الأخبار
قطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيراني
2024/4/18
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

القدس أرض الأنبياء .. ولأجل ذلك هي قدس بقلم:د. إبراهيم فؤاد عباس

تاريخ النشر : 2018-01-21
القدس أرض الأنبياء .. ولأجل ذلك هي قدس

د. إبراهيم فؤاد عباس

قبل أن أخوض في هذا الموضوع الذي يعتبر الأحب إلى نفسي من كل ما أكتب وأتحدث، أود في البدء لفت نظر القارئ الكريم إلى إن من أخطر وأضر الأشياء على قضية القدس أن يخوض في تاريخها وأدلة عراقتها، وشواهدها الحضارية والتراثية، ونبوة أرضها وقداسة ترابها، – سواء بقصد أو بدون قصد، وسواءً تحت ذرائع نظريات حديثة، أو بحجج واهية مثل ضرورة إعادة قراءة وكتابة التاريخ- من يسئ إلى هذه القداسة أو يحاول إلغاء بعض ملامحها. وأقصد بذلك أنصار مدرسة جغرافيا التوراة، الذين سبق وأن فندت بعض الجوانب في نظرياتهم التي ما زالت تعوزها الأدلة الملموسة. ولابد من التذكير في البدء، إنني أبحث وأنقب وأكتب في تاريخ القدس وعراقتها وحضارتها وتراثها منذ عدة عقود، وهو ميراث ورثته عن والدي المؤرخ والباحث الموسوعي الفلسطيني الكبير الأستاذ فؤاد إبراهيم عباس تنيرة – يرحمه الله - ويعرف زملاء الدراسة إن أول محاضرة لي في هذا الموضوع كانت في شهر رمضان، عام 1969 في جامعة الإسكندرية – كلية الصيدلة، في ذكرى معركة الكرامة. وأول بحث لي حول عروبة فلسطين والقدس نشر في صحيفة "الشرق الأوسط"، خلال موسم الحج (عام 1981)، على أربع حلقات متتالية، كل حلقة احتلت صفحة من صفحات الجريدة. كما انني – وبلا فخر- أو باحث عربي وفلسطيني يتطرق إلى الآثار الفلسطينية في مقالاته وأبحاثه الموجودة في صالة

Ancient Palestine في المتحف البريطاني في لندن، كما أن مئات المقالات التي نشرت لي في الصحف السعودية عن القدس منذ بداية الثمانينيات، وكتابي ذاكرة القدس الصادر عام 2009، وكتابي عن الآثار الفلسطينية الصادر عام 2016، كل ذلك يجعلني فوق مستوى المزايدة. إن كل ما أريده هنا أن يجيب أنصار مدرسة جغرافيا التوراة على بعض تساؤلاتي وسأكون لهم من الشاكرين:

    هم ينفون بشكل قاطع المقولة التي يؤمن بها جموع المسلمين في العالم بأن فلسطين أرض الأنبياء؟..  فهل نظرياتهم الحديثة تعني أن اليمن أرض الأنبياء مرجحين بذلك على الافتراض أن أنبياء الله إبراهيم واسحاق ويعقوب والأسباط وداود وسليمان وزكريا ويحي وعيسى أقاموا كلهم في فلسطين، فيما انه لا يمكن – إفتراضيًا وبديهيًا- الفصل بين هذا التسلسل النبوي لا زمانيًا ولا مكانيًا.
    كيف يستنكرون على مخالفيهم الاستعانة بالتوراة في مراجعهم وهم يعتمدون بشكل أساس عليها وعلى معرفتهم – خاصة الربيعي- بأسرارها اللغوية؟
    لماذا ينكرون انهم لم يأتوا بجديد، وقد سبقهم إلى ما يروجونه من نظريات حول موطن التوراة الجغرافي يعود إلى كتاب الصليبي الصادر عام 1985؟
    لماذا هذا الكم من الكتب حول هذه النظرية المثيرة للجدل في هذا الوقت بالذات؟
    بعضهم يقول إن موطن التوراة هو عسير، والبعض الآخر يقول أنه شرق الجزيرة العربية، والبعض الثالث يقول إنه اليمن- ماذا يعني هذا الاختلاف في تحديد الموضع الجغرافي للتوراة؟
    هل يكفي وحده تسمية جغرافي عربي حديث نسبيًا للإشارة إلى أسماء يقولون أن أصلها عبري لأماكن في الجزيرة العربية على إثبات هذه النظرية؟
    ما هي الأدلة الآثارية على إدعاءاتهم؟
    هل يوجد من يؤيد نظريتهم من الباحثين الغربيين؟..
    هم ينفون رواية "المملكة الموحدة" من أساسها، وهم يقولون بالمناسبة إن ما ذكر عن ملك داود وسليمان في القرآن الكريم لا تؤيده الشواهد الآثارية على الأرض. فهل يمكننا – كمسلمين- إنكار ما جاء في القرآن الكريم لمجرد أنه لا توجد آثارًا تثبته؟.. يا له من منطق!؟..

10-السؤال الأخير: متى كان اليهود في فلسطين في رأيكم؟..وكيف دخلوها؟.. وهل المقصود من نظريتكم وجود حق لليهود في الجزيرة العربية واليمن؟.. وهل تعتقدون انه لو تمكنتم من إثبات نظريتكم بالعثور على هيكل سليمان في محلة "قدس" – وهي بالمناسبة بالفتحة- باليمن أن اليهود سيتركوا فلسطين ويذهبوا إلى اليمن؟..

هذه بعض الأسئلة وليست كلها. في المقابل أود أن أكرر ما سبق وأن ذكرته مرارًا في كتاباتي:

    من المعلوم أن القبائل التي هاجرت من شبه الجزيرة العربية في الألف الثالثة قبل الميلاد، هي التي صنعت حضارات سوريا وفلسطين ولبنان. وهناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن تلك القبائل كانت تحمل معها ميراثها الحضاري من خلال البيئة التي كانت تتواجد فيها قبل تلك الهجرات، ومن الطبيعي أيضًا أن تحمل معها أسماء الأماكن التي كانت تقطنها قبل الهجرة، ولذا فليس من الغرابة أن نجد مثيلاً لأسماء مدن أو قرى فلسطينية بأصولها العربية الكنعانية التي أخذها عنهم اليهود في النصوص التوراتية، في أجزاء من الجزيرة العربية.
    العرب البائدة (عاد وثمود...الخ)، لم تبد نهائيًا، بفعل الكوارث التي تعرضت لها، بل أن سلالات منها ظلت موجودة، وهي تلك السلالات التي خرجت من تلك المنطقة  في موجات الهجرات السامية المتلاحقة وحطت رحالها في أرض الرافدين والشام. ومنها العرب الكنعانيون الذين كانت هجرتهم في الألف الثالثة ق. م. فاتجه بعضهم إلى فلسطين، وهؤلاء هم اليبوسيون، فيما اتجه البعض الآخر إلى لبنان وهؤلاء هم الفينيقيون، ويعني ذلك أن الكنعانيين والفينيقيين هم من أصل واحد، وهم عرب أقحاح. وهذا الرأي يؤيده ود. أحمد سوسة، والعديد من الباحثين والمؤرخين.
    القرآن الكريم مرجع أساس ومهم في إثبات حقنا العقدي في فلسطين، حيث الوعد الإلهي لنا هو الأقوى، والأقدم والأرسخ. ولذا فإنه المرجعية الأساس في إثبات أحقيتنا – كعرب – في فلسطين. ليس فقط مقارنة بالوعد الإلهي لليهود، الذي انتزعه الله منهم  (ومنحه لعباده الصالحين)، بسبب معصيتهم، وقتلهم الأنبياء، وعبادتهم العجل...الخ،  "فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ، بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا " (النساء- 155)، وإنما أيضًا لأن وعد الله لنا الذي جاء في القرآن الكريم، أقوى وأحق – بطبيعة الحال- من وعد بلفور، ووعد ترامب بإعطاء من لا يملك لمن لا يستحق. ولنا أن نتساءل: لماذا لا يريد منا البعض الاستعانة بالقرآن الكريم في إثبات عروبة الأقصى والقدس وفلسطين، فيما أن اليهود يضعون التوراة مرجع أساس لهم في محاولة إثبات أحقيتهم بالقدس وفلسطين؟!.
    نحن نؤمن بأن القدس تتفرد بأنها المكان الوحيد في العالم المقدس من قبل المسلمين والنصارى واليهود، وهي مقدسة بالنسبة لليهود بسبب حائط البراق الذي يسمونه حائط المبكى، ونحن المسلمين لا نمنعهم من البكاء عنده، لكننا نعارض ادعائهم بملكيته استنادًا إلى كونه وقفًا إسلاميًا، واستنادًا إلى القرارات الدولية وآخرها قرارات اليونسكو الثلاثة الصادرة عام 2016.
    لا توجد ديانة يهودية أو يهود قبل سيدنا موسى عليه السلام (حوالى سنة 1400 ق.م)، ولم يوجد يهود في فلسطين قبل عام 1200 ق. م، ولم يوجد يهود في اليمن قبل عام 1000 ق.م . عندما اعتنقت بلقيس وشعبها اليهودية زمن سيدنا سليمان عليه السلام. هذه حقائق دامغة لا تقبل الجدال.
    سيدنا موسى الذي نزلت عليه التوراة (اللوائح)، لم يولد ولم يعش ولم يمت في فلسطين، وعاش حياته كلها في مصر ومدين. واليهود لم يكن لهم وطن خاص بهم عبر التاريخ، وإقامتهم في فلسطين لبعض الوقت، لا تختلف عن إقامتهم في مصر أو اليمن أو العراق، أو الجزيرة العربية.
    نحن نؤمن – كمسلمين- بأن أنبياء الله إبراهيم وإسحاق ويعقوب والأسباط وداود وسليمان عليهم السلام، كانوا جميعهم مسلمين، دعوا للإسلام وماتوا مسلمين، ونحن أحق بداود وسليمان وموسى من اليهود، ونحن نؤمن أيضًا بأن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام صلى بأنبياء الله جميعا عند موضع المسجد الأقصى قبل أن يعرج إلى السموات العلا، كما ورد في الحديث الشريف، فكان ذلك "فتحًا لفلسطين والقدس قبل أن تفتحها الجيوش الإسلامية، وكان أيضًا بمثابة البيعة بأنه صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين".. وهذا إثبات أيضًا أن أنبياء الله كانوا مسلمين، وإنهم اجتمعوا كلهم على أرض فلسطين في تلك الليلة المباركة في صلاة جامعة يؤمها خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، أي أن فلسطين – شاء البعض أو أبى- أرض الأنبياء.
    نحن نؤمن – كمسلمين – بالتوراة، لقوله تعالى: "آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ، كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ،" وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ " البقرة (285). ونؤمن بأن اليهود حرفوا في التوراة، لقوله تعالى: " وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ ، وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا (45) مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ، وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46– النساء). وعندما يتوافق كلام التوراة مع ما جاء في القرآن الكريم، كما في الكثير مما ذكر في التوراة عن أنبياء الله موسى وداود وسليمان عليهم السلام، أو عندما تأتي التوراة بشواهد تثبت الحق العربي في فلسطين، فإننا لا نتردد في إظهار هذه الشواهد والاستعانة بها.
    ونحن نؤمن أيضًا أن هيكل سليمان كان مسجدًا، لكنه لم يكن في موضع المسجد الأقصى، لأن الحفريات التي حفرها الصهاينة تحته وبجواره منذ حرب 67، لم تثبت حتى الآن وجود أي أثر لادعاءاتهم بأن الهيكل يقع تحت أساسات الأقصى أو بالقرب منه، وكل ما أمكن العثور عليه حتى الآن هيكل مسرح روماني تم اكتشافه أثناء أعمال الحفر تحت قوس ويلسون في البلدة القديمة وفق ما جاء في صحيفة هآرتس في 16 أكتوبر 2017. ولا توجد أيضًا أي شواهد أو دلائل آثارية تؤكد على أن الهيكل كان في اليمن أو الجزيرة العربية.

