاء
ابن الأرملة جاء إلى القرية ، أوقف سيارته الرباعية الدفع على مشارف لعراكب أوهم الجمعي بالصيد ، تركه يترصد الخنازير عند تخوم منتصف الليل ، و تسلل صوب الظل
قال له النمس باستهزاء أنت ثعلب البساتين ، لا تقاوم إغراءات طمعك و تخوض معارك وهمية تخسرها في النهاية ، لا تصمد طويلا حتى تنهار مثل كومة الروث ، فمن اشار لك بالترشح للبرلمان و أنت أمي و جاهل ، أنت مثل ابن بوشليح الذى تحدى الواقع و ترشح في حزب الملط و لما استلم المقعد و مؤهلاته العقلية لا تسمح له بالتشريع أو قراءة القوانين ، لأنه تربى على الخبث و الحرام و ممارسة الرذيلة و الفاحشة ، فاستغل كل الفرص لإطفاء نزواته
أما أنت يا بوخنشور فلعبة الدومينو أكبر منك و قد وجدت من يجلس معك و أنت تفوح بالنتانة ،
أحس بوخن بالإهانة و هو يخلط أحجار الدومينو ، تلفت إلى ابن المهزازة الذي كان يدخن تبغا مشبوها ، و قد جحظت عيناه ، إلى درجة أنه صار لا يفرق بين أحجار الدومينو قال له بصوته المتهدج المخنوق
_ عيش تشوف يا شلاغم الكلب ،،،
تاه ابن المهزازة في الظل ، عاد إلى تلك الأيام الصعبة حين كانت طائرات الكيمولي تحوم على مرتفعات جبل لعراكب ، و تفرغ حمولتها على مواقع الثوار ، بلا رحمة و لا شفقة ، كان بوشليح يسند ظهره إلى كيس الاشتراكات التي جمعها عنوة من الأهالي ، و هو يتوعد و يتهدد بتصفية المشري و صالح البف ، و كل من استنكر تصرفاته المخزية التي كان يمارسها في ادلال و اهانة الناس ،
بعد الاستقلال تقررت نفس المآسي و بنفس الأشخاص،،،،،
نقر عبد الله الهز الطاولة إذانا بالمرور ، وبقي النمس يترصد القطعة المناسبة لغلق اللعبة
انحنى بوخن على صدر الطاولة ، انحناء مذلا ليخرج عقب سجارة من أحد جيوب سرواله الرث ، و هو يتوعد الضبيش بهزيمة نكراء لن ينساها أبدا ، تتذكرها الأجيال على مر التاريخ ، و سيحدث ثورة في عالم الدومينو يتجاوز صداها الثورة التونسية التي الهمت العالم وتركته مدينا لها بالاعتراف و الافتخار ، و أنهت خرافة الشعب المذل الذى رضع المذلة مع لبن حكامه
_ قال بصوته الخن و بنبرة أبناء الميلية و قد استبدلوا حرف اللام نونا ،،،
أنعب يا عبد الله الهز ،،،؟؟؟
تاه عبد الله الهز في الظل ، حاصرته الأشباح من جهات الغرب و سدت عليه كل المنافذ حتى خفتت أنفاسه ، دق حفيد بوشليح الباب دقا خفيفا و تسرب صوته المدجج بالرعب ،،،
_ أفتح يا عمي عبد الله ،،،
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف