على محطة قطار سقط عن خريطة
دلالات الصّورة المتشكلة في بعض فضاءات قصيدة الشّاعر محمود درويش الموسومة " على محطّة قطار سقط عن الخريطة؛ إذ توحي بذاكرة تاريخيّة وراء تلك الكلمات التي تنضّدت؛ لتعطي صورة واقعيّة حسيّة للمكان، وتحكي قصته، فالمشهد الّذي رسمه الشّاعر في نبض جرسه قد جعل القارئ يتخيل المكان، ويعود بالذّاكرة لاستنطاق التّاريخ ؛ ليعيشَ الفترة الزّمنية الّتي جسّدَها في وصفه للماضي، وكيف كان القطار يعبر من الشّام إلى مِصر، وكيف انتهى به المَطاف . وكأنّي بالشّاعر يقفُ على أطلال المكان مثلما وقف الشّعراء قديماً ، ولكنْ شَتانَ بين المقاربتين، فالقطار نهاية المطاف ومهما طال الزّمان سيعود هذا القطار للنبض ثانية من خلال عودة الأهالي الّذين هم طيورٌ يَمّمت الشَمال والجنوب، ولا يحملون كيسَ السّفر أو حقائب المُغادرة ؛ لأن الفترة الزّمنية قصيرة ، وسيعودون، فالعُشبُ والشَّوك والصَّبارُ قد انتشر في المكان، والقطار أو اللاشكل قد مَضَغَ ظِلّه ، فالعدالةُ المتمثلةُ في الشّمس قد افترشتِ البَحرَ، والبحرُ له دلالتان: الدلالة الإيجابية بما يحمله من عظائم، والدلالة السّلبية ما يخفيه من الغُموض، وفي هذا المَعنى يقول:
عُشْبٌ، هواء يابس، شوك، وصبار
علي سلك الحديد. هناك شكل الشيء
في عبثية اللاشكل يمضغ ظِلَّهُ...
عدم هناك موثق.. ومطوَّقٌ بنقيضه
ثم يتطرقُ إلى الحَركة في المكان من خلال رمزية اليمامتين، ولم يقل: غرابان، وهنا لا بدَّ للحَنين والحُبّ للمكان كان ماثلاً في مخيلته ، فالمكان يَعكس هذا الحبّ من خلال اليَمام بمعنى الحمام، ولكنّه بريّ ، بيدَ أنّ النّاقد يقف عند استخدامه لليمام ولم يستخدم الحمام ، في إشارة إلى طير بريّ يحلقُ في المكان، وبالتالي نجده يشيرُ بأصبعه إلى وجود طيورٍ مهاجرة ، وليست طيور أصيلة، وهاتان اليمامتان تحلقان على سقيفة ٍمهجورة وهي محطة من محطات القطار، ولكنّها خاوية وتراه يشبهها ببيت الوَقف ريثما يعود صاحبها الأصليّ، وحتى يجسّد الزمان من خلال السَّروتيْن المناضلتيْن، وتجلّى ذلك في جعلها حادّة في رسمها دلالة على الثّورة وعدم الرّضا، وهما تحيكان أو تطرزان سحابة ، والكلمتان إيجابيتان ، ولم يقل : بغلالة أو غمامة مريضة صفراء، فقد استعاض عنها بصفراء ليمونيّة، والليمون دلالة المكان الذي كان يشتهر بزراعة الحمضيات، وللون فلسفة في ارتباطه بالمكان.
ويمامتان تحلقان
على سقيفة غرفة مهجورة عند المحطةِ
والمحطةُ مثل وشم ذاب في جسد المكان
هناك أيضا سروتان نحيلتان كإبرتين طويلتين
تطرّزان سحابة صفراء ليمونيّةً
ولم يتبق إلا السّياحة ، فهناك من تُصوّرُ المأساة في افتراش الحقّ أو العدل على صفحة ماء البَحر، والمقعد الخشبيّ الّذي يحملُ في طَياته الّزمن العتيق، ولا يوجد كيسٌ للمُسافر، في إشارة إلى عودة القطار والطريق إلى الشّام أو مِصر لا تحتاج إلى حقائب ، فالرحلة مفتوحة بين الدّول العَربيّة ، والحياة طبيعيّة في ذاك الزّمن الجميل.
وهناك سائحةٌ تصوّر مشهدين:
الأوّلَ، الشمسَ التي افترشتْ سرير البحرِ
والثاني، خُلوَّ المقعدِ الخشبيِّ من كيس المسافرِ
كلُّ شيءٍ كان مختلفاً ومؤتلفاً
وقفتُ علي المحطة. كنت مهجوراً كغرفة حارس
الأوقات في تلك المحطة. كنتُ منهوباً يطل
علي خزائنه ويسأل نفسه: هل كان ذاك
العقلُ / ذاك الكنزُ لي؟ هل كان هذا
ومن دقّة الوصفِ أنْ أسقطَ إحساسه وهو يرى اللّون الأخضر المشوب بالزرقة على جدران السَّقيفة، ليوحي مرة أخرى إلى الزّمن، وقد رآه بنظرة المُتفائل من خلال إسقاطِ اللّون اللا زوردي، ثمّ رجع يخاطب الذّات وهو على المحطّة في مينودراما رائعة ، ويتساءل غير مصدق أنّه كان هذا العزّ لنا يوماً ما.
اللازورديُّ المبلَّلُ بالرطوبة والندي الليليِّ لي؟
هل كنتُ في يوم من الأيام تلميذَ الفراشة
في الهشاشة والجسارة تارة، وزميلها في
الاستعارة تارة؟ هل كنت في يوم من الأيام
لي؟ هل تمرض الذكري معي وتُصابُ بالحُمَّي؟
هذا إحساس الشّاعر المُرهفِ الّذي يَستحضرُ الماضي، ويخاطبه بلسان الحاضر، ويختار الزمن من خلال وسيلة النقل الّتي تُخلّد التّاريخ بثباتها، وإنْ اعتلاها العُشبُ فالصَّبار لها بالمِرصاد، وهذه نظرة أمل للشّاعر، فقد سلّط الضَوْءَ على التّاريخ من خلال ما وصف .
دلالات الصّورة المتشكلة في بعض فضاءات قصيدة الشّاعر محمود درويش الموسومة " على محطّة قطار سقط عن الخريطة؛ إذ توحي بذاكرة تاريخيّة وراء تلك الكلمات التي تنضّدت؛ لتعطي صورة واقعيّة حسيّة للمكان، وتحكي قصته، فالمشهد الّذي رسمه الشّاعر في نبض جرسه قد جعل القارئ يتخيل المكان، ويعود بالذّاكرة لاستنطاق التّاريخ ؛ ليعيشَ الفترة الزّمنية الّتي جسّدَها في وصفه للماضي، وكيف كان القطار يعبر من الشّام إلى مِصر، وكيف انتهى به المَطاف . وكأنّي بالشّاعر يقفُ على أطلال المكان مثلما وقف الشّعراء قديماً ، ولكنْ شَتانَ بين المقاربتين، فالقطار نهاية المطاف ومهما طال الزّمان سيعود هذا القطار للنبض ثانية من خلال عودة الأهالي الّذين هم طيورٌ يَمّمت الشَمال والجنوب، ولا يحملون كيسَ السّفر أو حقائب المُغادرة ؛ لأن الفترة الزّمنية قصيرة ، وسيعودون، فالعُشبُ والشَّوك والصَّبارُ قد انتشر في المكان، والقطار أو اللاشكل قد مَضَغَ ظِلّه ، فالعدالةُ المتمثلةُ في الشّمس قد افترشتِ البَحرَ، والبحرُ له دلالتان: الدلالة الإيجابية بما يحمله من عظائم، والدلالة السّلبية ما يخفيه من الغُموض، وفي هذا المَعنى يقول:
عُشْبٌ، هواء يابس، شوك، وصبار
علي سلك الحديد. هناك شكل الشيء
في عبثية اللاشكل يمضغ ظِلَّهُ...
عدم هناك موثق.. ومطوَّقٌ بنقيضه
ثم يتطرقُ إلى الحَركة في المكان من خلال رمزية اليمامتين، ولم يقل: غرابان، وهنا لا بدَّ للحَنين والحُبّ للمكان كان ماثلاً في مخيلته ، فالمكان يَعكس هذا الحبّ من خلال اليَمام بمعنى الحمام، ولكنّه بريّ ، بيدَ أنّ النّاقد يقف عند استخدامه لليمام ولم يستخدم الحمام ، في إشارة إلى طير بريّ يحلقُ في المكان، وبالتالي نجده يشيرُ بأصبعه إلى وجود طيورٍ مهاجرة ، وليست طيور أصيلة، وهاتان اليمامتان تحلقان على سقيفة ٍمهجورة وهي محطة من محطات القطار، ولكنّها خاوية وتراه يشبهها ببيت الوَقف ريثما يعود صاحبها الأصليّ، وحتى يجسّد الزمان من خلال السَّروتيْن المناضلتيْن، وتجلّى ذلك في جعلها حادّة في رسمها دلالة على الثّورة وعدم الرّضا، وهما تحيكان أو تطرزان سحابة ، والكلمتان إيجابيتان ، ولم يقل : بغلالة أو غمامة مريضة صفراء، فقد استعاض عنها بصفراء ليمونيّة، والليمون دلالة المكان الذي كان يشتهر بزراعة الحمضيات، وللون فلسفة في ارتباطه بالمكان.
ويمامتان تحلقان
على سقيفة غرفة مهجورة عند المحطةِ
والمحطةُ مثل وشم ذاب في جسد المكان
هناك أيضا سروتان نحيلتان كإبرتين طويلتين
تطرّزان سحابة صفراء ليمونيّةً
ولم يتبق إلا السّياحة ، فهناك من تُصوّرُ المأساة في افتراش الحقّ أو العدل على صفحة ماء البَحر، والمقعد الخشبيّ الّذي يحملُ في طَياته الّزمن العتيق، ولا يوجد كيسٌ للمُسافر، في إشارة إلى عودة القطار والطريق إلى الشّام أو مِصر لا تحتاج إلى حقائب ، فالرحلة مفتوحة بين الدّول العَربيّة ، والحياة طبيعيّة في ذاك الزّمن الجميل.
وهناك سائحةٌ تصوّر مشهدين:
الأوّلَ، الشمسَ التي افترشتْ سرير البحرِ
والثاني، خُلوَّ المقعدِ الخشبيِّ من كيس المسافرِ
كلُّ شيءٍ كان مختلفاً ومؤتلفاً
وقفتُ علي المحطة. كنت مهجوراً كغرفة حارس
الأوقات في تلك المحطة. كنتُ منهوباً يطل
علي خزائنه ويسأل نفسه: هل كان ذاك
العقلُ / ذاك الكنزُ لي؟ هل كان هذا
ومن دقّة الوصفِ أنْ أسقطَ إحساسه وهو يرى اللّون الأخضر المشوب بالزرقة على جدران السَّقيفة، ليوحي مرة أخرى إلى الزّمن، وقد رآه بنظرة المُتفائل من خلال إسقاطِ اللّون اللا زوردي، ثمّ رجع يخاطب الذّات وهو على المحطّة في مينودراما رائعة ، ويتساءل غير مصدق أنّه كان هذا العزّ لنا يوماً ما.
اللازورديُّ المبلَّلُ بالرطوبة والندي الليليِّ لي؟
هل كنتُ في يوم من الأيام تلميذَ الفراشة
في الهشاشة والجسارة تارة، وزميلها في
الاستعارة تارة؟ هل كنت في يوم من الأيام
لي؟ هل تمرض الذكري معي وتُصابُ بالحُمَّي؟
هذا إحساس الشّاعر المُرهفِ الّذي يَستحضرُ الماضي، ويخاطبه بلسان الحاضر، ويختار الزمن من خلال وسيلة النقل الّتي تُخلّد التّاريخ بثباتها، وإنْ اعتلاها العُشبُ فالصَّبار لها بالمِرصاد، وهذه نظرة أمل للشّاعر، فقد سلّط الضَوْءَ على التّاريخ من خلال ما وصف .