    10- حيث أن سيدنا عيسى عليه السلام ولد وعاش في فلسطين (بيت لحم والقدس والناصرة)، وحيث انه من بني إسرائيل، فإنه يكون حسب نظريتهم هاجر هو أو أمه أو أهلها أو أجدادها الحديثين نسبيًا من اليمن إلى فلسطين، وحيث لم تعرف في التاريخ هجرة من الجزيرة العربية أو شتات لليهود من فلسطين قبل عامي 70 و135م.

وأخيرًا، نحن نؤمن أيضًا  بأن رسالة التوحيد الأولى نزلت على سيدنا إبراهيم في أور بالعراق التي هاجر منها حاران، ثم إلى أرض كنعان فارًا بدينه من الطاغية (النمرود)، مثلما فعل ذلك النبي موسى (عليه السلام) بعد نحو خمسمائة عام عندما فر بدينه وقومه من بطش فرعون مصر متجهًا أيضًا إلى أرض كنعان (وما يحمله ذلك من مغزى ودلالة)، وأن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ولد في بيت لحم في فلسطين، وأن القدس التي نعرفها الآن هي يبوس، وهي أيضًا أورشليم، ويوروشالايم (وكلاهما اسميين كنعانيين)، وقدش، وإيليا كابيتيولينا، وإيلياء، وبيت المقدس (إلى جانب عشرات الأسماء الأخرى التي عرفت بها عبر أطوار التاريخ للدلالة على المكان نفسه). فالقدس ليس لها اسم واحد.  والقدس هي أيضًا مسرى رسول الله عليه الصلاة والسلام ومعراجه إلى السموات العلا. ونؤمن أيضًا بأن الأقصى وكنيسة القيامة تشهدان على قدسيتها، وأن الآثار القديمة في القدس بدءًا من أسوار اليبوسيين وحتى الآثار العثمانية مرورًا بالآثار الرومانية والفارسية والمسيحية والفاطمية والصليبية والمملوكية والعثمانية  كلها تثبت أن أرض فلسطين هي المسرح الذي جرى على أرضيته أكبر نزاع على الأرض في تاريخ البشرية بسبب هذه القداسة وبسبب موقعها الهام الذي تحتله وسط العالم.. كما أن بعض الآثار اليهودية التي اكتشفت،  والتي لا تكاد تعد على أصابع اليد الواحدة – مثل مخطوطات البحر الميت – لا تعني أن فلسطين يهودية، فقد اكتشفت في فلسطين مئات الآثار التي تنتمي لعهود فرعونية، ورومانية، وهيلينية، وفارسية، وصليبية وغيرها.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف