الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

طريق المجد الشائك ترجمة : حماد صبح

تاريخ النشر : 2018-01-17
طريق المجد الشائك ترجمة : حماد صبح 
قصة الإنسان الذي يضع الصُوى على طريق المجد الشائك قصة قديمة جديدة . إنها قصة الإنسان الذي يرتقي إلى عليا المنازل بعد حياة مديدة ، وبعد جهاد مضن في جِلاد الصعاب . إنه الإنسان الذي نكتشف عقب قراءة قصته انه لم يفكر في جهاده ، ولا صعابه التي لا تعد . وقصته وثيقة القربى من الواقع ، وما انفك لها تجليها المتناغم على الأرض ، في حين أن الواقع غالبا ما يشير إلى ما وراء حدود الحياة ، إلى ربوع الأبدية . تاريخ العالم يشبه سراجا يعرض إلينا في صور واضحة على أرض الواقع المظلمة كيف هام محسنو البشرية وشهداء العبقرية على طريق المجد الشائك . وتعرض تلك الصور نفسها إلينا من مختلف الأحقاب ومن مختلف الأقطار ، وكل صورة منها تَظهر لحظات معدودة إلا أن كل واحدة منها تجسد حياة كاملة ، وأحيانا عصرا كاملا بصراعاته وظفراته . فلنتأمل هنا وهناك إحدى جماعات أولئك الشهداء ، لنتأمل الجماعة التي ستظل تستقبل أعضاء جددا حتى يزول هذا العالم . ننظر إلى مدرج مسرح مزدحم ، فنرى جداول هجاء وفكاهة تتدفق على جمهور المشاهدين من مسرحية " السحب " لأريستوفانيس ، ونرى سقراط ، أشهر رجل في أثينا ، والذي كان درع الدفاع عن الشعب في مواجهة الطغاة الثلاثين ، والذي أنقذ ألسيبياديس وكسينوفون في ساحة الوغى ؛ نراه واقفا عقلا وبدنا ليهزأ بالطغاة . هو سقراط الذي سمت عبقريته فوق " آلهة " الأقدمين . سقراط هذا حاضر ماثل أمامنا ، انبعث من مقعد المشاهدين ، وتقدم للأمام ليقدر الجمهور الأثيني الضاحك تقديرا صحيحا الشبهَ بينه وبين الصورة الهزلية فوق خشبة المسرح . إنه يقف أمامهم على الخشبة ، أعلى منهم كلهم . " إيه يا شجرة الشوكران الخضراء ، يا ذات العصير السام ، اطرحي ظلك فوق أثينا ! ولا أطلب هذا منك يا زيتونة الشهرة " . سبع مدن تنازعت ولادة الشاعر هومر فيها ، ومعنى هذا أنها تنازعت موته أيضا . فلننظر إليه في حياته ! ها هو يجوب تلك المدن على قدميه ، وينشد فيها أشعاره للحياة ، وها هو تفكره في المستقبل يشيب شعره . إنه ، وهو المستبصر الكبير ، ضرير ، يتابع سيره متألما ، والشوك الحاد الأطراف يقطع معطف ملك الشعراء ، بيد أن غناءه ما فتىء يحيا فينا ، وفي ذلك الغناء وحده ما فتىء أبطال الماضي و " آلهته " يحيون . وتنبعث الصور واحدة إثر الأخرى من الشرق ومن الغرب متباعدة زمانا ومكانا إلا أن كل صورة منها ، رغم هذا التباعد ، تؤلف جزءا من طريق المجد الشائك الذي يعطي شوكه زهرة لتزين ضريح كل عظيم سار عليه . ونرى صورة قافلة إبل تسير في ظلال النخيل موقرة بأحمالها من صبغ النيلة الأزرق وسواه من الكنوز النفيسة التي أرسلها حاكم البلاد لمن تبهج أغانيه الشعب ، وتجلب الشهرة للبلاد ، فقد اهتدوا إلى من نفاه الحسد والتزوير منها ، وها هي قافلة الإبل تقترب من المدينة الصغيرة التي أوى إليها ، وها هو جثمان مبتئس يخرج محمولا من باب تلك المدينة ، فيوقف موكب جنازته القافلة . الميت هو الفردوسي الذي كانوا أرسلوه للبحث ، فهام على طريق المجد الشائك حتى النهاية . يجلس الأفريقي الأسود ، المتنافر القسمات ، الغليظ الشفتين ، الكث الشعر وأجعده ، فوق الدرجات الرخامية للقصر الملكي في عاصمة البرتقال ، ويتسول . إنه العبد الخاضع لشاعر البرتغال كامبونز ، ولكن بفضل هذا العبد ، وبفضل قطع النحاس النقدية التي كان ينفحه بها المارة ، سيموت سيده الشاعر ، صاحب ملحمة " اللسيادة " جوعا . والآن ، لقبر كامبونز نصب غالي الثمن يميزه . وهنا صورة جديدة : يظهر وراء الباب الحديدي المقضب رجل في شحوب الموتى ، طويل اللحية مهملها ، ويقول : اكتشفت اكتشافا هو الأعظم لقرون ، وسجنوني هنا أكثر من عشرين عاما ! . 
من هذا الرجل ؟! 
يجيب حارس بيت المجانين : مجنون ! عجبا لما في أفكار هؤلاء المجانين من نزوات ! يحسبنا يمكن أن نحرك شيئا بالبخار ! 
"المجنون" هو سليمان دو كير مكتشف قوة البخار ، الذي تم التعبير عن نظريته بكلمات مبهمة استغلقت على فهم الكاردينال ريشليو وزير لويس الثالث عشر، ومات في بيت المجانين . وهذه صورة يقف فيها كولومبوس الذي ألف صبيان الشوارع يوما أن يتقفوه هازئين ؛ لأنه رغب في اكتشاف عالم جديد ، واكتشف هذا العالم ، وها هي هتافات الفرح تحييه من كل القلوب ، وقرع الأجراس يسمع احتفالا برجعته الظافرة بعد الاكتشاف إلا أن قرع أجراس الحسد ما لبث أن أغرق قرع أجراس الاحتفال ! فالمكتشف الذي رفع الأرض الأميركية الذهبية من البحر ، وقدمها إلى مليكه يجازى الآن بسلاسل الحديد ، ويود أن توضع هذه السلاسل في كفنه شاهدا للعالم على الأسلوب الذي يعامل به معاصرو الإنسان الخدمات الجلى التي أسداها إليهم . وتتابع الصور متزاحمة حتى يفيض بها طريق المجد والشهرة الوعر الشائك . في هذه الصورة يجلس في ظلمة الليل المغسي الرجلُ الذي قاس جبال القمر ، الرجل الذي مخر طريقه في فضاء لانهائي بين النجوم والكواكب . هو جاليليو العملاق الذي اكتنه روح الطبيعة ، وشعر بحركة الأرض أسفل قدميه . يجلس أعمى أصم ، شيخا اخترق صدره سهم الوجع والمعاناة ، يجلس بين عذابات الإهمال له واللامبالاة به ،أعجز ما يكون عن رفع قدمه التي وطىء بها الأرض ، موجع الروح حين أنكر الناس الحقيقة التي اكتشفها ، ويهتف : ومع ذلك ، الأرض تتحرك .
وهذه صورة امرأة لها عقل طفل إلا إنها مفعمة بالإيمان والإلهام . إنها تحمل الراية في طليعة الجيش المحارب ، فتأتي بالنصر والإنقاذ لوطنها ، وها هي الهتافات تعلو ، واللهب يتضرم ! إنهم يحرقون الساحرة جان دارك ! أجل ، وسيهزأ قرن تالٍ من " السوسنة " البيضاء" ، وسيكتب فولتير ساطير العقل الإنساني ( أحد آلهة الغابات في الأساطير الإغريقية ) قصة " الصبية " ، وفي الثنج أو الجمعية في بلدة فايبورج ، يحرق نبلاء الدنمارك قوانين الملك ، فيعلو لهبها وينير ذلك الزمن وينير الملك صاحب تلك القوانين ، ويطرح مجدا في برج السجن المظلم الذي يزيد فيه ملكٌ شيخ شيبا وانحناءة ظهر ، نراه يرسم بإصبعه غابة في منضدة حجرية . الجالس في السجن هو ملك الشعب الذي كان يحكم في الأمس ثلاث ممالك . إنه صديق المواطن والفلاح ، إنه مسيح ثانٍ . الأعداء كتبوا تاريخه . فلنذكر الإصلاحات التي أحدثها في سبعة وعشرين عاما من حكمه عن عجزنا عن نسيان " جرمه " ! وهذه صورة سفينة تبحر متقاصية عن سواحل الدنمارك ، ويتكىء رجل على صاريها ليطرح نظرة الوداع الأخيرة على جزيرة هويين . الرجل هو تايكو براهي الذي أصعد اسم الدنمارك حتى النجوم ، وجوزي بالضرب المبرح المجرح والخسار والأسى ، وهو الآن مرتحل إلى بلد غريب ، ويقول : زرقة السماء فوقي أينما وليت وجهي ، ماذا أريد أكثر من هذا ؟ّ!
ويتقاصى الفلكي الدنماركي النابه ليحيا حرا مكرما في بلاد غريبة ، وتصعد تنهدة مع الزمن تدق أسماعنا : " دائما حر ولو من أوجاع الجسد التي لا تحتمل " ، فيا لها صورته من صورة ! إنها صورة جريفنفلدت ، برومثيوس الدنماركي موثقا بجزيرة مونكولم الصخرية . ونحن الآن في أميركا على ضفة أعظم الأنهار ، وجمهور لا عد له يحتشد على الضفة ؛ إذ أشيع أن سفينة ستبحر في النهر في مواجهة الريح وسوء الجو تحديا لعناصر الطبيعة . والرجل الذي يحسب نفسه قادرا على حل مشكلة الإبحار المتحدي اسمه روبرت فولتون . وتبدأ السفينة رحلتها ، وفجأة تتوقف ! ويبدأ الجمهور في الضحك والصفير والفحيح ، حتى والد الرجل يصفر مع الصافرين ، ويصيح مع الصائحين : نصب ! حماقة ! نال ما يستحق ! سكروا الباب على المعتوه المختبل ! 
وفجأة ينكسر مسمار صغير في السفينة ، فيتوقف المحرك لحظة ، ثم تدور عجلاته من جديد ، وتقهر الطوافات قوة الماء ، وتتابع السفينة مسارها ، ويختصر محرك البخار المسافة بين البلاد المتباعدة جاعلا الساعات دقائق . " أيها البشر ! أتعجزون عن الإمساك بسعادة الوعي تلك ؟! بهذا الاختراق الذي يقوم به للروح ، بتلك اللحظة التي يتحول فيها كل اكتئاب وكل جرح ، حتى ذلك الذي يحدثه الإنسان بخطئه ؛ إلى صحة وقوة وصحو ، حيث يصير الخلاف انسجاما ، اللحظة التي يبدو فيها البشر قد أدركوا تجلي نعمة الله _ سبحانه _ عليهم في شخص منهم ، وكيف أن هذا الشخص الواحد يوزع تلك النعمة عليهم كلهم . " . وهكذا يتجلى جلال طريق المجد الشائك الوعر وقد كنف الأرض بأشعته . كل من اصطفي للسير على هذا الطريق له أن يسعد ثلاثا ، وهو دون جدارة ذاتية منه ، بين باني الجسر والأرض ، بين الله _ جل قدره _ والبشر . إن روح التاريخ تسري في عباب العصور بجناحين ضخمين ، وتبدي ، واهبة الشجاعة والسلوى ، ومنهضة لطائف الخواطر ؛ على الخلفية المظلمة ، ولكن في صور مضيئة مبهجة ؛ تبدي طريق المجد الشائك الذي لا ينتهي انتهاء حكايات الجن الخيالية بالبريق والفرح على هذه الأرض ، وإنما يترامى وراء الزمن حتى الأبد .
*الكاتب الدنماركي هانز أندرسن ( 1805 _ 1875) .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف